الرجل ... الذي أعز الإسلام
الفاروق
عمر بن الخطّاب
مبايعته بالخلافة
عندما اشتدَّ على أبي بكر مرض موته، جمع كبار الصحابة وقال لهم: "إنَّه قد نزل بي ما قد ترون، ولا أظنني إلا ميِّتاً، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلّ َعنكم عقدي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي".
فأخذ الصحابة الذين جمعهم يتعفَّفون، فيرى كل منهم في الآخر قدرة أكبر على تولي مسؤولية الخلافة، فعادوا إلى أبي بكر وقالوا له طالبين مساعدته باختيار الخليفة: "أرنا يا خليفة رسول الله رأيك"، قال: "فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده".
[81]
وبعد فترة من التفكير استدعى أبو بكر الصحابي
عبد الرحمن بن عوف وقال له: "أخبرني عن عمر؟"، فأجابه: "إنه أفضل من رأيك إلا أنّ فيه غلظة"،
فقال أبو بكر: "ذلك لأنه يراني رفيقاً، ولو أفضي الأمر إليه لتركَ كثيراً ممَّا هو عليه، وقد رمَّقتُهُ فكنتُ إذا غضبتُ على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنتُ له أراني الشدّة عليه".
[82]
ثم دعا عثمان بن عفّان، وقاله له كذاك: "أخبرني عن عمر"، فقال: "سريرته خير من علانيّته، وليس فينا مثله"، فقال أبو بكر للإثنين: "لا تذكرا ممَّا قلتُ لكما شيئاً، ولو تركته ما عدوتُ عثمان، والخيرة له أن لا يلي من أموركم شيئاً، ولوددتُ أنّي كنتُ من أموركم خلواً وكنتُ فيمن مضى من سلفكم".
[83]
ثم جاء
طلحة بن عبيد الله إلى أبي بكر وقال له غاضباً: "استخلفتَ على النّاس عمر وقد رأيتَ ما يلقى الناس منه وأنتَ معه، وكيف به إذا خلا بهم وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك!"،
[82] فقال أبو بكر: "أجلسوني" فأجلسوه، ثم أجابه: "أبالله تخوّفني! إذا لقيتُ ربي فسألني قلتُ: استخلفت على أهلك خير أهلك".
[60]
وبعد ذلك استدعى أبو بكر
عثمان بن عفان مجدداً، فقال له: "اكتب:
، هذا ما عهِدَ أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أمّا بعد..." لكن أغميَ عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه، فكتب عثمان:
"أمَّا بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطّاب ولم آلكم خيراً".
وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: "اقرأ عليّ"، فقرأ عثمان، وعندما انتهى
كبَّر أبو بكر وقال: "أراك خِفتَ أن يختلف الناس إن مُتُّ في غشيتي؟"،
قال: "نعم"،
فقال: "جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله".
[83]
وبعد أن كتبَ العهد أمر أبو بكر أن يُقرَأ على الناس، فجمعهم وأرسله مع أحد مواليه إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر للناس:
"أنصتوا واسمعوا لخليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنّه لم يألكم نصحاً"، فهدأ الناس وتوقَّفوا عن الكلام، ولم يعترضوا بعد سماع العهد. ثم جاءهم أبو بكر وقال:
"أترضون بما استخلفتُ عليكم؟ فإني ما استخلفتُ عليكم ذا قرابة، وإنّي قد استخلفتُ عليكم عمرَ فاسمعوا له وأطيعوا، فإني والله ما آلوت من جهد الرأي"، فردَّ الناس: "سمعنا وأطعنا".
ثم أحضر أبو بكر عمر وقال له: "إنّي قد استخلفتك على أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم"، ثم أوصاه بتقوى الله، وخطبَ فيه خطبة قدَّمَ له فيها الكثير من الوصايا والنصائح.
[84]
توفّي أبو بكر بعد ذلك بأيام، وعندما دفن وقف عمر وخطب في الناس قائلاً: "إنَّما مَثَل العرب مثل جمل آنف اتَّبعَ قائده فلينظر حيث يقوده، وأمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق!".
[85]
فتح الشام
بدأ
الفتح الإسلامي للشام في عهد الخليفة
أبي بكر الصديق، الذي قرَّر مقاتلة الروم بعد أن هاجموا جيش
خالد بن سعيد بن العاص المُعسكر في
أرض تيماء، فوزَّع المسلمين على أربعة جيوش مختلفة، ووجَّه كلاً منها إلى جزء مختلف من
بلاد الشام، قوام كلٍّ منها حوالي 8,000 مقاتل. فكان الجيش الأول بقيادة
شرحبيل بن حسنة ووجهته
وادي الأردن في جنوبيّ الشام،
[86]
والجيش الثاني بقيادة
يزيد بن أبي سفيان ووجهته
دمشق، والجيش الثالث بقيادة
أبي عبيدة بن الجراح ووجهته
حمص، والجيش الرابع بقيادة
عمرو بن العاص ووجهته
فلسطين.
[87] وقال لهم أبو بكر أنهم سيكونون مستقلّين إن لم تكن هناك حاجة للاجتماع، فكل واحد يقود جيشه بنفسه ويكون أميراً على المناطق التي يفتحها، أما إن اقتضت الضرورة الاجتماع فإن القائد سيكون أبا عبيدة بن الجراح.
[88] لكن عندما بلغت الجيوش الإسلامية الشام وجدت جيوشاً ضخمة جداً للروم حشدت لمقابلتها في كل وجهاتها،
[89] فلمَّا سمع المسلمون بذلك قرَّروا الاتحاد، فاجتمعت جيوشهم
باليرموك،
[90] وطلبوا المزيد من المدد، فأمر أبو بكر
خالداً بن الوليد بالسير إليهم بنصف جنوده من
العراق.
[91] فسار خالد إليهم عبر
بادية الشام،
[92] وفي طريقه هزم
الغساسنة في معركة مرج راهط،
[93] وفتح مدينة
بصرى.
[94] وبعد أن فتح خالد بصرى، توجَّه مع أبي عبيدة بن الجراح إلى دمشق، فحاصرها،
لكن هنا وصلته أنباء حشد الروم في أجنادين، فانسحب وجمع جيوشه كلها هناك، فبلغ عدد المسلمين 33,000 مقاتل وبلغ عدد الروم 100,000، فدارت
معركة أجنادين التي هزم فيها الروم وقتل قائدهم وردان.
[95]
توفي أبو بكر خلال هذه المرحلة، وأعقبه عزل عمر بن الخطاب
لخالد بن الوليد عن قيادة الجيوش الفاتحة.
[96] فقد كان أبو بكر قد عيَّن خالداً قائداً عاماً لجيوش المسلمين في
الشام، غير أن عمر لم يرضَ بذلك لئلا يفتتن به المسلمون لانتصاراته المتوالية على الأعداء،
[97] فكان من أول ما فعله عمر بعد توليه أمور الخلافة أن كتب إلى
أبي عبيدة بن الجراح يعلمه بوفاة أبي بكر (ولم يُعلِم خالداً بذلك)،
[98] وكان يريد عزل خالد على الفور، حتى أنه رويَ عنه أنه قال في خالد: "لا يلي لي عملاً أبداً".
وبعدها أرسل عمر كتاباً آخر إلى أبي عبيدة يُعلِمه فيه بعزل خالد عن قيادة الجيوش وتعيينه مكانه، لكنَّ المؤرخين اختلفوا حول متى بالضبط وصل إلى أبي عبيدة الأمر بعزل خالد.
[97] فيقول
ابن إسحاق أن ذلك كان خلال حصار
دمشق في شهر رجب من سنة
14 هـ، إلا أن أبا عبيدة استحى فلم يُعلم خالداً حتى انتهى الحصار وتم الفتح،
[99] فيما يذهب
سيف بن عمر إلى أن ذلك كان خلال
معركة اليرموك عندما كان القتال لا يزال محتدماً بين الروم والمسلمين،
[100] بينما قال
المدائني، أن أمر العزل جاء حين كان المسلمون يقاتلون الروم
بالياقوصة في شهر رجب.
8