فقط توقفّها يؤكد أن لا بديل عن الحل ... «الكبير والمتشعّب»
«فورة» البورصة تحدّد مصير «شراء الأصول»
صعود السوق ستار للعيوب (تصوير طارق عز الدين)
|
كتب عبادة أحمد |
أبقى وزير المالية نايف الحجرف الباب موارباً أمام إمكانية المضي في مقترح «شراء الأصول»، لكن أوساطاً اقتصادياً مطلّعة رأت في تصريح الوزير الأربعاء الماضي تعبيراً عن مدى تباين الآراء حول المقترحات في هذا الشأن، التي عرضها الفريق الاقتصادي الحكومي على البنوك.
قال الحجرف بعد لقاء الفريق الحكومي مع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، إن «شراء الأصول» موضوع «كبير ومتشعب»، وإذا اتُّخذ قرارٌ في هذا الشأن «فسيكون وفق المعايير الواضحة التي تضعها الهيئة العامة للاستثمار».
بدا الأمر وكأنه «ربط نزاع» لتحييد نقطة شائكة من النقاش، والانصراف إلى ما يمكن المضي به قدماً من مشاريع وآليات أخرى للمعالجة، لعله يتم إنضاج تصورات أفضل لصندوق شراء الأصول، أو تكونَ المعالجات الأخرى قد نجحت إلى حدٍ يُغني عن هذه المتاهة.
وكما بات معلوماً، جرى البحث في الكواليس، في نوعين من «شراء الأصول» يمكن أن يقوم بهما «صندوق الاستثمار الوطني» المقترح تأسيسه، ويبدو أن كليهما لا يحظيان بتشجيع بعض البنوك، وهما:
- الشراء باتجاه واحد، بمعنى أن يتم شراء الأصل وسداد ثمنه بالقيمة العادلة، على أن يستغل الصندوق الأصل، سواء كان برجاً أو مصلحة مدرّة للدخل، ليتخارج في مدى بضع سنوات، تماماً كما تفعل صناديق الملكيّة الخاصة. ولهذا السبب، ضمّن الفريق الحكومي مقترحه ضرورة أن يكون للصندوق رخصة ممارسة النشاط المصرفي الاستثماري.
- تسنيد الأصل، بحيث يصدّر الصندوق مقابل الأصل سندات أذنية قابلة للرهن لدى البنوك، لأجل يمتد حتى خمس سنوات وبعائد معيّن، يعود بعدها الأصل إلى الشركة بالسعر نفسه، اختياراً من الشركة، أو ربما إجباراً لها في حال انخفض الأصل دون سعر الشراء، لئلّا تسجّل خسارة على الصندوق. ويكمن الجمع بين طريقتي الدفع السالفتين.
في الحالين يتم تمويل الشراء من رأس المال وموارد الاقتراض التي يصل سقفها إلى 1.5 مليار دينار كويتي. وتلتزم البنوك بأن تستخدم 50 في المئة من الأموال التي تتسلمها من الشركات المستفيدة من الصندوق، لإعادة تمويل الصندوق، إما عن طريق مساهمات وإما عن طريق قروض.
اعتراضات البنوك
أسباب اعتراض البنوك على هذا المقترح كثيرة، منها ما هو معلن ومنها ما يرد على سبيل التكهن والتحليل، وهنا بعضها:
1 - كيف سيتم التسعير؟ هل بالقيمة العادلة أم بسعر التكلفة؟ إن يكن بالقيمة العادلة فستجد من يقول ما الحاجة إلى صندوقكم! بإمكاننا البيع في السوق.
ومعلوم أن القيمة العادلة للكثير من الأصول التي قد تكون في مدار الشراء تقل كثيراً عن سعر التكلفة، وهذا من صلب المشكلة. ومعنى أن تبيع بأسعار اليوم أن تسجّل الشركات المالكة للأصول خسائر غير محققة في دفاترها إلى خسائر محققة، ما قد يكون آخر ما ترغب به الشركات.
2 - كيف يتم اختيار الأصول المرشحة للشراء من قبل الصندوق الموعود؟ وكيف بالإمكان حمايته من لوثة الانحياز أو المحاباة، واقعاً أو اتهاماً؟ وتلك هي تجربة المحفظة العقارية المليارية غير بعيدة...
3 - تبقى عمليات التقييم مسألة إشكالية، خصوصاً في عمليات البيع الكامل (من دون حق إعادة الشراء). فماذا لو لم تقتنع الشركة بالتقييم؟ هل تصبح خارج دائرة الإنقاذ؟ وماذا عن شعورها بالغبن في حال لم تحسنت أسعار الأصول خلال فترة وجيزة؟
4 - ثمة إشكالية محاسبية في فكرة الشراء بسندات الريبو. فهذا النوع من العمليات لا يُخرج الأصول المباعة من الميزانية، وربما يحتاج الأمر إلى ترتيب محاسبي معيّن قد لا يخلو من التعقيدات.
5 - صحيح أن بعض الشركات تجاهد لبيع أصول للوفاء بالتزاماتها، لكن هناك في المقابل شركات كثيرة أقل تعثّراً لا ترى صالحها في التخلي عن أصولها التي تدر عليها التدفقات النقدية. وهذه لن يكون أمامها إلا تسنيد أصولها، كما لو أنها تقترض مجدداً بضمان الأًصل، ما يتطلب مراعاة اعتبارات تتعلق بمعدل العائد (الفائدة).
6 - إصدار سندات أذنية ثم رهنها للبنوك يشكل تعقيداً إضافية في المشتقات المالية قد لا يكون الوقت مناسباً له، خصوصاً وأن مثل هذه المشتقات تسببت بمشكلات معقدة في الدول المتقدمة، وربما لا يكون السوق الكويتي ناضخاً بما يكفي لاستيعابها.
لكلّ الأسباب السالفة الذكر، ولأسباب أخرى غير فنيّة ربما تستمر بعض البنوك في معارضة شراء الأصول حتى النهاية، ولو أن بنوكاً أخرى قد تجد مصلحتها في شراء الأصول أكثر من دعم الأسهم.
مصير المقترح
أحد المطّلعين على تفاصيل مناقشات الفريق الحكومي لا يزال يعتقد أن «لا حل للأزمة من دون صندوق لشراء الأصول»، وينبه إلى أن ارتفاع السوق قد يوفّر حلاً موقتاً، لكن تجارب السنوات الأربع الماضية تظهر كيف أن السوق كان يصل في الارتفاع إلى حد معين يصطدم به ثم يعود إلى مستويات أدنى من القاع السابق، «وقد كان ذلك كلّه في وجود المحفظة الوطنية».
مسؤول مصرفي لديه جواب على ذلك. يقول إن فشل السوق في التعافي كانت له أسبابه الموضوعية، لعل أهمها عدم انطلاق المشاريع التنموية وسلبيّة نشاط المحفظة الوطنية والمحفظة العقارية المليارية، فضلاً عن الخلافات السياسية بين الحكومات المتعاقبة والنواب. وهذه المعوّقات كانت وراء تردي أسعار الأصول، ومنها الأسهم.
يخلص المسؤول المصرفي من ذلك إلى أن دعم البورصة يمكن أن يكون المفتاح لمعالجة الوضع الاقتصادي، بشرط أن يكون ذلك ملازماً لسلّة الحلول الاقتصادية التي يجري الحديث عنها، وبالذات إطلاق المشاريع الكبرى التي يمكن أن توفّر دخلاً تشغيلياً للقطاع الخاص.
قد يكون ذلك كافياً لتوقّع ألّا يمر مقترح «شراء الأصول»، أقله في المرحلة الراهنة، لأن إقراره غير ممكن عملياً وقانونياً من دون موافقة البنوك، وبالذات البنوك الكبرى، لكن بعض المطّلعين يرون أن الأمر يتوقّف على مدى نجاعة المعالجات الأخرى، فإن استمر انتعاش البورصة لأشهر مقبلة وانطلقت بعض المشاريع الكبرى بالفعل وتحسّن مناخ الثقة، سيكون «شراء الأصول» قد طواه الزمن، أما إذا تجدد تعثر البورصة فإن ذلك سيكون دليلاً مؤكداً لكلام من يعتقدون أن لا حل بديلاً عن شراء الأصول.