الكويت رحلة التسمية من القرين.. إلى الكويت!
محمد بن أحمد الشدي:
كلما قرأت اسم الكويت الحبيب - أو زرته تذكرت ذلك الحصن الكبير "الكوت" الذي هو تصغير وتمليح لأسمه - الذي يقع في شرق بلادنا الغالية - في الاحساء - وفي هذه السنوات أصبح - يقام في الكويت الشقيق مهرجان ثقافي باسم "القُرين" فعادت بي الذاكرة الى قراءات قديمة عن تسمية الكويت في حقبة سابقة باسم القرين أجدها مبثوثة بين سطور العديد من الكتب التاريخية سجلت عن تاريخ المنطقة, وفيما انا افكر في سبب هذه التسمية - اذ سقطت في يدي ورقة صادرة عن ذلك المهرجان الذي عقد في دولة الكويت الشقيق بعنوان "لماذا القرين"?.. أي لماذا اختاروا اسم القرين لهذا المهرجان الثقافي?
وتقول الورقة "عندما كنا نفكر.. في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, في الاسم الذي سنطلقه على مهرجاننا الثقافي الأول طرحت أسماء عدة, بعضها أسماء حديثة والبعض الآخر أسماء تاريخية.. وعندما فكرنا في الأسماء التاريخية ترددنا أيضاً.. فالمنطقة قد ارتبطت بأسماء موغلة في القدم تصل الى ماقبل الميلاد وماقبل ظهور الاسلام, مثل كاظمة, وارة, العدْان, إضافة الى الأسماء الأغريقية والدلمونية, مثل إيكاروس, لكننا اجمعنا في نهاية المطاف على القرين.. فلماذا القرين?"..
وتمضي تلك الورقة قائلة:
القُرْين هي اللبنة الأولى في بناء الكويت الحديثة باجماع كل المؤرخين, وقد ورد اسم القرين كرديف لاسم الكويت باعتباره مبيناً في الكتابات والخرائط التي وضعها الرحالة الغربيون.. ومن أقدم هذه الخرائط تلك الخريطة التي وثقها الرحالة الهولندي كارستن نيبور والتي وردت في وثائق شركة الهند الشرقية في القرن السابع عشر.
وقد وردت اشارة كارستن للقرين (الكويت) بعد ان زارها في عام 1765, حيث وصفها بانها مدينة عامرة يشتهر اهلها بالتجارة وصيد اللؤلؤ والسمك, ويستخدمون لهذا الغرض ماينيف على ثمانمئة قارب وسفينة.
وكذلك ذكر الدكتور سيتزن, في رسالته المؤرخة في ابريل 1805م, أن المقيم الدائم الانكليزي, صامويل ماينستي, قد غادر البصرة بسبب الاضطرابات التي نشبت فيها في ذلك الوقت, وأقام بالقُرين (الكويت) مايقرب من ثلاث سنوات..!
وقد ذكرت التقارير الإنكليزية والعربية عموما أوصافاً متطابقة الى حد بعيد للقرين والكويت كمسميين لمدلول واحد وهو الميناء البحري الواقع على الساحل الغربي للخليج قريباً من راسه, وتحكمه القبائل العربية التي تحضرت, حتى جاء آل صباح الكرام ومن معهم واستوطنوا الأقليم, الذي أصبح يعرف ب- "الكويت" منذ منتصف القرن السابع عشر, وبدأ يتشكل كيان دولة الكويت الحديثة.
وبعد إطلاعي على هذه الورقة تعجبت كيف يكون الرجوع الى هذه المصادر الغربية ولا يشار إلى المصادر العربية ولا إلى جذور الكويت ووشائجه التاريخية مع أخوته من حوله!
وواصلت القراءات, التي تقول: ثم جاءت رحلة مرتضى بن علوان الى الكويت عام 1120 هجرية فوجدها مزدهرة.. وكذلك ورد في الوثائق البريطانية عن الكويت وارتباطها سواء بأسمها الأول القرين أو الأخير (الكويت) بشرق الجزيرة العربية وذلك الى عام .1750
وتحديداً ذكر المؤرخ الكويتي القدير الأستاذ سيف الشملان وكذلك المغيري أن تأسيس الكويت أو "القرين" مرتبط بشخص من أهالي الاحساء اسمه عقيل بن غرير الخالدي - في عام 1060ه- .1750
وهنا يأتي الالتباس في اسم من أنشأ الكويت بين بن غرير - وبن عريعر - والأخير لم يولد بعد وبقي عليه مئة سنة.
إلا أن الورقة أيضاً وما تضمنته شرحت وبررت بشكل جيد اختيار اسم "القرين" للمهرجان إلا أنها لم توضح لماذا أطلق هذا الاسم القرين على الكويت الشقيق من أجل اطلاع القارئ وعشاق التاريخ في الخليج على مصدر هذه التسمية, فعدت الى بعض تلك المصادر التي ورد فيها ذكر عن نشأة الكويت ولعله من المفيد أن اسجل هنا ما لاحظته بطريق الصدفة أنه توجد "قرية قائمة حتى الآن في منطقة الأحساء تحمل اسم القرين وتقع القرين شمال واحة الأحساء وهي تتبع المبرز إدارياً.. وقد قدر لوريمر المستشرق الإنكليزي مؤلف دليل الخليج - عدد منازلها سنة 1908 بنحو 130 منزلاً.. كما ذكر وعدد من يسكنها نحو 1600 نسمة يعملون في مزارع الرز وحقول النخيل التابعة للقرية وقد اتسعت الآن وكثر سكانها - ولازالوا حتى اليوم يزرعون الرز الأحمر الممتاز - وقد شملها العمران وانتشر التعليم وكثرت فرص العمل المتاحة.. ما جعلني أربط بين ما ذكره هؤلاء عن تسمية الكويت وأصلها وهذه القرية - أما الكتب التي ذكرت نشأة الكويت الغالي فمنها تاريخ هجر لمؤلفه السعودي الشيخ عبدالرحمن الملا. اذ يقول:
"كانت الكويت حين نزلها "العتوب" وهم من عنزة تعرف بالقرين.. وكان بها كوت (1) أو حصن أقامه حاكم الأحساء هناك لهدف حماية الحدود الشمالية لإماراته وعندما سئل عنه قال هذا كويت وهو تصغير لذلك الكوت الكبير". وقد وهبه لآل الصباح فشرعوا في إقامة المنازل من حوله.. فكان ذلك نواة لتأسيس مدينة الكويت التي استمدت اسمها من ذلك الحصن.. وفي سرعة مذهلة أخذت هذه المدينة في النمو والازدهار.. فاتسع عمرانها وتضاعف سكانها.. واخذت القبائل تتوافد عليها للافادة من النشاط التجاري الذي دأب العتوب على تطويره.. ومن ثم بات من الضروري اختيار حاكم للمدينة لتصريف شؤونها ورعاية مصالح أهلها وحمايتها.. فوقع الاختيار لهذه المهمة على الشيخ "صباح بن جابر" فبايعوه على السمع والطاعة والتشاور معهم فيما يعود بالنفع على الجميع.. فكان هذا الحدث ايذاناً بميلاد إمارة الكويت التي كانت ولاتزال من ذلك التاريخ في رعاية وحكم أسرة آل صباح الكرام.
ويرجع المؤرخون اسباب ازدهار الكويت والمكانة المرموقة التي تبوأتها ابان تلك الفترة المبكرة من نشأتها إلى عوامل من أهمها(2):
1 - موقعها المتميز على الطريق الصحراوي للتجارة بين الشام والجزيرة العربية.. وكذلك ميناؤها الواقع على الطرف الشمالي الغربي من الخليج.
2 - الحركة التجارية التي برع آل صباح وآل خليفة والجلاهمة - وهم أبناء عمومة - في ممارستها وتنمية مصادرها من ناحية.. والنشاط الناشئ عن نشاط الشركات الأوروبية في الخليج من ناحية أخرى.
3 - تمتع الكويت عند نشأتها بحماية حكام الجزيرة العربية وبتشجيع التجارة والاكتفاء بأدنى حد من الرسوم على الصادرات والواردات من مختلف البضائع والسلع مع المحافظة على استتباب الأمن والنظام.
4 - جاء نمو الكويت في مطلع القرن الثاني عشر الهجري وقت كانت فيه قوى الشر المحيطة بها غارقة في بحر من الفوضى والانحلال والضعف بحكم الاضطرابات الداخلية في العراق وفارس.. علاوة على ذلك الحروب المستمرة بينهما.
وكانت تلك البلاد منقسمة على نفسها في صورة مشيخات صغيرة متنافرة.. فقد ساعدت هذه العوامل مجتمعة على نمو الكويت وازدهارها".
- قلنا في ما سبق أن موضع الكويت كان يسمى "بالقرين" وذكرنا أن القرين كانت قائمة في مكان الكويت الحالية منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي ولم تكن حينذاك سوى قرية صغيرة.. والى تلك القرية - الكويت - وفدت جماعات العتوب.. وهم مجموعات من الاسر العربية المختلفة.. أما تاريخ وفود العتوب.. فهو أمر لايزال موضع نقاش وجدل.. وكذلك الحال مع تسميتهم بالعتوب.. وما أعرفه الا أنهم عتبوا ولم يصلوا مباشرة! بل خطوة خطوة أما الطريق التي سلكوها قادمين من الافلاج وادت بهم الى الكويت - فهي طريق السليل الربع الخالي ثم قطر التي لبثوا فيها نحو ثلاثين سنة إبان حكم آل مسلم وهم اليوم من سكان البحرين وقد أجمعت المصادر التاريخية على أن أهل الأحساء هم المؤسسون للكويت وان اختلفوا في تحديد تاريخ تأسيسها وربما أن ذلك الرجل المؤسس كان يسكن "قرية القرين - فسماها باسمها.. ثم بُحث عن رمز أكبر فكان الكوت معلم بارز فاشتق الاسم الحالي منه بعد نحو ثمانين سنة من التسمية القديمة.!
- أما متى تم ذلك فهناك من ذكر (3) أن ذلك تم سنة 1019ه-/1610م, بينما حدده الشيخ مبارك بن صباح سنة 1022ه-/1613م.
- وذلك في خطاب الى محسن باشا والي البصرة اجابه فيه عن سؤاله عن تاريخ تأسيس الكويت (4) بينما هناك (5) من اشار الى انها اسست سنة 1060ه-/1650م - وقيل (6) إنها أسست سنة 1070ه-/1660م وقيل (7) نحو سنة 1080ه-/1670م - وقيل (8) سنة 1100ه-/1689م - وقيل بعدها (9) ويعزو خزعل (10) هذا الاختلاف إلى مراحل تطور الكويت ونموها - بحيث اعتبر كل مؤرخ مرحلة من مراحل هذا التطور هي نقطة التأسيس الرئيسة فأرخ بها.
وفي هذا التعليل اعتراف ضمني بقدم تأسيسها والارجح أنها أسست تدريجياً في نحو منتصف القرن الحادي عشر الهجري(11) السابع عشر الميلادي على أقرب تقدير - وشكراً للمجلس الوطني للثقافة وللأخ بدر الرفاعي أمينه العام ولتلك الورقة التي أتاحت لي هذا البحث الممتع الذي أشركت القارئ معي في الاطلاع عليه".