Q8-Fund.Manager
عضو نشط
رأي || الاقتصادية ـ د. محمد آل عباس 21/01/2012
عادت أسعار الأسمنت للارتفاع (وهي ارتفاعات تفاجئ متخذي القرار دائما ولا أعرف لماذا تبدو مفاجأة بينما المجتمع يتوقعها كل عام!)، على خلفية هذا الارتفاع وردة الفعل الرسمية عليها كتبت هنا ومنذ مدة مقالا عن متاهات الاقتصاد السعودي، وقلت عنها متاهات لأن لكل وزارة طريقة في معالجة الأزمة التي تواجهها حتى لو تعارضت تلك المعالجة مع طريقة وزارة أخرى، وكنتيجة قلت إننا لا نعرف بالضبط ما توجه الاقتصاد السعودي وما النظرية الاقتصادية التي تفسره والتي على أساسها نتخذ القرار.
الاقتصاد آلة صماء خطرة، والبشرية لم تزل تعرف القليل عنها، لقد تسبب التلاعب غير الحريص بهذه الآلة في أزمات مالية خطيرة وأدى التهور وعدم الاتزان إلى حروب طاحنة، ومع ذلك لا يزال البعض لدينا يرى مناقشة تشخيص وتحديد الوجهة الاقتصادية على أنه تنظير علمي من الترف العلمي للشعوب. وما زالت الدول العربية تتعامل مع الأمر برعونة مفرطة، فهذا يعلن صراحة أن اقتصاد بلاده يعتمد منهج اقتصاد السوق الرأسمالية الحرة لمجرد أن لديه سوقا مالية وشركات مساهمة، متجاهلا عن عمد (أو من دون علم) الآثار السياسية لهذا التوجه، فتجد العملية الاستثمارية مملوءة بالقيود ودخول الأسواق محفوفة بالعوائق، ما يدفع برؤوس الأموال نحو مجالات محددة مرسومة من قبل سياسيين أو رجال أعمال أصبحوا سياسيين، في المقابل تجد مؤسسات المجتمع (الحر افتراضا) معطلة أو مقيدة بشدة وتعمل تحت إطار محدد وفق أيديولوجية سياسية مرسومة. والبعض الآخر يردد أن الاقتصاد موجه يعتمد منهج السوق الحرة، ومرة أخرى تبدو تلك التصريحات غير مفهومة، أو قل إن القرارات التي تصدر لتوجيه المسار الاقتصادي لا تتلاءم مع تلك التصريحات، فتجد التركيبة السياسية للدولة لا تدعم مثل هذا الاتجاه الاقتصادي، كما أن التوجهات الاقتصادية المعلنة (المزعومة) غير تلك التي تسير بها السوق المالية فعلا، والقطاع البنكي يقرض كيفما يشاء وقتما يشاء بلا ضوابط واضحة وموجهة، وتبدو الوزارات كما يقول شاعر الأطلال ''وإذا الأحباب كل في طريق''. وتفاجئك دول عربية تضع كلمة الاشتراكية لا لشيء إلى لمجرد تشريع الدكتاتورية تحت مظلة الفكر الاقتصادي بينما الاقتصاد معطل فعليا. أخطاء خطيرة في فهم الاقتصاد وآلياته وعلاقته بالنظام السياسي وفعل الشعوب. أخطاء أدت إلى عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية، بل معظم الدول الإسلامية لعقود، فلا تنتهي ثورة حتى تعود إليها، ولا ينتهي انقلاب حتى نسمع بآخر.
وإذا كانت مشكلة التوجه الاقتصادي على مستوى النظرية قضية تحتاج إلى حسم ووضوح حتى يتم تحديد التوجهات السياسية والإدارية لدعم كل ذلك وما يترتب عليها من تشريعات وقوانين، بل حتى اختيار الكفاءات التي ستعمل لتحقيق تلك التوجهات، فإن قضية القاعدة الأساسية التي يعمل عليها الاقتصاد قضية يجب أن تكون واضحة جدا، فهل نحن اقتصاد صناعي، أم خدمي، أم زراعي، أم خليط تناسبي بين كل منها وكم نسبة هذا إلى ذاك؟ لقد ناقش أصحاب الرأي الاقتصادي – هنا في ''الاقتصادية'' وفي غيرها – خلال الأسابيع الماضية وجهة نظرهم عن ميزانية الدولة، ودائما يبرز السؤال عن أسلوب وطريقة التقدير والتخصيص طالما أننا لا نعرف على أي اقتصاد نرتكز وإلى أين نتجه. لقد اكتفينا لسنوات من مجرد استخراج النفط وتوزيعه على المواطنين على شكل رواتب في مقابل عمل غير إنتاجي صغير، أو مبالغ ضخمة في عقود مقاولات لبنية أساسية ينتج عنها تكدس الثروة في يد رجال الأعمال، بينما يجادلون في قضية تشغيل العامل السعودي براتب مجز تدفع الدولة نصفه الآخر، تدفق هائل للثروة لم يجد قنوات اقتصادية حقيقية ليصبح قيمة قطيع من الإبل بقيمة مصنع في اليابان ينتج السيارات التي تجري وراء القطيع وقد دفعت قيمتها من ثرواتنا النفطية. ثروة ضخمة أخطأت طريقها لتعطي مالك إبل وقد أصبحت قيمتها أكثر من 100 مليون ريال الحق في نقد وزارة العمل - وكان متكئا فجلس - وقال السعودة ليست قضيتنا بل قضية الشركات، ولا أعرف عن أي شركات كان يتحدث.
وفي ظل حديث متقدم جدا عن اقتصاد المعرفة تقوده جامعاتنا العريقة، ومنها جامعة الملك سعود، فإن تحديد القاعدة الاقتصادية الأساسية التي سيعمل عليها الاقتصاد السعودي ضرورة ملحة، فيجب توجيه المعرفة الاقتصادية لخلق القيمة الجديدة وفقا لما نريد أن يرتكز عليه اقتصادنا في القرن الحالي (سواء كان صناعيا أو خدميا أو زراعيا ــ أو خليطا بينها كالصناعة الزراعية). فتجربة ''نوكيا'' دلالة واضحة على ما يقود إليه الوضوح الاقتصادي من توجيه سليم للثروة والبحث وصناعة المعرفة لخلق كيانات اقتصادية خلاقة. فقد كانت شركة نوكيا، وهي شركة عالمية فنلندية رائدة في قطاع الاتصالات المتحركة، مجرد شركة متخصصة في الأخشاب والأحذية المطاطية، وفي عام 1992 دخلت ''نوكيا'' إلى عالم صناعة المعرفة في مجال الهواتف الجوالة وتمكنت من خلق 40 ألف وظيفة، وفي عام 2006 وصلت مبيعات ''نوكيا'' إلى نحو 53 مليار دولار، بينما ميزانية الحكومة المركزية الفنلندية بلغت 39.6 مليار دولار. وأصبحت ''نوكيا'' من أكبر شركات التوظيف في فنلندا وربما العالم.
الاقتصاد السعودي .. إلى أين؟
عادت أسعار الأسمنت للارتفاع (وهي ارتفاعات تفاجئ متخذي القرار دائما ولا أعرف لماذا تبدو مفاجأة بينما المجتمع يتوقعها كل عام!)، على خلفية هذا الارتفاع وردة الفعل الرسمية عليها كتبت هنا ومنذ مدة مقالا عن متاهات الاقتصاد السعودي، وقلت عنها متاهات لأن لكل وزارة طريقة في معالجة الأزمة التي تواجهها حتى لو تعارضت تلك المعالجة مع طريقة وزارة أخرى، وكنتيجة قلت إننا لا نعرف بالضبط ما توجه الاقتصاد السعودي وما النظرية الاقتصادية التي تفسره والتي على أساسها نتخذ القرار.
الاقتصاد آلة صماء خطرة، والبشرية لم تزل تعرف القليل عنها، لقد تسبب التلاعب غير الحريص بهذه الآلة في أزمات مالية خطيرة وأدى التهور وعدم الاتزان إلى حروب طاحنة، ومع ذلك لا يزال البعض لدينا يرى مناقشة تشخيص وتحديد الوجهة الاقتصادية على أنه تنظير علمي من الترف العلمي للشعوب. وما زالت الدول العربية تتعامل مع الأمر برعونة مفرطة، فهذا يعلن صراحة أن اقتصاد بلاده يعتمد منهج اقتصاد السوق الرأسمالية الحرة لمجرد أن لديه سوقا مالية وشركات مساهمة، متجاهلا عن عمد (أو من دون علم) الآثار السياسية لهذا التوجه، فتجد العملية الاستثمارية مملوءة بالقيود ودخول الأسواق محفوفة بالعوائق، ما يدفع برؤوس الأموال نحو مجالات محددة مرسومة من قبل سياسيين أو رجال أعمال أصبحوا سياسيين، في المقابل تجد مؤسسات المجتمع (الحر افتراضا) معطلة أو مقيدة بشدة وتعمل تحت إطار محدد وفق أيديولوجية سياسية مرسومة. والبعض الآخر يردد أن الاقتصاد موجه يعتمد منهج السوق الحرة، ومرة أخرى تبدو تلك التصريحات غير مفهومة، أو قل إن القرارات التي تصدر لتوجيه المسار الاقتصادي لا تتلاءم مع تلك التصريحات، فتجد التركيبة السياسية للدولة لا تدعم مثل هذا الاتجاه الاقتصادي، كما أن التوجهات الاقتصادية المعلنة (المزعومة) غير تلك التي تسير بها السوق المالية فعلا، والقطاع البنكي يقرض كيفما يشاء وقتما يشاء بلا ضوابط واضحة وموجهة، وتبدو الوزارات كما يقول شاعر الأطلال ''وإذا الأحباب كل في طريق''. وتفاجئك دول عربية تضع كلمة الاشتراكية لا لشيء إلى لمجرد تشريع الدكتاتورية تحت مظلة الفكر الاقتصادي بينما الاقتصاد معطل فعليا. أخطاء خطيرة في فهم الاقتصاد وآلياته وعلاقته بالنظام السياسي وفعل الشعوب. أخطاء أدت إلى عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول العربية، بل معظم الدول الإسلامية لعقود، فلا تنتهي ثورة حتى تعود إليها، ولا ينتهي انقلاب حتى نسمع بآخر.
وإذا كانت مشكلة التوجه الاقتصادي على مستوى النظرية قضية تحتاج إلى حسم ووضوح حتى يتم تحديد التوجهات السياسية والإدارية لدعم كل ذلك وما يترتب عليها من تشريعات وقوانين، بل حتى اختيار الكفاءات التي ستعمل لتحقيق تلك التوجهات، فإن قضية القاعدة الأساسية التي يعمل عليها الاقتصاد قضية يجب أن تكون واضحة جدا، فهل نحن اقتصاد صناعي، أم خدمي، أم زراعي، أم خليط تناسبي بين كل منها وكم نسبة هذا إلى ذاك؟ لقد ناقش أصحاب الرأي الاقتصادي – هنا في ''الاقتصادية'' وفي غيرها – خلال الأسابيع الماضية وجهة نظرهم عن ميزانية الدولة، ودائما يبرز السؤال عن أسلوب وطريقة التقدير والتخصيص طالما أننا لا نعرف على أي اقتصاد نرتكز وإلى أين نتجه. لقد اكتفينا لسنوات من مجرد استخراج النفط وتوزيعه على المواطنين على شكل رواتب في مقابل عمل غير إنتاجي صغير، أو مبالغ ضخمة في عقود مقاولات لبنية أساسية ينتج عنها تكدس الثروة في يد رجال الأعمال، بينما يجادلون في قضية تشغيل العامل السعودي براتب مجز تدفع الدولة نصفه الآخر، تدفق هائل للثروة لم يجد قنوات اقتصادية حقيقية ليصبح قيمة قطيع من الإبل بقيمة مصنع في اليابان ينتج السيارات التي تجري وراء القطيع وقد دفعت قيمتها من ثرواتنا النفطية. ثروة ضخمة أخطأت طريقها لتعطي مالك إبل وقد أصبحت قيمتها أكثر من 100 مليون ريال الحق في نقد وزارة العمل - وكان متكئا فجلس - وقال السعودة ليست قضيتنا بل قضية الشركات، ولا أعرف عن أي شركات كان يتحدث.
وفي ظل حديث متقدم جدا عن اقتصاد المعرفة تقوده جامعاتنا العريقة، ومنها جامعة الملك سعود، فإن تحديد القاعدة الاقتصادية الأساسية التي سيعمل عليها الاقتصاد السعودي ضرورة ملحة، فيجب توجيه المعرفة الاقتصادية لخلق القيمة الجديدة وفقا لما نريد أن يرتكز عليه اقتصادنا في القرن الحالي (سواء كان صناعيا أو خدميا أو زراعيا ــ أو خليطا بينها كالصناعة الزراعية). فتجربة ''نوكيا'' دلالة واضحة على ما يقود إليه الوضوح الاقتصادي من توجيه سليم للثروة والبحث وصناعة المعرفة لخلق كيانات اقتصادية خلاقة. فقد كانت شركة نوكيا، وهي شركة عالمية فنلندية رائدة في قطاع الاتصالات المتحركة، مجرد شركة متخصصة في الأخشاب والأحذية المطاطية، وفي عام 1992 دخلت ''نوكيا'' إلى عالم صناعة المعرفة في مجال الهواتف الجوالة وتمكنت من خلق 40 ألف وظيفة، وفي عام 2006 وصلت مبيعات ''نوكيا'' إلى نحو 53 مليار دولار، بينما ميزانية الحكومة المركزية الفنلندية بلغت 39.6 مليار دولار. وأصبحت ''نوكيا'' من أكبر شركات التوظيف في فنلندا وربما العالم.