الأزمة السياسية المحتدمة تزيد المشهد قتامة
مصارف: نمو هامشي لأرباح 2012 والمخصصات مستمرة في 2013
محمد الإتربي
تتجه أرباح القطاع المصرفي للنمو بشكل هامشي في 2012، وذلك كما في 2011، لان المشهد نفسه تقريباً اذ لم يطرأ تحسن ملموس على المناخ التشغيلي العام، ولم تتحسن اسعار الاصول المالية والعقارية، لا بل تراجعت قيم رهونات اساسية متمثلة في اسهم مدرجة ثقيلة او متوسطة الثقل، كما لم تظهر بوادر دعم حكومي حقيقي لسوق الأسهم، علما ان ما تسرب من الفريق الوزاري والمالي الذي تشكل قبل الازمة السياسية كان يوحي «بفعل ما»، الا ان الآمال عادت لتتبخر مرة اخرى.
إلى ذلك، فإن الازمة السياسية المحتدمة حالياً ترخي بظلال قاتمة اضافية، لتجعل المشهد العام اقل إشراقاً مما كان يتفاءل به بعضهم.
لذا فإن الجهات الرقابية مثل البنك المركزي ترى ان التحوط الاضافي واجب، وهذا ينسحب على بند المخصصات العامة المطلوب تعزيزها، مع نهاية العام، واستمرارها في العام المقبل وربما في 2014 ايضاً.
هذا الملف يتسم بحساسية شديدة جعلت المصرفيين يتحفظون كثيراً في البوح بآرائهم في شأن سياسة حسم المخصصات وآلياتها، مشددين على انه ممنوع ان نصرح بهكذا ملفات علناً، حتى لو كان لنا وجهة نظر معينة.
لكن بعض الآراء التي حصلت عليها القبس اوحت بوجود جو غائم جزئياً، يراه مصرفيون حيال ملف المخصصات، بعد اعتماد البنك المركزي للبيانات المالية لفترة الأشهر التسعة، وما لمسوه من متطلبات حيال هذا البند، الذي ربما هناك من رأى انه قد ظلم به، عندما تم طلب تجنيب مخصصات عامة اضافية، مما بدت معه قناعة بأن بند المخصصات العامة لا قاع له على المدى المنظور.
والاكثر من ذلك هو ان توقعات بعض المصرفيين تؤشر الى انه ممتد الى سنوات مقبلة، كون المخصصات العامة التي يفرضها البنك المركزي ليس لها معايير واضحة، بل هي خاضعة بالدرجة الاولى لرؤية الجهات الرقابية، ودرجة خوفها من استمرار تداعيات الازمة عامة.
مصرفي يقول: كيف نتوسع في الائتمان للشركات، اذا كانت المخصصات العامة بالمرصاد، على اعتبار ان باب التعثر مفتوح دائماً، بسبب استمرار تداعيات الازمة، علماً أن فلسفة البنوك بشأن الضمانات تغيرت بعد الازمة 180درجة حيث تصل طلبات درجات الامان مقابل اي منح بما نسبته %200 وربما اكثر في حالات معينة.
وفي ما يلي اهم الملاحظات المصرفية:
ــ سياسة المخصصات يجب ان تكون واضحة الاسباب والمعايير بمعنى ان الحسابات غير المنتظمة او المتعثرة تقابلها مخصصاتها الكافية والكاملة، فيما خصم مخصصات لأمور بعلم الغيب قد تشكل ضغطا لا داعي له.
ــ كل بنك يتحمل مسؤولياته طالما يقدم موازنة مدققة من مدققين خارجيين مستوفية المخصصات المحددة.
ــ مصرفيون يؤكدون ان كل الحسابات المتعثرة او التي بشأنها شكوك تقابلها مخصصات محددة وبالنسب الرقابية التي يفرضها «المركزي» وبشكل مبكر، لذا قد يكون التمني بعدم زيادة الاعباء والاحمال بخصم مخصص عام اضافي.
ــ النسب الرقابية لكفاية رأس المال محليا بين الاعلى في المنطقة وحتى عالميا وهذا باعتراف البنك المركزي نفسه فضلا عن كل مؤسسات التصنيف.
مصرفي اخر يقول: المبالغة في الحذر تدفع لتركز الائتمان في المشاريع الحكومية وقطاع الافراد. علما بأن في هذين القطاعين مخاطر ايضا اذا اردنا توسعة دائرة الخوف من المجهول. فماذا لو تراجعت اسعار النفط بقوة؟ وماذا لو توقفت المشاريع الحكومية بعد عجز حقيقي في الموازنة؟ وماذا؟ وماذا؟ فهل نبدأ من الآن بحسم مخصصات عامة لمقابلة هكذا توقعات متشائمة؟
ــ يضيف المصرفي: عندما يتم طلب خصم مخصص عام اضافي نقول حددوا لنا حسابا واحدا «طايح» لا تقابله اجراءات احترازية كافية. لا نجد رداً، ويأتينا الطلب بالخصم والتنفيذ بلا كثير من النقاش، وفي الوقت ذاته يمنع علينا احيانا نقل مخصص عام الى محدد عند الحاجة، اذاً لماذا خصم مبالغ اضافية طالما لا تستخدم عند الحاجة اليها؟
آراء أخرى
ــ بنوك وصلت لديها المخصصات العامة والمحددة الى اكثر من رأس المال، فهي موقفها آمن برأيها وترى انها تستحق تخفيف الضغوط عليها.
ــ هناك من يرى ان جهود اعادة هيكلة الديون والقروض يجب ان تقابلها مكافأة ما من الجهات الرقابية وليس عقابا بالمخصصات الاضافية لاسيما العامة منها.
● مدير ائتمان يقول: ان سياسة شد الأحزمة لفترات زمنية طويلة تبدو ذات آثار وأبعاد سلبية حتى على نفسيات العاملين في القطاع ومستويات الإنتاج والأداء لديهم.
ويقول قيادي: على البنك المركزي ان يساعد البنوك في تجاوز البيئة التشغيلية الصعبة والعمل على تحسينها لأنه هو المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة حتى لو تطلب الأمر اللجوء الى أعلى سلطة لفرض ما يراه مناسباً للمصلحة الاقتصادية العامة.
قيادي آخر يقول: ان حساسية «المركزي» الشديدة تجاه المخصصات تشكل عامل ضغط غير مباشر على البنوك اذ باتت بنوك تقع تحت ضغط علني أو ضمني من دائنين راغبين في تحصيل خصومات وشطب، وباتوا يقولون لمصارفهم الدائنة: أي توقف وإعلان تعثر سيترتب عليكم مخصصات كبيرة.. هكذا انقلبت المعادلة لمصلحة المدين.
● مصدر مالي واستثماري يشير الى ان زيادة المخصصات العامة تأكل من رصيد الأرباح، وهذا بدوره يؤثر في أسعار الأسهم المصرفية التي تنخفض لتنخفض معها أسهم كثيرة أخرى، وهكذا ندخل في دوامة تؤثر في نسبة التفاؤل بتماسك اسعار الأصول وبالتالي الرهونات.
● على صعيد الائتمان، يشير مصرفي الى ان المخصصات العامة المبالغ فيها قد يكون لها أثر غير مباشر على صعيد زيادة الحذر في التمويل، اذ كيف لمصارف التوسع الائتماني اذا كانت ستجد نفسها دائماً أمام تحوط إضافي مطلوب في باب المخصصات الاحترازية؟
● الى ذلك هناك من يؤكد ان مجالس إدارات البنوك باتت تحاسب إداراتها التنفيذية بكثير من القضايا التفصيلية لا سيما على صعيد التعثرات وما يجب التحوط منه، لذا نجد إدارات تنفيذية اليوم تحت ضغط مضاعف: من مجالس إداراتها ومن البنك المركزي، مما قد تفقد معه أي شهية على أي مخاطر جديدة.
تبقى الاشارة أخيراً الى ان البنك المركزي راغب في التحصين ثم التحصين ثم التحصين حتى لا يجد نفسه أمام مفاجآت كبرى غير سارة.