انفلونزا الجيل الثالث وضياع الثروات
تشير الدراسات في الولايات المتحدة الى أن العائلات تفقد ثروتها بمرور الوقت، حيث تبدد %60 من العائلات ثروتها عند نهاية الجيل الثاني، و%90 من العائلات لا يبقى لديها أي ثروة موروثة عند نهاية الجيل الثالث. ولا يختلف حال الشركات العائلية هناك كثيرا، حيث %30 فقط من الشركات العائلية تستمر للجيل الثاني و%3 فقط لا تزال تدر أرباحا للجيل الثالث. وهناك اعتقادات مماثلة في استراليا وآسيا وأوروبا بشأن تبدد الثروة عند الجيل الثالث تحديدا.
لم يتم استعراض ما سبق للمقارنة بين الشركات العائلية أو الثروات العائلية مع تعاقب الأجيال في الولايات المتحدة والكويت، بل لبيان التشابه الكبير في سلوك الأجيال المتعاقبة عند التعامل مع الثروة السهلة في العائلات الأميركية مع المواطنين الكويتيين بشكل عام. حيث يشيد العديد من الذين كانوا شبابا في فترة الستينات وما قبلها بعزيمتهم القوية ورغبتهم الكبيرة في التغيير للأفضل وكيف أخذت هذه القيم بالتلاشي عندنا مع مرور الوقت.
ويمكن تلخيص العوامل المشتركة في الآتي:
1ــ توافر الأموال السهلة يقتل الحافز أو السعي لهدف أسمى، كما أنه يقتل المواهب والطاقات ويؤدي الى حياة ذات قيمة أقل.
2ــ الاصابة بظاهرة الانفلونزا أي زيادة الاحساس بعدم الرضا مع زيادة الرفاهية (عكس المتوقع).
3ــ افتقاد الأحفاد (الجيل الحالي أو الأجيال القادمة) الأهداف التي تمكنهم من بناء الثقة بالنفس واحترام الذات والهوية الشخصية والدوافع الذاتية.
4ــ تؤدي الثروة السهلة الى عيوب في الشخصية، مثل عدم القدرة على تأجيل الرغبات والشهوات، وعدم القدرة على تحمل الاحباط أي اليأس السريع، والاحساس بالفشل بالاضافة الى احساس خاطئ بأنهم أي أصحاب الثروات السهلة مؤهلون للقيام بالمهام والأعمال الصعبة.
5ــ كما لوحظ أيضا تطور السلوكيات السلبية الى التهرب من المحاسبة والمساءلة وعيوب خطرة في الشخصية تحد من القدرة على انشاء علاقات طبيعية مع الناس (كيفي كويتي).
6ــ عدم قدرة الأجيال المتعاقبة على الاحتفاظ بالقيم القديمة بسبب فقدانهم للرؤية والأهداف التي كانت لدى الأجداد.
7ــ سوء العلاقات بين الأحفاد (أطياف المجتمع) مع مرور الزمن يساهم في ضياع الثروة (والقيم) بشكل كبير.
8ــ رغبة الأحفاد (الجيل الحالي أو الأجيال القادمة) في الصرف على المقتنيات مثل السيارات والمجوهرات والرفاهية من دون أي حساب للمستقبل.
9ــ عندما يحصل الأحفاد (الجيل الحالي أو الأجيال القادمة) على الأموال من دون التدريب الكافي على أسباب الاحتفاظ بالأموال (القيم) فانهم لن يتمكنوا من تقدير تعب الأجداد أو تقدير العلاقات مع الشركاء التجاريين المربحين.
قد يكون ما سبق مؤثرا جدا، ولكن لو تم دمجه مع أعراض لعنة الموارد أي الآثار السلبية لتوافر الموارد الطبيعية السهلة، أعراض مثل الفساد الاداري والمالي والخلاف المستمر حول توزيع الثروة، ثم نظرنا الى ارتفاع نسبة مرضى السكر الكبير في الكويت وهو من أعلى المعدلات على مستوى العالم. نظرنا أيضا الى انحدار مستوى مخرجات التعليم، فسيصبح الوضع في المستقبل خطرا وغير مطمئن. ويستدعي تفاعلاً أكبر. فكما نطالب المسؤولين بمحاسبة أنفسهم، لماذا لا نقوم بمحاسبة أنفسنا كمواطنين عن مهارتنا وقدراتنا وعن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا. بحيث نحاول الاجابة بصراحة عن التساؤلات التالية:
كيف يمكننا أن نعيش وماذا يمكننا أن نعمل وكم سنجني من دخل لو اضطررنا للاغتراب والعمل في دول أخرى دون الاعتماد على الرواتب الحكومية المضمونة أو مواردنا الحالية؟ وهل ستمكننا مؤهلاتنا العلمية وخبرتنا العملية من الحصول على وظيفة مناسبة؟ وهل لدينا معرفة جيدة بلغات أخرى؟ وهل سيتمكن أبناؤنا وأحفادنا من الاجابة بشكل جيد عن هذه التساؤلات في المستقبل؟
محمد رمضان
http://www.alqabas.com.kw/node/806864