المؤتمر الفقهي الثالث يدعو إلى تصحيح مسار العمل المالي الإسلامي
الزبيد: سمعة شركات الاستثمار في الحضيض
اعترف العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لشركة الامتياز للاستثمار علي أحمد الزبيد بأن سمعة شركات الاستثمار الاسلامية منها والتقليدية قد انحدرت الى الحضيض ما ادى الى فقدان ثقة الناس فيها وهذه الثقة سيصعب استعادتها في وقت قريب.
وقدر الزبيد ان السنتين من 2010 الى 2012 ستشهدان استعادة الثقة في تلك الشركات وحتى يحدث ذلك، فإن المستثمرين سيتجهون باستثماراتهم الى الاستثمار الآمن والمتمثل في العقار والودائع البنكية.
جاء ذلك في التصريحات الصحافية التي ادلى بها الزبيد على هامش المؤتمر الفقهي الثالث للمؤسسات المالية الاسلامية الذي بدأت أعماله أمس.
وقد صنف الزبيد شركات الاستثمار من حيث اعبائها المالية الى ثلاث فئات، الاولى وهي التي تأتي في قاع الهرم حيث وصفها بأنها ميؤوس منها ولا أمل في عودتها للعمل من جديد، والفئة الثانية وتضم غالبية شركات الاستثمار وهذه افضل حالاً من شركات الفئة السابقة، وهناك فئة ثالثة لا يتجاوز عدد شركاتها الخمس شركات وتتميز بأن وضعها مرتاح عن بقية الشركات وان كانت هي الاخرى قد تأثرت بالازمة المالية العالمية وما افرزته من آثار سلبية، كما قال الزبيد.
من ناحية اخرى، ارجع الزبيد اسباب تعثر الشركات الاستثمارية الاسلامية الى عدة أسباب، أهمها: التحولات الجذرية في عمل تلك الشركات من تجارة التجزئة الى الجملة ومن تمويل الافراد الى تمويل المؤسسات والشركات، وهذا التحول نتج عن خلل في ادارة تلك الشركات، كما كانت هناك مشكلة العدد الكبير التي كانت احد اسباب وقوع هذه الشركات في الازمة حيث وصل هذا العدد لنحو 100 شركة مالية إسلامية.
ومن الاسباب الاخرى التي ادت الى تعثر الشركات المالية الاسلامية، عدم رعاية الدولة في الكويت لتلك الشركات على عكس ما يحدث في مملكة البحرين من رعاية الدولة لها من خلال سن التشريعات والرقابة والتوجيه والاكثر من ذلك كما قال الزبيد هو موقف الناس من الشركات الاستثمارية المتعثرة والذي تمثل بالتشفي فيها.
وتابع قائلا: كما كان للازمة المالية وقع الموج العاتي على الشركات المالية الاسلامية حيث ادت الى جفاف السيولة مما كان له الاثر السلبي الكبير على كل الشركات الاستثمارية الاسلامية والتقليدية فسوق التمويل مفتوح لكل الأدوات ومن شأن الآثار ان تصيب الجميع.
ورغم الاخطاء التي وقعت فيها الشركات المالية الاسلامية، والاتهام الذي وجهه الزبيد اليها فيما يتعلق بتقاعسها عن تطوير وتحديث الادوات المالية، الا انه دافع بشدة عن التجربة المالية الاسلامية، مؤكداً ان صناعة المال الاسلامي نمت بمعدل اكثر من المتوقع، حيث كان يتوقع ان تتراوح بين 5 و10 في المئة سنوياً الا انه قفز الى 15 في المئة وفي بعض الاحيان تتراوح بين 20 و25 في المئة.
ودلل الزبيد على هذا النجاح بتوجه عدد من مؤسسات المال التقليدية للعمل في المنتجات الاسلامية كما كان من بنك الكويت الوطني الذي سعى للاستحواذ على بنك بوبيان ليكون نافذة له على العمل الاسلامي.
في موضوع آخر، اعتبر الزبيد ان شركة الامتياز للاستثمار تدخل ضمن فئة الشركات المرتاحة التي ليس عليها ديون وان كانت لا تملك السيولة التي تمكنها من الدخول في مشاريع استثمارية جديدة.
واضاف: ان هناك تباطؤاً في مشاريعنا وخاصة الكبيرة منها لان بعض الشركاء لا يمكنهم المضي قدماً في تنفيذ تلك المشاريع نظراً لنقص السيولة لديهم.
وقال انها تجري ترتيبات للتخارج من بعض مشاريعها الحالية، وهي تعطي الاهمية للتخارج من المشاريع قصيرة الاجل التي يمكن ان توفر لها نحو 60 مليون دولار وهذه سيكون لها آثار ايجابية على عمل الشركة، معتبراً ان هذا الرقم يعد جيدا بمعايير هذه الايام، ومشيرا الى ان كثيراً من التصريحات السابقة عن حجم اعمال الشركات كانت كاذبة.
واعتبر الزبيد ان الشارع هو من يقود حركة الاعمال في الكويت، بعد ان كان القائد في وقت سابق هم نخبة من رجال الاعمال والمثقفين والعقلاء وذوي الخبرة، وعليه فقد نصح الشركات المتعثرة بالاعتماد على نفسها لان الحكومة لن تقدم لها شيئاً فالكثير ينظرون الى تلك الشركات على انها «حيتان» لا يجب مد يد العون لها الا بعد ان تتحول لاسماك صغيرة كما قال.
واعرب الزبيد عن عدم تفاؤله للاوضاع السائدة وقلل من نية الدولة على عمل شيء للشركات، وقال ان الخطة الخمسية التي اعلنت عنها الحكومة لن تأتي بكثير وامل ان تحقق جزءا ولو يسيراً مما تقول.
وكان الزبيد قد القى كلمة الجهات الراعية للمؤتمر الفقهي الثالث للمؤسسات المالية الاسلامية حيث اوضح: ان انعقاد المؤتمر يأتي في خضم استمرار الأزمة المالية العالمية التي تأثرت بها جميع الاقتصاديات في العالم، سائلا الله تعالى أن يوفقنا لتجنب تداعياتها السلبية واستخلاص العبر مما حدث، والأمل معقود بعد التوكل على الله لان نوفق واياكم في انجاح هذا الحراك العلمي والاجتهاد البحثي والفقهي الذي يحمل في طياته بشارات خير باذن الله، لاسيما ان الموضوعات المطروحة في المؤتمر تبحث في مسائل وموضوعات فقهية مهمة بعضها مستجد مع وقوع هذه الازمة ويحتاج لاجابات شرعية علمية وعملية شافية تعين مؤسساتنا الاسلامية على اداء الدور المنوط بها في رفد اقتصادياتنا الوطنية.
وقال لقد شهدت الصناعة المالية الاسلامية نجاحات باهرة بحمد الله تعالى وكان هناك اقبال متزايد عليها، فلقد تجاوزت الاصول الاجمالية للبنوك والشركات الاستثمارية الاسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي لوحدها بحسب احدث الاحصائيات الصادرة عن المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الاسلامية نحو 235 بليون دولار في نهاية عام 2008م مقارنة بنحو 183 بليون دولار في نهاية عام 2007م بنسبة زيادة بلغت 28 في المئة، فيما قدر صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير الصادر في اكتوبر الماضي حجم الصناعة ككل بنحو 850 بليون دولار اميركي.
كما بلغت الصناعة المالية الاسلامية حداً لم تبلغه من قبل من حيث القبول لها والاقبال عليها اقليميا ودوليا، فلم تعد الصناعة المالية الاسلامية في اوروبا على سبيل المثال حكراً على بريطانيا التي تأسس بها اول مصرف اسلامي في اوروبا في عام 2004م بل امتدت هذه الصناعة لتشمل مناطق اخرى حول العالم مثل اسكتلندا وسويسرا وايطاليا وسنغافورة واليابان ولعل احدثها الترخيص لافتتاح فرع لبيت التمويل الكويتي التركي في المانيا، هذا عدا عن العديد من المصارف وبنوك الاستثمار العالمية التي افتتحت لها نوافذ اسلامية او طرحت منتجات اسلامية لعملائها حول العالم مثل سيتي جروب وhsbc وبنك ان بي باربيا وستاندر شارترد ومورجان ستانلي وغيرها.
وتمنى الزبيد ان تتمخض النقاشات وجلسات الحوار عن تقديم حلول ومعالجات لما تواجهه الصناعة المالية الاسلامية من عقبات وصعوبات.
راجيا ان يوفق الله الجهات الرسمية والرقابية والاشرافية في الدول العربية والاسلامية لبذل المزيد من الجهود لاقرار واستكمال التشريعات والقوانين التي تحتاجها الصناعة المالية الاسلامية للعمل والتوسع وفق اطر قانونية شرعية سليمة.
ودعا المؤسسات المالية الاسلامية الى الاستفادة من دروس الأزمة المالية العالمية بالتوجه نحو الاهتمام بالمنتجات التي تمثل الاقتصاد الحقيقي والعمل على تطبيق اعلى معايير الشفافية المهنية وافضل نظم ادارة المخاطر والالتزام بالضوابط المهنية والمعايير العالمية في حوكمة الشركات لتكون بنوكنا وشركاتنا العاملة وفق احكام الشريعة الاسلامية الغراء نماذج عالمية يحتذى بها كما هو مفترض، بما يتوافق مع سمو شريعتنا ورفعتها بحيث نصبح دعاة لاقتصادنا الاسلامي الذي يحمل في طياته أسس وقواعد اقتصادية صالحة للريادة والتميز والعطاء.
وكان الشيخ د. عجيل جاسم النشمي قد ألقى كلمة اللجنة المنظمة للمؤتمر حيث قال: نجتمع اليوم لنتفقد بعض آثار مخلفات الأزمة الربوية العاصفة التي عصفت باقتصاديات العالم بدءاً باقتصاديات الدول العملاقة التي بنت لها حصونا واهراماً مالية كان من المستحيل عندهم ان تهزها ريح مهما عصفت وقصفت، وما ظنوا ان الربا يمحق كل نماء مهما علا شأنه وانه يأتي على جبالهم من القواعد وقد كان، ولما تنتهي بعد ذيول العاصف، ومازال شبح توطن الأزمة، او طوال مقامها، او ربما عودتها كل ذلك مازال قائما. ومازال علماء الاقتصاد والمال واساطينهم، وارباب البنوك والشركات العملاقة يتخبطون من المس من سوء ما اكتسبوا من عظيم الاثم والظلم، ولم يهتدوا بعد الى تصحيح مسارهم المالي وان كان اهل الرشد منهم، النابهين من الاقتصاديين، على قلتهم - اعلنوها صريحة بأن الربا هو محور ومركز الازمة العاصفة، وان اخماد اوارها يبدأ من الاتجاه الى هذا المحور، ومنهم من لفت الى الاقتصاد الاسلامي على انه يحلم اسباب النجاة والانقاذ، ولكنه لم يكن حتى الآن اذنا صاغية.
وتابع: ثم انهم لو عالجوا الربا وحده فلن يسلم لهم الاقتصاد من ازمته، فان للربا ذيولاً واعوانا وتوابع، فشبهات الربا والغرر والجهالة والجشع كل ذلك مسار واحد متحد مع الربا لانه ظلم كله، فلن يهتدوا الى الصواب، وتصحيح مسار المال العالمي، حتى يهتدوا الى فقه الاسلام في المال وفي اقتصاده المتكامل القائم على اجتماع المال والعمل والمشاركة وتحمل المخاطر، النافي لاي شكل من اشكال الربا وركائزه من الغرر والجهالة والتدليس والحيل، الاقتصاد القائم قبل هذا كله على اخلاقيات سامية في سياسة المال والتعامل، فالازمة المالية العالمية ازمة اخلاقية بالدرجة الأولى، وان من افسد الاخلاق الربا فهو ظلم وجشع واستغلال.
وأضاف: ان الرائد لا يكذب اهله وان المؤسسات الاسلامية تملك من الشفافية والصدق والاخلاق ما تنقد فيه نفسها وفي العلن فهي ملك لقاعدة كبيرة من المساهمين والمودعين ممن وثقوا بها فلا بد والحال هذه من الوضوح معهم لذا نقر ونقول: ان المؤسسات المالية الاسلامية قد اكتوت بآثار الربا، وان لم تكن هي من اوقد ناره، وهذاه الاذى مما لابد منه، ولا مهرب منه، فان الربا يعيث ويعيش بيننا في نظم دولنا فهو حوالينا وعلينا فمن اجتنب الربا وريبته وشبهاته ناله شيء من دخانه ولابد، فان المال دولة في العالم اجمع، ولا يمكن اقامة اقتصاد اسلامي محلي مغلق، فاذا كان قادة المال العالمي ربويين فلابد ان نصاب بشيء من غباره قل او كثر، ولكن الشرع يعذر اناساً او مؤسسات ولا يعذر آخرين، يعذر من اجتنب الربا والريبة. وان بعض المؤسسات - على قلتها - توسعت باكبر من طاقتها، كما اغرت الربحية العالية بعضها للتساهل في بعض ضوابط الشرع حتى حامت حول الحمى واوشكت الوقوع فيه، ومنها من غامرت فدخلت في الريب والشبهات، وهذا هو السبب في ان بعض مؤسساتنا المالية اكتوت بشيء من ناره اكثر من غيرها، ومن دخلت في ريبته استحقت نصيبا اكبر من الاذى.
وأشار الى ان ما ينبغي ان نعلمه شرعاً، ان اهل العلم من الفقهاء والاقتصاديين والقائمن على ادارة هذه المؤسسات مسؤولون اكثر من غيرهم، فهم المخاطبون شرعا بصد الربا والتحذير منه، وهم المعنيون بتقديم نظام الاسلام الاقتصادي للعالم. يقول الله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، ويقول عز من قائل: «وكذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس»، فالخطاب في «كنتم» و«جعلناكم» و«لتكونوا» مقصود من سياقه المجموع لا الجميع في الخيرية والشهادة، وفي كل شأن وامر مسؤولية اهله العالمين بشأنه، وفي ميدان المال وحركته مسؤولية اهل الفقه والاقتصاد، واجبهم ان يقدموا فقه المال والاقتصاد في منهج الاسلام الى الناس اجمعين وللعالمين، فلفظ الناس في الآيتين لجنس الناس مسلمهم وغير مسلمهم «وما أرسلناك الا رحمة للعالمين» فانحراف اولئك رواد وقادة اقتصاديات الحضارة ينالنا شيء من مسؤوليته، لاننا شهداء عليهم، وهل نحن اوصياء على العالمين، نعم نحن اوصياء بنص كتاب الله، وليست وصايتنا او شهادتنا او خيريتنا لذواتنا وجنسنا خاصة، وانما لاننا نحمل هذا الدين الذي يحمل المنهج القويم في سياسة المال وادارة حركته العالمية، ومن يجهل هذا النظام من غير المسلمين معذور بجهله، ولا يعذر اهل العلم من المسلمين، فدل ذلك على وجود تبليغ هذا الفقه شرعاً لا لانقاذ انفسنا فحسب، ولكن لانقاذهم ايضاً، ولا نملك شرعاً ان نتركهم يفعلون ما يشاءون، فنحن واياهم في سفينة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة المشهور: «.. فان تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وان اخذوا على أيديهم نجوا جميعاً» والمخاطبون هنا المسلمون العالمون بالمنهج السليم القويم.
ومضى قائلا: ان الازمة المالية كما انها محنة عاصفة هي منحة غالية ان اخذنا منها العبرة، والعبرة واجبة لقوله تعالى: «فاعتبروا يا اولي الابصار» وذكر المولى هذه الآية بعد ان بين نتيجة ما فعل بالظالمين من اليهود، فنعتبر ونقيس على أحوالهم لئلا يصيبنا ما اصابهم، وقد تجلت هذه المنح في امور مهمة منها:
أولاً: ضرورة الالتزام بضوابط الشرع في الاستثمار: فان نجاحات المؤسسات المالية الاسلامية محليا وقطريا وعالميا، وفي مدة هي في عمر الاقتصاد قصيرة وقياسية، ومرجع ذلك تطبيق الادوات المالية الاستثمارية، وهي ادوات مالية تنموية اثبتت اثرها وجدواها تنمية واستثماراً وربحية عالية مع مخاطر قليلة.
ولاريب ان المؤسسات التي التزمت المنهج بتمامه كان اذاها خارجيا لا يرجع الى ادوات استثمارها، بخلاف غيرها مما سبق الاشارة اليها، فلطف الله في هذه المحنة انها نبهت تلك المؤسسات التي اكتوت بالازمة لاسباب ترجع مسؤوليتها اليها في وقت مبكر قبل ان توغل في الاخطاء وتستمرئ الشبهات، فهذه منحة لتعيد تلك المؤسسات - على قلتها - حساباتها وتضبط مسارها بضوابط الشرع دون تسرع ولا حيدة عن المنهج.
ثانيا: المنهج حمى من الافلاس: ان الازمة المالية وان عصفت بكبريات الاقتصاديات العالمية، الا انها لم تعصف بالمؤسسات المالية الاسلامية، نعم اثرت فيها من حيث الحركة المالية العالمية باعتبارها مؤثراً خارجياً، ولكنها لم تؤثر على بنيتها الداخلية، فظلت صامدة تحميها موجوداتها وان قلت قيمتها، وهذا فرضه منهج التعامل بالادوات المالية الاسلامية، فلا تتعامل بالديون، وانما تتعامل بالموجودات، ولذا لم تعلن مؤسسة افلاسها ولله الحمد والمئة في الوقت الذي افلست فيه بنوك وشركات تاريخية عملاقة.
ثالثا: الجسد الواحد يحمي من الآفات: ان من منح هذه العاصفة الكشف عن امر ذي بال، فضحه الواقع المؤلم الذي عانت منه المؤسسات المالية الاسلامية، كشفت العاصفة ان تلك المؤسسات جسداً واحداً، ولا هي كالجسد الواحد، فالمؤسسات التي تضررت، وكان تضررها بليغاً، كاد ان يؤدي بها الى الافلاس، لم تجد من اخواتها نصرة ما، مما حدا ببعضها الى اللجوء الى البنوك التقليدية تلتمس وتستجدي العون، صحيح ان المؤسسات قد تأثرت كافة، ولكنه تأثر نسبي من واحدة الى اخرى، وكان بالامكان ومازال التعاون عبر صيغ استثمارية مقصودها الاسناد وضخ السيولة، وهو استثمار يحقق ربحية في الوقت ذاته، كالدخول مع هذه المؤسسات الاكثر عجزاً بعقود سلم بعيدة اجل التسليم، او شراء الاصول باسعار مناسبة، وبآجال يتوقع عندها ارتفاع هذه الاصول، او شراء اصول وتأجيرها لها ثانيا اجارة منتهية بالوعد بالتملك، ونحو ذلك من الاستثمارات المجدية للطرفين او الاطراف، حاشا التورق المنظم، فانه من علاج الداء بالداء، فقد كان سبباً اصيلا في معاناة المؤسسات التي اقترفته، على ندرتها.
ومن جانب آخر لقد دفعت الازمة الطاحنة البنوك والشركات العالمية التي كادت ان تدخل دائرة الافلاس الى التكتل والاندماج، وهو نوع من التعاون وتوزيع الاخطار وتداول السيولة، والمؤسسات المالية الاسلامية اولى منها بهذا فهو تعاون وستر وسلامة وتجنيب المؤسسات مواطن الافلاس، وحماية للجسد الذي كان ينبغي ان يكون واحداً يتألم بألم اعضائه، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث حسب علمي، فهي منحة لاعادة النظر في علاقة المؤسسات المالية الاسلامية فيما بينها.
رابعاً: النظرة الى ميسرة: ان ترتب الديون في تعاملات المؤسسات امر عادي، ولا تخلو مؤسسة منه، بل طبيعة بعض الأدوات المالية الاسلامية ترتب الديون، وان ما لا يقبل ان نغفل أو تتغافل عنه المؤسسات الدائنة مبدأ «نظرة الى ميسرة» المنصوص عليه، «فان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» والنظرة هذه من المبادئ والاخلاقيات المالية الاسلامية بين الافراد واولى منه بين المؤسسات، لانها مجموعة أفراد، والضرر فيها عام لا خاص.
وهذه منحة ان يتنبه الى احياء اصل من اصول التعامل المالي واخلاقية عميقة الدلالة من اخلاقيات التعامل.
واخيراً: لربما تنبه هذه المحنة الى ضرورة اقامة تكتلات مؤسسية وابرام ميثاق شرف بين المؤسسات المالية الاسلامية، تكون بنوده من ثمرات هذه المحنة، ويكون ملزماً ليعالج هذه الحالات وغيرها في حال السعة، وكذا في حال الازمات، وهي متوقعة على كل حال.