بقلم د. فهد الحويماني | الاثنين 18 يونيو 2012
اعتاد الناس في سوق الأسهم السعودية الحديث عن صانع السوق وأنه قام هذا اليوم برفع الأسهم أو أنزلها أو أنه تصرف بهذا الشكل أو ذاك، والحقيقة أنه لا يوجد صناع سوق في سوق الأسهم السعودية، لكن ما يقصده المتداولون في قولهم هذا هم جموع المضاربين وأصحاب المحافظ الكبيرة لما لهم من تأثير في تحركات الأسهم. أما صانع السوق، كما هو متعارف عليه عالمياً، فهو وظيفة رسمية تمنح بترخيص من إدارة السوق لتحقيق هدفين رئيسين: الأول يهدف إلى تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، والآخر لمد السوق بالسيولة اللازمة. فنجد أن سوق الأسهم السعودية، وكثيرا من أسواق الأسهم حول العالم، لا يوجد فيها صناع سوق، وتلك التي يوجد فيها صناع سوق هي بعض الأسواق المتقدمة مثل الأسواق الأمريكية وسوق كل من بورصة لندن وبورصة ألمانيا. ولنتعرف على أهمية وجود صانع السوق من عدمه نحتاج إلى معرفة طبيعة العمل الذي يقوم به ومن ثم نتساءل عن مدى الحاجة إليه في سوق الأسهم السعودية.
تنقسم أسواق المال إلى قسمين رئيسين، الأول ما يعرف بالسوق المبني على إظهار الأسعار (ونسميه هنا سوق الأسعار)، والآخر السوق المبني على إظهار الأوامر (ونسميه سوق الأوامر)، وهذا الأخير هو ما يصنف به سوق الأسهم السعودية. فبالنسبة لسوق الأسعار فيتم فيه إظهار سعري الطلب والعرض كالمعتاد بحيث يكون سعر الطلب هو أعلى سعر يمكن للمتداولين بيع أسهمهم به، وسعر العرض هو أقل سعر يمكنهم الشراء به. على سبيل المثال، لو كان سوق الأسهم السعودية سوق أسعار، فقد يكون سعر الطلب لشركة سابك 90 ريالا وهو أعلى سعر يمكن البيع به في هذا الوقت، وسعر 90.75 ريال سعر العرض وهو أقل سعر يمكن الشراء به في هذه اللحظة. ولا توجد أي أسعار أخرى غير هذين السعرين لأنهما أفضل سعرين متاحين في السوق، وهنا نقول إن فارق السعر يساوي 75 هللة، وهذا الفارق مهم للغاية كما سنرى بعد قليل. لاحظ أن هذا يختلف عن الأسلوب المتبع في السوق السعودي (سوق الأوامر)، حيث يظهر عدة أسعار للبيع والشراء تظهر في قائمة الأوامر مرتبة حسب أفضل أسعار البيع والشراء، وليس أفضل سعرين فقط. إلا أن أسلوب أسواق الأسعار، من حيث إظهار سعري العرض والطلب فقط كما هو مذكور أعلاه، لا يوجد حالياً في أسواق الأسهم، لكن يوجد في أسواق أخرى كالعملات والسندات والسلع، والسبب يعود إلى أن كثيرا من أسواق ”الأسعار” تم تطويرها في السنوات الماضية لتكون خليطاً بين أسواق الأسعار وأسواق الأوامر، ومثال ذلك سوق نازداك الشهير وكذلك أسواق بورصة نيويورك ولندن وفراكفورت وغيرها، حيث تجد أن هناك قائمة من الأوامر، مثل ما هو معمول به في أسواق الأوامر، إلا أن الأوامر الظاهرة ليست أوامر العرض والطلب الخاصة بالمتداولين، بل تلك الخاصة بصناع السوق. إذا هنا نرى الفرق الرئيس بين أسواق الأسعار المطورة (مثل نازداك ولندن وفرانكفورت) وأسواق الأوامر (مثل السوق السعودي وعدد كبير من الأسواق العالمية مثل بورصة باريس وطوكيو وتورنتو وهونج كونج وغيرها)، في أن أسواق الأسعار المطورة تُظهر أوامر صناع السوق بينما أسواق الأوامر تظهر أسعار المتداولين.
ولنتمكن من معرفة مدى حاجة السوق السعودي لانتهاج أسلوب الأسعار المطور (أي ذلك الذي يدمج سوق الأسعار بسوق الأوامر)، علينا أن نتعرف على فائدة كل سوق ومن ثم نقرر مدى مناسبته للسوق السعودي.
إن أحد أهداف إيجاد صناع السوق في سوق الأسعار وأهمها على الإطلاق هو تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، وذلك بقيام صانع السوق بإدخال أمر شراء وأمر بيع في الوقت نفسه وعلى طوال فترة التداول، بحيث يكون جاهزاً للبيع والشراء بكمية محدودة متفق عليها مع إدارة السوق بهدف تقليص الفرق بين العرض والطلب للسهم الواقع تحت سيطرته. بالعودة لمثال شركة سابك، لو كان هناك صانع سوق في السوق السعودي لقام بإدخال أمر شراء بسعر 90.25 ريال وأمر آخر للبيع بسعر 90.50 ريال في الوقت نفسه، فيكون فارق السعر هنا 25 هللة، بدلاً من 75 هللة كما في مثال سوق الأوامر المذكور أعلاه. ويقوم صانع السوق بتجديد الأمرين حالما يتم التنفيذ عليهما، وتقوم إدارة السوق بتقييم أداء صانع السوق من خلال رصد العمليات التي يقوم بها للتأكد من أنه يفي بالتزامه أمام إدارة السوق بتقليص فارق السعر بالنسبة المحددة وذلك من خلال التقارير الدورية. وفيما لو تبين أن صانع السوق غير ملتزم بالاتفاقية فقد تقوم إدارة السوق بتوجيه إنذار إليه وربما منعه من العمل كصانع سوق.
وبديهي أن تقليص فارق السعر يخدم المتداولين، خصوصاً صغار المستثمرين، حيث يمكّنهم ذلك من بيع وشراء الأسهم بأقل تكلفة، وهنا أشير إلى أن أسواق الأسهم تتنافس في مقدرتها على تقليص فارق السعر، لما في ذلك من فائدة كبيرة للمتداولين. وكي يتمكن صانع السوق من مزاولة عمله بشكل سليم فتجده يقوم بالشراء والبيع لصالح حسابه وبذلك فهو يعرض نفسه للمخاطرة عندما تكون هناك موجات شراء أو بيع كبيرة من المتداولين، حيث يلزم عليه الشراء عندما يقوم الناس بالبيع، وعليه البيع عندما يقوم الناس بالشراء. إلا أن صناع السوق بشكل عام يحققون أرباحاً مجزية وذلك لأنهم لا يدفعون أي عمولة مقابل البيع والشراء ويحققون ربحهم من فارق العرض والطلب. إذاً نجد أن أهم دور يقوم به صانع السوق هو تقليص الفارق بين سعري العرض والطلب، الذي يعتبر كبيراً في أسواق الأوامر نظراً لكون أوامر الشراء والبيع الظاهرة في قائمة الأوامر هي أوامر خاصة بالمتداولين، الذين بطبيعة الحال ليسوا ملزمين بتقليص الفارق بين العرض والطلب، بل هدفهم البيع والشراء بالأسعار التي يرونها مناسبة لهم، حتى إن كان الفارق ريالا أو ريالين، وهذا مشاهد في سوق الأسهم السعودية على سبيل المثال.
أما بخصوص الهدف الثاني من أهداف إيجاد صانع السوق فهو مد السوق بالسيولة اللازمة، وهو ما يتم عندما يقوم صانع السوق بالشراء أو البيع لصالح حسابه استجابة لطلبات المتداولين. على سبيل المثال، تقدر نسبة العمليات التي يقوم بها صانع السوق لصالح حسابه في سوق بورصة نيويورك بنحو 25 في المائة من إجمالي الأوامر المنفذة، وتزيد هذه النسبة وتقل حسب نشاط السهم الذي يتم تداوله، وتختلف من سوق إلى آخر.
وبشكل عام يمكننا القول إن أسواق الأوامر (مثل السوق السعودي) تتميز بالشفافية حيث يمكن مشاهدة الأوامر المدخلة (هذا على الرغم من أن السوق السعودي يحد من عدد المستويات الظاهرة إلى خمسة مستويات فقط، بحيث لا يمكن رؤية أكثر من ذلك)، ويعاب على أسواق الأسعار بأنها ضعيفة الشفافية نتيجة كون الأسعار الظاهرة محدودة وخاصة فقط بأسعار صناع السوق، الذين يشكك البعض في توجهاتهم ويتهمونهم أحياناً بالتلاعب بالأسعار، هذا على الرغم من مراقبة إدارة السوق لعملهم كما ذكرنا. وهناك اتفاق عام على أن دور صانع السوق ليس بضروري في حال كون سوق الأسهم نشطا جداً بحيث إن السيولة فيه عالية مما يقلص الفارق بين سعري العرض والطلب بشكل تلقائي، وهذا نراه في بعض أسهم الشركات السعودية وليس جميعها، حيث يوجد هناك أسهم قليلة النشاط تجد فارق السعر كبيرا نسبياً، وهي الحالات التي يكون دور صانع السوق مفيدا فيها. كما أن هناك نقطة مهمة تجب الإشارة إليها وهي أنه في حال الحاجة إلى الاستفادة من صناع السوق في سوق الأسهم، فمن الضروري أن يتمكن صانع السوق من القيام بعمليات البيع المسبق (أو ما يعرف بالبيع على المكشوف أو البيع شورت) وذلك لأنه يحتاج أحياناً إلى بيع أسهم للمتداولين في أوقات قد لا يوجد لديه أسهم للبيع، فيقوم بالبيع المسبق من خلال اقتراض أسهم الغير وبيعها، ومن ثم شراؤها في وقت لاحق. وعلى الرغم من ذلك، فبالإمكان مزاولة عمل صانع السوق، لكن بشكل محدود، دون الحاجة إلى القيام بذلك.
أخيراً يجب عدم الخلط بين صانع السوق والأدوار التي يقوم بها، التي تم إيضاحها في هذه المقالة، وبين ما تم اقتراحه في وقت سابق في هذه الصحيفة حول أهمية قيام جهة حكومية بالاستثمار في سوق الأسهم من أجل تحقيق عدد من الأهداف منها تحقيق أرباح لصالح المال العام على المدى الطويل، كون عمل صانع السوق محدودا بتقليص فارق السعر بين العرض والطلب وضخ سيولة محدودة لامتصاص طلبات صغار المتداولين، بينما دور الجهة الحكومية المقترح هو لشراء الأسهم عندما تكون أسعارها قد دخلت في النطاق المغري للشراء والبيع عندما تصل إلى مستويات عالية تتجاوز السعر العادل، وبذلك فإن عمل هذه الجهة الحكومية ليس عملاً يومياً كما هو مع صانع السوق، إلا أنه – في رأيي – أكثر أهمية من إيجاد صناع سوق كونه يحقق الاستقرار لسوق الأسهم ويرفع من مستوى الثقة به.