المشهد العشرون : الوصول الى كليفلاند والبيويك مبنشرة !
......كانت متعبة تلك الرحلة التي أقلتنا من مطار جون كينيدي في نيويورك الى مطار كليفلاند من حيث المطبات الهوائية التي أخذت تتقاذف بطائرتنا الصغيرة الحجم حتى خيل لنا أنها طائرة مصنوعة من ورق ..... والجو السيء بالأضافة الى صوت المحركات التي كادت أن تخلع قلوبنا من مكانها لصوت دويها ......
حين اقتربت الطائرة من الهبوط نظرنا من نافذة الطائرة فماذا وجدنا ؟! ....كان منظر المدينة في تلك الليلة الشتوية مهيبا ..... ظلام حالك ..... برد قارص.... ثلوج تتساقط .....رياح لها صوت مخيف .....ما جعل أم محمد تحتضن صغيرها بقوة الى صدرها ....لست أدري لماذا؟.... هل خوفا عليه ؟.... أم خوفا من الغربة ؟؟....فهي لم تعتد هذا المنظر من قبل فكانها أصيبت بقشعريرة .....بل لسعة برد ...... فقد اختلطت مشاعرها بين فرحها بالقدوم مع زوجها -الذي لم يمض على زواجهما سوى السنتان – خوفا عليه من الغربة وأن تفتنه الشقراوات .... ذوات العيون الزرقاء ...وهو في عنفوان شبابه !! وبين خوفها من الغربة ومسؤولية الزوج الذي سينشغل عنها بدراسته والطفل الذي لا يزال صغيرا ...
ما دفعني لسؤالها ....ما بك ؟؟ ..... لم تجبني واستمرت في النظر من نافذة الطائرة الى اسفل ....خشيت أنها لا تريدني أن أرى دموعها .... ولكن خوفي تبدد حين أدارت لي وجهها متسائلة بتلعثم : فيه عوائل كويتيين ؟؟!! ..... يااااااا الله بدأنا من الآن الشعور بالغربة والخوف ....قلت في نفسي .... فأجبتها أنني لا أعلم أن كان أحد من الشباب متزوجا فأنا لم يمض لي سوى ثلاثة أشهر فقط ....ولكن أعرف من الشباب الخليجيين والعوائل العربية الكثير ....بعدها أطلقت أم محمد تنهيدة عميقة تخبرك عما كان يجول في مخيلتها !!
.....فأخذت بعد ذلك أطمئنها شيئا فشيئا ....فأنا أتيت بها لتعينني على الغربة ....ولتخفف عني بعضا من الحمل لا أن تزيد حملي حملين ...بعدها سرحت في التفكير ....هل استعجلت في احضاري أم محمد وابني محمد وأنا لم يمض لي سوى ثلاثة أشهر وبالكاد أستطيع أن أدبر أموري المعيشية ؟!......خاصة أنني أدرس على نفقتي الخاصة !!... وكما هو معلوم عند خبراء الغربة أن الرجل حين يكون لوحده يتأقلم مع الظروف مهما كانت ....ويستطيع أن يعيش على الكفاف....يأكل ما تيسر ....يلبس ما تيسر ....ويسكن في أي مكان يأويه ....ولكن حين تكون معه زوجته ....وأبناؤه... فأنه يأنف أن يروا ما ينغص حياتهم ....أويقرأ في عيونهم ما يشعرهم بالحرمان مهما كانت الظروف ....
Seat belt please ....بهذه الكلمات قطعت المضيفة حبل أفكاري طالبة مني التأكد من ربط حزام الأمان ايذانا بهبوط الطائرة ....
هبطنا والحمد لله في مطار كليفلاند بسلام ..... وكان الجو شديد البرودة والثلوج تتساقط بكثافة وانا أنظر الى وجه ابني محمد الذي أختفى خلف معطفه الأحمر لا تكاد ترى سوى أنفه وعيناه الصغيرتان الممتلئتان بالدموع من شدة البرد......
بعد أن أخذنا حقائبنا أخذت أبحث عن أبي يوسف فنحن على موعد بأن يحضر مشكورا الى المطار لأخذي مع عائلتي الى السكن ....ولكن حين لم أجده قلت لابد أن أتصل به .....فبحثت عن رقم هاتفه فوجدته معي ثم بعد ذلك اتصلت به من الهاتف العمومي في المطار فاذا به يرد على الهاتف معتذرا بأنه لم يحضر بسبب أن اطار السيارة تالف وسيارته لها مفتاح خاص لفتحه وهو مفقود حينها قلت له لا بـأس سنستأجر تاكسي ونحضر الى السكن .....وفعلا أستأجرنا سيارة أجرة صفراء وهذا هو لون سيارات الأجرة أصفر أو أخضر ,كان يقودها رجل أسود ...وكلما توقف عند أشارة تبادر أم محمد: لماذا توقف ؟؟ فأخبرها أنه بسبب الأشارة الضوئية ! ولخوفها تقول : ولكني لا أرى اشارة ضوئية فأضحك قليلا وأقول لها : يا عزيزتي هنا ليسوا مثلنا فالأشارة الضوئية تكون معلقة بالأسلاك فوق لا يراها من يركب في الخلف !!.. فتطمئن ثانية .... وأخيرا وصلنا الى السكن وقام السائق بأنزال حقائبنا الثمانية ثم انصرف ....أما أنا فقد أتى دوري فأخذت أحمل الحقائب واحدة تلو الأخرى الى أن أدخلتها الى داخل السكن ......فهناك لا يوجد عمال بنغال أو هنود .... help yourself by yourself خدمة ذاتية ... بعدها أصطحبت أم محمد وابننا محمد الى شقتنا المؤقته الى أن نقوم بتأجير شقة أخرى ومن التعب والأرهاق وضعنا رؤوسنا على الوسادة وتركنا الأحاديث الى القابل من الأيام .