أقتصادنا:
سيتم نشر قرارات فسخ عقود المخازن والوطنيه العقاريه غدا بالجريده الرسميه
(كويت اليوم)
الله ايعوض علينه
مراجعة قرارات فسخ عقود الـ (B. O. T)
من الفضائل وكذلك مراجعة النفس وأهوائها
حسناً فعلت يا سمو رئيس الحكومة
كتب - أحمد الجارالله
الا التراجع عن الاخطاء فهو يحتسب من الفضائل, وكذلك مصارحة النفس ومراجعة اندفاعاتها وهواها, والى اين ذهبت وبتحريض مِن مَن.
في جو هذا التراجع القيمي كونه مبنياً على الشعيرة الاخلاقية لابد من إسداء الشكر لسمو رئيس الحكومة والقول له حسناً فعلت حين اوقفت للمراجعة قرارات فسخ العقود المبرمة وفق نظام ال¯ (B.O.T) كما علمنا, ولعله علم صادق او حقيقي,والتي كادت تؤدي إلى إقلاق شركات وإلحاق أضرار بمصالح اقتصادية, وبقوى عاملة, وبمساهمين, وبكل من له علاقة بعالم الاعمال وبسمعة البلد, وبقوة الدولة الابرائية التي كان ضعفها سيؤثر على تعاقداتها وصدقيتها.
ان تجميد قرارات فسخ عقود ال¯ (B.O.T) للمراجعة لا تندرج فقط في سياق مبدأ التراجع عن الخطأ, بل تفتح المجال لمراجعة كل العوامل النفسية التي تتوافر في العادة حول صدور القرارات, والنظرة الى المشاريع بعيون متساهلة, والدوافع التي تسحب رجل القرار الى الخلط بين الفني والسياسي, والوقوع في خطأ افساد الافكار والمشاريع الاقتصادية وإحراقها في أتون السياسة وإذكاء صراعات السياسيين.
نعرف, حسب القانون الالهي, ان الدائم هو وجه الله, وبالتالي لنعترف بأن الوجوه الاقتصادية في البلد هي التي تتغير بينما ركائز العمل الاقتصادي هي الباقية. ولنعترف ايضاً ان الصراع الوطني على استحواذ الثروة هو صراع اجيال متعاقبة, لكن في الوقت نفسه لنعترف بأن هذا الصراع لا يجوز له الاتيان على كامل الثروة, على الاقل حتى يبقى هناك صراع وتبقى هناك ثروة نتصارع عليها.
نريد ان نقول عبر هذه الاشارات العابرة أن الصراع على استحواذ الثروة ومشروعية تغيير الوجوه في المشهد الصراعي يجب ان يحكما بالقاعدة الاقتصادية الصرفة, والتي وحدها تصون الصراع على استحواذ الثروة من شوائب السياسة ومخادعاتها ومخاطرها.
وفي هذا الباب لا يجوز تصوير المشهد الكويتي العام على اساس انه مقسوم بين السياسيين وبين الاقتصاديين, وان الصراع قائم بين الطرفين على اساس مستقل. ورغم ذلك فإن هذا الممنوع وغير الجائز يجري الاعتماد عليه من قبل بعض الوزراء الذي يقول تعليقاً على قرارات تجميد فسخ اتفاقات ال¯ (B. O. T) بقصد المراجعة واعادة الحساب »لقد ربحتم مالياً وخسرنا نحن سياسياً«, ويقصد ان المستثمرين في نظام ال¯ (B. O. T) ربحوا والسياسيون امثاله خسروا, وكأنه بذلك يصور الواقع على انه انقسام فيه معارك وصراعات وفيه غالب ومغلوب, ورابح وخاسر, وهذه عقلية خاسرة من اساسها ولا يجوز الارتكاز اليها في العمل الوطني.
إن الخسارة السياسية لا تنتج عن هذا الجانب الانقسامي المفترض بل تنتج عن سوء الأداء, وإصدار القوانين بقصد إشقاء الناس لا إسعادهم, وتضمينها حدوداً تجعل منها صعبة التنفيذ. أما الازدهار الاقتصادي فلا يشكل خسارة سياسية, وإعطاء الفرص للمستثمرين في مشاريع ال¯ (B.O.T) وغيرها ليس خسارة سياسية, ومن يفكر في الاستثمار ويقترح مشاريع استثمارية لا يشكل خسارة سياسية أو يتسبب بها. فعندما يتقدمون بعقولهم واقتراحاتهم فلا يجب الاستهانة بهم وبعقولهم وبأفكارهم لأن هذه الاستهانة توقعنا في قلب الخسائر السياسية كوننا لم نحسن التقييم, ولم نحسن قراءة المعروض علينا... سمو الشيخ محمد بن راشد أعطى المئات من الفرص الاستثمارية للجميع, مواطنين, وعرباً وأجانب, وربح سياسياً, وأصبحت دبي وتجربتها مرجعاً عالمياً وذراعاً موثوقاً يعمل في كل بقاع الأرض, وفي مجالي الموانئ, والنقل البحري في أميركا. إن المقصود من هذه الإشارة هو القول إن الانقسام الموهوم بين السياسة والاقتصاد لا وجود له إلا في أذهان من افتعلوا هذه الفرضية لأجل الإفادة وتبرير الصراعات, واعتقاداً منهم بأن بلاغة الخطاب السياسي تطعم خبزاً.
وفي سياق هذا العرض, وما يحتويه من تشابكات, لابد لصانع القرار أن يكون محايداً نقي النفس, ولا يملك عصياً لوضعها في عجلات الناجحين... بقرار سمو الرئيس إعادة النظر في وقف الشركات الكبرى, ومراجعة مخالفاتها, انتعش سوق الأوراق المالية, واستعاد أنفاسه, وفرح بعودة الوعي على روح الإصلاح, وعلى انه يعتمد تقطيع الأغصان اليابسة لا اقتلاع الأشجار الباسقة من جذورها الذي تترتب عليه مضاعفات شديدة الضرر, ويكفي ان نعرف ان السوق يتداول فيه مئتا الف مواطن وحامل أسهم وربما أكثر.
وكل متداول يمثل عائلة كويتية او شركة, او خلاف ذلك من مجموعات المتكسبين والباحثين عن الرزق الحلال. إن القرارات التي تمس مصالح الناس يجب أن تكون مقنعة بمنطقها لا ببلاغة كلامها وصياغاتها, فهيبة القرار الحكومي تتوافر دائماً من سويته وصوابيته, وإنصافه, وعندما تتمتع قرارات الحكومة بهذه المواصفات فإن الجميع يقف معها ويؤيدها.
ان الاتفاقات والتعاقدات المبرمة بين الحكومة والأطراف الاستثمارية الوطنية الأخرى لا تلغى بل تجري مراجعتها وتطويرها, وإذا ما لوحظت الشوائب فيها تمت إحالتها إلى الدرس والاعتبار للإفادة منها في دراسة الاتفاقات الآتية. إن منتقدي الاتفاقات لم يلتزموا هذه القاعدة بل اعتمدوا موقفاً يثأرون به لأنفسهم لأنهم لم يتقدموا للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي أخذها غيرهم. فالآن أصبحت فرص ال¯ (B.O.T) حلوة في أعينهم بعد ان تزوجت من غيرهم, وكانت قبلاً معروضة عليهم ولم يتقدموا لخطبتها. ما نعرفه ان كل المشاريع التي أعطيت وفق نظام ال¯ ( B.O.T) قاربت عمر العنوسة ولولا تشجيع القيادة للقطاع الخاص كي يقبل عليها لما تزوجت, وازدهرت, وأصبحت محط أنظار »المعاريس« الذين يتهافتون عليها بعد ان اصبحت في عصمة »معاريس« آخرين سبقوهم إلى خطبتها.
حسناً فعل سمو الرئيس باعادة دراسة قرارات الغاء عقود الشركات الكبرى, فخطوته المرنة هذه تدلل على وجود عقل كبير يفرض حضوره واحترامه على كل من يتعامل معه وأدت الى ارتفاع مؤشر السوق... ان صراخ البعض الذين فاتتهم فرص الاستثمار في مشاريع ال¯ (B.O.T) ويريدون تحقيق مكاسب سياسية كما يحلمون, لا يجب أن يستمع إليه أحد وإلا ستظل البلاد تراوح مكانها تنشد الكمال وترضية الجميع, بينما الكمال لله وحده, وجامدة لا تعمل مخافة الوقوع في الخطأ, وتشعر بالخطأ لأنها لا تعمل, وتعيش في الفقر مخافة الفقر, وتكابد من العطش والماء فوق ظهورها محمول.
من يعمل هو الذي يخطئ, ومن يخاف الخطأ لن يعمل, وبالتالي لا يجوز ان ترتبط القرارات بردود الافعال, اذ لابد من وجود متضرر حين صدورها ووجود منتفع, والمقايسة هنا تتم وفق النظرة للحاضر وكيف سيتبدل للأفضل, وللمستقبل وكيف سيكون, لكن في قرارات مثل الغاء اتفاقات مع شركات كبرى قائمة فإن الامر يتحول الى غائلة يرتجف الناس منها لأنها تمس جيوبهم.
نعود ونقول ان الكسب السياسي يأتي من القرارات الصائبة, ومن تفعيل القوانين, وتعديلها للافضل وتطوير ادائها لما يسعد الناس, ولا يكون الكسب السياسي ابداً ناتج تعطيل الاعمال وتدمير ركائز الاقتصاد, واذا لاقت بعض الاعمال النجاح فعلينا ان ندفع بها وندافع عنها, ولا ننظر اليها الا نظرة المباركة التي أمرنا الله بها وأمرتنا بها اخلاقنا, ونتمنى لها المزيد من النجاح لا ان نضع العصي السياسية في عجلاتها.
اتفاقات ال¯ (B.O.T) يستفيد منها آلاف الناس, وحملة الاسهم, واذا كان هناك من لم يستفد من ميزة الاتفاقات فإن بالامكان ابتداع فرص اخرى موازية يعمل فيها ويستفيد.
ان المطلوب الآن ان نحترم الأمر وان نتوقف عن الكلام الخاوي الذي يطلقه البعض من الذين اشتهروا بفشل حياتهم وإخفاقهم في العمل, وبالمهارة في معاداة النجاح, وفي وضع العصي في عجلات التقدم والنمو.
إن النجاح هو الذي يجب ان يحكمنا وليس الشارع, وليس حفنة من المعارضين نعتبرهم كل الناس, أو حفنة مستشارين متحذلقين لا يعملون ولا يريدون احداً ان يعمل, تدفعهم الى ذلك مشاعر القلق على النفس, ومشاعر الحرص على متابعة اخبار الناس وما حققوه من نجاحات, ويمتازون ب¯ »بلاغة شف« يتمادون بها حتى الى غرف نوم الآخرين, يشتغلون بغيرهم ولا يشتغلون بعملهم. ولا عجب بعد ذلك لو سمعنا ان شركة ما اغلقت بسبب مخالفة ارتكبتها في نوع اقتناء ورق الكلينكس, أو منزلاً جرى هدمه بسبب زيادة مرحاض الى مراحيضه, نحن بهذا الوضع غير المريح نبخس الناس أشياءهم, وهذا حرام.
كلنا نذكر ايام قيام دولة النظام الشيوعي في روسيا وجوارها, وأن لينين رئيس هذه الدولة قد أمر بإعطاء الراتب حسب العمل, ورفع شعار »اعمل قدر طاقتك وخذ قدر حاجتك«, والتي توازي نظرية الذين نادوا بالربح المالي والخسارة السياسية, مع اختلاف الظروف, فأصبح الناس كلهم أجراء عند الدولة, اخذوا رواتبهم منها ولم يعطوها عملهم, وظل هذا الامر الشاذ قائماً لسبعين سنة الى أن انهار الحلم الشيوعي وسقطت نظرية الثروة لمن, ونظرية رأسمالية الدولة, فحذار ان نتجه صوب هذا المنحى, ونعمل على استيلاد لينين جديد في بلادنا. اننا نريد ان ننتهي من منطق يفرض وجود خاسر ورابح في صفوفنا, خاسر سياسي ورابح مالي, لأن الاقتصاد في الترتيب, هو الذي يغطي السياسة وعيوبها, فالدراهم كالمراهم, كما يقولون, تجبر العظم الكسير.
شكراً سمو الرئيس وحسناً فعلت, اذا كنت حقا قد فعلت.