المشهد التاسع عشر : بعد قضاء الأجازة في الكويت العودة الى أمريكا !
عدت إلى الكويت بعد انقطاع دام ثلاثة أشهر وشعرت أن الكويت تغيرت ...... أو ربما إنا الذي تغيرت ....مثال ذلك تعودت في أمريكا قيادة السيارة بسرعة 90-100 كم /الساعة .... فلما عدت إلى الكويت ...كنت حينما أقود السيارة بهذه السرعة وأكون في الخانة اليسرى أستغرب من الناس خلفي منزعجين كثيرا مني ويأخذون بتنبيهي بأن أنتقل إلى الخانات الأخرى لأن هذه الخانة لا تصلح لأمثالي !!! كذلك نمط تفكيري ... وبرنامجي اليومي ... ونظرتي للأمور .... ومن باب إحقاق الحق أن من الأمور التي تعلمتها من قوم العم سام أنهم يأخذون أمور دنياهم بجدية فلا مجال للمجاملات حين يأتي إليهم شخص ويقترح عليهم أمرما أو برنامج لا يتناسب مع خطتهم التي وضعوها مسبقا في برنامجهم سواء الأسبوعي أو الشهري أو السنوي ....بمعنى أن القوم يخططون لحياتهم..... فقبل بداية كل عام يأتي أحدهم ويضع خطة للسنة القادمة ..... أسبوعية فشهرية .... ثم سنوية .... حيث يضع فيها خطته الرئيسية ... والأهداف التي يريد تحقيقها .... ثم الوسائل التي يريد اتباعها لتحقيق هذه الأهداف .... وعلى اثر ذلك ينظم برنامجه ....فمثلا من خطط أحدهم .... العمل وكيف يرتقي بنفسه في وظيفته أو يخطط لينتقل الى أفضل منها خلال السنة .... ويضع أحدهم ميزانية سنوية تقديرية ويخطط لسفراته واجازاته وكذلك شراء منزل وكيف يوفر الميلغ لذلك .....أو الدخول في مشروع والبحث عن مصادر للتمويل .... بمعنى أنني حين نظرت الى القوم وجدتهم عمليون خاصة وأنني أتيت من قوم لا يعرف أحدهم ماذا يريد منذ أن يستيقظ في الصباح الباكر ...الى أن يضع رأسه على الوسادة مساءا ..... وشعاره طنش .. تعش.. تنتعش !!
قضيت أجازة رأس السنة ( الكريسمس ) في الكويت بين الأهل والأصدقاء ... والمخيمات ..... ولكن بسرعة البرق انقضت الأجازة وبدأت أعد العدة للعودة الى أمريكا ولكن هذه المرة ليس بمفردي كما في المرة السابقة ..... ولكن بصحبة محمد ابني ذو العام والنصف عاما وأمه .....أم محمد بالطبع ...فأخذت جوازاتهما للسفارة الأمريكية في الكويت وقمت بتعبئة طلب التأشيرة وفي صباح اليوم التالي قمت باستلام الجوازان وبهما التأشيرة ....وقد كانت الأمور تسير بسهولة ويسر قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ... ولم تكن بها التعقيدات التي استحدثت لاحقا ..... وسبحان الله... فان دوام الحال من المحال ..... بعد ذلك أخذنا نعد العدة ونتجهز ولا أنسى حقائب أم محمد الثمان التي حتى هذه اللحظة أستغرب من عددها .....وأنا الذي حينما ذهبت في المرة السابقة لم أحمل معي سوى حقيبة واحدة ..... ولكن النساء لهن حسبتهن الخاصة لا كالرجال !!
حينما حان موعد السفر قضينا ليلتنا مع الأهل للوداع وخاصة أن أم محمد تسافر للمرة الأولى لأمريكا فكان الوداع بالنسبة لأهلها شديدا ... خوفا عليها من الغربة وخاصة أن ابنها البكر لم يبلغ العام والنصف بعد .....كانت رحلتنا على طيران الخليج فكان خط سيرنا كالآتي .....كويت – بحرين – نيويورك- كليفلاند،أوهايو ...... ولكن حينما هبطت الطائرة في البحرين تم إخبارنا ان الجو سيء في مطار نيويورك لذلك ستتأخر رحلتنا الى اليوم التالي ... وفعلا قاموا باصطحابنا الى فندق طيران الخليج لنقضي ليلتنا ثم في الصباح الباكر نكمل رحلتنا الى نيويورك مباشرة .... وفعلا انطلقنا في اليوم التالي من البحرين الى نيويورك على متن طيران الخليج ... وبعد رحلة شاقة وصلنا الى مطار جون كينيدي في نيويورك وكان من المفترض ان نكمل رحلتنا بالطيران الداخلي الى مطار كليفلاند أوهايو ولكن كذلك لسوء الأحوال الجوية ونزول الثلوج بكثافة طلبوا منا أن نركب الباص الذي سيقلنا الى الفندق من أجل قضاء الليلة.... وفي الصباح نعود الى المطار لرحلتنا المتجهة الى كليفلاند أوهايو ... ولا زلت أذكر الأنزعاج الذي بدأ على وجوه الركاب حين علموا أن الرحلات تأجلت الى الغد بسبب الأحوال الجوية ... وكان من ضمنهم رجلا سعوديا وكانت زوجته حاملا فكان ظاهرا عليه الغضب الشديد لأن رحلته الى لوس أنجلوس وهي في أقصى الغرب .... ونحن الآن في أقصى الشرق ؟؟ ....وفعلا أخذنا حقائبنا وتوجهنا الى الفندق ....ولكن حينما وصلنا الى الفندق أخذت تسألني أم محمد عن حقيبة ديلسي السوداء الصغيرة .. ألم أحضرها مع باقي الأمتعة فأجبتها أن هذه الحقائب هي جميع ما أحضرناه من المطار ... فقالت حينها ان هذه الحقيبة هي أهم حقيبة ... لماذا ؟؟؟ لأن بها جميع مستلزمات الصغير محمد !!! ....يا الله ماذا تقولين يا أم محمد ؟؟ حسنا سأتصل بشركة الطيران وأخبرهم بالأمر وفعلا أخبرتهم فقالوا لي لا تقلق ... الحقيبة موجودة ... وحينما تأتون في الغد لرحلتكم مروا بقسم الحقائب المفقودة وستجدونها .. فحمدت الله على ذلك وزال القلق من أم محمد التي هي ليست بحاجة لهذا القلق منذ اليوم الأول .
قضينا الليلة في الفندق ... وفي الصباح اضطررنا لطلب سيارة على نفقتنا الخاصة للذهاب الى المطار ....فقمنا بطلب ميني باص لكي يستوعب هذه الحقائب ... وأخذنا ننتظر الباص لكي يأتي ... ولكنه تأخر كثيرا الى ان اقترب موعد الرحلة فقمت بالأتصال ثانية بالشركة فأخبروني بأن الباص وقع له حادث وسيرسلون لنا سيارة بديلة ... وهي ليموزين فاخر تعويضا عن التأخير الذي تسببوا به لنا ... وفعلا ماهي الا دقائق حتى توقف ذلك الليموزين الأسود الفاخر .... وترجل منه رجل أسود يرتدي بدلة رسمية .... وألقى التحية علي ثم قام بفتح الباب وطلب مني وعائلتي الركوب بينما هو يقوم بتحميل الحقائب في الليموزين .... وهذه من الأمور التي لاحظتها في أمريكا أن الزبون له قيمة عندهم فرضاؤه مطلب أساسي وهو دوما على حق ...بسبب التنافس الشديد بين الشركات في تقديم خدماتها للزبائن .....فنعم التنافس ذلك الذي يحسن الأداء ..... بعد ذلك انطلقنا الى المطار بسرعة لكي لا تفوتنا الرحلة .... ولكي نبحث عن حقيبتنا المفقودة .... ومن الطرائف اننا حينما وصلنا الى المطار قام سائق الليموزين بفتح الباب لي ثم أنزل الحقائب قائلا :سيدي ... درجة رجال الأعمال أم الدرجة الأولى ؟؟ فابتسمت وقلت له : لا..لا الدرجة السياحية !! وقمت باعطائه الأكرامية المناسبة جراءخدمته لنا .... وتوجهنا بعد ذلك الى قسم الحقائب المفقودة وبعد أن رأوا تذكرتي اصطحبوني الى مخزن داخل المطار فدخلت اليه وتعرفت على حقيبة ابني محمد واخذتها ثم قمنا بشحنها مع باقي الحقائب .... ونزلنا من على سلم حديدي لنتوجه بباص المطار الى الطائرة التي لازلت اتذكرها لصغر حجمها بحيث انك تسمع صوت محركاتها .....ومقاعدها القليلة التي لا تتجاوز الأربعون مقعدا ....وانطلقنا بهذه الطائرة الصغيرة الى كليفلاند رغم سوءالأحوال الجوية ......