لا بد من معالجة القصور في قوانين وضوابط البورصة
الاستحواذ القسري على شركة المال انتقام وتصفية حسابات سياسية
كتب عبدالله النيباري:
تشهد الكويت منذ أسبوعين تقريبا ومنذ وفاة المرحوم جاسم الصقر على وجه التحديد معركة ضارية وشرسة سلاحها المال وميدانها سوق الأوراق المالية وأدواتها المضاربة على سهم إحدى الشركات الاستثمارية وهي شركة المال، وأهدافها سياسية أكثر مما هي اقتصادية أو مالية حسبما تتداوله دواوين الكويت في ليالي شهر رمضان الكريم·
المضاربات في البورصة على سهم شركة المال أخذت طابعا شرسا فعلى مدى أسبوعين كان التداول على هذا السهم يتم بالحد الأقصى المسموح به أي أن سعر الإقفال للسهم ارتفع يوميا بمبلغ 25 فلسا ثم بمبلغ 50 فلسا عندما تخطى السعر 500 فلس، وخلال هذه الأيام قفز سعر سهم شركة المال العقارية من 310 فلوس في 16/9/2006 وهو يوم وفاة المرحوم جاسم الصقر الى أن بلغت 670 فلسا بإقفال يوم الاثنين وبلغت كمية الأسهم المتداولة خلال هذه المدة 207 ملايين أي حوالي 40% من إجمالي أسهم الشركة البالغة 520 مليون سهم، وبلغت قيمة الأسهم المتداولة 112 مليون دينار وكان أوج الارتفاع هو يوم السبت 30 سبتمبر حينما بلغت كمية الأسهم المتداولة 80 مليون سهم بقيمة 46 مليون دينار شكلت أكثر من %50 من قيمة التداول في ذلك اليوم وهي نسبة قياسية غير مسبوقة·
وفي يوم الأحد 1/10/2006 أعلن سوق الأوراق المالية إفصاحات الملكية في شركة المال التي تزيد عن %5 حتى يوم السبت، كالاتي: جاسم حمد عبدالله الصقر %8,9 وشركة عبدالله الصقر وإخوانه %6,62 ومجموع الاثنين %15,5 وهي ملكيات سابقة على المضاربات الأخيرة حسب البيانات الرسمية، ثم شركة محمد عبدالمحسن الخرافي %12,37 ومصانع المواد العازلة للحرارة والتبريد %5,7 إحدى شركات مجموعة الخرافي، وكانت ملكية المجموعة أقل من %5 سابقا، حيث لم يتم الإفصاح عنها، وعبداللطيف خالد السهلى 8,27%· والاعتقاد السائد بأن هذه النسب قد زادت في الأيام الأخيرة إلا أنه لم يعلن عنها رسميا، حيث يقدر أن الملكيات الواجب الإفصاح عنها قد زادت لكل من المجموعتين الى ما بين 30% و42%·
بطبيعة الحال المضاربات في البورصة أمر اعتيادي لا يثير في الأحوال العادية اللغط ولا التساؤل· ولكن ما يدور في الدواوين الرمضانية حاليا هو استغراب حدة وشراسة هجوم أو انقضاض مجموعة تجارية على شركة تملك فيها مجموعة تجارية أخرى نسبة حاكمة فيما يعبر عنه بلغة أهل البورصات بالاستحواذ القسري أو العدواني Hostile Takeover بالمقارنة مع ما يسمى الاستحواذ الودي FreindlyTakeover والتساؤل الدائر هو، ما هي دوافع هذا الانقضاض أو الاستحواذ القسري أو العدواني وما هي موجباته؟·
وفي هذا الصدد هناك وجهتا نظر لتفسير هذا الاستيلاء القسري والعدواني، الأولى هي ما قد يتراءى في الظاهر أنه لدواع مالية استثمارية، أي أن أطراف الهجوم يعتبرون أن ضم هذه الشركة لمجموعتهم قد يعزز مركزها المالي والاستثماري أو أنها تعتقد بأن الشركة موضع الهجوم والاستحواذ لديها أصول يمكن إدارة استثمارها وتنميتها بطريقة تدر أرباحا جيدة حتى بالأسعار المرتفعة، خاصة إذا كانت مكملة لأصول تمتلكها مجموعتهم·
ومن جانب آخر هنالك تفسير تنقله أوساط خبيرة ومطلعة بأن رفع سعر سهم شركة المال الى معدلات مبالغ فيها لا يتناسب مع موجودات الشركة أيا كانت جودة أصول الشركة ولامع أرباحها· ففي منتصف سبتمبر كانت نسبة مكرر السعر الى الربح حوالي 10 مرات أي أن معدل الربح %10 وهذا عندما كان السعر 310 فلوس، والآن بعد ارتفاع السعر الى 670 فلسا (الاثنين) أي بنسبة %220 أصبح مكرر السعر الى الربحية 21 مرة أي أن ربحية السهم انخفضت الى أقل من %5 وهذا باعتبار أن أداء الشركة وأرباحها ستكون بنفس معدل السنة الماضية، في حين أن مؤشرات الأداء لشركة المال كما الشركات الأخرى قد لا يكون مضمونا بنفس المعدلات السابقة·
وهذا يعني أن المعايير المالية أو الاستثمارية والاقتصادية لا تبرر الانقضاض على أسهم شركة المال بهذه المعدلات المرتفعة·
وهذا ما يجعل الأوساط المتابعة أن ترى في المضاربات الهجومية دوافع وأسباباً سياسية وتصفية حسابات لها علاقة بانتخابات مجلس الأمة، وبانتخابات المناصب والمراكز في مجلس الأمة أكثر من علاقتها بالأسس الاستثمارية الاقتصادية بل إن هنالك من يذهب برؤيتها على أنها هجمة انتقامية ضد شخص النائب محمد الصقر·
وإذا صح ذلك فإنه يعني أموراً وتداعيات كثيرة قد تتجاوز الهجوم من طرف أو مجموعة ضد طرف أو مجموعة أخرى أو الانتقام السياسي، أهمها وأخطرها هو استخدام المال وآليات سوق المال كأداة في الصراع السياسي وإذا تم استمراء هذه الممارسة دون رادع فقد يتسع استحسان استخدامها من أطراف ومجموعات أخرى ضد خصومهم التجاريين أو السياسيين وسيفتح الباب واسعا أمام استخدام المال وآليات السوق للهيمنة السياسية·
وانعدام ضوابط التعامل في بورصة الكويت وغياب الرقابة الحقيقية والعادلة والحاسمة قد يسمح بل يشجع على ذلك، وهو الأمر الذي لا تسمح به الضوابط المعمول بها في أسواق المال العالمية، ومن هذه التداعيات أيضا التأثير على المساهمين الآخرين الذين يملكون أسهماً في الشركة أو المتداولين الذين قد تكون مصالحهم عرضة للمخاطرة إن هم باعوا أسهمهم بأسعار متدنية قبل ارتفاعها وبذلك يكون قد فاتتهم أرباح كان يمكن أن يحققوها أو من يشتري بأسعار مرتفعة جريا وراء السوق، ثم يتورط بخسائر إذا ما اختار المضاربون المهاجمون تخفيض الأسعار، وهذا ما حصل يوم السبت الماضي حيث انخفض السعر بشكل مفتعل الى ما دون 500 فلس ثم رفع في الدقائق الأخيرة قبل إقفال التداول الى 750 فلساً أي تأرجح بنسبة %20 في يوم واحد، دون أن يكون هنالك مبررات اقتصادية·
ثم إن التساهل مع هكذا ظاهرة قد تؤدي الى فوضى في سوق المال وتتأثر مصالح المتداولين والمستثمرين وبالتأكيد سوف يكون له انعكاسات سلبية على البنوك والائتمان في البلد·
استخدام المال وسوق المال لأغراض سياسية أمر في غاية الخطورة ويهدد مصالح المواطنين المستثمرين والعاملين في شركات القطاع الأهلي، وقد حدث في أثناء الحركة الشبابية البرتقالية المطالبة بتعديل الدوائر أن فصل أحد الشباب الكويتيين "س·ب" لا بسبب تدني أدائه ولكن بسبب مشاركته كمواطن في حركة البرتقالي·
خطورة هذه الممارسة تطرح التساؤل أين موقف حكماء البلد؟ وأين القيمون على إدارة شؤون البلاد والعباد؟ وهل يصح أن يقفوا متفرجين فيما يحتدم الصراع ويشتد وتتجاوز آثاره السلبية أطراف الصراع وعمليات الانتقام السياسي أو تصفية الحسابات الى بقية المواطنين، فالسماح بهذه الممارسة تعني أن من يقف في وجه من يملك المال سيتعرض للتأديب والانتقام مثل ما هو حاصل في حالة سوق المال، وهذا يعني إهدار الحقوق الدستورية للمواطن سواء كان مستثمرا أو مساهما بسيطا أو موظفا في إحدى الشركات·
إن ما حدث يستدعي مراجعة قانون سوق الأوراق المالية والضوابط التي تحكم التعامل فيه وسد الثغرات والقصور في القوانين والأنظمة الحالية للبورصة· ولكن من الآن وحتى يتم ذلك وهو ما قد يستغرق وقتا قد يطول ألا يتطلب الأمر من الحكام وحكماء البلد التدخل لإيقاف التصرفات التي قد تكون مدمرة سواء للبورصة والمتعاملين فيها أو للاقتصاد الوطني ولمصالح المواطنين؟!