ثقافة إقتصادية
معاناة البائع والمشتري.. أزمة صفقات الدمج والاستحواذ في عصر كورونا
مباشر - سالي إسماعيل: يُعد إبرام الصفقات العالمية في حالة توقف، حيث لم يتم الإعلان في الأسبوع قبل الأخير من أبريل/نيسان الماضي عن أيّ عملية دمج واستحواذ في العالم بقيمة تزيد عن مليار دولار لأول مرة منذ عام 2004.
كما أن الـ11.413 ألف عملية دمج واستحواذ بقيمة 767 مليار دولار المعلن عنها في عام 2020 حتى الآن، هي الأدنى منذ عام 2013، وفقاً للبيانات التي أتاحها موقع "ريفينتيف".
وبحسب الاقتصادية "بروكي ماسترز" في رؤية تحليلية نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن صفقات الدمج والاستحواذ في الوقت الحالي تواجه خطراً مزدوجاً سواء من جانب البائع أو المشتري.
ويكمن جزء من المشكلة في أنه لا يمكن لأي شخص الخروج لحضور اجتماعات أو القيام بالمتابعة المطلوبة قانونياً، حيث من شبه المستحيل التأكد من الوجود الفعلي لمصنع أو مدى التوازن في دفاتر الشركة عندما تكون مغلقة وتكون الجهات المكلفة بالتصديق على الصفقة في المنزل بسبب فيروس كورونا.
لكن هناك دوافع أخرى وراء الهبوط القوي في تلك الصفقات، ومع ذلك تشير صناديق الثروة السيادية في الخليج إلى أنها تبحث عن تصيد الصفقات مثلما فعلت أثناء الأزمة المالية.
ووافق صندوق الاستثمار السعودي العام على شراء حصة أغلبية في نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم و8.2 بالمائة من مشغل الرحلات البحرية "كرنفال".
ويقول مصرفيون إنهم يسمعون عن صفقات من المشترين الصينيين المحتملين، حيث أفادت تقارير بأن الصندوق المدعوم من الصين "سي.إن.آي.سي" كان يحوم حول شركة "جرينكو" الهندية، وهي مجموعة الطاقة المتجددة.
كما أن مجموعة "فوصن" أشارت في أواخر الشهر الماضي إلى أنها تخطط للحصول على فرص الاستثمار القيمة وسط تراجع أسعار الأصول.
وتتمتع صناديق الأسهم الخاصة بتاريخ طويل من التحول إلى الشركات في أوقات الأزمات.
وفي نفس الوقت، تراجعت أسعار الأسهم، كما أن الشركات في كافة أنحاء العالم تكافح من أجل البقاء بدون مشاكل مالية.
وتثبت العديد من برامج المساعدات الحكومية مدى صعوبة الاعتماد عليها في البقاء إضافة إلى تراكم التكاليف.
وحتى الشركات القوية في السابق مثل "ديزني" و"كوكاكولا" و"بريمارك" شهدت تراجعاً في الإيرادات أو حتى عدم تحقيق عوائد.
وكلما طالت فترة الإغلاق كلما زادات الضغوط خاصةً حال عودة تفشي الفيروس مجدداً.
ويقول أحد مستشاري عمليات الدمج والاستحواذ: "إ ذا تلقيت عرضاً بعلاوة 40 بالمائة على سعر الأسهم التي امتلكها، فقد يقول مجلس الإدارة: ارحل، لن أتحدث حتى معك".
ويضيف أنه في غضون الإثنى عشرة شهراً، يمكن أن يصبح العالم قبيحاً حقاً، وإذا كنت مستثمراً، أليس من الأفضل الحصول على الكاش اليوم؟".
ومع ذلك يوجد سبب لكي يشعر كل من المشترين والبائعين بالقلق، حيث إن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" انخفض بنحو 16 بالمائة مقارنة من المستويات المرتفعة المسجلة في فبراير/شباط، لكنه استرد أكثر من نصف خسائره الأولية.
ويمكن أن يجعل البيع الآن مجلس الإدارة يبدو غبياً إذا استمرت أسعار الأسهم في التعافي.
ويقول "آلان كلاين" من شركة سيمبسون ثاشر للمحاماة إنه من الصعب نفسياً على مجلس الإدارة أن يبيع بسعر دون أعلى مستوى سجل في 52 أسبوعاً والذي وصل إليه قبل شهرين فقط.
ويمكن كذلك أن يمهد البيع بأسعار رخيصة للغاية، سواء الشركة بأكملها أو حصة أقل لمستثمر رئيسي، الطريق أمام أعضاء مجلس الإدارة لمقاضتهم من المستثمرين.
كما أن الشراء في الوقت الحالي محفوف بالمخاطر، حيث تظل الآفاق بالنسبة للعديد من الشركات غامضة للغاية لدرجة أنه من المستحيل تقريباً معرفة ما إذا كانت أسعار عادلة.
ويوجد في ذهن المستثمرين الذين يخشون دفع مبالغ أكبر، الكثير من القصص التحذيرية.
وبالعودة إلى أبريل/نيسان عام 2008، كان لدى مؤسسي شركة "تي.بي.جي" أحلام بتكرار الأرباح التي حصلوا عليها من خلال إنقاذ المقرضين أثناء أزمة المدخرات والقروض في الثمانينيات من القرن الماضي.
وبالتالي قاموا بقيادة خطة إنقاذ بقيمة 7 مليارات دولار لـ"واشنطن ميتوال"، وهو الأمر الذي كان يبدو في البداية وكأنه فكرة عظيمة.
لكن الاستثمار في شراء أسهم الشركة كان قد تم محوه قي غضون بضعة أشهر فقط، عندما تلقت "واشنطن ميتوال" ضربة من ذعر سحب الودائع.
وقامت الجهات التنظيمية حينذاك بإغلاق الشركة وتسليم عملياتها إلى بنك "جي.بي.مورجان تشيس".
وبالمثل، اعتقد "بنك أوف أمريكا" أن شراء "كونتري وايد فايننشال" في يناير/كانون الثاني عام 2008 مقابل 4 مليارات دولار بالأسهم من شأنه أن يمنحه فرصة أن يصبح أكبر مقرض للرهن العقاري في الولايات المتحدة.
لكن بحلول عام 2014، خسر البنك الاستثماري ما لا يقل عن 50 مليار دولار في هذه الصفقة.
وبشكل خاص، تبدو الصفقات عبر الحدود محفوفة بالمخاطر في الوقت الحالي.
وبالفعل، كانت معنويات الحمائية مرتفعة قبل تفشي وباء "كوفيد-19"، كما أن الهبوط الكبير في أسعار الأسهم قد أثار مخاوف البيع بأسعار مخفضة للغاية للشركات القيمة والأصول الاستراتيجية.
وأدخلت الهند إجراءات ضد الاستثمار الأجنبي الصيني، كما أن مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي "فيل هوجان" دعا وزراء التجارة في الكتلة لتشديد عمليات التدقيق على صفقات الاستحواذ الأجنبية.
وبالفعل، شددت أستراليا قواعدها فيما تتطلع السويد إلى أن تحذو الحذو نفسه.
إذن، هل انتهت صفقات الدمج والاستحواذ؟ إذا كان التاريخ هو الدليل فإن الصفقات الضخمة ستصبح أكثر ندرة.
وتظهر بيانات موقف "ريفينتيف" أنه بعد الأزمة المالية لم تعود عملية إبرام الصفقات إلى مستويات عام 2007 حتى عام 2015.
ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الشركات لديها مطالبات أخرى على سيولتها النقدية (الكاش).
ويقول "بلاير إيفرون" من "سنترفيو بارتنرز" إنه على مدى السنوات الخمس الماضية، كان بوسع الشركات أن تفعل كل شيء من توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم وعمليات الدمج والاستحواذ، لكن لم يعد هذا هو الحال.
ويتابع: "الآن سيتعلق الأمر بمخصصات رأس المال، هل يفضلك المستثمرون، وهل لديك سجل جيد في عمليات الدمج والاستحواذ".
ومن المرجح أن تنتعش الصفقات الصغيرة والقطاعات الأقل تأثراً بالأزمة أولاً.
وبالعودة إلى عام 2009، كانت مجموعات الأدوية هي الصفقات الشائعة، لكن هذه المرة قد تكون شركات التمويل والتكنولوجيا.
وتشمل اثنين من الصفقات القليلة التي تم الإعلان عنها منذ أن بدأ الوباء في التأثير على الغرب، إعلان أبريل/نيسان من جانب "سوفي" وهي شركة التكنولوجيا المالية المدعومة من سوفت بنك والتي بموجبها سيتم دفع 1.2 مليار دولار إلى منصة المدفوعات "جاليليو"، وكذلك شراء "مايكروسوفت" لشركة "أفيرميد نتوركس" في أواخر مارس/آذار الماضي.
ومع ذلك، من الواضح أن الملياردير الأمريكي "وارين بافيت"، الذي جنى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار بسلسلة من الاستثمارات في الوقت المناسب خلال الأزمة المالية، لم يتدخل بعد.