أرباح 8 منها تراجعت 16 في المئة خلال النصف الأول إلى 247.5 مليون دينار
حال البنوك من حال البورصة
انخفاض نسب تغطية القروض المتعثرة مع تراجع أسعار الرهونات
| كتب عبادة أحمد |
سجلت أرباح ثمانية بنوك كويتية مدرجة في النصف الأول أسوأ مستوى لها منذ الفترة المماثلة من العام 2009، الذي شهد ذروة الأزمة المالية العالمية، بفعل عودة المخصصات الى الارتفاع في مقابل بطء النمو التشغيلي نتيجة ضعف سوق الائتمان.
وسجلت أرباح البنوك الكويتية المدرجة، باستثناء بنك الخليج الذي لم يعلن نتائجه بعد، تراجعاً بنسبة 16 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي، لتتوقف عند 247.5 مليون دينار، مقارنة بنحو 294.7 مليون دينار في الفترة نفسها من العام الماضي.
اذا كان من خلاصة بدهية من ذلك، فهي أن حال البنوك من حال البورصة، نظراً للتشابك المعقد بين أداء سوق المال والأوضاع المالية لشركات القطاع الخاص، التي بدورها، تجد مرآتها في جودة الأصول في الميزانيات العمومية للبنوك.
وتشكل هذه الملاحظة شاهداّ آخر على المسار الانحداري للاقتصاد الكويتي، وانتكاس مسار التعافي الذي لم يصمد طويلاً بعد العام 2009. وتشير مصادر مصرفية الى أن انخفاض أسعار الأصول المرهونة لدى البنوك، وبالذات الأسهم المدرجة، فرض على معظم المصارف مراجعة نسب تغطية القروض المتعثرة باتجاه الخفض.
وكانت معظم البنوك تعلن نسب تغطية مرتفعة لمحافظ قروضها المتعثرة، عن طريق احتساب قيمة المخصصات المحددة لها بالاضافة الى قيمة الرهونات مقابل تلك القروض.
وحسب بيانات «موديز»، فان نسبة تغطية القروض المتعثرة بالمخصصات المحددة لا تتجاوز 50 في المئة، ترتفع الى 90 في المئة اذا أضيفت اليها المخصصات العامة. لكن معظم البنوك تعلن عن نسب تغطية تتجاوز المئة في المئة أخذاً في الاعتبار قيمة الرهونات لديها.
واللافت أن تراجع أرباح القطاع شمل بشكل خاص جميع البنوك الثلاث الأعلى ربحية، والتي تشكل عادة ثلاثة أرباع أرباح القطاع، ما يشير الى أن مدى صعوبة البيئة التشغيلية التي تعمل فيها البنوك.
وتراجعت أرباح بنك الكويت الوطني وبيت التمويل الكويتي والبنك الأهلي الكويتي مجتمعة بنحو 36.4 مليون دينار أو 16.5 في المئة.
وفي الصورة الأشمل، سجلت أربعة بنوك تراجعاً في الأرباح مقابل تحسن نتائج أربعة بنوك أخرى. وكان النمو الأفضل من دون منازع لبنك برقان، الذي تقدم ليصبح ثالث أعلى البنوك ربحيةً والثاني بين البنوك التقليدية.
وتستدعي النتائج المعلنة تسجيل بضع ملاحظات:
ومع تراجع الأسهم القيادية بشكل ملموس في الربع الثاني من العام، انخفضت قيم الرهونات بنسبة ملموسة هي الأخرى، ما دفع البنوك الى تجنيب المزيد من المخصصات الاحترازية.
• سجلت أرباح البنوك الثمانية في الربع الثاني تحديداً، تراجعاً كبيراً يصل الى 35 في المئة مقارنة بالربع الأول، (94.5 مليون دينار مقارنة بنحو 145.6 مليون دينار على التوالي)، ما يشير الى تدهور البيئة التشغيلية بشكل ملموس في مقابل نمو ضعيف للأعمال.
• في قلب هذا التراجع يقع تراجع البورصة. فقد كان الربع الثاني سيئاً للغاية على مستوى الأسهم القيادية التي تقبلها البنوك كرهونات، مثل «الوطني» و«زين» و«بيتك» وسواها. ومن الواضح أن هذه التراجعات اضطرت بعض البنوك الى تجنيب المزيد من المخصصات على سبيل الاحتراز، عملاً بسياسة البنك المركزي التي تطلب من البنوك تجنيب المخصصات تدريجياً خلال السنة، بدلاً من الانتظار حتى الربع الأخير.
• لدى بعض المصرفيين مخاوف جديّة من أن يتعدى أثر تراجع السوق، (والأسهم القيادية تحديداً)، مجرد انخفاض قيمة الرهونات، ليصل الى اعادة النظر في ملاءة بعض العملاء، ممن هم خارج دائرة التعثر. وليس سراً أن بعض البنوك كانت تشتري الوقت ريثما تتحسن أسعار الأصول، لكن الرياح جرت عكس ما تشتهي.
• انخفاض السوق ليس الا حلقة من حلقة الحصار المحكم حول عنق القطاع، في ظل انخفاض أسعار الأصول الأخرى، وبالذات الأصول العقارية التجارية، التي تشكل هي الأخرى جزءاً من محافظ الرهونات. المفارقة أن بعض المصرفيين باتوا يرون الرهونات العقارية أرأف حالاً من الأسهم، أقله لأن العقار يمرض ولا يموت، ويبقى هناك دائماً من يرغب باكتنازه.
• قد تكون تعليمات البنك المركزي الأخيرة في شأن الفصل في التصنيف بين التسهيلات «السليمة» والقروض المعاد جدولتها اضطرت بعض البنوك الى زيادة مخصصاتها الاحترازية مقابل قروض تبدو سليمة على الورق، لكن لا يخفى على كثيرين أن اعادة جدولتها استبقت صعوبات في السداد.
• مع الأخذ في الاعتبار كل ما سبق، مشكلة البنوك الأساسية اليوم ليست في الملاءة ولا في القاعدة الرأسمالية، فجميع مصارف البلاد وفرت دعامات ضخمة من المخصصات خلال السنوات الماضية. المشكلة الجوهرية تكمن في الربح التشغيلي والنمو وسط ندرة فرص الاقراض. فالانفاق الاستثماري الحكومي مستمر في التراجع الى مستويات ما قبل الوعود الحكومية الطموحة باطلاق المشاريع الكبرى، حتى أن خطة التنمية تحوّلت الى خيال بعيد.
• نتائج البنوك ليست الا مرآة لحال القطاع الخاص. فضعف النشاط الاقتصادي ينعكس ضعفاً في سوق الائتمان، الذي لم يتجاوز نموه 2.9 في المئة في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي. والمشكلات الهيكلية في شركات القطاع الخاص تفرض ضغوطاً على مستوى جودة الأصول.
• نتائج البنوك الثمانية في النصف الأول هي الأسوأ منذ الفترة نفسها من العام 2009. (بلغت أرباح البنوك نفسها 257.1 مليون دينار و230 مليون دينار في الفترة نفسها من العامين 2010 و2009 على التوالي). لكن هناك فوارق. فجميع البنوك الآن رابحة، وجميعها قطعت شوطاً كبيراً في تجنيب المخصصات، أما الآن، فلا مخاوف رأسمالية جدية، بل صعوبات في النمو.
• يرجح أن يكون أفضل البنوك نمواً، «برقان»، قد استند في نموه الى أعماله الخارجية، فيما استفادت بنوك أخرى من تراجع مستويات المخصصات لديها من جهة، وعدم تشبع حصتها السوقية، ما أتاح لها بعض المجال للتوسع. وفي الحالين، لم تكن بيئة الأعمال هي العامل الحاسم في تحقيق النمو.
• يبقى أن نتائج الربعين الجاري والمقبل قد لا تكون أفضل حالاً ما لم تشهد البورصة تغييراً ذا معنى في أدائها. وحتى الآن، لا تبشر حصيلة ما مضى من الربع الثالث بالخير، وغالب الظن أن البنوك ستضطر الى تجنيب المزيد من المخصصات اذا استمر الأداء على هذا الحال المتردي.
تاريخ النشر : 12/08/2012