تسجيل حضور
ارتفاع النفط بعد انخفاضة بسبب قرار البنك الفدرالي و هبوط الدولار
لكن السؤال
هل تواصل أسعار النفط ارتفاعها؟
الثلاثاء 6 جمادي الثاني 1437هـ - 15 مارس 2016م
سليمان الخطاف
ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل ملفت للنظر وسجلت أسعار برنت 40 دولارا للبرميل في أوائل مارس الحالي وهي اشارة قوية إلى التخلي عن مستوى العشرينات أو القاع. وللمرء أن يتساءل عن أسباب هذه الارتفاعات بالأسعار ومدى صلابتها. لا يمكن أن تخرج هذه الأسباب عن وفرة المعروض النفطي بالاسواق وهو السبب الاول والوحيد لهبوط الأسعار إلى مستويات متدنية. لا يزال الفائض النفطي بالأسواق العالمية حالياً يقدر بحوالي 2 مليون برميل باليوم وهو سبب كافٍ لقلق جميع مصدري النفط من أوبك وخارجها. يباع يومياً حول العالم حوالي 40 مليون برميل ولهذا أن يكون 2 مليون برميل باليوم فائضا عن الحاجة يبحث في المحيطات عن مشتر يعني ان الأسعار لا تزال هشة.
وفي هذا السياق يعد الاجتماع الذي عقد بين كبار المنتجين في الدوحة أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار النفط. حيث أعلنت كل من المملكة وقطر وفنزويلا وروسيا عن تجميد مستوى الانتاج عند مستويات انتاج شهر يناير 2016م. تتجه عيون العالم إلى المملكة واوبك وروسيا للحد من انخفاض الأسعار حيث يبلغ انتاجهم الاجمالي حوالي 44 مليون برميل باليوم تصدر منها حوالي 30 مليون برميل يومياً وهو ما يشكل حوالي نصف الانتاج العالمي واكثر من 75% من كميات النفط المباعة بين الدول. لا شك ان اقتراب الانتاج الروسي في شهر يناير الماضي من 11 مليون برميل باليوم وهو من الاعلى فى تاريخ روسيا رغم الانخفاض الكبير بأسعار النفط لم يخدم الأسعار. ولكن في الحقيقة ان المملكة وروسيا حافظتا على مستوى شبه ثابت من الانتاج لم يتغير كثيراً منذ سنتين. فعلى سبيل المثال ما بين يناير 2014م ويناير 2016م، رفعت المملكة وروسيا أكبر منتجي النفط التقليدي بالعالم انتاجهما بحوالي 100 الف برميل باليوم فقط بينما رفعت كل من العراق وأمريكا وكندا انتاجهم لنفس الفترة بحوالي 3.5 مليون برميل باليوم وهذا يعرض بشكل واضح ان زيادة الانتاج العالمي للنفط والفائض الذي تعاني منه الاسواق والانخفاض الكبير بالأسعار يعود الى زيادة انتاج النفط غير التقليدي في امريكا وكندا واستعداد العراق لانتاج المزيد من النفط على الرغم من انخفاض الأسعار.
لاشك أن شركات النفط العالمية في العراق تربح الكثير من المال فكلفة انتاج البرميل لا تتعدى 10 دولارات وتبيعه بحوالي 30 دولارا وهي بالتالي تعوض خسائرها من الانتاج داخل الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال خسرت شركة اكسون الامريكية جراء انتاجها للنفط والغاز في امريكا في عام 2015م حوالي 1.1 مليار دولار بينما ربحت من انتاجها للنفط والغاز خارج امريكا حوالي 8.2 مليار دولار. وخسرت شركة شيفرون من عملياتها لانتاج النفط والغاز في امريكا العام الماضي اكثر من 4 مليارات دولار مقابل ربح 2 مليار دولار من عمليات انتاج النفط والغاز خارج امريكا. والجدير بالذكر ان اكسون تعمل مع العراق وروسيا وتعمل شيفرون مع اقليم كردستان وروسيا (حوالي 75% من انتاج شيفرون للنفط والغاز يأتي من خارج الولايات المتحدة).
لقد رفع العراق انتاجه في اخر سنتين بحوالي 1.7 مليون برميل باليوم وهو يستعد لرفع الانتاج بحوالي مليون برميل باليوم قريباً. وهذا يشرح أهم أسباب انخفاض الأسعار وهي: ارتفاع الانتاج من النفوط غير التقليدية في امريكا وكندا وارتفاع الانتاج في العراق بطريقة غير منهجية وغير منضبطة وهو ما يهدد الأسعار. وهذا احد نتائج الغزو الامريكي للعراق.
ويمكن القول إن الأسعار العالمية للنفط ترتبط بعدة عوامل ولكن يبدو ان الانتاج الامريكي يعد من أهمها لانه هو من اشعل فتيل رفع الانتاج العالمي. فاسعار النفط في امريكا ترتبط بشكل مباشر بكميات المخزون المتوفرة في امريكا والذي تعلن عنه ادارة معلومات الطاقة الامريكية بشكل أسبوعي. وهذا من أهم الأسباب التي تؤثر على أسعار النفط الأمريكية لانها مرتبطة بشكل مباشر بكميات النفط الامريكي المعروضة للبيع. فعلى سبيل المثال اذا تعدت نسبة المخزون الامريكي 80% من طاقته التخزينية هبطت الأسعار بشكل كبير.
ولقد وصلت كميات النفط في المخزون الامريكي في شهر مارس الحالي الى 522 مليون برميل وهو أعلى بحوالي 160 مليون برميل عن مستويات شهر مارس 2014م حيث لم تتعد كميات النفط المخزون 360 مليون برميل. والحقيقة هذا يعرض أهم سبب لانهيار أسعار النفط بامريكا وهو ارتفاع المخزون أو المعروض النفطي باكثر من 160 مليون برميل في سنتين بينما لم يرتفع الاستهلاك الامريكي للنفط منذ 30 عاماً عن 20 مليون برميل باليوم. والجدير بالذكر ان المخزون الامريكي لم يتعد ومنذ عام 1982م 400 مليون برميل ولكنه وصل في يناير 2015م الى 400 مليون برميل وفي يناير 2016م اقترب من 500 مليون برميل (كما يعرض الشكل) وها هو الآن يسجل حالياً 522 مليون برميل وهي قمة تاريخية بالنسبة له. وهذا يعرض بوضوح وبدون الحاجة إلى الشرح أسباب انهيار أسعار النفط الامريكية والعالمية. والجدير بالذكر ان أسعار النفط الامريكية وصلت في يناير 2014م الى 100 دولار وفي يناير 2015م 50 دولارا وفي يناير 2016م عندما ارتفع المخزون الى 500 مليون برميل سجلت اسوأ الأسعار عند 26 دولارا للبرميل وهذا يشرح العلاقة العكسية بين مخزونات النفط الامريكية وأسعار النفط الامريكية والعالمية.
ولكن هل ستواصل أسعار النفط ارتفاعها؟ لاشك ان من سيحدد الاجابة عن هذا السؤال 3 عوامل فقط وهي مدى ارتفاع الانتاج في العراق وإيران ومدى تراجع انتاج النفط في امريكا بسبب انخفاض الاسعار ومدى تعافي الاقتصاد العالمي بصفة عامة والاقتصاد الصيني بصفة خاصة.
لقد عملت ايران الكثير من اجل رفع العقوبات ولذلك يصعب على المرء تخيل عدم رفع إيران لانتاجها وقطفها للثمار غير الناضجة (بسبب هبوط أسعار النفط) بعد عناء التنازلات والمفاوضات الماراثونية على ملفها النووي المثير للجدل والقلق. وأما العراق فالوضع فيه غير مفهوم وخارج عن المنطق ولاسيما مع اتجاه بغداد وكردستان العراق الى السباق على رفع الانتاج للحاجة الماسة للمال. وأما النفط الصخري الامريكي فتشير تقارير حديثة لادارة معلومات الطاقة الامريكية الى أن الانتاج قد انخفض بحوالي 200 الف برميل باليوم عن مستويات 2015م (9.4 مليون برميل باليوم) وهو لا يكفي لاحداث فارق في اسعار النفط، إذ يجب ان ينخفض الانتاج بحوالي مليون برميل باليوم حتى تنتعش أسعار النفط.
وفي الختام يبدو ان أسعار النفط قد اجتازت الأصعب وتعدت القاع ولكن على الارجح سوف تحوم الأسعار بقية هذا العام حول 40 دولارا للبرميل وتكون محدودة بقوى تجبرها على الهبوط ان ارتفعت فوق 40 دولارا وقوى وعوامل اخرى ترفعها ان انخفضت تحت 40 دولارا. فاذا انخفضت ارتفع الاستهلاك وتخزين النفط واذا ارتفعت الاسعار رجعت حفارات الزيت الصخري الامريكي مسرعة الى الحقول لضخ المزيد من النفط قبل انخفاض الأسعار.
مقال بالصميم