مطالب الإسقاط شعبوية وانتخابية
نواب يجهلون «ألف باء» القروض.. ويهاجمون المصارف زوراً
محمود النوري
عصام الصقر
عبدالله السميط
ميشال العقاد
نهاد صليبا
.. ومصرفيون يحذرون: لا للعبث بهذا الملف
محمد الإتربي
رفض مصرفيون الاتهامات التي يوجهها بعض النواب إلى البنوك في ملف قروض المواطنين.
وأشاروا إلى مغالطات كثيرة على هذا الصعيد من أشخاص متحاملين لأسباب شعبوية وانتخابية فقط، بعيداً عن أي رأي فني سليم.
وأجمع عدد من المصرفيين على أن المعالجة المثالية تكمن في صندوق المعسرين فقط. وقال رئيس مجلس إدارة بنك الخليج، محمود النوري: لا عدالة في طرح إسقاط فوائد القروض، كما أن ذلك يتعارض مع الدستور.
نائب رئيس مجموعة البنك الوطني، عصام الصقر، يؤكد أن كل الأحكام القضائية في قضايا القروض أكدت سلامة موقف المصارف.
وأشار نائب رئيس المديرين العامين في البنك الأهلي، عبدالله السميط، إلى ارتفاع الفوائد في فترة من الفترات، وهذا لا ذنب فيه للبنوك.
أما رئيس المديرين العامين في بنك الخليج ميشال عقاد، فقال: أين العدالة؟ وماذا عن المقترضين المنتظمين في السداد؟ وماذا عن غير المقترضين أساساً؟ وهذا أيضاً ما أكده رئيس الجهاز التنفيذي في البنك التجاري، نهاد صليبا، الذي قال: إسقاط الفوائد حلقة مفرغة، فالنتيجة ستكون المزيد من الاقتراض، ثم مطالبات جديدة.
لم يختلف مجلس الأمة الحالي عن المجالس السابقة في كثير من القضايا الشعبوية، لاسيما قضية قروض الأفراد المواطنين. فمنذ اليوم الأول لعمل مجلس الأمة الحالي، وأصوات تعلو مطالبة إما بإسقاط القروض وإما بإسقاط فوائدها. وترافق ذلك مع اتهامات تلقى جزافاً ذات اليمين وذات اليسار، تارة ضد البنك المركزي، وطورا ضد قطاع المصارف.
ازاء ذلك توقفت مصادر مصرفية أمام هذه الظاهرة القديمة - الجديدة لتوضيح بعض المغالطات:
1 - رفع بنك الكويت المركزي أسعار الفائدة 11 مرة متتالية بين 2003/2002 و2008/2007 نتج عن ذلك بعض التضخم، في قروض مواطنين رزحوا تحت اعبائها.
2 - حصلت خلال السنوات القليلة الماضية مراجعة شاملة لهذا الملف أسفرت عن تصحيح أخطاء ومخالفات. ويقول البنك المركزي إنه وقع الجزاءات المناسبة على كل المخالفات التي اكتشفت، وألزم الجهات المخالفة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتصويب تلك الأوضاع المشكو منها، وردت المنافع التي قد تحصلت نتيجة تلك المخالفات.
إلى ذلك، أطلقت الحكومة صندوق المعسرين الذي عالج آلاف الحالات وبكلفة تحملها المال العام بمئات الملايين.
وعند هذا الحد كان يفترض أن الملف قد أُقفل، إلا أن نواباً سابقين وحاليين، يصرون دائماً على إعادة طرحه لأهداف انتخابية أولا حتى لو كان ذلك على حساب المال العام دائماً وابداً!.
3 - ما يقوم به نواب من أفعال أو أقوال فيه طعن بالبنك المركزي الذي يفترض الحفاظ على استقلاليته وحمايته من أي تدخلات سياسية.
وكان «المركزي» قد عدل عدة مرات شروط منح القروض الاستهلاكية والإسكانية، باتجاه ترشيدها، ومنع سوء استغلالها، كما باتجاه حسن منحها وسدادها. وهو يقوم بعمله الرقابي كاملاً، سواء بالرقابة المكتبية أو الميدانية. ولا يتوانى في تصحيح أي مخالفة قد تقع، إذ هو غير متهاون أبداً على هذا الصعيد منذ 4 سنوات على الاقل.
4 - يلزم البنك المركزي البنوك كافة، ومنذ 2002 بتزويد العميل بنسخة من عقد القرض، وفيها كل التفاصيل والشروط. وبالتالي فان العقد شريعة المتعاقدين.
5 - لا فوائد مركبة على القروض كما يدعي بعض النواب، بل تمنح القروض بفوائد وفقا لاسلوب الرصيد المتناقص اي أن الفائدة تتناسب مع الرصيد الباقي دائما.
6 - يجهل بعض النواب حقيقة اسعار الفائدة حتى ان بعضهم ادعى انها تصل إلى %20! والصحيح انها لا تتجاوز حاليا %5 اي بهامش حده الاقصى %3 فوق سعر الخصم.
7 - يتحجج بعضهم ان البنوك تستغل اموالا عامة، فهناك من يدعي ان هناك ودائع مجانية من البنك المركزي او الحكومة في المصارف المحلية. وهذا الادعاء عار عن الصحة. فالودائع الحكومية في البنوك هي ودائع تجارية تدفع مقابلها فوائد هي اعلى من المتوسط الذي يمكن تحصيله في بنوك اوروبية او اميركية. اذن هي ليست منة ولا عطاء مجانيا.
8 - يجهل بعضهم ان القروض الاستهلاكية لا يتجاوز رصيدها كما في نهاية 2012 المليار دينار، وهي منتظمة السداد عموما. الى ذلك هناك نحو 6 مليارات قروض اسكانية، وهنا بيت القصيد. اذ ان المصارف المحلية، وبتلك القروض تسهم في حل الازمة الاسكانية التي عجزت الحكومة عن حلها عبر الرعاية السكنية. فما تقدمه البنوك من قروض لمواطنين راغبين ببناء او شراء بيت العمر يفترض الا يواجه بالاتهامات الباطلة في كثير من الاحيان.
فقروض البنوك اسهمت باسكان عشرات آلاف المواطنين، واسهمت في بناء مناطق سكنية جديدة، وكانت عونا حقيقيا في هذا الصدد.
9 - هناك من يربط جهلا قضية القروض بأن البنوك تتمتع بضمان حكومي للودائع. وينسى هؤلاء ان ذلك الضمان هو للمودعين من المواطنين وليس للبنوك!
10 - يستخدم بعضهم حججا واهية، كما لو ان البنوك ضغطت على مواطنين لاقراضهم، او هي مارست ما ليس قانونيا لذلك. والحقيقة ان المواطن يقدم على طلب القرض بمحض ارادته وهو عالم بكل شروطه. فكيف لنائب ان ينصب نفسه وصيا على مواطنين، وهم بكامل رشدهم وقواهم العقلية؟!
11 - يسعى البنك المركزي والبنوك دائما لتوعية طالبي القروض الى اوضاعهم، وما اذا كانت تتحمل او لا تتحمل قروضا. وعلى المواطن طالب القرض ان يدرس مواءمة اوضاعه ودرس قدرة تحمل مداخيله لاكلاف القروض. وعليه اولا واخيرا تحمل مسؤولياته كاملة.. لا ان يترك ذلك لنائب او لمصرف او لجهة رقابية.
12 - هناك مسألة في غاية الحساسية، وهي ان من يتعرض لبنوك بالهجوم والاتهام انما هو يتعرض لقطاع حيوي فيه مدخرات كل المواطنين والمقيمين، ويعمل فيه عشرات آلاف المواطنين. فالقطاع المصرفي اكبر مستخدم للعمالة الوطنية في القطاع الخاص.
كما ان عدد مساهمي البنوك قد يصل الى 16 الفاً او اكثر، كما ان هذا القطاع هو الاكبر في سوق الكويت للاوراق المالية وعليه يقوم عماد السوق عموماً.
13 - أخيراً، يتناسى من يتناول ملف قروض الافراد المواطنين ان هناك ملفا اعقد وراءه، وهو النهم الاستهلاكي المفرط لشريحة من الناس. فاذا كان بيت السكن ضرورة لا نقاش فيها، فان النقاش يمكن ان يتناول كيفية بناء ذلك المسكن، وبأي حجم، وبأي ديكور وبأي اثاث، وبأي كماليات فيه.
الى ذلك هناك نهم في الاقبال على القروض الاستهلاكية لاغراض كثيرة يمكن التوقف عند بعضها مثل الاقتراض لتغيير السيارة كل سنة او كل سنتين! او شراء سيارة ثانية وربما ثالثة ورابعة في الاسرة الواحدة. وهناك من يقترض ليسافر ويقضي عطلة رفاه واستجمام. كما ان بعض القروض تتسرب للمضاربة في سوق الكويت للاوراق المالية!
دكتور في علم الاجتماع في جامعة الكويت يقول: الحسد جزء من القضية. هناك من يريد ان يعيش ويستهلك بطريقة اخرين اكثر اقتدارا ماليا منه. والدكتور الذي رفض ذكر اسمه لحساسية القضية يضيف: سياسات الحكومات المتعاقبة جزء من المشكلة. ان اعطاء الانطباع دائما كما لو ان الدولة راعية ومتحملة كل الاكلاف مهما كانت.. ادى الى اقبال هائل على الاستهلاك على انواعه، حتى لو باستخدام القروض المتراكمة. ويشير الى ان ثقافة النهم الاستهلاكي ضربت اطنابها على كل المستويات، اذ يكفي النظر الى فاتورة الاستيراد السنوية البالغة نحو 50 مليار دولار بمتوسط 50 الفا لكل فرد.. لتعرف ان الامور تسير نحو الاسوأ طالما ليس هناك اي سعي جاد لقلب الاتجاه نحو مزيد من الادخار كما في الدول المتقدمة.. فالادخار وكيفيته من معايير مقياس تقدم الشعوب.. فأين نحن من هذا؟!
النوري: يطرحون ما يخالف العدالة ويتعارض مع الدستور
قال رئيس مجلس الادارة في بنك الخليج محمود عبد الخالق النوري ان ملف معالجة فوائد القروض يجب ان يكون في اطار من العدالة التامة، وان اي معالجة تصدر فيه يجب الا تتعارض مع الدستور.
وقال النوري ان ذلك يعني احقاق العدالة التامة لكافة الكويتيين، ومن دون اي شبهات دستورية.
وأضاف: نرحب بالمعالجة ضمن حدود واطار القانون، وفي هذا الاطار نتطلع الى ان تكون المعالجة من خلال صندوق المعسرين، مشددا على انه لا مانع ابدا من المضي في اجراءات التيسير على المواطنين وتخفيف العبء عن اي فئة كانت، لكن من خلال صندوق المعسرين، مشيراً الى انه في حال رأى ممثلو الامة ان الصندوق يحتاج الى تعديلات فلتكن. وتابع: ان في مبدأ الغاء الفوائد بشكل عام تندرج ضمن سياسة التدليل والافساد للمواطنين وتعويدهم على الدخول مرة اخرى في قروض وتحمل مبالغ اضافية اعتمادا على ان الدولة ستحل هذه المشكلة. ان ترسيخ وتأصيل هذا النهج له اثار سلبية وخيمة.
واضاف النوري: يجب ان يكون غايتنا وهدفنا جميعا احترام الدستور والقانون، لذلك نرى ان اي اجراء يهدف الى التخفيف والتيسير على فئة من الشعب يجب ان يكون من خلال الصندوق الذي انشئ لهذا الغرض.
الصقر: أحكام قضائية أكدت سلامة موقف البنوك على الدوام
قال نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عصام الصقر ان ملف القروض سبق وان تمت مناقشته في السنوات السابقة وتمت معالجته معالجة عادلة وجذرية عبر صندوق المعسرين.
واضاف: لجأ عدد من المدينين للبنوك الى ساحات القضاء العادلة وصدرت احكام لمصلحة البنوك اكدت سلامة موقفها وانها لم تتقاض اكثر من الاسعار المحددة.
وتساءل مستغربا: لماذا بعد كل ذلك يعاد فتح الموضوع من جديد، أليس ذلك مضيعة للوقت؟
وتناول الصقر جانبا آخر، بقوله: ان اجراء اسقاط الفوائد او حتى ما يقال عن جزء من القروض ليس فيه عدالة وهو ظلم لمن التزم وسدد. سيرسخ هذا الامر مبدأ وثقافة مستقبلية ان من اقترض سيضع في حساباته دائما اسقاط القروض او الفوائد يوما ما وهذا مبدأ له تداعياته السلبية.
ومضى الصقر موضحا: ان العقد شريعة المتعاقدين. فكل مدين لجأ الى مصرف اتفق معه يعلم تماما ما عليه من التزامات وما له من حقوق.
السميط: لماذا لا تتحمّل الدولة أيضاً جزءاً من فوائد قروض الشركات؟
قال نائب رئيس المديرين العامين في البنك الأهلي الكويتي عبدالله السميط، ان معالجة ملف القروض يجب ان تكون فيه عدالة بحيث تشمل الجميع، مشيراً الى ان البنوك ليس لها أي ذنب في هذا الأمر، ففي وقت من الأوقات كانت الفوائد مرتفعة وحالياً منخفضة جداً حتى لا تكاد تذكر، وبالتالي الأمر ليس متاحاً للبنوك ان تحدد كيفما تشاء بل هناك ضوابط ورقابة.
ودعا السميط الى تحمل الدولة جزءا من فوائد الشركات أيضاً ومعالجة أوضاع المستثمرين ممن لديهم أسهم وعقار وتضرروا بلا ذنب.
ودعا أيضاً الى تنشيط الاقتصاد ككل وتحريك عجلة التنمية بشكل أفضل مما سبق بحيث ينعكس هذا الجو على الجميع ويستفيد منه المواطن بشكل ملموس يساعده على هيكلة أوضاعه.
وقال السميط: ان للبنوك دورا رائدا في تنمية البلد واقتصاده ويجب ألا نختزل دورها في قروض الافراد فقط، فنحن نمول ونشجع الصناعة والتجارة، وما تعمير البلد ونهضتهة الا وللبنوك دور فيهما، مشيراً الى ان من يتحدث عن البنوك بسوء هم أنفسهم من استفادوا من تمويل لشراء سكن وتعمير منازل.
العقاد: ماذا عن مساعدة المنتظمين في السداد.. وماذا عن غير المقترضين أساساً؟!
اعتبر رئيس المديرين العامين والرئيس التنفيذي في بنك الخليج ميشال العقاد ان اقتراح اسقاط فوائد القروض مفيد لمساعدة المواطنين المقترضين، خصوصاً المتعثرين منهم، لكنه غير عادل، وقال: «صحيح انه قد يخفف عبء الديون على المتعثرين الأفراد، لكن لماذا لا تتم مساعدة المواطنين المنتظمين بالسداد أو الذين لم يقترضوا مثلاً؟ ولماذا معاملة من اقترض مبالغ كبيرة مثل الذي اقترض فقط المبلغ الذي يحتاج اليه؟».
واقترح العقاد على الحكومة ان تساعد جميع المواطنين على حد سواء تطبيقاً لمبدأ العدالة والمساواة، فتعطيهم منحة نقدية لمرة واحدة، مما قد يساهم أيضاً في معالجة قضية المتعثرين ويساعد المقترضين على سداد فوائد ديونهم أو جزء من التزاماتهم ويخفف بالتالي عبئاً عنهم.
أما بالنسبة لتأثير الاقتراح النيابي على البنوك، فأوضح العقاد ان التأثير محايد على اعتبار ان المصارف ستحصل على أموالها في نهاية المطاف، حتى لو واجهت فجوة في المدفوعات لأشهر قليلة، كما حدث عند اطلاق صندوق المعسرين.
صليبا: إنها حلقة مفرغة.. فالنتيجة ستكون تشجيعاً مستمراً على الاقتراض
قال رئيس الجهاز التنفيذي في البنك التجاري الكويتي نهاد صليبا ان مقترح اسقاط فوائد القروض سيؤدي إلى حلقة مفرغة، لأنه سيشجع المواطنين على الاقتراض مجددا، على أمل ان تسقط الحكومة قروضهم مرة اخرى.واعتبر صليبا ان هذا المقترح قد يساعد المقترضين الافراد ويخفف العبء عن بعضهم، لكنه لا يتمتع بأي فائدة اقتصادية، كما انه لن يغير من العادات الاستهلاكية في الكويت، بل على العكس.
وحول تأثير المقترح على البنوك المحلية، أوضح صليبا ان آلية شراء الفوائد غير واضحة بعد، لذا لا يفضل التعليق على تداعيات هذا المقترح على ميزانيات المصارف.
ونصح صليبا باعتماد اقتراحات تنمي المجتمع، وتخلق فرص عمل للمواطنين وتشجعهم على الادخار والاستثمار. وفي حين اشار الى ان اسقاط فوائد القروض يرفع المسؤولية عن المواطنين، قال صليبا ان أي مشروع لمساعدة المقترضين الأفراد يجب ان يأخذ بعين الاعتبار تحمل هؤلاء مسؤولية اقتراضهم، لا انقاذهم حتى لا يستدينوا مجددا، فنبقى ضمن الحلقة المفرغة.
وتساءل صليبا: «لماذا لا تتم مساعدة قطاع الشركات المتعثر فيستفيد عدد كبير من المساهمين والموظفين، كما تنتعش البنوك والبورصة، ويصبح دور الحكومة ايجابيا تجاه الاقتصاد ككل؟».
المنحة أفضل
قالت مصادر مصرفية: إذا كان لا بد من مساعدة مقترضين، فهناك حل يشملهم ويشمل غيرهم بعدالة تامة، وهو: منحة بعدة آلاف لكل مواطن.