فيلا مودا نموذجاً.. القطاع الخاص.. سياساته تفضح أداءه وعجزه يكشف فساده
28 مايو,2014
فيلا مودا.. عينة من شركات القطاع الخاص
كتب محرر الشؤون المحلية:
عديدة هي الملاحظات والانتقادات الكبيرة التي توجه للقطاع الحكومي، وهي في أغلبها صائبة تماماً.. وبالإضافة إلى ما يتلمسه المواطن من خلل في أدائه، تأتي تقارير ديوان المحاسبة الدورية والسنوية، لتعزز بدورها من تلك الملاحظات.. وتقارير الديوان ليست مبنية على المرسل من الكلام، بل معززة بأرقام تبيّن التجاوزات في مناحي الصرف في العديد من المؤسسات الحكومية والتابعة لها. تُشكل لجان وزارية داخلية لمعالجة أوجه الخلل، وفي الوقت نفسه تُقدم تقارير وملاحظات الديوان التي تتكرر، وقد تكون هي ذاتها المنقولة من سنة لأخرى.
إشراف الديوان يأتي على أهم قطاع يتم الصرف المالي من خلاله، وهو القطاع الحكومي، إلا أن هناك قطاعات أخرى خارج مظلة الديوان الرقابية، منها المؤسسات والاتحادات الرياضية، والتي فيها ما فيها من مناحي التلاعب والتجاوزات المالية التي تتم من دون حسيب أو رقيب، وقد حاول مجلس الأمة تكليف الديوان بالتدقيق في مجالات الصرف المالي على الاتحادات الرياضية، إلا أن الأبواب أقفلت بوجهه (الديوان)، ولم يستطع إتمام مأموريته، باعتباره من الناحية القانونية لا يستطيع التحقيق والتدقيق في مجالات الصرف.. وهكذا أنهيت المهمة، أو بالأحرى لم يتمكن الديوان من أداء عمله، ولم يقدّم تقريره لمجلس الأمة، بموجب التكليف الذي أنيط به.
رقابة دورية ومحاسبية
قطاع آخر خارج إشراف ديوان المحاسبة، سواء بشكل كامل أو جزئي، وهوالقطاع الخاص بمختلف شركاته.. فالشركات التي تقل نسبة مساهمة الحكومة فيها عن 40 في المائة لا تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، أما ما فوق ذلك، فتتم فيه المتابعة اليومية من قِبل الديوان، ووضع التقارير المحاسبية على أدائه.. ويكثر الحديث عن دور القطاع الخاص وأهميته في النماء الاقتصادي للبلد وإيجاد مداخيل جديدة، كل في مجال تخصصه، وفوق ذلك ومن واقع سير أعماله، يستطيع أن يجذب أيدي عاملة وطنية، في زيادة متوازية مع زيادة نشاطه وأعماله.. ولقد كان آخر حديث عن دور القطاع الخاص ما تولاه د.محمد الصباح وزير الخارجية السابق، الذي أكد أهمية هذا القطاع للبلد من الناحية الاقتصادية.. ونحن نتفق مع ما صرَّح به د.محمد، هذا من الناحية النظرية، ولكنها هل تلامس الواقع في الكويت؟.. فكم من الأزمات والإخفاقات الكثيرة التي وصلت إلى نوع من التلاعب المالي في أكثر من شركة ومؤسسة أو مصرف، وكان ملاذها الأموال العامة، كجهة تتولى معالجة هذه التجاوزات أو الأزمات التي يمر بها القطاع الخاص منذ عام 67، مروراً بالمناخ، حتى المديونيات الصعبة وتأثير الأزمة المالية عليها في عام 2008.. ونتساءل: هل توجد جهات رقابية على أداء الشركات؟
بالطبع، هناك جهة ممثلة بوزارة التجارة والصناعة على مستوى الشركات الخاصة، فهي الجهة التي تطلع على البيانات المالية السنوية للشركات، كما تطلع على محضر الجمعية العمومية للشركة، وقد تدخل حتى في التفاصيل الشكلية.. كما أن هناك جهة رقابية داخلية، ممثلة بمكاتب التدقيق المحاسبية على الشركات وجمعياتها العمومية من الشركاء.. أما الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، فإن الرقابة دائمة ومستمرة من واقع التقارير ربع السنوية التي تقدمها هذه الشركات لإدارة البورصة والميزانيات السنوية، والإبلاغ عن أي مؤثرات طارئة لأعمالها أولا فأولا.. إذن هناك رقابة دورية وسنوية، حيث إن هناك حقوقا مالية للمساهمين يفترض أن تتولى الدولة عن طريق مؤسساتها الرسمية المحافظة عليها من التلاعب أو التجاوزات.
شركة فيلا مودا
دعونا نعطي صورة أقرب إلى الواقع، كمثال على أداء إحدى الشركات التي كانت مُدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، فشركة «فيلا مودا» تم إدراجها في سوق الكويت للأوراق المالية في 2007/1/22، وهذا الإدراج يعني أن إدارة سوق الكويت قد درست ميزانيات الشركة، بتفاصيلها ومكوناتها المالية، وقد نزلت الشركة للتداول منذ ذلك التاريخ بعدد من الأسهم يبلغ 67 مليونا وخمسمائة ألف سهم، وهذه الأسهم تعكس رأس المال المدفوع، البالغ ستة ملايين وسبعمائة وخمسون ألف دينار.. تأخرت بعد ذلك الشركة في تقديم بياناتها المالية لأداء البورصة عن عامي 2008 و2009، وهذا ما أدى إلى قيام مفوضية هيئة أسواق المال بإلغاء إدراجها في سوق الكويت للأوراق المالية بتاريخ 2012/2/12، ونشرت صحيفة «القبس» بتاريخ 2012/7/2، خبراً يقول إن «إجمالي الالتزامات المالية والديون التي تقع على كاهل شركة فيلا مودا تبلغ 20 مليون دينار، وإن الشركة لا تملك أصولا تكفي لسداد هذه الالتزامات، وبالتالي لا فائدة ستعود على مساهميها، في حال التصفية الكاملة للشركة، ومن طالب بتصفية الشركة
هم ملاك الشركة غير الكويتيين».
التصفية والحجز القضائي
هذا الخبر يعني أن أموال المساهمين تبخرت كتبخر الماء في الصيف القائظ شديد الحرارة.. أعباء مالية وديون تصل إلى عشرين مليون دينار لشركة رأسمالها ستة ملايين وكذا ألف لا يمكنها جدولة ديونها تلك أو معالجتها.
تنشر «القبس» مرة أخرى خبرا محدثا بتاريخ 2014/5/10، تذكر فيه «أن ملاك الشركة تقدموا قبل أسابيع إلى وزارة التجارة والصناعة بطلب تصفية وحلّ الشركة، كما بينت المصادر أن الشركة تواجه مديونيات وقروضاً بقيمة 40 مليون دينار.. وبتصفيتها، فإن أول المستحقين في توزيع ما سيتبقى من أموال هم الدائنون بقسمة بين الغرماء، وإذا ما تبقت أموال، فستكون من نصيب المساهمين، وهذا صعب جداً، حيث إن موجودات الشركة لا شيء يذكر بالنسبة لحجم الدين.. هذا ما نشرته «القبس» في عددها المذكور.
الدين زاد للضعف، ليأتي الخبر في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» في العدد الصادر في
2014/5/11، بإعلان وزارة التجارة والصناعة حول تقدم كل من شركة فيلا مودا ستايل و
الشيخ ماجد الصباح والشيخة أمثال الأحمد بطلب إلى إدارة الشركات بتصفية الشركة، وتعيين مستشار تجاري، ليقوم بهذه التصفية، ومن لديه اعتراض على هذا الإجراء أن يتقدم لوزارة التجارة خلال خمسة عشر يوما، وإلا ستتم المباشرة بعملية التصفية. والطريف بأمر أوضاع الشركة، أنه سبق أن أعلنت وزارة العدل إدارة تنفيذ العاصمة – قسم التنفيذ الجبري، بأنه سيتم يوم الثلاثاء الموافق
2012/6/5 بيع محجوزات، من ملابس وأحذية وأدوات أخرى، تنفيذا لحكم قضائي.. أي أنه ما كان موجوداً لدى الشركة قد تم بيعه، تنفيذاً لحكم قضائي.. فوق الديون المتراكمة عليها!
إعلان أكثر طرافة
وهناك إعلان أكثر طرفة صدر من سوق الكويت للأوراق المالية عن تحديد يوم
2014/5/20، أي الأسبوع الماضي، تقول فيه إدارة السوق إنه بناء على طلب وزارة العدل – إدارة التنفيذ، سيتم بيع عدد من أسهم الشركات، بموجب أحكام قضائية صادرة لمستحقيها، ومن بين تلك الشركات هناك عشرة آلاف سهم خاصة لشركة فيلا مودا..! فمن هو «المدمغ» الذي سيشتري هذه الأسهم من هذا المزاد؟
بين الواقع والتنظير
هذه عينة على أداء شركة من القطاع الخاص، وهي ليست في الحقيقة حالة شاذة أو فريدة، فهناك العديد من الشركات التي كانت مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، وجرى وقف تداولها من جراء الصعوبات المالية التي تعرَّضت لها.. صعوبات لم تأت من الخارج أو نتيجة لأوضاع طارئة لا مجال لردها، كالظروف القاهرة، مثل سنة الغزو العراقي عام 1990، بل نتيجة للسياسات والتنفيع ومجالات الصرف الخرافي لأموالها والبذخ بتلك الأموال على حساب المساهمين، إضافة إلى سوء التقدير، أمام رقابة في منتهى الضعف من قِبل الجهات الرقابية، ممثلة بوزارة التجارة والصناعة، أو سوق الكويت للأوراق المالية.. وهناك شركات يفوق رأسمالها بملايين رأسمال هذه الشركة موضوع مقالنا، ضاعت أموال المساهمين فيها، من جراء الأداء الأقرب للتلاعب في أموالها.. هذا الحديث عن القطاع الذي من المفترض أن يقوم بدور رائد في الاقتصاد الكويتي لا يعدو كونه تنظيراً قد يكون بعيداً عن الواقع الفعلي، فما يعكسه أداؤه يخالف كل الدعوات والتنظيرات، في ظل تواضع الرقابة الفعلية وتقييم أداء الشركات بشكل صارم.
مازالت البورصة عاجزة عن ضبط الشركات المدرجة في أسواقها ما أدى لتبخر أموال عدد من المساهمين