صفقات مليونية تُذكِّر بأيام المضاربات المحمومة
عودة «صاروخية» لعقار دبي.. وسط ذهول المراقبين
مدينة باهرة
دبي - القبس
قفزت أسعار عقارات دبي خلال أسابيع قليلة ماضية بنسبة تجاوزت %100 ووصلت إلى 200 % في بعض المشاريع وبعض المناطق المميزة على أيدي مشترين ومستثمرين جادين دفعوا أموالاً ضخمة أدت إلى زيادة الحراك العقاري، ورفعت مؤشر أسعار السوق إلى 3 أضعاف مقارنة بأعوام الذروة التي شهدت ارتفاعات حقيقية بنسبة %100 حسبما أفاد مدير عام أراضي وأملاك دبي سلطان بطي بن مجرن، كما ذكرت أنباء صحفية.
وأشار إلى أن أرضاً بيعت بأكثر من 110 ملايين درهم خلافاً لسعرها المستهدف عند 29 مليوناً، فضلاً عن شقة بنتهاوس بيعت بأكثر من 34 مليوناً، في حين كان سعرها المستهدف 9 ملايين. وأوضح أن مستثمراً روسياً اشترى شقة فاخرة بمبلغ 34.7 مليون درهم (ما يعادل قرابة 4 أضعاف سعرها البالغ 9.5 ملايين درهم) حسب تثمين الدائرة في ذلك المزاد.
وفاز المستثمر الروسي بالشقة الواقعة في برج «لو ريف» في مرسى دبي، بعد منافسة حادة مع مستثمر إيراني. وتبلغ مساحة الشقة 1355 متراً مربعاً. وأشار بن مجرن إلى أن تلك العقارات وغيرها بيعت في مزادين نظمتهما الدائرة خلال الأسبوع الماضي وشهدا للمرة الأولى منذ عام 2008 إقبالاً كثيفاً من مستثمرين انخرطوا في منافسة حادة لشراء عقارات في مختلف مناطق الإمارة وسط أجواء مثيرة وحماسية حبست أنفاس المشاركين.
أكدت وكالة بلومبرغ أن القطاع العقاري في دبي أظهر علامات انتعاش واضحة، حيث ارتفع عدد الصفقات العقارية في دبي بنسبة %50 في النصف الأول من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفق بيانات دائرة الأراضي. وقد بلغت القيمة الاجمالية للمشتريات العقارية 12 مليار درهم، وهي لا تزال أقل بنسبة %74 مقارنة بحجم مبيعات بلغ 46.6 مليار درهم في النصف الأول من 2008. كما ارتفعت أسعار العقارات في أفضل المواقع مثل داون تاون ومارينا، بنسبة %15 في العام الحالي. وارتفع الطلب على الفيلات التي تشكل %20 من إجمالي العقارات في دبي، مقارنة بالطلب على بقية أنواع العقارات، وفق ما قاله عامر خان مدير صندوق استثماري في شعاع كابيتال. وأضاف خان ان هذا الطلب يختلف عما رأيناه منذ أربع سنوات. الطلب هذه المرة شديد الانتقائية.
وارتفع الطلب بصفة خاصة من مستثمرين من الهند وباكستان وايران وبعض دول الربيع العربي بسبب الاستقرار الذي تتمتع به دبي منذ أزمة اليورو والربيع العربي، وفق ما قاله جان باول هسمان المحلل الاستثماري في «أي اف جي هيرمس». وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة اس ام الاستشارية في نيويورك سعود مسعود ان الارتفاع أو الانتعاش لا يكون مستقرا من دون نمو سكاني ونمو في الوظائف. وأضاف إان مشكلة ارتفاع العرض على الطلب يحتمل أن تستمر لمدة عقد آخر من الزمان.
ارتفاع الإقراض
وقال المحلل في «اي اف جي هيرمس» في دبي شبير مالك، إن تشديد شروط الاقراض قد يحد من افراط العرض، وأشار إلى أن إقراض شركات التطوير العقاري ارتفع %3 في الربع الاول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقد أجلت شركات التطوير العقاري بعض المشاريع لكن ليس كلها. فقد تم تصميم مشروع تاج محل العملاق في إطار عجائب فالكون سيتي، المشروع الذي يضم شققا سكنية ومكاتب وفنادق ومتاجر، ويشمل ضمن عجائبه بنايات تحاكي أهراما وسور الصين العظيم وبرج ايفل وبرج بيزا المائل، بينما بقية فالكون سيتي مؤجلة، فإن تاج محل العربي من المقرر أن يشتمل على فندق فاخر يحتوي 300 غرفة، وسيكلف 1.3 مليار درهم وعامين لينتهي البناء. وعادت إلى الوجود العديد من المشاريع العقارية التي تأجلت منذ الازمة الائتمانية العالمية في 2008. ومن تلك المشاريع ناطحة سحاب بأحواض سباحة فوق القمة وقناة بطول ميل تمر بين البنايات وحول تاج محل العرب الذي يفوق الحجم الاصلي لتاج محل الهندي.
وأكدت شركة هامبتنز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن هناك العديد من العوامل التي تعزز الطلب على العقارات التجارية في دبي، بما في ذلك توجه الشركات الكبرى نحو الانتقال إلى مقرات أكبر توفر مميزات أفضل من حيث التأجير، بالإضافة إلى محدودية الخيارات الجديدة المتوافرة في السوق.
نمو العقار التجاري
وفي بيان صحفي أشارت «هامبتنز» إلى تحقيقها نمواً كبيراً في صفقات وطلبات تأجير العقارات التجارية منذ بداية الربع الثالث (يوليو إلى سبتمبر) من العام الحالي، مع زيادة في الطلب على المساحات المكتبية في مناطق مثل «وسط مدينة دبي» و«مركز دبي المالي العالمي»، بما يعكس الأداء القوي الذي يشهده قطاع العقارات التجارية ومؤشرات النمو المهمة التي يتمتع بها في المرحلة الراهنة.
وقال مدير العمليات في «هامبتنز الشرق الأوسط وشمال أفريقي» نيراج مسند: «تتوجه أنظار كبار المستثمرين إلى السوق العقاري في دولة الإمارات العربية المتحدة، لا سيما قطاع العقارات التجارية في دبي، كمصدر للعائدات المستقرة، من منطلق اهتمامهم بشراء عقارات مؤجرة بالفعل، لتكون مورداً ثابتاً ومؤكداً يضمن عوائد قوية على استثماراتهم. ولا شك في أن المؤشرات الإيجابية في القطاع تشكل انعكاساً للنمو المستمر ضمن جميع القطاعات الاقتصادية في دبي، التي ترسخ مكانتها يوماً بعد يوم وجهة أولى للسياحة وعالم الأعمال، وهو ما يتجلى في الطلب القوي والمتنامي على المساحات التجارية».
التملك الفردي
وما زالت الوحدات التجارية المتوافرة للتملك الفردي في أبرز أحياء الأعمال، مثل «وسط مدينة دبي» و«مركز دبي المالي العالمي»، محدودة، الأمر الذي يدفع الشركات إلى البحث عن وحدات مصممة حسب الطلب. وبما ينسجم مع التوجهات العالمية الحالية، فإن تعزيز مستويات الإشغال وإثراء المحفظة العقارية يشكلان محوري التركيز الرئيسيين في القطاع بدبي، مع تراجع عقود التأجير السنوية القابلة للتجديد مقابل عقود التأجير طويلة الأمد التي تصل في بعض الحالات إلى ثلاث سنوات، بما يضمن فوائد معززة للمؤجر والمستأجر على حد سواء.
ووفقاً لـ«هامبتنز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، هنالك طلب قوي على المشاريع التجارية الجديدة مثل «بوليفارد بلازا» الذي طورته «إعمار العقارية» في «وسط مدينة دبي»، في حين تستمر مشاريع الأبراج التجارية المميزة مثل «كارنسي هاوس 2» في «مركز دبي المالي العالمي»؛ و«إعمار سكوير»؛ وبرج «ذا إتش دبي» على طريق الشيخ زايد في استقطاب عملاء جدد.
تخفيف القيود
ومع تخفيف القيود على شركات المنطقة الحرة والتسهيلات المتزايدة للحصول على التراخيص، يستفيد العديد من العملاء من هذه المميزات للانتقال إلى المناطق الحرة، وهو ما دفع الشركات متعددة الجنسيات إلى الاهتمام باستئجار العقارات التجارية. وبما يهدف إلى تعزيز تنافسية بيئة الأعمال في دبي بصورة أكبر مع نهاية السنة، أعلنت دائرة التنمية الاقتصادية في دبي أخيراً عن تطبيق مبادرة «120 يوم ترخيص» التي تسمح للمستثمرين الحصول على تراخيصهم من الدائرة فور تقديمهم طلب الترخيص، وفقاً لدرجة الخطورة في النشاط التجاري، الأمر الذي يتوقع أن يساهم بدور حيوي في تعزيز الطلب على العقارات التجارية في المدينة.
ويقول محللون: يبدو أن إمارة دبي تعافت بشكل شبه كامل من الأزمة العقارية التي بدأت في أواخر عام 2008، وأثرت في مختلف أنشطتها الاقتصادية، حيث إن التوقعات تشير إلى تحقيق دبي نمواً اقتصادياً جيداً خلال الفترة المقبلة سيفوق على الأغلب توقعات المحللين التي تأثرت بالأزمة السابقة.
وكان القطاع العقاري في دبي قد شهد أزمة أدت إلى انخفاض أسعار الوحدات العقارية بنسبة وصلت إلى 50 % بدءاً من أواخر عام 2008 وخلال عام 2009.
اقتصاد متنوع ومقاوم
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في تقرير على موقعها الإلكتروني عن مسؤولين حكوميين في إمارة دبي قولهم، إن الناتج الإجمالي المحلي للإمارة سوف يصل إلى 490 مليار درهم إماراتي (133 مليار دولار) بحلول عام 2015، مرتفعاً من 367 مليار درهم في عام 2011، وذلك بالتزامن مع تسجيل الإمارة نمواً اقتصادياً يبلغ متوسطه بين %4.5 و%5 خلال السنوات المقبلة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي سامي القمزي قوله «إن اقتصاد إمارة دبي متنوع، ومقاوم للعوامل الخارجية، تماماً كما أنه مقاوم للصدمات الداخلية أيضاً».
وأضاف القمزي: «نحن نعتقد أن النمو الاقتصادي في دبي سوف يكون أكثر استدامة، كما أنه سيكون بوتيرة أكثر اعتدالاً مما كان عليه في السنوات الماضية».
وتقول «فايننشال تايمز» إنه في عام 2007 رغم الطفرة التي كانت تعيشها دبي فإن حاكم الإمارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قال إن الناتج المحلي الإجمالي المستهدف لدبي بحلول عام 2015 هو 108 مليارات دولار فقط، لكن التوقعات اليوم هو أن يتمكن اقتصاد الإمارة من تحقيق ناتج محلي بقيمة 133 مليار دولار، وذلك على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم وبدبي خلال السنوات الماضية، مما يعني أن أداء الإمارة الفعلي كان أفضل من التوقعات التي سادت خلال فترة الطفرة.
وتشير «فايننشال تايمز» الى أن إمارة دبي نجحت خلال الفترة الماضية في إعادة هيكلة وتمويل العديد من ديونها المستحقة، لكن ووفق تقرير لبنك ستاندرد تشارترد فإن لدى دبي ديوناً يستحق أجل سدادها بين العامين 2014 و2016 وتبلغ قيمتها الإجمالية 48 مليار دولار.
وتشير التوقعات المتفائلة تجاه الأداء الاقتصادي لإمارة دبي إلى أنها – أي دبي - واثقة من القدرة على الوفاء بجميع التزاماتها المالية خلال السنوات القليلة المقبلة.
ونقلت ««فايننشال تايمز» عن وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري قوله، إن الإمارات تقدم قوانين تدعم ازدهار الاستثمارات وتعزز من الثقة لدى المستثمرين، سواء المستثمرون من داخل الدولة أو خارجها.
وفي حال تمكنت إمارة دبي من تسجيل هذه النسب القوية من النمو الاقتصادي فهذا يعني أنها ستكون داعماً مهماً للنمو الاقتصادي في دولة الإمارات ككل والتي يتوقع أن تسجل نمواً تتراوح نسبته ما بين %3.5 و%4 خلال السنوات المقبلة.