مديرو الاستثمار يفتحون «محافظهم» لـ«الراي»: صعود السوق لن يستمر ما لم تتدخل الحكومة؟
موسم الدخول للكبار أم للمضاربين؟ (تصوير سعد هوداوي)
تغيّرت الأجواء النفسية في السوق منذ بداية العام، بفعل ما تحقق من مكاسب. لكن تجارب النشاط والانتكاس في الأعوام القليلة الماضية تجعل العديد من المتداولين يستعيدون مقولة «من يجرب المجربّ، عقله مخرّب». فماذا «يُفتي» مديرو الاستثمار في هذه الحالة؟
كتب علاء السمان:
ثمة أسباب كثيرة للاعتقاد أن نشاط السوق منذ بداية العام بداية لموجة نشاط، منها ما هو فني ومنها ما هو سياسي.
ففي لغة المتداولين العاديين اعتبار معنوي مهم للتأسيس فوق مستوى الـ6 آلاف نقطة، وأنباء القوانين الشعبية التي ترد تباعاً في الصحف يسيل لها اللعاب، وتحسّن السيولة يدفع البعض للاعتقاد أن بناء المراكز بدأ بالفعل، استباقاً للبيانات المالية السنوية.
لكن الخبراء في أحوال السوق يطرحون أسئلة أساسيّة مشكّكة أو مرتابة في حقيقة ما يجري:
- من أين هذا التحسّن؟ هل هو تغيير موقت في مزاج المتداولين سرعان ما يصطدم بالمعطيات الواقعية؟ أم ان شيئاً في أساسيّات السوق تغيّر؟
- هل دخل اللاعبون الكبار، أو بعضهم، الى السوق بعد طول الانكفاء (مديرو المحافظ والصناديق، الجهات الحكومية، المستثمرون الاجانب)؟
- هل ما يشهده السوق من تحسّن في السيولة يعبّر عن بناء مراكز للمدى المتوسط، أو أبعد من ذلك، أم انه مجرد ارتفاع لوتيرة المضاربة؟
أسئلة كهذه ليس أجدر بالاجابة عنها من مديري الاستثمار الذين يمتلكون مفاتيح اللعبة وأسرارها.
يقول مدير عام شركة الاستثمارات الوطنية حمد العميري: «عندما نتحدث عن زيادة أحجام السيولة المتداولة في سوق الاوراق المالية ومضاعفتها من 10 ملايين لتصل الى 20 مليوناً او 20 مليون دينار لترتفع الى 40 مليوناً فهو حديث مخجل للغاية، فالبورصة الكويتية هي من اكبر وأعرق بورصات المنطقة التي تبحث اليوم عن توطين لرؤوس الاموال، وليس من المنطق ان نعيش استقراراً استثمارياً فيها بتلك الأحجام من السيولة، فهناك ارقام جديدة سيشهدها السوق».
وأكد العميري أن الفترة الحالية مناسبة لبناء المراكز المالية على الأسهم التشغيلية والتي تجاوزت تداعيات الأزمة او بالأحرى اغلقت ملفات الخسارة التي تكبدتها في ظل الأزمة وباتت جاهزة لمرحلة جديدة، لافتاً الى ان هناك من المحافظ الاستثمارية والصناديق وكبار اللاعبين في السوق من يسعى الى توظيف الجانب الأكبر من السيولة المتوافرة لديه للدخول على السلع القيادية المتينة.
وأشار العميري الى ان البورصة بها اليوم فرص جيدة ستكون الاكثر جذباً للسيولة خلال الفترات المقبلة، فهناك امول تقدر بالمليارات لدى القطاع الخاص، الا ان ضخ تلك المليارات يتوقف على وجود مبادرة حقيقية فاعلة لا تكون حبرا على ورق من قبل الحكومة للمشاركة في انعاش البورصة.
وبين العميري في سياق حديثه لـ «الراي»: باتت الحكومة الحالية أمام مسؤولية كبيرة حال مساهمتها بشكل مباشر او غير مباشر لضخ سيولة استثمارية في السوق وطرح المشاريع التنموية التي تنعكس بدورها على القطاعات الرئيسية، فلابد ان تكون هناك خطة لتدخل الحكومية فنياً ومهنياً قبل ضخ مبالغ تضيع دائماً بوصلة توجيهها على غرار ما حدث ويحدث من وقت الى آخر».
وذكر أن أي دينار سيدخل البورصة عبر محافظ استثمارية حكومية سيقابله الدفع بأضعافه من قبل القطاع الخاص (أفرادا ومحافظ وشركات ذات ملاءة) فالقضية قضية ثقة مفقودة وبدأت بوادر عودتها، وعلى الجهات المعنية في الحكومة ان تفكر في كيفية توفير بيئة آمنة لتلك الاموال من خلال مبادرات لاستقطابها.
وقال العميري «نحترم دائماً المضاربة الفنية التي تقوم بها محافظ استثمار مختلفة، لا المضاربة العشوائية التي تعتمد في الأساس على تصعيد الأسهم ثم التسييل على صغار المتداولين، فالمضاربة هي ملح السوق ولكن وفق أسس دون اعطاء سلع غير مليئة صورة مبالغ فيها كما يحدث من وقت الى آخر».
واضاف «المضاربة المجدية لا تؤثر كثيراً في الأسهم التشغيلية التي تنتمي الى مجموعات كبرى، وذلك لأسباب تتعلق بوجود صناعة سوق حقيقية وراء هذه الأسهم، وعندما نقول صناع سوق هنا نعني راغبين بالاستثمار في تلك الأسهم وكبار الملاك الذين ترتبط أسعار أسهمهم ومحافظهم بكثير من الاستراتيجيات، فيما سيكون للمضاربة الفنية حضور ايجابي عندما نجد السيولة قد بلغت الـ 100 مليون دينار، على ان نتأكد وقتها ان هبوط سهم او سهمين لن يجر المؤشرات العامة للبورصة الى منحدر من الخسارة لاعتمادها على عشرات السلع التشغيلية المدرجة».
اذا فهناك تغيرات كثيرة قد تترتب على المبادرة الاستثمارية الفنية للحكومة ان وجدت؟ يجيب العميري هنا بالقول «بكل تأكيد، فالقطاع الخاص لن يأخذ زمام المبادرة كما كان في السابق ما لم يجد هناك حرصاً استثمارياً طويل الامد من قبل الحكومة وفق أسس توضع من قبل معنيين في الشأن المالي وليس من خلال ساسة.
ولكن هل من آلية تجدها اكثر جدوى لأي تحرك حكومي في المستقبل القريب؟
يرى العميري ان ضخ سيولة حكومية وفق استراتيجية منظمة سيفتح المجال امام الاموال الخاصة والاستثمارات الأجنبية الغائبة منذ فترة، وبالتالي نتأكد وقتها أننا تجاوزنا تداعيات الأزمة المالية، فهناك نقاط حيوية لابد ان تعيها الجهات المسؤولة حال توافرت النية للاستثمار في البورصة وليس انقاذ البورصة كما يراها البعض، ومن هذه النقاط ايجاد التقييم الصحيح للشركات المدرجة قبل الدخول استثمارياً فيها، على ان يكون ذلك التقييم من خلال جهات متخصصة مستقلة، بحيث يتاح لها فتح دفاتر الكيانات المدرجة المستهدفة على ان تضع تلك الجهات تقديراتها لكل فرصة وتوضع بين أيدي أصحاب القرار لتفعيلها فوراً.
ويؤكد العميري أن شرط فتح دفاتر الشركات المدرجة من قبل جهات مستقلة سيضع الامور في موضع أكثر وضوحاً، وفي حال رفض أي شركة ان تفتح دفاترها سيكون لها مساهموها بالمرصاد باحثين عن أسباب ذلك من خلال أسئلة مباشرة الى الادارة لمعرفة ما اذا كان هناك «عفن» تسعى تلك الادارة الى اخفائه، خصوصاً ان فتح الدفاتر سيكون تأكيداً على متانة الشركة ووضعها المالي وبالتالي اليقين بأنها فرص مجدية للمحافظ الحكومية والقطاع الخاص أيضاً.
وتساءل العميري «اذا لم تكن الحكومة قادرة على تبني مبادرة حقيقية لمعالجة اوضاع السوق بسبب قلق ما فهل سيكون للقطاع الخاص قدرة للقيام بهذا الدور؟ لا أعتقد!، فلابد ان تعي الجهات الحكومية ان المجتمع الكويتي مرتبط ارتباطا وثيقا بالبورصة، وانتعاشها سينعش المجتمع وسيغلق الباب أمام من يحاول زعزعة استقراره».
الأرملي
يعرب رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في شركة «يونيفرس للاستثمار» أسامة راشد الأرملي عن تفاؤله بمستقبل سوق الكويت للأوراق المالية، الا انه ربط زيادة التفاؤل بتفعيل رؤية استثمارية حكومية أكثر وضوحاً يخرج عنها جو مستقر يجذب معها سيولة الشركات والمحافظ المحلية والاجنبية.
ويقول الأرملي: «لم نر تدخلاً يعوّل عليه من قبل الحكومة منذ سنوات وتحديداً منذ اندلاع الأزمة المالية الا من خلال «المحفظة الوطنية» التي تحولت الى صانع سوق لبعض الأسهم القيادية، في وقت كان الاجدر ان يكون لها دور أكبر واكثر شمولية، خصوصاً ان معظم الأسواق تعافت من تداعيات الأزمة والبورصة الكويتية مهيأة لتجاوزها تماماً حال أعيدت معدلات الثقة الى وضعها الطبيعي».
وأشار الأرملي الى أن هناك مؤشرات جيدة أحيت جانباً من نشاط السوق، الا ان استمرار هذا النشاط او الانتقال الى مرحلة أكثر توازناً بحاجة الى سيولة جديدة من دون الاعتماد فقط على الاموال المضاربية التي تهتم بسلع محددة من اجل ترفيعها وتحقيق عوائد سريعة، منوهاً الى ان ما يحرك السوق ومؤشرات اليوم هم صغار المضاربين بالاضافة الى شريحة من أصحاب المحافظ الاستثمارية الاخرى التي قد لا تصمد خلال مرور التداولات بمطبات!
واضاف الأرملي: لن يتحول التداول من مضاربة سريعة الى متوسط الاجل والاستثمار الآمن الا مع تحرك كبار اللاعبين الذين يعيدون الثقة لصغار المتعاملين، فيما اتفق الأرملي مع العميري في شأن ضرورة ان تكون هناك مبادرة حكومية تهدف اي لم شمل الأوساط الاستثمارية في البورصة مرة اخرى خصوصاً ان كثيرا من الشركات التي تعثرت او انكمشت في ظل الازمة قد عالجت اوضاعها المالية.
واوضح أن السوق مهيأ لبناء مراكز مالية من خلال الدخول على أسهم انتقائية وفق معطيات واضحة تتمثل في ثبات وضعها المالي، ومعالجة ديونها، ليس بالضرورة كامل ديونها بل تجاوز ما هو مدرج من اشكاليات مع البنوك، خصوصاً أن معظم البنوك قد جنبت مخصصات مناسبة.
ويقول الارملي ان سياسة توزيع رؤوس اموال المحافظ الاستثمارية تختلف من شركة الى شركة، الا ان معظم تلك المحافظ خصصت جانباً قد يصل الى نحو الثلث للمضاربات والدخول على الأسهم التي تتوارد من حولها معلومات ايجابية بشأن ارتباطها باستراتيجيات وتطورات وعقود مستقبلية قد تنعكس على أسعارها السوقية، في الوقت الذي تهتم فيه تلك المحافظ بتحييد ثلثي السيولة بهدف ادخالها على الأسهم القيادية والتشغيلية التي تعتمد على اداء دوري وسنوي متوازن ولكن في الوقت المناسب.
وقال: «ان اموال صغار المتداولين والمحافظ ذات رؤوس الاموال المحدودة تمثل الوقود الحقيقي لسوق الاوراق المالية حالياً، مؤكداً ان تدفق مزيد من السيولة وتحديداً السيولة الحكومية سيوفر جواً مستقراً يجتذب اموال القطاع الخاص والمحافظ الاجنبية مرة اخرى، ومن امكانية فتح البنوك لقنوات التمويل لديها مرة اخرى».
وألمح الارملي الى أن هناك نفساً اصلاحياً الذي يصاحب مباحثات ونقاشات السلطتين سواء المجلس أو الحكومة الا ان هذا النفس بحاجة الى بلورة من خلال قرارات وتشريعات تنشط الاقتصاد وقطاعات سوق المال، منوهاً الى ان هناك منافذ رئيسية للسيولة في السوق وجميعها مازال مغلقاً، منها تمويلات البنوك والاستثمارات الاجنبية واخيراً التدخل الحكومي واتاحة المجال لتلك المنافذ كي تنفتح مرة اخرى بحاجة الى تشجيع.
واتفق الارملي مع العميري في خصوص ان المرحلة الحالية تشهد عمليات بناء مراكز من قبل بعض المحافظ ذات التحركات الاستراتيجية وليست المضاربية ما يعد مؤشراً ايجابياً للسوق بوجه عام، لافتاً الى ان الارباح السنوية وما هو مرتقب من توزيعات لشريحة من الشركات ضمن المعطيات التي يتوقع ان تدعم حركة الأسهم التشغيلية والقيادية المدرجة.
حمد العميري:
أسامة الأرملي: