تحوّل استراتيجي من التركيز على الاستثمار إلى النشاط المصرفي التجاري
«بيتك» سيصبح «بنكاً»
ارسال | حفظ | طباعة | تصغير الخط | الخط الرئيسي | تكبير الخط
Share on tweet
لا يتوقّف «بيتك» لسماع التعليقات على صفقات التخارج الكبيرة التي يجريها. فقطار إعادة الهيكلة انطلق ولن يتوقف قبل أن تتحوّل المجموعة من مظلة عملاقة تضم مستشفى هنا وشركة تأجير طائرات هناك، إلى بنك، ولا شيء إلا بنكاً عملاقاً بكل معنى الكلمة.
كتب رضا السناري:
قبل اسبوع تقريباً، اضطر «بيتك» إلى إغلاق نوافذه المصرفية داخل ثلاثة أفرع تابعة للقطاع التجاري لدى البنك في الشويخ والضجيج والأحمدي، بتوجيه من بنك الكويت المركزي، كونه لا يحمل رخصاً لتشغيلها كفروع مصرفية، بل كفروع تابعة للقطاع التجاري.
كانت تلك إشارة إلى نوع التغيير الآتي إلى البنك مع خطة إعادة الهيكلة، ومستشارها «بوز أند كومباني»، والتي بات واضحاً أنها ستلغي النشاط التمويلي في القطاع التجاري وتعيد توزيع نشاطه على افرع «بيتك» التي تبلغ 51، بحيث يصبح بإمكان العميل الحصول على قرض السيارة من أي فرع، تماماً كما هو الحال في البنوك الأخرى.
هذا التغيير ليس إلا جزءاً من الاستراتيجية الجديدة التي ستعيد توجيه البنك نحو النشاط المصرفي التجاري (أفراداً وشركاتٍ)، بعيداً عن التركيز السابق على الاستثمار، مع إزالة الستار الحديدي بين القطاعات المصرفية والتجارية والعقارية وغيرها. وسيكون هذا أكبر تغيير منذ تأسيس البنك قبل 33 عاماً.
يروي أحد القياديين من الرعيل الأول في بيت التمويل الكويتي (بيتك) كم كان صعباً على المؤسسين شرح فكرتهم لبنك الكويت المركزي. لم يعرف البنك المركزي من قبل بنكاً يملك مستشفى وشركة تأجير طائرات ويؤجر شققاً ويدير معارض للسيّارات!
لكن كان على البنك المركزي أن يعتاد على ما يعنيه مفهوم «البنك الإسلامي»، بما هو بنك يمارس الاستثمار، كبديل عن إيرادات الفوائد. لكن الشرط كان أن يفصل البنك بين الأنشطة المصرفية التجارية والقطاعات الأخرى العقارية والتجارية.
إلا أن الاستثمار يعني التعرض للمخاطر، والمخاطر عدّوة العمل المصرفي. ومع ذلك اتسع نطاق الشركات التابعة ليبلغ 16. وجاءت الأزمة المالية العالمية لتظهر حجم المخاطر، وربما سوء الإدارة في العديد منها.
ومع مرور الوقت أيضاً، صار الهيكل فضفاضاً، وفيه بعض الغرابة. فمثلاً، ليس بإمكان العميل الحصول على تمويل عقاري من الفروع المصرفية التجارية، بل حصراً من القطاع العقاري، وكذلك الأمر بالنسبة للنشاط التمويلي للسيارات، الذي يندرج ضمن أنشطة القطاع التجاري.
كان لا بد أن تمر ثلاثة عقود ليختمر نموذج عملٍ جديد يعقد القران بين ضوابط الشريعة الإسلامية والاعتماد إلى العمل المصرفي التجاري كركيزة للنشاط.
وقبل ان يترك رئيس مجلس الادارة السابق بدر «بيتك»، كان بامكان جميع العاملين في البنك ان يدركوا ببساطة ان جميع اليافطات على مكاتب الادارة التنفيذية تنبه الى ان جميع الخطط في «بيتك» تنحصر تقريبا في الاستثمار، اما العمل المصرفي البحت في البنك الاسلامي العريق فيأتي في المرتبة الثانية، شركة عارف، المثنى، الافكو، الانماء العقارية، وغيرها من قائمة طويلة من مساهمات مؤثرة في 16 شركة تقريبا، والتي تستحق التوقف امامها ومراجعة قرارات الاستثمار فيها مليا.
ومن نافل القول، ان جميع من قادوا «بيتك» خلال السنوات الطويلة الماضية مارسوا مهامهم وفقا لبرنامج استثماري وليس مصرفيا، واذا كان المخيزيم ليس مسؤولا عن بناء هذه الصورة النمطية التي أحاطت بـ «بيتك» طوال العقود الثلاثة الماضية، لكنها لا تعد مجافاة للحقيقة اذا قيل انه يعد شريكا في تكريسها.
ومن الواضح ان استراتيجية إعادة هيكلة «بيتك» انتهت بعد دراسة البيئة التشغيلية والاقتصادية التي يعمل فيها في الكويت والأسواق الأخرى الخارجية، إلى العودة بـ «بيتك» إلى نشاطه الرئيسي كمؤسسة مصرفية، وليست استثمارية، بحيث يركز نشاطه على العمل المصرفي بمفهومه التقليدي من مرابحات وتسهيلات ائتمانية، وتحديدا على قطاع اعمال التجزئة المصرفية والاستهلاكية وغيرها. مستهدفا في ذلك وبشكل رئيسي تعزيز المركز المالي والمحافظة على معدل من النمو المستقر والأداء المتوازن للبنك.
ولم تخل الهيكلة من اجراءات تدفع لاعادة النظر إداريا في قطاعات مثل التكنولوجيا والخدمات المساندة «الموارد البشرية» والقطاع التجاري، حيث ستتم إعادة تبعيتها إدارات اخرى مثلما هو معتاد في البنوك الاخرى المحلية والاقليمية.
وعلى أرض الواقع، تبدو الازمة القديمة لـ «بيتك» آخذة في التلاشي، بعد الاجراءات الاخيرة التي اتخذها البنك في تطبيق الهيكل الجديد لنموذج عمله، حيث بدأت البوادر الايجابية في الظهور، بعد ان بدأ «بيتك» تغييرات على مستوى المحفظة الاستثمارية، من ضمنها اتاحة كل استثمار موجود في محفظة البنك من سنوات للبيع، ما دامت بعوائد مجدية، ويمكن إعادة توجيهها إلى نشاط مصرفي تشغيلي يضمن لـ «بيتك» تحقيق عوائد تشغيلية مستدامة، في وقت استوعب فيه البنك بحسب الرئيس التنفيذي محمد العمر الدروس من الظروف السلبية التي مرت على البنك.
اما عما يمكن ان ينتجه هذا التوجه من ارتدادات مالية سلبية على ميزانية «بيتك» لجهة التخلص من الاصول المدرة، فهذه ليست سوى تكهنات لا تعبر عما يجري على أرض الواقع، كما ان التجربة اثبتت ان من غير مصلحة «بيتك» ان يحافظ على اصول يمكن ان تأتي له بعوائد تشغلية تقارب في بعض المجالات 3 في المئة، في حين انه يمكن ان يمتص قيم اموالها في اعمال مصرفية تاتي له بارباح تشغيلية تضاعف هذه القيمة.
وعلى ما يبدو في مرحلة ما بعد بدر المخيزيم، سيواجه معظم موظفو «بيتك» الحاجة المزمنة إلى تغيير توجهات رأس العمل في «بيتك» من بنك مهتم في المقام الأول بالاستثمار، إلى بنك سيركز على نشاطه المصرفي الاساسي، لكنهم جميعا يدركون أن تغييرا كبيرا طرأ على ثقافة الإدارة وآلية اتخاذ القرار في البنك، فمن الاعتبارات الرئيسية التي حضت عليها خطة «بوز اند كومباني» لاعادة هيكلة «بيتك» وجار العمل على تنفيذها التخلص من التركة الاستثمارية الثقيلة، خصوصا في ما يتعلق بالشركات التابعة والزميلة، وإعادة توجيه عوائدها إلى العمل المصرفي التشغيلي.
ومن الواضح ان هذه الخطة الجديدة بدأت تؤتي ثمارها بالفعل، وهو ما أكده الرئيس التنفيذي لبيت التمويل «بيتك» محمد سليمان العمر في اعلان ارباح البنك عن هذه الفترة، حيث قال «ان بوادر مرحلة التغيير الايجابي التي انطلقت مع تطبيق استراتيجية متكاملة، بدأت في الظهور، وبدأ البنك في حصد ثمار هذا التغيير من خلال تحسن الكثير من المؤشرات في ميزانية الربع الأول من العام الحالي، بعد ان انخفض حجم المخصصات بنسبة 26 في المئة مقارنة بميزانية الربع الأول من العام الماضي، وزيادة الطلب على أعمال «بيتك» داخل الكويت وخارجها، الأمرالذي يؤشر الى أننا نمضي في المسار الصحيح».
وتأتي البيانات المالية الفصلية لـ «بيتك» كاحدى أدوات القياس على نتائج الاستراتيجية الجديدة، حيث ارتفع حجم الأصول في الميزانية إلى 14.2 مليار دينار، بزيادة قدرها 1.4 مليار دينار وبنسبة زيادة 12 في المئة، عن الفترة نفسها من العام الماضي، وارتفع حجم الودائع إلى 9.2 مليار دينار، بزيادة قدرها 938 مليون دينار، وبنسبة زيادة 14 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي، فيما بلغ اجمالي حقوق المساهمين 1.3 مليار دينار، بزيادة قدرها 14 مليون دينار، وبنسبة زيادة 1.1 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي.
ومن المرتقب ان تؤسس خطة إعادة هيكلة «بيتك» محل التطبيق لمرحلة جديدة من النمو، لا سيما وان صناعة الصيرفة الإسلامية تشهد حاليا تطورا كبيرا محليا وعالميا، فيما يحتل «بيتك» موقعاً قوياً يمكنه من الاستفادة من هذه التطورات.
وعمليا وعلى صعيد المنافسة المحلية، يتمتع «بيتك» بمجموعة مختلفة من المؤهلات المالية من المرتقب ان تساعده مع تطبيق خطته الجديدة في الحفاظ على مقعده كبنك اقليمي، ليس اقلها ان من ذروة انجازاته يحتل «بيتك» الرقم واحد بين البنوك المحلية من حيث الأرباح والودائع في العام 2007، فضلا ان المخصصات التي كونها البنك منذ بداية الأزمة المالية والتي تقارب مليار دينار تمثل مصدر قوة لـ «بيتك» ومساهميه ومودعيه، في ظل التطورات الحالية والمستقبلية للاسواق، وعلى ضوء ما يمكن ان تفرزه الخطة الجديدة للبنك من أنشطة تشغيلية واسعة.
ورغم تداعيات الأزمة المالية العالمية التي كانت الاقسى على «بيتك» بين البنوك المحلية بسبب شركاته التابعة، الا ان الجميع في «بيتك» يؤمنون بان عليهم مسؤولية انجاح الاستراتيجية الجديدة للبنك الكبير، والمقاربة تجدها في ميزانية «بيتك» عن الربع الأول حيث بلغ نمو الإيرادات التشغيلية 18 في المئة، أتى معظمه من العمل المصرفي، من تسهيلات ائتمانية وخدمات مصرفية، وليس من أعمال شركات البنك التابعة والزميلة التي تواجه غالبيتها التعثر.
قبل أيام قليلة، أعلن مجلس إدارة «بيتك» ثقته في الإدارة التنفيذية، في مؤشر على ان قطار الهيكلة مضى.
أرسل