لأنها سيطرة لأغراض غير استثمارية
توقف الشراء فانحدر سعر السهم
كتب عبدالله النيباري:
فجأة توقفت المضاربة على أسهم شركة المال التي تعرضت لهجوم شرس لشراء أسهمها فيما سمي بلغة البورصات بالاستحواذ القسري أو العدواني Hostile Takeover بعد أن سيطرت مجموعة محمد عبدالمحسن الخرافي وحلفاؤها على نسبة تفوق 50% من الأسهم تجيز لها تسلم مجلس إدارة الشركة، وفيما استمرت حمى المضاربة للاستحواذ القسري على شركة المال على مدى أسبوعين رفعت سعر السهم الذي كان يتداول بالحد الأعلى، من أقل من 300 فلس الى 720 فلسا وبلغت الكمية المتداولة أكثر من 300 مليون سهم أي 60% من أسهم الشركة في الفترة من 17/9 - 3/10 وانخفض التداول بعد ذلك الى حدوده الدنيا·
وبعد أن حقق الاستحواذ القسري أغراضه تمكنت مجموعة الخرافي وحلفاؤها من السيطرة على أكثر من 50% من أسهم الشركة وأصبحت ملكية أسهم الشركة حسب بيان الإفصاح كالتالي:
شركة محمد عبدالمحسن الخرافي مباشر وغير مباشر 44,8% أي 233 مليون سهم، وعبداللطيف السهلي 5,3% أي 27,6 مليون سهم ومجموعة الصقر بقيت ملكيتها كما هي تقريبا بنسبة 16,3% أي 8,5 مليون سهم·
وبعد أن سيطرت مجموعة الخرافي وحلفاؤها بتملك أغلبية حاكمة يوم الثلاثاء الماضي توقف الشراء نهائىا تقريبا فيما عدا بضع صفقات· فبينما تم تداول 79 مليون سهم يوم الثلاثاء توقف الشراء يوم الأربعاء وانخفضت كميات التداول في الأيام الأربعة من الأربعاء الى الاثنين الى مادون المليون سهم بمعدل يومي لا يزيد على بضع مئات، وتراجع السعر من 720 فلسا إلى أعلى مستوى وصل له الى 520 فلسا يوم الاثنين وهو مستمر في التراجع·
وتوقف الشراء فجأة بعد سيطرة مجموعة الخرافي على أغلبية حاكمة يعزز التفسير القائل بأن الدوافع لم تكن استثمارية أو مالية، وإلا كيف نفسر شراء حوالي 80 مليون سهم في يوم واحد بسعر 720 فلسا ويتوقف الشراء في الأيام التالية بالرغم من تراجع السعر الى 520 فلسا·
ما حصل من توقف فجائي على تداول أسهم شركة المال هو الرد الحاسم على بعض الإخوة الذين قالوا معلقين على ماكتبناه في "الطليعة" في العدد الماضي، بأن المضاربة هي من طبائع الرأسمالية وسمات أسواق المال، وأنه كان بإمكان من يملك نسبة كبيرة أن يبيع أسهمه مستفيدا من ارتفاع السعر ويؤسس شركة جديدة وعلى أصحاب هذا الرأي الآن أن يفسروا لنا لماذا توقف الشراء رغم انخفاض الأسعار إذا كانت الأغراض استثمارية، إضافة إلى أن متوسط سعر المال كان 631 فلسا في الفترة من 30 سبتمبر 2006، وحتى 4 أكتوبر 2006 وهي الفترة التي تم فيها تداول 235 مليون سهم أي أعلى ما وصل إليه في الأسبوع الماضي·
المآخذ على ممارسة الاستحواذ القسري أو العدواني على أسهم شركة ما له مخاطر كثيرة، على المستثمرين في الشركة موضع الهجوم وعلى إدارتها والعاملين فيها التي ستكون عرضة للتغيير "أي التفنيش"، وعلى المتداولين وعلى البورصة والائتمان المصرفي وعلى الاقتصاد الوطني، صحيح أننا في بلد نظامه رأسمالي وسوق الأوراق المالية من طبيعتها المضاربة ولكن هنالك تمييز بين الرأسمالية المتوحشة التي لا رادع لجشعها وهنالك رأسمالية صديقة ودودة تضبط تصرفاتها قوانين ولوائح وتحكمها قيم وأهداف اجتماعية لحماية المجتمع وأفراده من شرورها وأذاها، فعندما ارتفعت أسعار أسهم شركة المال ساير الكثيرون موجة السوق واشتروا أسهمها ظنا منهم أن هنالك من اكتشف أنها منجم ذهب، وربما كان أغلب هؤلاء من صغار المستثمرين، كما يكشف ذلك سجل العروض للبيع دون وجود مشتر، فما الحماية لهؤلاء؟! وهل يجوز تحطيمهم بسبب ممارسات لها أغراض لا علاقة لها بالاستثمار؟!
وقد حاولت الاستفسار من الخبراء والرجوع الى بنوك المعلومات بحثا عن القيود والاحتياطات التي تتخذ في الأسواق العالمية مثل نيويورك ولندن والأسواق الأوروبية، لردع الاستحواذ القسري فوجدت كما هائلا من المعلومات عن الضوابط ضد الاستحواذ القسري، منها الإجراءات التي تتخذها الشركة المستهدفة بالهجوم ضد ماتسميه هذه المعلومات زوار الفجر أو المهاجمين في عطلة نهاية الأسبوع منها "الحبة السامة" Poison Pill وأدوات عديدة تستطيع الشركة وإدارتها الدفاع ضد الاستحواذ القسري·
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تشترط القوانين مثل قانون وليامز، أنه إذا مازادت ملكية مستثمر ما عن نسبة %30 عليه أن يقدم عرضا لبقية المساهمين لشراء أسهمهم وأن يقدم هذا العرض للشركة المستهدفة ولإدارة سوق الأوراق المالية، وأن يشمل العرض ملف تفاصيل شروط الشراء وخططه المستقبلية للشركة ومصادر تمويله وأن يكون محدد المدة التي يكون فيها العرض قائما والمدة بعد الشراء التي يستطيع فيها البائعون التراجع عن بيوعهم· وبطبيعة الحال هنالك عقوبات مغلظة تطال المخالفين لشروط حسن التعامل·
إن الهجوم والاستحواذ القسري الذي شهدته البورصة أخيرا لم يكن الأول من نوعه، فهنالك سوابق بعضها للسيطرة وبعضها للإضرار بالمساهمين ملاك شركة ما، لكن الهجوم الأخير فاقم هذه الظاهرة وأبرز خطورتها، فعدم وجود ضوابط رادعة سيشجع آخرين على استخدام الأسلوب نفسه لأغراض تجارية أو سياسية أو خصومات اجتماعية بل الأخطر من ذلك أنه يفتح الباب أمام تدخلات خارجية، فكما حصل في الأيام الأخيرة إذ أمكن التلاعب أو التحكم بالبورصة بمئة مليون دينار، فهناك دول وجهات خارجية تستطيع أن تدفع أضعاف ذلك لاستخدام آليات البورصة لتحقيق أهداف بعيدة عن الاستثمار والمال والاقتصاد لأغراض قد تكون سياسية وتصفية حسابات شخصية أكثر منه لأغراض استثمارية، إذ إن المؤشرات المالية لا تبرر ذلك، وتوقف المضاربة فجأة بعد ضمان السيطرة على الجمعية العمومية بتملك أكثر من%30 من الأسهم يعزز القبول بهذا التفسير، إذ لو كان لأغراض استثمارية لما توقف بل نتساءل: كيف يتم شراء حوالي 80 مليون سهم في يوم واحد بسعر 720 فلسا ويتوقف الشراء رغم انخفاض السعر الى 520 فلسا وبرأيي أن هذا التوقف هو الرد على من قال معلقا على ماكتبناه، بأن لا غبار على ما تم، لهذا نكرر أن الأمر يحتاج الى ضوابط قانونية صارمة لعل إدارة البورصة الجديدة تنظر في الأخذ بها كحماية السوق والمستثمرين فيها وعلى الأخص الصغار منهم·