صحيفة الوسط
رؤية اقتصادية
صناديق الاستثمار .. أداء متميز أم ضربة حظ؟
أحمد معرفي
الأحد, 6 - يناير - 2008
يقول المثل «عط الخباز خبزه لو أكل نص»، هذا المثل الشعبي الرائع الذي لا أعرف مصدره يلخص أهمية التخصص والتفويض سر التفوق في كلمات معدودة! وهذا هو الهدف من وراء الأمثال، فهي لم تخترع من أجل الفضفضة وإحياء الموروث الشعبي فقط، بل هي خلاصة تجارب الآخرين وفيها حكم ومواعظ، ويعد هذا المثل أحد أسرار تفوق الأمم المتقدمة، فالفرد هناك غارق في مجال تخصصه ولا يعنيه ما عند الآخرين، بل ويفوض الآخرين بالمهمات كل وفق تخصصه.
وهذا المثل مستخدم على نطاق واسع عندنا في السوق أيضا، فغالبا ما يتم التحذير من التعامل بشكل مباشر في السوق، ومناشدة المتعاملين الراغبين في الاستثمار في الأسهم، بوضع أموالهم في أيدي أناس متخصصين، وذلك من خلال الاستثمار في الصناديق الاستثمارية، فالصناديق عادة ما تدار من قبل أشخاص مهنيين ذوي خبرة وكفاءة عالية.. إلا أن أداء عدد كبير من الصناديق نهاية العام الماضي قد أثبت العكس من ذلك، وقد شكك في مصداقية هذا المثل وأن ما يصلح لغيرنا قد لا يصلح لنا.
ففي هذه المرة استطاع كثير من المستثمرين «الأفراد» أن يتخطوا وبنجاح تقلبات السوق، وأن يحافظوا على مكاسبهم التي حققوها خلال العام الماضي، في حين عانت الصناديق والشركات من اتساع دائرة الخسائر! والدليل على ذلك هو نتائج أعمالها عن شهر نوفمبر الماضي، فقد كشفت التقارير الخاصة بأداء الصناديق المحلية أمرين مهمين، الأول: تراجع اغلبية الصناديق بنسب تفوق نسب تراجع المؤشرات العامة والمؤشرات المقارنة لها، فقد بلغ عدد هذه الصناديق 20 صندوقا من أصل 29 صندوقا، أما الأمر الثاني فهو ارتفاع نسبة التذبذب في أداء تلك الصناديق صعودا ونزولا، خصوصا في النصف الأخير من العام الماضي، الأمر الذي يتعارض مع الأهداف التي جاءت من أجلها الصناديق.
وقد يقول البعض إن ما حدث يعد أمرا طبيعيا ولا يمكن القياس عليه، نظرا إلى قصر الفترة، وإن النتائج من بداية العام لاتزال إيجابية. وللرد على هذا التبرير نقول إن هذا صحيح ولكن ترى ماذا سيحدث في حال استمر ذلك التراجع؟ هل ستتآكل جميع تلك الأرباح بشكل أسرع من المؤشر أيضا!
إن ما حدث قد أثار كثيرا من التساؤلات بشأن مدى قدرة الصناديق على المحافظة على الأموال، وهل المستثمر بحاجة إلى تلك الصناديق أم أن مهارات بسيطة في التحليل الفني تمكن المستثمر من أن يفوز بتلك المعركة - إن جاز التعبير - والنجاة من أخطارها؟ وهل فاز من بقي مع الصناديق أم لا؟
يتوجب على كل من الشركات المديرة للصناديق والمستثمرين فيها التوقف لحظة، وعمل تقييم ومراجعة للوضع بشكل عام.
فالشركات بحاجة إلى إعادة ترتيب لوضعها الداخلي من خلال إعادة النظر في سياسة الاستثمار، ومنهجية توزيع المخاطر الخاصة بتلك الصناديق، كما يجب أن توضع إدارات التداول تحت المجهر وتخضع للرقابة اليومية من قبل المسؤولين لمعرفة مواطن الانحراف وتقويمها، بالإضافة إلى عمليات التقييم الدوري لأداء هؤلاء المديرين، فكلما كان أداء الصندوق أفضل من أداء المؤشرات المقارنة كان ذلك إشارة على كفاءة الإدارة والعكس صحيح.
أما بالنسبة إلى المستثمرين في تلك الصناديق ففي ظل مستوى الشفافية والإفصاح المنخفضين لدينا في ما يتعلق بإفصاح الصناديق، فالأمر يتطلب مزيدا من الجهد للوصول إلى الصندوق الأمثل. وذلك عن طريق التحقق عن المسؤولين عن إدارة تلك الصناديق سواء في ما يتعلق بسنوات الخبرة والأداء التاريخي لهم، كما يجب التركيز بشكل أساسي على الأداء التراكمي للصندوق، فالتقييم بالنسبة إلى الصندوق عادة ما يكون تراكميا ولسنوات متتالية، على اعتبار أن الاستثمار في الصناديق هو استثمار طويل الأجل، والتأكد أيضا من مدى التزام الصندوق بالأهداف والسياسة الاستثمارية له.
إن صناديق الاستثمار هي دائما الخيار الأمثل، بشرط أن تطبق الفكرة بالشكل الصحيح ووفق المعايير والأصول المتعارف عليها، ونحن على يقيين أن مايحدث في عدد كبير من الصناديق خلط كبير بين الإدارة المتخصصة التي تنتهج النهج الاستثماري والعلمي في إدارتها للصندوق، والإدارة التي تعتمد على خبراتها السوقية، خصوصا في مجال المضاربة، ومالم تتضح الرؤية لدى تلك الإدارات بشأن الاختيار الأمثل لإدارة الصندوق، فإن الصناديق الاستثمارية مقبلة على مشكلات لا محالة.
عضو مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية
ahmarafi@gmail.com