ثورة «الفنتك»!
جبرت أزمة «كورونا» العالم بأسره على تغيير مفاهيمه في التعامل مع المخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ونتناول في هذا المقال بالتبسيط، كيف استطاعت المؤسسات المالية حول العالم التكيف مع الوباء، دون تأثر كبير لعملياتها وايراداتها ؟.
ولكي نكون ادق فنحن بصدد الحديث عن «ثورة الفنتك»، التي ساعدت كثيراً من المؤسسات المالية، خاصة البنكية، على تقليل اضرار وباء «كورونا».
وكلمة Fintech او «فنتك» هي اختصار للتكنولوجيا المالية «Financial technology»، وهي ليست مجرد تطبيقات رقمية مالية ستحسن من الخدمات المالية المتاحة، بل هي تكنولوجيا قائمة بذاتها تستخدم ادوات كثيرة منها الذكاء الاصطناعي، وانترنت الأشياء والبيانات الضخمة، لتقدم جميع ما يتعلق بعالم المال من خدمات بقالب جديد وعصري.
ومع الفنتك اصبح من الماضي ضرورة الاتصال المباشر لاجراء اي نوع من المعاملات المالية، بل اصبح الشراء والدفع والتحويل وغيرها بضغطة زر واحدة وأنت في بيتك.
ان الأزمة الحالية اظهرت ان من استثمر سابقاً في التكنولوجيا المالية من البنوك والمؤسسات المالية والمختلفة، كان اقدر على مواجهة الحظر والعزل وقلة المتعاملين، اذ اتاحت التكنولوجيا للمؤسسات المالية توفير جميع الخدمات لعملائها دون عناء، وهو ما أسهم في استمرار التعاملات دون انقطاع ودون توقف لمصالح الناس.
وفي تقرير حديث ظهر ان حجم الاستثمار في الفنتك أخيراً اقترب من 150 مليار دولار، تستحوذ الولايات المتحدة وأوروبا ودول آسيا الصاعدة على جزء كبير منها.
ولاشك ان الفنتك هو بوابة ايضا لعملية الادماج او الشمول المالي التي ستغير اقتصاد العالم بمشهد جديد من الخدمات ومن العرض والطلب، حتى ستُكسر حواجز الاحتكار بجميع أشكاله، فالخدمات المالية لا تعني الايداع والسحب انما ايضا الاقراض، وستدخل الفنتك انواعا جديدة من الاقراض بحيث تجمع بين المحتاج للتمويل والممول وبضغطة زر يمكنها معرفة القدرة الائتمانية وسجل بيانات طالب التمويل، ويسمى هذا الاقراض بأسماء متعددة وهي واقع وليست خيال منها النظير للنظير peer to peer وما يسمى بتمويل الحشود Crowd Funding، وستقود الفنتك الاقتصاد التشاركي وستجعل منه واقعا جديدا مختلفا عما نحن نعيش عليه من احتكار في تقديم الخدمات.
وقرر الكثيرون سواء كان دولا او رواد اعمال ان يكونوا جزءا من عملية التطور، وقد وضع البنك المركزي لدينا لبنات لذلك الأمر، وعلينا ان نواصل هذا التوجه حتى نلحق بركب الانفتاح المالي.
وفي مواكبة للتطور في هذا المجال عقد بنك الكويت المركزي مؤتمراً متخصصاً في هذا الصدد ركز فيه المحافظ د. محمد الهاشل على اهمية الدفع بصناعة التقنيات المالية وتوجيهها لهدف الكويت الأسمى وهو «استدامة الرفاه للجميع».
وركز المحافظ على ان الثورة التقنية غيرت العالم فوصلت اقطار الكوكب بعضها ببعض ونسجت شبكات التواصل الاجتماعي انماطا جديدة من العلاقات الانسانية وسهلت التقنيات اجراء الأبحاث والتسوق ودفع الأموال بلمسات قليلة على شاشات هواتفنا.
ولاشك ان في الكويت تطبيقات ناجحة للتكنولوجيا المتطورة، خاصة بالأزمة الأخيرة التي بات الدفع الالكتروني محركها الوحيد، لذا علينا ان نتنبه للقادم ونواكب التطور، فالثورة التكنولوجية لم تظهر كل ما في جعبتها بعد.
ان اهم ما حققه الفنتك هو الادماج المالي، والذي يعني حصول الجميع على الخدمات المالية، اذاً نحن نعيش على اعتاب مراحل مالية جديدة وعلينا ان نُجهز كوادرنا لاحتوئها، وهو ما يجب ان تلتفت اليه جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية فوراً.
ونحن نهيب بالجامعات والكليات المتخصصة في مجال «التمويل، والبنوك» بتعميم وتدريس وتوسيع نطاق التعاطي مع «الفنتك»، علماً بأن قسم البنوك في كلية الدراسات التجارية قام باعداد مقرر متكامل لـ«التكنولوجيا المالية» تم اعتماده بالفعل، لتدريسه للطلبة، وذلك لنشر ثقافة التكنولوجيا المالية التي باتت محط انظار العالم، وبوابة باهرة لتواصل مالي سهل وآمن دون أي معوقات.
بقلم : أ. د. منصور صباح الفضلي
تاريخ الطباعة: 6/18/2020
جريدة النهار