«التغطية ارتفعت إلى 140 في المئة ولا حاجة إلى زيادتها وفق المعطيات الراهنة»
العقاد: مخصصات بنك الخليج كافية في أسوأ السيناريوات
ميشال العقاد
|
كتب عبادة أحمد ورضا السناري |
بإمكان ميشال العقاد أن يقول إنه حقق المهمة الثانية على رأس الإدارة التنفيذية لبنك الخليج. فبعد أن أعاد بناء الميزانية العمومية من خلال استراتيجية العامين الأوّلين، أوصلته استراتيجية العامين التاليين (2011-2012) إلى أن يضع على مكتبه «الآن» جائزة «ذا بانكر» المرموقة.
قطع بنك الخليج طريقاً طويلة في وقت قصير للوصول إلى اللوحات الإعلانية الكبيرة التي تحمل خبر فوزه بجائزة أفضل بنك في الكويت من مجلة «ذا بانكر» التابعة لـ«فايننشال تايمز». فقبل أربع سنوات فقط كان البنك يخوض معركة الحياة.
هذا لا يعني أن العقاد لا يعير اهتماماً لكاميرات مراقبة السرعة، بل ربما يكمن ذكاؤه المصرفي في معرفة أسهل الطرقات للوصول إلى الهدف من دون الاضطرار إلى المخاطرة بالسرعة الزائدة.
يشرح رئيس المديرين العامين في بنك الخليج ميشال العقاد في مقابلة مع «الراي» أن «ما تظهره الأرقام هو نمو المحفظة الائتمانية أو نمو الأصول، لكن ما نعمل عليه هو زيادة القروض الجيدة مقابل تخفيض القروض الأقل جودة، لتكون الميزانية العمومية أقوى، حتى لو بدت أرقام النـــمو أقل».
ربما يفسّر ذلك النمو المحدود أو المعتدل في مختلف مؤشرات الربحية. فالربحية الصافية للعام 2012، نمت بنسبة 1 في المئة لتبلغ 30.9 مليون دينار، فيما نمت الأرباح قبل المخصصات بنسبة 13 في المئة لتبلغ 121.4 مليون دينار. وأضافت محفظة القروض أضافت 4.9 في المئة لتقارب 4.1 مليار دينار.
وما زال لدى البنك 380 مليون دينار من القروض غير المنتظمة، تعادل 8 في المئة تقريباً من محفظته الائتمانية. مرة أخرى، ليس من عادة الرؤساء التنفيذيين مناقشة هذه الأرقام بانفتاح كبير.
غير أن الرجل لديه ما يتباهى به هنا. فقد كان حجم القروض المتعثرة 520 مليون دينار بنهاية 2011 بما يعادل 11 في المئة من محفظة البنك، وكانت قبل ذلك 650 مليوناً في 2010، بما يعادل 14 في المئة، و1.1 مليار دينار في 2009، بما يعـــــادل 23 فــــي المئــة.
في النتيجة، يرى العقاد في تخفيض القروض المتعثرة من 23 في المئة إلى 8 في المئة خلال أربعة أعوام فقط تقدماً كبيراً، تم تحقيــقه بفضل مزيج من إجراءات عديدة لم تتوقف عند حدود شطب القروض المعدومة التي تم تجنيب مخصصات كاملة لها.
فقد قام البنك ببيع بعض القروض السيئة بنسب خصم معيّنية. يقول العقّاد إن تلك الخطوة كانت في محلّها، لأن أسعار تلك القروض السيئة في السوق الثانويّة انخفضت في بعض الحالات إلى أسعار تعادل ثلث ما حصّله البنك. وفي النتيجة، تحرّر البنك من ملفات عدد من الأسماء الكبيرة المتعثّرة.
والأهم أن البنك وفّر دعامات حماية مالية ضخمة من المخصصات الاحترازية (غير المحددة)، بلغ إجماليها 148 مليون دينار في نهاية 2012، هذا عدا المخصصات المحددة التي تقارب 40 مليون دينار، والضمانات العينئة التي يصل رصيدها إلى 330 مليون دينار.
هذه المخصصات رفعت تغطية القروض المتعثرة إلى نحو 140 في المئة، وهي نسبة يراها العقاد كافية، وفق المعطيات الحالية، ما لم تنخفض قيم الضمانات إلى النصف بما يؤدي إلى خفض التغطية دون 100 في المئة (وهذا مستبعد بالنظر إلى نوعية الأصول المرهونة إجمالاً)، أو ما لم تطرأ تعثرات قروض جديدة كثيرة في حال حصلت سيناريوات اقتصادية سيئة على مستوى البلاد.
لكــــن العــــقاد منشــــغل بشيء آخر غير «تنظيف محفظة القروض وبناء ميزانية عمومية صلبة». فقد كان هذا العنوان الأبرز العامين الأولين من مهمته. لكن منذ بداية 2011 بدأ البنك استراتيجية جديدة للعامين 2011 و2012، امتداداً حتى 2012، كان التركيز فيها النمو في مختلف قطــــــاعات الأنشطة المصرفية التجارية، عبر عشر «مبادرات»، ليس من بينها طبعاً الاهتمام بالأنشطة المصرفية الاستثمارية.
تمويل «الجزيرة»كانت البداية بإحياء نشاط التجزئة المصرفية التي يبرع فيها البنك، ثم بدأت ثمار الاهتمام بتمويل الشركات والمشاريع تظهر.
فقبل أسابيع، قاد بنك الخليج تريب تمويل بقيمة 20 مليون دينار لمجموعة «طيران الجزيرة». وشارك معه في التمويل البنك التجاري الكويتي.
يقول العقاد إن هذه الصفقة «عظيمة» لأن «عمليات التمويل التي تغطيها وكالات ائتمان الصادرات (ECAs)، مثل (كوفاس) الفرنسية وغيرها، لا يمكن لأي بنك أن يفوز بها إلا إذا كان لديه فرع في الاتحاد الأوروبي، إذا كانت الوكالة أوروبية أو في الولايات المتحدة إذ لكانت الوكالة أميركية».
ويشير العقاد إلى أن «ما أعلمه أن بنك الخليج هو البنك الوحيد في المنطقة، وربما الوحيد عالمياً الذي موّل صفـــــقـــة كــــهذه مـــن دون أن يكــــون لــــه فــــرع فــي أوروبــــا».
(معلوم أن وكالات ائتمان الصادرات تمنح عادةً أوراق ضمان أو تأمين على القروض المخصصة لتمويل الصادرات من البلد أو المنطقة التي تنطلق منها الوكالة، ونشاطها شائع جداً في صفقات تمويل شراء الطائرات، خصوصاً في ظل التنافس الكبير بين «إيرباص» و«بوينغ» عالمياً).
يقول العقّاد إن «هذه صفقة التمويل نموذج لاهتمام البنك بصفقات التمويل المهيكلة للشركات والمشاريع التي تحتاج إلى كفاءة ودراية في دراساتها وإعداد هيكلها». ويشير إلى أن البنك اجتذب كوادر وكفاءات مهمة لهذه الغاية، تجعله في موقع المنافسة الأبرز محلياً على مثل هذه الصفقات.
لكن إلى جانب الشركات، يولي البنك عناية كبيرة لتمويل الشركات الصغيرة، التي يتشابه تمويلها مع تمويل الأفراد، من حيث أن بالإمكان اعتماد منهجية «ورقة العلامات» (score sheet) لإقراضها.
شركات الاستثمارقد يكون بنك الخليج واحداً من أكثر البنوك معالجة انخراطا في معالجة القروض المتعثرة الكبيرة. فقد كان في محفظته الائتمانية منذ ما قبل الأزمة بعضٌ من أضخم القروض لشركات الاستثمار المتعثرة. وقد اعتمد مقاربات مختلفة للتعامل مع تلك الملفات.
يشير العقاد إلى «أننا سهّلنا في العديد من الحالات عمليات إعادة الهيكلة، فوافقنا على شطب نسبٍ من الدين، وقبلنا برسملة أجزاء أخرى، على أن يتم سداد ما تبقى». يتحدث هنا عن «ملفين كبيرين تم إنجازهما تماماً، وهناك عملية ثالثة تم إنجاز موافقاتها وهي الآن في طريقها إلى التنفيذ».
الملف الثالث معروف، وهو يخص شــركــــة بيـــــت الاستثمار العالمي (جلوبل). يقول العقاد إن الإيجابي في «جلوبل» أنها تصرفت بجدّية وواقعـــية، على الرغم من صعوبة مشكلاتها، ولم تنتظر وقوع المشكلة لتتحدث إلى الدائنين، بل قالت مسبقاً إنها لن تكون قادرة على السداد قبل موعد الاستحقاق بسنة، فبدأ التفـــاوض مسبقاً».
وكما هو معلوم فإن دائني «جلوبل» سيتملّكون 70 في المئة من أسهم الشركة بموجب خطة إعادة الهيكلة. وقد سبق أن حصل نموذج مشابه لرسملة الديون مع الشركة الكويتية للتمويل والاستثمار (كفيك). فكيف ستتخارج البنوك من تلك الملكيات، وهل سيحصل ذلك في المدى القريب؟
يجيب العقاد بالنفي. «التخارج ليــس قريباص، وهو يتطلــــب قبل الوصول إليه بعض المســــتلزمات. فلا بـــد من التأكـــــد بداية مـــــن أن الأمور استتبت في الشركة، وأنها قادرة على خدمة ديونها والعودة على الربحية، ولا بد ان يتحسن المناخ العام».
يستدرك العقاد بأن «البعض قد يتساءل: من عساه يهتم بالدخول في شركات الاستثمار؟ وهذا صحيح حالياً، لكن مع تغيّر البيئة الاستثمارية قد يتوفر الاهتمام لدى العديد من الجهات بتلك الحصص للدخول في شراكات بقطاع الاستثمار مكان البنوك، من جهات محلية أو جهات إقليمية ترغب في دخول السوق المحلي».
سأل العقاد هل تحسنت إدارة شركات الاستثمار بعد كل ما جرى؟ يقول «نعم... بعضها على الأقل».
أوائل العام الماضي، كان العقاد أول من توقّع عاماً صعباً على البنوك، وقد صدقت توقعاته. فما يتوقع للعام 2013؟
يتوقّع العقاد أفقاً أفضل لنمو الائتمان، مع إحياء مشاريع التنمية. يقول «في العام الماضي كان النمو مرتكزاً على القروض الشخصية، التي ستستمر بالنمو بوتيرة أقل قليلاً. فإذا أضفنا إلى ذلك نمو القروض للشركات فإن الحصيلة ستكون نمواً أقوى».
يبدأ البنك العام الجديد بمعنويات مرتفعة، عززتها جائزة «ذا بانكر» التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للجهاز التنفيذي، «لأننا أتينا من هذا الموقع من مكان بعيد. يمكنكم فقط أن تتذكروا أين كنا في 2009».
يختم العقاد بالقول «2013 سيكون أفضل بالتأكيد».
إدارة الثروات؟ نعم... إدارة الأصول؟ لا
رسم ميشال العقاد استراتيجية واضحة منذ توليه الرئاسة التنفيذية لبنك الخليج، تركز على الأنشطة المصرفية التجارية، ولا مكان فيها للعمل المصرفي الاستثماري.
لكن البنك شهد في الآونة الأخيرة تركيزاً على منتجات مصرفية تتطلب دراية أكبر بالاستثمار والتقييم ودراسات الجدوى، من نوع تمويل المشاريع وتمويل الشركات.
يقول العقاد إن تلك المنتجات تمثّل «آخر حدود النشاط المصرفي التجاري». ويوضح «نحن مثلاً نقدّم خدمات إدارة الثروات بكفاءة عالية، لكننا لا نقدّم خدمات إدارة الأصول». بمعنى أن البنك يلعب دور الموزّع للخدمات الاستثمارية من جهات أخرى، كنوعٍ من الخدمة للعملاء، لكنه لا يستثمر بنفسه لمصلحة العملاء.
ألا يوفّر ذلك ميزة تنافسية لبعض البنوك التي تملك أذرعة استثمارية؟ يجيب العقاد بأن «لكل بنك استراتيجية مختلفة عن الآخرين. وهذان النموذجان كلاهما موجود على المستوى العالمي، وكلاهما ناجح، ولا يقلل نجاح أحدهما من صواب الاستراتيجية الأخرى».
ويشير إلى أن بعض العملاء قد لا يطلبون المشورة الاستثمارية من البنوك التي تجمع بين النشاطين المصرفي والاستثماري، بل ربما يذهبون إلى البنوك الاستثمارية الأكثر تخصصاً لهذا الغرض. لذلك على كل بنك أن يختار نموذج عمله، ونحن اخترنا طريقاً واضحة بعد الأزمة، سمتها التركيز على مستوى الجغرافيا، وايضاً على مستوى طبيعة النشاط. وقد أصبنا نجاحاً».
خلاصة أخرى أن «البنك لا يسعى إلى التوسع الخارجي، بل على تعزيز خطاه في السوق المحلية».
احتفاء بنجاح الاستراتيجية «الثانية» (تصوير اسعد عبدالله)