الرياض – عمر عبد العزيز
هل بات التضخم وإرتفاع الأسعار المتواصل في السعودية بعيدا عن السيطرة؟ سؤال طرح نفسه أخيرا، وخصوصا بعد أن سجل التضخم خامس ارتفاع له على التوالي في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وبلغ أعلى مستوى له في 10 سنوات، وسط توقعات قوية بمزيد من الارتفاع ليصل إلى 5 % قريبا.
وأظهرت بيانات مصلحة الإحصاءات العامة السعودية الأربعاء الماضي، أن معدل التضخم في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، ارتفع إلى 4.89 % في سبتمبر، بسبب ارتفاع الإيجارات بنسبة 11 %، والمواد الغذائية بنسبة 7.2 %. وبلغ معدل التضخم السنوي 4.4 % في أغسطس آب الماضي.
وتوقع اقتصاديون تحدثوا لـ "أسواق نت" أن يستمر التضخم في مسيرة الصعود ليبلغ مستوي أكثر من 5 %، خصوصا مع توافر العوامل المحفزة للارتفاع، ومنها زيادة الإنفاق الحكومي، ووتيرة الارتفاع في الأسعار الاستهلاكية بسبب زيادة معدلات الاستهلاك، وارتفاع السيولة، وانخفاض أسعار الفائدة.
وأضافوا أن مواصلة أسعار النفط صعودها وتسجيلها أرقاما قياسية، واستمرار تراجع الدولار، والطفرة الاقتصادية التي تشهدها السعودية بسبب العائدات القياسية للنفط وتحقيق معدلات نمو كبيرة، كلها عوامل تقود إلى ارتفاع التضخم.
مؤسسة النقد غير قلقة
وعلى الرغم من التقارير المتزايدة التي تظهر ارتفاع التضخم داخل البلاد، إلا أن مسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي أكدوا أكثر من مرة أنهم غير قلقين بعد، خصوصا أن الاقتصاد السعودي يبدو قادرا على احتواء توقعات التضخم على المدى الطويل، كما يعتقدون أنها لن تؤثر على حركة الانتعاش الاقتصادي.
ويقول رئيس لجنة الأوراق المالية بغرفة الرياض وعضو مجلس إدارة بنك البلاد، خالد المقيرن لـ"الأسواق.نت" إن المصدر الرئيس للتضخم في السعودية يعود إلى أسعار السلع الغذائية، حيث ارتفعت في السنوات الأخيرة بوتيرة عالية، والسبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو زيادة الأسعار في البورصات العالمية، إضافةً إلى الأحوال المناخية التي أثرت في الإنتاجية، وهو ما تسبب في غلاء أسعار المواد الغذائية في دول العالم كافة.
وأشار إلى تغير الأنماط الاستهلاكية، إذ نتج عن ارتفاع الدخول في الصين والهند تحولات كبيرة في الأنماط الغذائية عالميا، حيث تتغير العادات الغذائية بارتفاع مستوى الدخل، وإذا أخذنا في الاعتبار عدد السكان المهول البالغ 2.5 مليار نسمة في هاتين الدولتين فإن التحولات فيهما لها تداعيات ضخمة على أسعار المواد الغذائية عالميا.
وقال المقيرن إنه غالبا ما ترتفع معدلات التضخم فجأة إذا كان الاقتصاد ينمو، ويقترب الاقتصاد من طاقته الاستيعابية الكاملة، واتخاذ أي سياسات انكماشية لكبح جماح التضخم قد تخفف من معدلات النمو الاقتصادي.
زيادة السيولة في المملكة
وأضاف أن هناك أدلة على زيادة كبيرة في السيولة، وأن الاقتصاد السعودي وصل إلى أقصى طاقته الاستيعابية على المدى القصير، والتضخم ارتبط في الفترات الأخيرة بالسيولة التي ارتفعت بشكل كبير.
وعما إذا كان رفع قيمة الريال مقابل الدولار أو فك ارتباطه به سيسهم في تخفيف حدة التضخم، قال المقيرن إن ايجابيات ربط الريال بالدولار أكثر من سلبياته، وفك ربط الريال بالعملة الأمريكية لا يجب أن يكون في وقت الأزمات، موضحا أن أي ارتفاع ملحوظ في قيمة الريال سيخفض من سعر المواد المستوردة، لكنه سيزيد من القوة الشرائية للأفراد، الأمر الذي سيزيد من الاستهلاك، ويزيد الطلب العام، وبالتالي يسهم في رفع مستويات التضخم.
وبشان كيفية السيطرة على التضخم قال المقيرن، "لابد من تنويع المصادر الاستثمارية لامتصاص السيولة الكبيرة بالسوق، مصادر الاستثمار لدينا قليلة، إضافة إلى أن أسعار الفائدة في البنوك ضعيفة ويجب رفعها لتخفيف السيولة".
وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي أجرت قبل أسابيع خفضا لسعر الفائدة على "الريبو"، بنحو ربع نقطة، إلى جانب رفعها لمستوى احتياطيات البنوك العاملة في السوق السعودية بنحو 9 %، بغية احتواء المزيد من السيولة المتداولة خارج المؤسسة.
مخاوف من الاستمرار
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بالمعهد الدبلوماسي بالرياض الدكتور رجاء المرزوقي، إن التضخم في السعودية أصبح مثار قلق كبير، محذرا من أن "دول الخليج قد تتعرض لمعدلات تضخم عالية خلال السنوات المقبلة قد تؤدي إلى تقوض رفاه المجتمع وانخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين".
وأوضح أن التضخم في زيادة منذ أكثر من عام نتيجة "انتعاش يدعمه دخل النفط القياسي، وتراجع الدولار عالميا، كما أن ارتباط سعر صرف الريال السعودي بالدولار يرفع تكلفة الواردات غير الدولارية".
واعتبر أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات داخل السعودية، من أهم أسباب ارتفاع التضخم، وهو ما يثير قلقا متزايدا لدى المستهلكين خصوصا الطبقات المتوسطة التي بدأت تشكو من أوضاعها المعيشية، في الوقت الذي لا تزال فيه الأصوات تتعالى بين أوساط المواطنين بضرورة تحرك الجهات ذات العلاقة لمكافحة الارتفاع الجنوني وبخاصة في أسعار المواد الاستهلاكية.
وأضاف أن زيادة الأسعار طالت أيضا المباني السكنية وسط زيادة أسعار البناء بنسبة أكثر من 40 %.
وتشهد العاصمة السعودية الرياض وباقي المحافظات السعودية، موجة غلاء غير مسبوقة في جميع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وقد زاد هذا الارتفاع الكبير في الأسعار من الأعباء والمطالب التي تواجه أرباب الأسر من الموظفين وذوي الدخول المحدودة، فضلا عن شريحة البسطاء الذين يمثلون غالبية السكان.
وتبدو التصريحات الحكومية لتفسير ظاهرة الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية متناقضة إلى درجة أثارت ارتباكا لدى الرأي العام، ففي الوقت الذي انتقد فيه مسؤولون في مجلس الشورى موجة ارتفاع الأسعار، مؤكدين أنها غير مبررة على الإطلاق، قالت وزارة التجارة والصناعة أنها لا ترى أن هناك ارتفاعا يستدعي التدخل.
أكثر من المعلن
أما الأكاديمي والخبير في شؤون النفط الدكتور أنس بن فيصل الحجي فركز في حديثه عن التضخم في السعودية على العلاقة بين أسعار النفط وانخفاض الدولار.
ورأى أن معدلات التضخم أكبر مما يتم الإعلان عنه رسميا لأن طريقة حساب التضخم، وهي الطريقة الشائعة في أغلب دول العالم، لا تتضمن مستوى جودة السلعة المستهلكة، فهناك أدلة كثيرة على استمرار تدهور نوعية البضائع المستوردة، سواء بسبب الغش التجاري أو بسبب ازدياد الاستيراد من الصين و الدول المجاورة لها، وينطبق الأمر نفسه على نوعية الخدمات التي نحصل عليها من العمالة المستوردة حيث تم البحث خلال السنوات العشرين الماضية عن العمالة الأرخص باستمرار.
وقال إن التضخم الحقيقي أكبر من الأرقام المعلنة بسبب رداءة المنتجات المستهلكة، لذلك فإن معدلات التضخم الحقيقية ترتفع كلما انخفضت نوعية السلع المباعة في الأسواق، معتبرا أن زيادة الاستيراد من الصين أسهمت في تخفيض معدلات التضخم الرسمية، ولكنها رفعت معدلات التضخم الحقيقية.
وقال الحجي إن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات بسيطة في قيمة الدولار في وقت ارتفعت فيه معدلات التضخم بشكل كبير نسبيا، الأمر الذي يوضح أن ارتفاع أسعار النفط وغيره من العوامل التي زادت السيولة مثل زيادة الإنفاق الحكومي أسهمت في رفع معدلات التضخم.
وأوضح أن عائدات النفط بالدولار، والريال مرتبط بالدولار، وبما أن السعودية تستورد من دول مختلفة ارتفعت عملات أغلبها مقابل الدولار، فإن تكاليف استيراد السلع والخدمات ارتفعت، الأمر الذي أسهم في رفع الأسعار في الداخل، وهذا هو التضخم، إذ تستورد السعودية نحو نصف وارداتها باليورو والين، وسعر العملتين بدأ بالارتفاع منذ عام 2002، ولامس اليورو بنهاية الأسبوع مستوي 1.47 دولار، وهو على مشارف 1.5 دولار.
ويشهد التضخم ارتفاعا في مختلف أنحاء الخليج مع إقدام الحكومات على استثمار الدخل الإضافي من إيرادات النفط في مشروعات محلية، ولأن معظم العملات مرتبط بالدولار فإن البنوك المركزية عادة ما تقتدي بقرارات السياسة النقدية الأمريكية مما يقيد مساعيها لاحتواء آثار ارتفاع الأسعار.
وأوصت لجنة بمجلس الشورى السعودي بزيادة الأجور الشهر الماضي لحماية الموظفين من التضخم، واستدعى الملك عبدالله الشهر الماضي وزير الداخلية ومحافظي الأقاليم لتفسير ارتفاع الأسعار.
وعلى الرغم من التقارير المتزايدة التي تظهر ارتفاع التضخم داخل البلاد، إلا أن مسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي أكدوا أكثر من مرة أنهم غير قلقين بعد، خصوصا أن الاقتصاد السعودي يبدو قادرا على احتواء توقعات التضخم على المدى الطويل، كما يعتقدون أنها لن تؤثر على حركة الانتعاش الاقتصادي.
العلاقة بين الدولار والتضخم
تاريخيا، هناك علاقة عكسية قوية بين الدولار والتضخم في السعودية، فكلما ارتفع الدولار انخفض التضخم، وكلما انخفض الدولار ارتفع التضخم.
والعلاقة بين سعر الدولار والتضخم في السعودي قوية، لدرجة أن نحو 70 % من التغيرات في معدلات التضخم في السعودية تعود إلى تغير في قيمة الدولار.
وهذا يعني أنه حتى في حالات التأثير القوي للدولار فإن هناك 30 % من معدلات التضخم تعود إلى أمور أخرى مثل ارتفاع أسعار الواردات من بلاد معينة وزيادة الإنفاق الحكومي والاستهلاك والسيولة وغيرها. وهذا يعني أيضا أنه حتى لو تم رفع الريال إلى مستويات عالية فإن هذا لن يؤدي إلى التخلص من التضخم بالكامل.
وتغيرت هذه العلاقة جذريا منذ تشرين الأول أكتوبر 2005 حيث ضعفت العلاقة بين الدولار والتضخم، فالعلاقة العكسية بين الدولار والتضخم ما زالت موجودة كما في الفقرة السابقة إلا أنها خفت بشكل كبير. وهذا يعني أن ارتفاع معدلات التضخم في العامين الماضيين يعود أغلبه إلى عوامل أخرى لا علاقة لها بسعر الصرف. وتشير التحليلات الإحصائية إلا أن قدرة تغير قيمة الدولار على شرح التغيرات في معدلات التضخم في السعودية انخفضت بمقدار الثلث في العامين الماضيين.
ورفع الريال لن يسهم في تخفيض التضخم بشكل ملحوظ إلا إذا كان الرفع كبيرا، بين 15 % و30 %. نظرا لأن هذا الرفع بهذه النسبة سيدمر بعض القطاعات الاقتصادية وسيؤثر سلبيا في قطاعات أخرى، لذلك فإن التضخم سيبقى، ورفع الريال لن يحل المشكلة، ويجب البحث عن حلول أخرى.
كيفية حساب التضخم
يحسب التضخم في السعودية وفق استراتيجية تعتمدها مصلحة الإحصاءات العامة، تتضمن حساب مؤشر أسعار المستهلكين في 16 مدينة، من خلال فريق متخصص، يتضمن مسح أكثر من 400 سلعة وخدمة تدخل في سلة المستهلك متوسط الدخل وبناء عليه يتم احتساب التغير.
كما يؤخذ في الاعتبار الفروقات الفنية بين المدن الكبرى التي يكون فيها التضخم أعلى من المدن الصغرى.
المصدر العربية نت اسواق نت في تاريخ 10 نوفمبر
http://www.alaswaq.net/articles/2007/11/10/12006.html
هل بات التضخم وإرتفاع الأسعار المتواصل في السعودية بعيدا عن السيطرة؟ سؤال طرح نفسه أخيرا، وخصوصا بعد أن سجل التضخم خامس ارتفاع له على التوالي في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وبلغ أعلى مستوى له في 10 سنوات، وسط توقعات قوية بمزيد من الارتفاع ليصل إلى 5 % قريبا.
وأظهرت بيانات مصلحة الإحصاءات العامة السعودية الأربعاء الماضي، أن معدل التضخم في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، ارتفع إلى 4.89 % في سبتمبر، بسبب ارتفاع الإيجارات بنسبة 11 %، والمواد الغذائية بنسبة 7.2 %. وبلغ معدل التضخم السنوي 4.4 % في أغسطس آب الماضي.
وتوقع اقتصاديون تحدثوا لـ "أسواق نت" أن يستمر التضخم في مسيرة الصعود ليبلغ مستوي أكثر من 5 %، خصوصا مع توافر العوامل المحفزة للارتفاع، ومنها زيادة الإنفاق الحكومي، ووتيرة الارتفاع في الأسعار الاستهلاكية بسبب زيادة معدلات الاستهلاك، وارتفاع السيولة، وانخفاض أسعار الفائدة.
وأضافوا أن مواصلة أسعار النفط صعودها وتسجيلها أرقاما قياسية، واستمرار تراجع الدولار، والطفرة الاقتصادية التي تشهدها السعودية بسبب العائدات القياسية للنفط وتحقيق معدلات نمو كبيرة، كلها عوامل تقود إلى ارتفاع التضخم.
مؤسسة النقد غير قلقة
وعلى الرغم من التقارير المتزايدة التي تظهر ارتفاع التضخم داخل البلاد، إلا أن مسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي أكدوا أكثر من مرة أنهم غير قلقين بعد، خصوصا أن الاقتصاد السعودي يبدو قادرا على احتواء توقعات التضخم على المدى الطويل، كما يعتقدون أنها لن تؤثر على حركة الانتعاش الاقتصادي.
ويقول رئيس لجنة الأوراق المالية بغرفة الرياض وعضو مجلس إدارة بنك البلاد، خالد المقيرن لـ"الأسواق.نت" إن المصدر الرئيس للتضخم في السعودية يعود إلى أسعار السلع الغذائية، حيث ارتفعت في السنوات الأخيرة بوتيرة عالية، والسبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو زيادة الأسعار في البورصات العالمية، إضافةً إلى الأحوال المناخية التي أثرت في الإنتاجية، وهو ما تسبب في غلاء أسعار المواد الغذائية في دول العالم كافة.
وأشار إلى تغير الأنماط الاستهلاكية، إذ نتج عن ارتفاع الدخول في الصين والهند تحولات كبيرة في الأنماط الغذائية عالميا، حيث تتغير العادات الغذائية بارتفاع مستوى الدخل، وإذا أخذنا في الاعتبار عدد السكان المهول البالغ 2.5 مليار نسمة في هاتين الدولتين فإن التحولات فيهما لها تداعيات ضخمة على أسعار المواد الغذائية عالميا.
وقال المقيرن إنه غالبا ما ترتفع معدلات التضخم فجأة إذا كان الاقتصاد ينمو، ويقترب الاقتصاد من طاقته الاستيعابية الكاملة، واتخاذ أي سياسات انكماشية لكبح جماح التضخم قد تخفف من معدلات النمو الاقتصادي.
زيادة السيولة في المملكة
وأضاف أن هناك أدلة على زيادة كبيرة في السيولة، وأن الاقتصاد السعودي وصل إلى أقصى طاقته الاستيعابية على المدى القصير، والتضخم ارتبط في الفترات الأخيرة بالسيولة التي ارتفعت بشكل كبير.
وعما إذا كان رفع قيمة الريال مقابل الدولار أو فك ارتباطه به سيسهم في تخفيف حدة التضخم، قال المقيرن إن ايجابيات ربط الريال بالدولار أكثر من سلبياته، وفك ربط الريال بالعملة الأمريكية لا يجب أن يكون في وقت الأزمات، موضحا أن أي ارتفاع ملحوظ في قيمة الريال سيخفض من سعر المواد المستوردة، لكنه سيزيد من القوة الشرائية للأفراد، الأمر الذي سيزيد من الاستهلاك، ويزيد الطلب العام، وبالتالي يسهم في رفع مستويات التضخم.
وبشان كيفية السيطرة على التضخم قال المقيرن، "لابد من تنويع المصادر الاستثمارية لامتصاص السيولة الكبيرة بالسوق، مصادر الاستثمار لدينا قليلة، إضافة إلى أن أسعار الفائدة في البنوك ضعيفة ويجب رفعها لتخفيف السيولة".
وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي أجرت قبل أسابيع خفضا لسعر الفائدة على "الريبو"، بنحو ربع نقطة، إلى جانب رفعها لمستوى احتياطيات البنوك العاملة في السوق السعودية بنحو 9 %، بغية احتواء المزيد من السيولة المتداولة خارج المؤسسة.
مخاوف من الاستمرار
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بالمعهد الدبلوماسي بالرياض الدكتور رجاء المرزوقي، إن التضخم في السعودية أصبح مثار قلق كبير، محذرا من أن "دول الخليج قد تتعرض لمعدلات تضخم عالية خلال السنوات المقبلة قد تؤدي إلى تقوض رفاه المجتمع وانخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين".
وأوضح أن التضخم في زيادة منذ أكثر من عام نتيجة "انتعاش يدعمه دخل النفط القياسي، وتراجع الدولار عالميا، كما أن ارتباط سعر صرف الريال السعودي بالدولار يرفع تكلفة الواردات غير الدولارية".
واعتبر أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإيجارات داخل السعودية، من أهم أسباب ارتفاع التضخم، وهو ما يثير قلقا متزايدا لدى المستهلكين خصوصا الطبقات المتوسطة التي بدأت تشكو من أوضاعها المعيشية، في الوقت الذي لا تزال فيه الأصوات تتعالى بين أوساط المواطنين بضرورة تحرك الجهات ذات العلاقة لمكافحة الارتفاع الجنوني وبخاصة في أسعار المواد الاستهلاكية.
وأضاف أن زيادة الأسعار طالت أيضا المباني السكنية وسط زيادة أسعار البناء بنسبة أكثر من 40 %.
وتشهد العاصمة السعودية الرياض وباقي المحافظات السعودية، موجة غلاء غير مسبوقة في جميع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، وقد زاد هذا الارتفاع الكبير في الأسعار من الأعباء والمطالب التي تواجه أرباب الأسر من الموظفين وذوي الدخول المحدودة، فضلا عن شريحة البسطاء الذين يمثلون غالبية السكان.
وتبدو التصريحات الحكومية لتفسير ظاهرة الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية متناقضة إلى درجة أثارت ارتباكا لدى الرأي العام، ففي الوقت الذي انتقد فيه مسؤولون في مجلس الشورى موجة ارتفاع الأسعار، مؤكدين أنها غير مبررة على الإطلاق، قالت وزارة التجارة والصناعة أنها لا ترى أن هناك ارتفاعا يستدعي التدخل.
أكثر من المعلن
أما الأكاديمي والخبير في شؤون النفط الدكتور أنس بن فيصل الحجي فركز في حديثه عن التضخم في السعودية على العلاقة بين أسعار النفط وانخفاض الدولار.
ورأى أن معدلات التضخم أكبر مما يتم الإعلان عنه رسميا لأن طريقة حساب التضخم، وهي الطريقة الشائعة في أغلب دول العالم، لا تتضمن مستوى جودة السلعة المستهلكة، فهناك أدلة كثيرة على استمرار تدهور نوعية البضائع المستوردة، سواء بسبب الغش التجاري أو بسبب ازدياد الاستيراد من الصين و الدول المجاورة لها، وينطبق الأمر نفسه على نوعية الخدمات التي نحصل عليها من العمالة المستوردة حيث تم البحث خلال السنوات العشرين الماضية عن العمالة الأرخص باستمرار.
وقال إن التضخم الحقيقي أكبر من الأرقام المعلنة بسبب رداءة المنتجات المستهلكة، لذلك فإن معدلات التضخم الحقيقية ترتفع كلما انخفضت نوعية السلع المباعة في الأسواق، معتبرا أن زيادة الاستيراد من الصين أسهمت في تخفيض معدلات التضخم الرسمية، ولكنها رفعت معدلات التضخم الحقيقية.
وقال الحجي إن الفترة الأخيرة شهدت تغيرات بسيطة في قيمة الدولار في وقت ارتفعت فيه معدلات التضخم بشكل كبير نسبيا، الأمر الذي يوضح أن ارتفاع أسعار النفط وغيره من العوامل التي زادت السيولة مثل زيادة الإنفاق الحكومي أسهمت في رفع معدلات التضخم.
وأوضح أن عائدات النفط بالدولار، والريال مرتبط بالدولار، وبما أن السعودية تستورد من دول مختلفة ارتفعت عملات أغلبها مقابل الدولار، فإن تكاليف استيراد السلع والخدمات ارتفعت، الأمر الذي أسهم في رفع الأسعار في الداخل، وهذا هو التضخم، إذ تستورد السعودية نحو نصف وارداتها باليورو والين، وسعر العملتين بدأ بالارتفاع منذ عام 2002، ولامس اليورو بنهاية الأسبوع مستوي 1.47 دولار، وهو على مشارف 1.5 دولار.
ويشهد التضخم ارتفاعا في مختلف أنحاء الخليج مع إقدام الحكومات على استثمار الدخل الإضافي من إيرادات النفط في مشروعات محلية، ولأن معظم العملات مرتبط بالدولار فإن البنوك المركزية عادة ما تقتدي بقرارات السياسة النقدية الأمريكية مما يقيد مساعيها لاحتواء آثار ارتفاع الأسعار.
وأوصت لجنة بمجلس الشورى السعودي بزيادة الأجور الشهر الماضي لحماية الموظفين من التضخم، واستدعى الملك عبدالله الشهر الماضي وزير الداخلية ومحافظي الأقاليم لتفسير ارتفاع الأسعار.
وعلى الرغم من التقارير المتزايدة التي تظهر ارتفاع التضخم داخل البلاد، إلا أن مسؤولين في مؤسسة النقد العربي السعودي أكدوا أكثر من مرة أنهم غير قلقين بعد، خصوصا أن الاقتصاد السعودي يبدو قادرا على احتواء توقعات التضخم على المدى الطويل، كما يعتقدون أنها لن تؤثر على حركة الانتعاش الاقتصادي.
العلاقة بين الدولار والتضخم
تاريخيا، هناك علاقة عكسية قوية بين الدولار والتضخم في السعودية، فكلما ارتفع الدولار انخفض التضخم، وكلما انخفض الدولار ارتفع التضخم.
والعلاقة بين سعر الدولار والتضخم في السعودي قوية، لدرجة أن نحو 70 % من التغيرات في معدلات التضخم في السعودية تعود إلى تغير في قيمة الدولار.
وهذا يعني أنه حتى في حالات التأثير القوي للدولار فإن هناك 30 % من معدلات التضخم تعود إلى أمور أخرى مثل ارتفاع أسعار الواردات من بلاد معينة وزيادة الإنفاق الحكومي والاستهلاك والسيولة وغيرها. وهذا يعني أيضا أنه حتى لو تم رفع الريال إلى مستويات عالية فإن هذا لن يؤدي إلى التخلص من التضخم بالكامل.
وتغيرت هذه العلاقة جذريا منذ تشرين الأول أكتوبر 2005 حيث ضعفت العلاقة بين الدولار والتضخم، فالعلاقة العكسية بين الدولار والتضخم ما زالت موجودة كما في الفقرة السابقة إلا أنها خفت بشكل كبير. وهذا يعني أن ارتفاع معدلات التضخم في العامين الماضيين يعود أغلبه إلى عوامل أخرى لا علاقة لها بسعر الصرف. وتشير التحليلات الإحصائية إلا أن قدرة تغير قيمة الدولار على شرح التغيرات في معدلات التضخم في السعودية انخفضت بمقدار الثلث في العامين الماضيين.
ورفع الريال لن يسهم في تخفيض التضخم بشكل ملحوظ إلا إذا كان الرفع كبيرا، بين 15 % و30 %. نظرا لأن هذا الرفع بهذه النسبة سيدمر بعض القطاعات الاقتصادية وسيؤثر سلبيا في قطاعات أخرى، لذلك فإن التضخم سيبقى، ورفع الريال لن يحل المشكلة، ويجب البحث عن حلول أخرى.
كيفية حساب التضخم
يحسب التضخم في السعودية وفق استراتيجية تعتمدها مصلحة الإحصاءات العامة، تتضمن حساب مؤشر أسعار المستهلكين في 16 مدينة، من خلال فريق متخصص، يتضمن مسح أكثر من 400 سلعة وخدمة تدخل في سلة المستهلك متوسط الدخل وبناء عليه يتم احتساب التغير.
كما يؤخذ في الاعتبار الفروقات الفنية بين المدن الكبرى التي يكون فيها التضخم أعلى من المدن الصغرى.
المصدر العربية نت اسواق نت في تاريخ 10 نوفمبر
http://www.alaswaq.net/articles/2007/11/10/12006.html