وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:aleqt
الخطر القادم: ارتفاع الدولار .. وانخفاض أسعار النفط
د. أنس بن فيصل الحجي
يعتقد الكثير من المهتمين بشؤون الطاقة والبيئة أن الخطر الذي يهدد النفط هو القوانين البيئية الصارمة في الدول الصناعية والناشئة والنمو الكبير في مصادر الطاقة المتجددة التي تجد الطريق ممهدا أمامها مع اقتراب أسعار النفط من 100 دولار للبرميل وهناك من يعتقد أن أسعار النفط ستستمر في الارتفاع وقد تصل إلى 200 دولار للبرميل إما لاقتناعهم بعدم تواؤم نمو الطاقة الإنتاجية مع الطلب العالمي على النفط، أو بسبب بلوغ إنتاج النفط العالمي ذروته وستسهم هذه العوامل الاقتصادية في تحول الدول المستهلكة عن النفط لصالح مصادر الطاقة الأخرى.
ولدى كلا الفريقين عشرات الأمثلة والكثير من البيانات التي تؤيد وجهات نظرهم. إضافة إلى ذلك فإن العداء للنفط قد اشتد في السنوات الأخيرة، غالباً لأسباب سياسية بحتة لكن الواقع أن أكبر خطر يهدد النفط في الفترات المقبلة لا علاقة له بالسياسة أو البيئة، وإنما سبب اقتصادي بحت هو "ارتفاع الدولار" بشكل كبير! فارتفاع الدولار لن يخفض أسعار النفط فقط، بل سيسهم أيضاً في تطوير مصادر الطاقة البديلة وإذا كان الارتفاع كبيراً فإنه سيدمر قطاع السياحة الداخلية الذي تحاول دول الخليج كافة تنميته، كما أنه سيؤثر سلباً في صناعة البتروكيماويات في المنطقة، وبالتالي في سوق الأسهم. في هذه الحالة سيطالب البعض بـ "تخفيض" قيمة الريال مقارنة بالدولار، وسيطالب البعض بفك الارتباط بينهما حتى "تنخفض" قيمة الريال إلى مستواها الحقيقي!
ارتفاع الدولار و أسعار النفط
ارتفاع الدولار سيخفض أسعار النفط لأسباب عديدة منها أنه سيخفض تكاليف الإنتاج، مما يمكن الشركات من التنقيب عن النفط في أماكن منافسة لدول "أوبك"، خاصة في بريطانيا والنرويج وروسيا والبرازيل، كما أنه سيساعد بعض دول "أوبك" في المضي قدما بالمشاريع التي أجلتها بسبب ارتفاع التكاليف في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه سيصبح النفط غاليا في أوروبا وآسيا، وسينخفض الطلب عليه فكلما ارتفاع الدولار الذي يسعر به النفط، انخفضت عملات هذه الدول، الأمر الذي يرفع سعر النفط داخل هذه الدول. وعلينا أن نتذكر أن ارتفاع الأسعار في أوروبا وآسيا يختلف عن ارتفاعه في أمريكا، ليس بسبب اختلاف الحجم والدخل فقط، ولكن أيضاً بسبب اختلاف السلوك: فكما قام العمال والسائقون بإغلاق طرق لندن وباريس وبروكسل في عام 2000، فإنهم سيقومون بذلك مرة أخرى عندما يحسون بضغط ارتفاع الأسعار وعلينا أن نتذكر أن ما حصل في عام 2000 لم يكن نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وإنما نتيجة ارتفاع الدولار الذي جعل الوقود مكلفا جدا في هذه الدول فأسعار النفط مقيمة بالدولار في تلك الفترة لم تكن مرتفعة كثيرا مقارنة بتاريخ أسعار النفط.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: إلى أي حد ستنخفض أسعار النفط إذا ارتفاع الدولار؟ على الرغم من صعوبة الإجابة عن هذا السؤال إلا أن هناك حقيقة مهمة لها
علاقة مباشرة بالجواب وهي أن مدى انخفاض أسعار النفط سيعتمد على مدى تأثر الاقتصادين الصيني والهندي بارتفاع الدولار، وعلى ما إذا ما قررت الصين تحرير عملتها بالكامل أم لا. فارتفاع الدولار مع استمرار ربط العملة الصينية بالدولار ضمن النطاق الحالي سيؤثر سلبيا في صادرات الصين، وسيخفض النمو الاقتصادي فيها، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض نمو الطلب على النفط. لذلك فإن ردة فعل الحكومة الصينية على ارتفاع الدولار ستكون أحد محددات أسعار النفط.
هل سيخفض ارتفاع الدولار التضخم في دول الخليج؟
المشكلة الحالية أن أغلب التضخم الحالي في دول الخليج لا يعود إلى أسعار الصرف، لذلك لن يؤدي ارتفاع الدولار إلى تخفيض سريع للتضخم. فارتفاع أسعار الأراضي والعقارات أمر داخلي، وارتفاع أسعار الخضار والفواكه يعود إلى عوامل سياسية وطبيعية في الدول العربية المجاورة المنتجة لها. إضافة إلى ذلك فقد زادت الواردات من الصين في السنوات الأخيرة، كما زادت الواردات من الولايات المتحدة في الشهور الأخيرة على حساب الواردات من الدول الأخرى التي ارتفعت عملاتها. كل هذه الأمور تدل على أن أغلب مصادر التضخم هي مصادر داخلية لكن ارتفاع الدولار قد يخفض التضخم على المديين المتوسط والبعيد بشكل غير مباشر لأنه سيخفض أسعار النفط وسيقلل من مستوى السيولة في البلدان الخليجية. انخفاض السيولة سيعود إلى عوامل عدة غير انخفاض أسعار النفط منها هجرة بعض الاستثمارات إلى خارج منطقة الخليج، وارتفاع نسبة ادخار الوافدين، وزيادة السياحة الخارجية للخليجيين على حساب السياحة الداخلية لكن هذا النوع من انخفاض التضخم قد يكون خطرا لأنه قد يصاحبه انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
الخلاصة
إن أي ارتفاع كبير للدولار سيكون مضرا، مثلما يضر الانخفاض الكبير للدولار. من أهم نتائج ارتفاع الدولار انخفاض أسعار النفط وانخفاض الطلب على المنتجات البتروكيماوية، وانخفاض أسعار الأسهم القيادية، وانخفاض أنشطة السياحة الداخلية في دول الخليج إن أكبر خطر يمكن أن يجلبه ارتفاع كبير للدولار هو انخفاض الطلب العالمي على النفط وانخفاض النمو الاقتصادي في الدول الخليجية. هناك منطقة توازن يكون فيها سعر الدولار وسعر النفط مناسبين للاقتصادات الخليجية ومستوى السيولة فيها وشركاتها وأسواق الأسهم فيها. معرفة هذه المنطقة نتركها للمختصين.