ظروف الأزمة المحلية والعالمية تُصعّب التطبيق الفعلي
التوقيت ثغرة إضافية في قانون هيئة الأسواق!
القبس 17-7
لماذا لا تُضبط ساعة تنظيم السوق حسب مؤشرات الأزمة المالية؟ تصوير حسن يونس
لماذا لا تُضبط ساعة تنظيم السوق حسب مؤشرات الأزمة المالية؟ تصوير حسن يونس
مارون بدران
لم يبق أحد منذ عام 2003 إلا وطالب بإنشاء هيئة لأسواق المال في الكويت، من أجل زيادة الرقابة وتحسين التنظيم وتعزيز الشفافية في البورصة. من المؤسسات الدولية، إلى وكالات التصنيف والبنوك العالمية والاقليمية، فالجهات المحلية الرسمية والخاصة. حتى ان بعض أصحاب المصالح الفاسدة، كانوا ينتهزون كل فرصة يحضرها الإعلام، فيتشدقون بأهمية وضرورة إنشاء هيئة تشدد الرقابة وتمنع التلاعبات!
وبعد 7 سنوات من المطالبات والمناشدات والاقتراحات، أقر مجلس الأمة، وتحديدا في فبراير 2010، قانون إنشاء هيئة أسواق المال، بهدف إنهاء عصر الفلتان الحاصل في سوق الكويت للأوراق المالية. هذا الفلتان الذي أدى في نهاية المطاف إلى كارثة أفقدت المتداولين أكثر من 100 مليار دولار في أقل من سنتين. لكن سُرعان ما قُرعت طبول الحرب على هذه الهيئة، ووُجهت أسهم الانتقادات إلى قانونها، خصوصا إلى بعض المواد المثيرة للجدل فيه.
تختصر أوساط استثمارية النقاط الخلافية في القانون، والتي اندلعت أخيرا حولها معارك كلامية وصل صداها إلى مجلسي الوزراء والأمة، بما يلي:
1 - خصخصة البورصة.
2 - المادة 157 الخاصة بنقل جميع موظفي البورصة إلى الهيئة.
3 - التركزات الاستثمارية في الصناديق (لا ينبغي أن تتعدى نسبة %10).
4 - تشديد معايير المديرين المحترفين والفصل بين مصالحهم.
5 - الافصاح اليومي عن التغيّر في الملكيات، خصوصا في ما يخص المؤسسات الحكومية مثل الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية.
هذه النقاط الخمس، أضف إليها بعض الرسوم التي وضعتها هيئة الأسواق لتتقاضاها نظير خدمات، فاعتبرتها بعض الجهات غالية نسبيا. كما يُضاف إليها أيضا مسألة مهل توفيق أوضاع الشركات المدرجة، والتشابكات الرقابية بين وزارة التجارة والبنك المركزي من جهة، وهيئة الأسواق من جهة أخرى.
هذه النقاط الخلافية - إن صح التعبير - أدت إلى تجاذبات حادة بين قائل بضرورة تعديل القانون وتغيير المواد موضع الصراع، وبين مُطالب بتطبيق القانون بحذافيره أولا، ثم تعديل ما ينبغي تعديله. غير أن مراقبين مستقلين نسبيا، أو على الأقل بعيدين عن الجدال القائم، يسجّلون ملاحظات ومواقف عديدة في هذا الإطار:
أولا:
ليس هناك قانون كامل أو مقدس، خصوصا أنه صادر عن نواب بشر، يشرّعون وفق معطيات تراكمت أمامهم وإفادات خبراء حولهم. فحتى دساتير الدول تخضع لتعديلات في أوقات كثيرة.
ثانيا:
بدأت المطالبة بقانون لإنشاء هيئة رقابية مستقلة منذ سنوات طويلة، وقد نالت النقاشات في هذا الجانب حظوتها في لجان مجلس الأمة. كما أن تعديلات كثيرة طرأت على الصيغة الأصلية لمشروع القانون الذي كانت قد تقدمت به الحكومة أيام الوزير يوسف الزلزلة، وهو ما سُمي بـ«قانون أماني بورسلي» حينها (أعدته مع فريق عمل عندما كانت دكتورة جامعية). ثم طرحت الحكومة مشروع قانون وزير التجارة السابق فلاح الهاجري، فقانون الوزير أحمد باقر، حتى القانون المعدل مرارا وتكرارا والذي صدر في عهد الوزير أحمد الهارون. وقد طُرحت صيغ للقانون وتعديلات بالعشرات عليه من قبل جهات كثيرة أبرزها غرفة التجارة والصناعة واتحاد الشركات الاستثمارية. إذاً، جاء القانون الحالي بعد فترة طويلة من الشد والجذب أيضا، رغم اتهام البعض بأنه «سُلق» في اللجنة المالية البرلمانية، بمعنى أنه لم يأخذ حقه من النقاش، أو بالأحرى لم يؤخذ بوجهة نظر بعض المتخصصين فيه.
ثالثا:
يُعتبر القانون الحالي من أفضل القوانين نسبيا التي أقرها مجلس الأمة في الأعوام القليلة الماضية لولا بعض الثغرات، على اعتبار أنه يؤدي الغرض منه، وهو تشديد الرقابة على تداولات سوق الكويت للأوراق المالية، وينظم قطاع المال المحلي، ويعزز الشفافية والحوكمة في الشركات. فقانون هيئة الأسواق قد يوصف بالعصري والجيد، خصوصا إذا ما قورن بقوانين مشددة صدرت أخيرا مثل قانون الـb.o.t، والقانونين السكنيين 8 و9 لعام 2008، وقانون الخصخصة، والتي لم تؤت ثمارها بعد.
رابعا:
قد تكون جميع النقاط الخلافية (باستثناء التركزات الاستثمارية في الصناديق على أساس محدودية الفرص في السوق) وُلدت محلولة لو أن القانون لم يُقر في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها سوق الأسهم المحلي، وتداعيات الأزمة المالية العالمية عليه بشكل خاص، وعلى الاقتصاد الكويتي بشكل عام. فالأزمة، التي قضت على الأخضر واليابس، ما زالت قابضة على أنفاس الشركات، وخانقة لأي نمو في أعمالها. فحتى نشاطات البنوك، وهو القطاع الأكثر تعافيا من تداعيات الأزمة، لم تعد، ولن تعود بسهولة إلى مستويات ما قبل الأزمة.
مرض القطاع الخاص
ويؤكد المراقبون أن القطاع الخاص الكويتي يعاني اليوم من مرض فتاك، لم يبدأ مرحلة التعافي منه، بعد نحو 4 سنوات على اندلاع الأزمة المالية في سبتمبر 2008. ويلفت هؤلاء إلى أن السلطات في الدول حول العالم، حاربت منذ اللحظة الأولى للأزمة على جبهتين: الأولى، عبر اجتراح حلول لمساعدة قطاع الشركات والأعمال على تخطي الأزمة، إن من خلال خطط التحفيز المالية وضخ منشطات السيولة في الأسواق. الثانية، عبر تشديد نظم الرقابة على القطاع الخاص. لكن هذه الخطوة الأخيرة، قامت بها السلطات الرقابية مع منح مهل طويلة المدى لاستحقاقها. فعلى سبيل المثال، سيكون تطبيق معايير بازل 3 المصرفية تدريجيا ويستغرق 7 سنوات بين عامي 2013 و2019. كما أن الشروط الأوروبية الجديدة للصناديق الاستثمارية سيبدأ تطبيقها في نهاية عام 2013.
ويقول المراقبون إن هذه المهل الطويلة نسبيا تمنح البنوك والشركات والصناديق فرصة أفضل لتوفيق أوضاعها مع الشروط والمعايير الجديدة، خصوصا أن ظروف الأسواق حاليا تعرقل مهمة المؤسسات وتؤخر خطط الإصلاح المطلوبة. وما ينطبق على الأسواق العالمية، يمكن اعتماده في البورصة المحلية. فأغلب نقاط الخلاف المثارة حاليا يمكن تفاديها إذا تم تمديد مهل توفيق الأوضاع.
أسئلة مشروعة
صحيح أن المرحلة الانتقالية من بورصة ذات رقابة وتنظيم ضعيفين الى عصر اللوائح التنظيمية المفصلة والعقوبات المشددة تحتاج الى تضحيات وتتسم بعدم الاستقرار، لكن الظروف الصعبة الحالية تجعل من هذه المرحلة الانتقالية أشد وطأة على سوق هش وشركات ضعيفة. اذ كيف يمكن لصناديق تتركز فيها نسب كبيرة من أسهم محددة لعشرات السنين أن تفك التشابكات وتتخارج من حصص ضخمة في أشهر قليلة من الأزمة؟ وكيف لمؤسسات حكومية أن تفصح يوميا عن التغيير في ملكياتها، وقد اعتاد فريقها لعقود على غير ذلك؟ وكيف لشركات أن تنافس على عقد خصخصة البورصة وهي غير قادرة على الوفاء بديونها؟ وكيف لمؤسسات توظيف مديرين جديدين لفصل المصالح في عصر يتسم بخفض النفقات وقلة المحترفين؟ وكيف لشركات دفع رسوم نظير تقديم خدمات «شبه ميتة»؟ وكيف لهيئة أسواق المال «غربلة» موظفي البورصة في وقت تتلاطم فيه موجات الأزمة بقاعة التداول؟
كل هذه الأسئلة طرحها مراقبون مع اجماعهم بأن المشاكل قد تُحل مبدئيا في حال اتخذ المعنيون قرارا بتمديد مهل تطبيق بعض الشروط والقيود والمعايير. فتوفيق الأوضاع تدريجيا يسمح للشركات الخاضعة لرقابة الهيئة بترتيب أوراقها بشكل أفضل، كما يمنح الهيئة نفسها وقتا اضافيا لتشكيل فريق عمل مهني يستطيع تنفيذ المهام الجسام الموضوعة على كتفها. ويشير المراقبون الى أن وزيرة التجارة طلبت بدورها ضمن سلة التعديلات المقترحة على القانون أن تمدد مهل توفيق الأوضاع، بهدف افساح المجال أكثر لتطبيق سليم وصحي للتشريع الجديد. ويوضح هؤلاء أن تمديد المهل لسنتين مثلا، لن يمنع سقوط بعض الشركات في شرك العقوبات، كما أن هيبة القانون تبقى فوق كل اعتبار. وهنا، يمكن للصناديق التخارج وللشركات المنافسة على شراء البورصة، وللمؤسسات الحكومية تشكيل فريق متخصص للافصاحات اليومية.
ضغط الأزمة
ومع الوقت، قد تضع ربما الأزمة المالية المحلية والعالمية أوزارها، خصوصا أنها ما زالت على أشدها اليوم، والدليل أزمة السندات الأميركية وتهديد الوكالات بتخفيض تصنيفها بسبب الصراع القائم على رفع سقف الدين، وكذلك أزمة الديون الأوروبية السيادية والمخاوف المتفاقمة حول مصير اليورو، وأزمة ارتفاع أسعار السلع، مما يؤثر سلبا في أسواق الأسهم والأوراق المالية وأعمال الشركات. وتشير الأوساط المالية الى أن علاقة السوق الكويتي والقطاعين العام والخاص وثيقة نوعا ما بظروف الأسواق العالمية اذ تتأثر بعوامل ونقاط عدة أهمها:
1ـــ تطورات أسعار النفط.
2 ـــ ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
3 ـــ أسعار صرف العملات المتقلبة.
4 ـــ الاستثمارات في الأدوات والأوراق المالية العالمية من أسهم وسندات وصناديق ومحافظ وودائع.
5 ـــ أوضاع الائتمان العالمية الصعبة.
كل هذه العوامل، يُضاف اليها التأثر النفسي باستمرار الأزمة المالية الخانقة في أسواق العالم، تضغط على القطاع الخاص المحلي، وتؤخر انتعاشه وتعيق تقدمه تجاه توفيق أوضاعه مع قانون الهيئة.
وفي الختام، يشير المراقبون الى أن هيئة أسواق المال ومجلس مفوضيها ليسوا «جزارين» أو محبين لتدمير السوق كما يُشاع، بل هم محترفون جاءوا لتطبيق قانون طالما انتظره أهل الكويت، وبناء بورصة صحية تقوم على معايير دولية وتشجع الاستثمارات الأجنبية وتنظف أخطاء تراكمت في شركات كويتية. انه عصر «الهيئة»، حبذا لو تجعل منه عصر اصلاح شامل تدريجي ومحكم، دون أن يؤخذ الصالح بالطالح، نظرا للظروف الاستثنائية المحيطة.
أفضلية قانون الإطار العام
قالت مصادر مراقبة ان قانون هيئة أسواق المال لو كان قصيرا ولم يتطرق إلى تفاصيل عديدة، لما واجه المشاكل نفسها التي يواجهها اليوم. بمعنى أنه لو كان قانون إطار عام، كما أراد له الوزير السابق فلاح الهاجري، لكان منح الهيئة صلاحيات التشريع ووضع اللوائح التنظيمية، دون الرجوع إلى مجلس الأمة لتعديل أي مادة، كما هي الحال اليوم.
تأثير الأزمة العالمية على السوق المحلي
1- تقلبات أسعار النفط.
2- ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
3- أسعار صرف العملات المتقلبة.
4- الاستثمارات الخارجية في الأسهم والسندات.
5- أوضاع الائتمان العالمية الصعبة.
نقاط الخلاف حول بعض مواد قانون هيئة الأسواق
1 - خصخصة البورصة.
2 - نقل موظفي البورصة إلى الهيئة.
3 - التركزات الاستثمارية في الصناديق.
4 - تشديد معايير المديرين المحترفين.
5 - إفصاح المؤسسات الحكومية يوميا عن التغيير في الملكيات.