قبضة متزايدة للرقابة تُلجم المضاربات... والصناديق مكبّلة أو فاقدة الشهيّة
لماذا تجدّدت أزمة سيولة السوق؟
التفاصيل الراي ٢٤ /١١/ ٢٠١٣
التفاصيل >>>
يشهد السوق تراجعاً ملحوظاً لمستويات السيولة منذ عطلة عيد الأضحى منتصف الشهر الماضي. فما سر أزمة السيولة المتجددة التي بدّدت كل التوقعات بتحسّن لم يأتِ في الربع الأخير من العام؟ هل هي قبضة الرقابة التي أخافت المضاربين؟ أم أنها تعبير جديد عن عزوف المستثمرين الثِقال؟
كتب علاء السمان :
خلال الأسبوعين الأخيرين، تراجعت سيولة السوق إلى مستوى يكاد يكون الأدنى هذا العام. فقد انخفض متوسط قيمة إلى أقل من 24 مليون دينار يومياً (باستثناء المبادلات الاستثنائية على سهم «المشاريع» الخميس الماضي)، بعد أن كان قد تجاوز 107 ملايين دينار على امتداد شهر مايو الماضي.
ويأتي هذا الانخفاض استمراراً لاتجاه مستمر منذ نحو الشهر، أي منذ عطلة عيد الأضحى المبارك، خلافاً للاعتقاد الذي كان سائداً لدى المستثمرين والمضاربين في الصيف بأن مستويات السيولة ستتحسّن في الربع الأخير من السنة مع اتضاح اتجاهات أرباح الشركات القيادية، وإمكان التنبؤ بتوزيعاتها السنوية.
وبفعل التراجع الأخير لمستويات السيولة، انخفضت متوسط القيمة المتداولة هذا العام إلى 48 مليون دينار يومياً. لكن هذا الرقم ينطوي على تباين كبير بين تداولات كانت تفوق المئة مليون دينار يومياً في أيام كثيرة بين أبريل ويونيو الماضيين، وقيم تداول تقل عن 20 مليون دينار في بعض أيام شهر أغسطس، قبل عطلة عيد الفطر المبارك وبعدها.
تعود مستويات السيولة هذه الأيام لتنخفض إلى مستويات أغسطس. كان هذا التراجع المُبالغ فيه وليد اللحظة؟ أم أن هناك عوامل موضوعية مزمنة دعت اليه؟
1 - المضاربون
الواقع يؤكد ان هناك حزمة من العوامل والمعطيات جعلت من المضاربة محركاً رئيساً للمؤشرات العامة للسوق خلال الفترة الماضية، وتحديداً لدى محاولات بعض المجموعات الاعتماد على الاداء المضاربي لمحافظها لتعديل القيمة السوقية لأصولها المتداولة ومن ثم تجميل البيانات والميزانيات الخاصة بها هرباً من التعثر او خسارة دفترية مُبالغ فيها قد يترتب عليها الإيقاف عن التداول وغيرها من الإجراءات.
وبعد أن كانت المضاربات الوقود الأساسي لنشاط السوق في النصف الأول من العام، قبل أن تتراجع تحت وطأة التصحيح اعتباراً من يونيو الماضي، يبدو أن رقابة هيئة أسواق المال بدأت تفرض سطوتها على بعض المضاربين الذين اعتادوا القيام بممارسات محل انتقاد، فتراجع نشاطهم بشكل ملحوظ.
2- الجهات الحكومية
في ظل محاولات المجموعات السير مع تيار المضاربات والاعتماد على الاموال الساخنة التي تنطلق نحو السلع الصغيرة، ظلت مساهمة المؤسسات الحكومية الاستثمارية مثل الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات دون المستوى باستثناء ملكياتها الأساسية في الشركات المدرجة من بنوك وبعض الكيانات الخدمية التي تقدر مجتمعة بنحو 3 مليار دينار أي ما يقارب 10 في المئة من القيمة السوقية الحالية للأسهم المدرجة، وهي مساهمات معظمها قديمة غير متحركة.
وعلى مستوى المساهمات الجديدة للدولة فإن تدفق السيولة الحكومية التي ترقى الى الحد المأمول حتى الآن، فلم يرى السوق تفاعل يتناسب مع اسم هيئة الاستثمار التي اكتفت بمساهمة لا تصل الى ثلث رأسمال المحفظة الوطنية التي تأسست مع بدايات الأزمة المالية بحجم يبلغ 1.5 مليار دينار، علماً بان مسؤولاً رفيعاً في هيئة الاستثمار قال لـ «الراي» قبل فترة ان رأس المال سيتم استدعاؤه على مدار خمس سنوات، وانتهت الخمس سنوات ولم تُستدع الاموال حتى الآن، باستثناء نحو 400 مليون دينار موزعة ما بين التأمينات وبعض المؤسسات الحكومية الاخرى.
3 - صناديق الاستثمار
تورط الكثير من صناديق الاستثمار في شراء كميات كبيرة من أسهم شركات مدرجة تراجعت قيمتها السوقية الى مستويات منخفضة، وذلك ما يجعل حركة بطيئة، على عكس ما كانت عليه قبل الازمة المالية، فيما تجمد جانب من رؤوس اموال تلك الصناديق في أسهم مشطوبة، ما دفع عدد منها إلى تجنيب مخصصات تمثل لدى بعضها ما يقارب 25 في المئة من رأسمالها، بخلاف صناديق استثمرت معظم أموالها في شركات ذات علاقة بالشركة المديرة له، ما اوقعها في إشكاليات وقضايا مرفوعة من مساهمين لم يستردوا اموالهم حتى الآن، إذ تُظهر معلومات ان أحد هذه الصناديق لا يوجد فيه سوى نصف مليون دينار من أساس رأسمال يتجاوز العشرة ملايين.
وذكرت مصادر أن الصناديق لوحدها لم تعد قادرة على تغيير مسار التداولات لفقر السيولة لديها، إلا أنها تعتبر واحدة من الخيارات التي يُفترض ان تتبعها هيئة الاستثمار حال فبركة في زيادة حجم اموالها المستثمرة في السوق، وذلك من خلال رفع بعض مساهماتها سواءً في الصناديق القديمة او المؤسسة حديثاً وبالتالي سيكون لذلك أثر جيد على المدى المتوسط في السوق.
4- المحافظ الاستثمارية
تحرص محافظ استثمارية وصناديق على العمل بأقل وقود متوافر لديها على بناء المراكز في سلع تشغيلية منتقاة، الى حين استعادة السوق جزء من استقراره المعهود، سواءً من خلال ضخ سيولة حكومية او غيرها من السبل المطروحة، إذ يرى مديرو تلك المحافظ ان الأسعار التي تتداول عليها شريحة الأسهم التي حققت ارباحا جيدة في الربع الثالث تمثل فرصة جيدة للاستثمار لاسيما في ظل الترقب لتوزيعات جدية لها عن العام الحالي. ويقول مديرو المحافظ ان الفترة الحالية التي تشهد هدوءاً نسبياً قد تكون مناسبة لعمليات التجميع على السلع التشغيلية الرخيصة، منوهين الى ان الاموال المضاربية تهتم ايضاً بذات الأسهم وسط توقعات بان تشهد موجة من النشاط قبل نهاية العام الحالي، فيما يراقب المهتمون الشركات التي اعتادت على إحداث إقفالات مرتفعة سنويا من أجل تحقيق عوائد من فارق السعر لاسيما وان إقفال مثل هذه الأسهم عند مستوياتها الحالية سيتسبب في خسائر فادحة للكيانات التي تستثمر فيها.
ويؤكد المراقبون ان صناع السوق من مقدمي البيوع المستقبلية والآجل لم يعد بإمكانهم تغطية طلبات الاوساط الاستثمارية في البورصة من تمويل لعقود شراء وغيرها، ما يتطلب البحث عن أفكار جديدة تلبي الطلب وتدعم التعاملات.
«المارجن» يزيد السيولة... والمخاطرة
تُحضر جهات استثمارية لطرح فكرة تأسيس كيان مالي كبير تقتصر مهمته على تقديم التسهيلات لشراء الأسهم على غرار «المارجن» للمتداولين والشركات أيضاً، بحيث يُتاح للمساهمة من قبل الشرائح المهتمة كافة.
واشار المراقبون الى ان إمكانية العمل في المارجن على غرار دور محفظة «وعد» المتخصصة في البيوع المستقبلية والآجل التي لم يتبق من رأسمالها سوى نحو 30 مليون دينار فقط بعد ان بلغت في سنوات ماضية نحو 200 مليون دينار.
وسيكون المستثمر مُلزما بسداد جانباً من قيمة الأسهم المُشتراة (العقد) وليكن 40 في المئة مثل عقود البيع، فيما يُطالب المتداول بسداد بقية قيمة العقد في مدة لا تتجاوز عاما مع أخذ الضمانات اللازمة.
وعُلم ان إحدى شركات الاستثمار الكبرى تعكف على تقديم تصور شامل عن المارجن تمهيداً لرفعه الى الجهات الرقابية لبحثه واتخاذ القرار التفعيلي له، إذ تؤكد مصادر ان «المارجن» أداة معمول بها في كثير من أسواق المالية الإقليمية والعالمية.
لكن المخاوف لا تزال كبيرة من أداة استثمارية يمكن أن تزيد المخاطر الاستثمارية والاجتماعية للتداول في السوق.