الكويت والنرويج .. دولتان نفطيتان بنموذجين اقتصاديين متناقضين تماما
http://www.alqabas.com.kw/node/838060
لطالما قورنت الكويت بالنرويج من حيث غنى الدولة بالنفط، وحصة الفرد المرتفعة من الناتج المحلي الإجمالي، وعدد السكان القليل نسبيا، مقارنة بالمحيط، وجدوى تأسيس الصندوق السيادي للأجيال القادمة. ولطالما وُصفت النرويج في الصحافة الغربية بــ «كويت أوروبا»، بفضل ثروتها النفطية ودخل الفرد المرتفع وعدد السكان القليل نسبيا على مساحة أرض شاسعة.
رغم تشابه الوضع الاقتصادي الكويتي نوعاً ما بما هو عليه في دول الخليج المحيطة، ورغم الفرق الكبير في تاريخ وحضارة البلدين، لكن يبدو أن النموذج النرويجي لإدارة الاقتصاد وشؤون البلاد والعباد، نجح في استقطاب المديح من كل حدب وصوب، خصوصا بعد أن احتل الشعب النرويجي العام الماضي صدارة قائمة أثرى شعوب الأرض، وبعد أن احتل صندوق التقاعد الحكومي هناك المرتبة الأولى عالميا من حيث حجم أصوله. وبالإضافة إلى ذلك، تحتل النرويج كل عام أحد المراكز الأولى على المؤشرات الاقتصادية العالمية المختلفة، مثل سهولة ممارسة الأعمال وتنافسية الاقتصاد وضعف الفساد، وما إلى ذلك من إنجازات على صعيد التعليم والأبحاث. وتعتبر النرويج - أيضاً - إحدى أكثر الدول الأوروبية استقرارا على الصعيدين السياسي والمالي، كما تتمتع بأعلى مستويات المعيشة في العالم. لكن، ما العوامل التي دفعت النرويج إلى التقدم الكبير في كثير من الأصعدة، مقارنة بالكويت التي تعاني من أزمات متتالية على صعيد إدارة الثروة وسوء توزيعها؟! وماذا ينقص الكويت حتى تتبع النموذج النرويجي اقتصاديا وماليا؟
من خلال قراءة مؤشرات التشابه والفروقات بين البلدين يمكن استنتاج ما يلي:
1 - الأرض والسكان
صحيح أن مساحة النرويج أكثر من 21 ضعف مساحة الكويت، غير أن عدد السكان ليس بمختلف جدًّا، حيث يكمن الاختلاف الكبير في التركيبة السكانية. ففي النرويج يسكن 5.3 ملايين نسمة، منهم 4.6 ملايين مواطن، أي نحو %86 من السكان. في حين يعيش في الكويت نحو 4 ملايين نسمة، منهم 1.2 مليون مواطن فقط، بنسبة %34 تقريبا.
وتتميز النرويج عن الكويت بنظام تجنيس مبتكر وصارم في آن معاً، لا يفرق بين الأصول والأعراق والأديان، بيد أن التجنيس في الكويت غير واضح المعالم، ومثير للجدل السياسي الدائم. فمشكلة «البدون»، على سبيل المثال لا الحصر، تجر ذيولها منذ سنوات طوال دون أن تجد حلا جذريا بعد. وتعتبر الكويت ثالث أكثر بلد جاذبية للمهاجرين في العالم.
2 - النفط والطاقة والموارد الطبيعية
تعتبر النرويج أغنى الدول الأوروبية بالنفط، غير أن الكويت تملك 15 ضعف الاحتياطيات النفطية المؤكدة فيها. فالأولى تملك 6.9 مليارات برميل من الاحتياطيات وتنتج 1.9 مليون برميل يوميا كما في عام 2013، مقارنة مع 104 مليارات برميل احتياطيات الكويت، التي تنتج 2.6 مليون برميل يوميا. بمعنى آخر، تعتبر الكويت أغنى بكثير نفطيا من النرويج. لكن اللافت أن البلاد تحرق أكثر من 600 ألف برميل يوميا في السوق المحلي من خلال محطات انتاج الكهرباء وتحلية المياه وتزويد قطاع النقل بالوقود المدعوم، في حين أن %99 من كهرباء النرويج تنتج عبر الطاقة المائية. ولا تستخدم الكويت الشمس التي تشرق عليها طوال العام تقريبا لإنتاج الطاقة النظيفة.
ناهيك أن غالون البنزين في النرويج هو الأغلى في العالم ويُباع بسعر 10.08 دولارات، مقابل 0.8 دولار للغالون في الكويت، وهو ثالث أرخص سعر عالميا بعد فنزويلا والسعودية. ومن الجدير ذكره أن طبيعة النرويج القريبة من القطب الشمالي هي نقيض الطبيعة الكويتية الصحراوية، كما أن الغابات تميّز الأولى، في حين تتمتع الثانية بكم كبير من الرمال غير المستغلة.
3 - الميزانية العامة والضرائب
عند اكتشاف النفط في النرويج، جنحت الدولة نحو الاعتماد الكبير على النفط. لكنها ما لبثت أن عملت في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الثالثة على تنويع الإيرادات العامة من خلال نظام ضريبي متطور وزيادة الرسوم الحكومية. وبات النفط لا يشكل إلا %26 من إيرادات الدولة، مقابل %94 في الكويت. وقد فشلت الكويت في تنويع مصادر الدخل، حيث ما زالت فكرة فرض الضرائب مجرد حبر على الورق منذ طرحها في التداول منتصف التسعينات. وتعتبر النرويج بين الأغلى أوروبيا من حيث الضريبة على الدخل وأيضا ضريبة القيمة المضافة (على المبيعات). وتتمتع الميزانية النرويجية بفائض سنوي يصل إلى %14.5 (متوسط آخر 3 سنوات) من الناتج المحلي الاجمالي، في حين يصل هذا الفائض إلى %27.5 في الكويت.
4 - الاقتصاد والقطاع الخاص
بلغ الناتج المحلي الاجمالي في النرويج 499.6 مليار دولار في 2012، أي أكثر بنحو 2.7 مرة من الناتج الكويتي البالغ 184.5 مليار دولار، رغم أن انتاج النفط الكويتي أعلى بنحو %27 من الانتاج النرويجي. غير أن تنويع اقتصاد النرويج واعتماده على الصناعات والخدمات والتجارة أعطى عمقا أكبر بكثير من الاقتصاد الكويتي الذي يعتمد بشكل شبه كلي على صادرات النفط الخام، وما فتئ يحاول تعزيز الصناعات والخدمات دون نتيجة إيجابية كبيرة تذكر. وبذلك، تبلغ حصة الفرد في النرويج من الناتج المحلي الاجمالي 101 ألف دولار، وهي أعلى حصة في العالم، مقابل 49 ألف دولار للكويتي، الذي يعتبر خامس أثرى فرد في العالم، اسميا.
وعلى الرغم من البداية القوية للتجارة في الكويت عند تأسيس الدولة، إلا أن القطاع الخاص بات لا يستحوذ اليوم إلا على %45.5 من الناتج المحلي الاجمالي مقابل أكثر من %74.6 في النرويج، وهو ما يعطي دفعة إيجابية أخرى للاقتصاد الأوروبي. وفي سياق متصل، بدأت النرويج نظام خصخصة واسع منذ عام 2000، مما عزز أعمال القطاع الخاص لديها بشكل كبير، في حين تراوح الخصخصة في الكويت مكانها، رغم بعد الخطوات الجريئة في تحرير قطاعي البنوك والاتصالات النقالة. ومن الجدير ذكره أن الثروة النفطية في البلدين، تديرها مؤسسات حكومية من الاستكشاف إلى الانتاج، لكن النرويج منفتحة أكثر نحو مشاركة القطاع الخاص، حيث تملك الحكومة %62 من شركة شتات أويل و%100 من شركتي بيتورو وSDFI النفطتين. وقد خصخصت النرويج بعض المرافق النفطية لديها.
5 - الصندوق السيادي
كانت الكويت سباقة عالميا في تأسيس صندوق سيادي في عام 1953 للاستفادة من الثروة النفطية والحفاظ على جزء منها لمصلحة الأجيال القادمة. وبدأت الحكومة في استقطاع %25 من الإيرادات النفطية لمصلحة الصندوق منذ عامين، بعد أن كانت النسبة %10 فقط منذ التأسيس. وتقدر الأصول التي يديرها الصندوق بنحو 410 مليارات دولار، وفق التقرير الأخير لمعهد الصناديق السيادية.
بيد أن صندوق التقاعد الحكومي في النرويج تأسس عام 1995 ليساعد الدولة على تقليل اعتمادها على النفط المتذبذب، والحفاظ على الثروة لمصلحة الأجيال بعد انتهاء عصر النفط. ويدير الصندوق جميع الأموال النفطية، حيث يُسمح فقط للحكومة باستخدام أو صرف حتى %4 منه سنويا، وهي نسبة العائد المتوقع. وقد قفز حجم الصندوق إلى 818 مليار دولار، ليحتل مرتبة أكبر صندوق سيادي في العالم، حيث تدار أمواله بشفافية كاملة وافصاحات رسمية عن العائد السنوي وخريطة الاستثمارات. في المقابل، لا تفصح الهيئة العامة للاستثمار عن خططها وأرقامها تطبيقا لقانونها الذي يعتبر أعمالها أسرار دولة، مما يؤثر في كيفية مقارنة أدائها بنظرائها وببقية مؤسسات الدولة.
6 - مؤشرات التنمية
تحتل النرويج المرتبة الأولى عالميا على مؤشر التنمية البشرية وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، في حين تأتي الكويت في المركز 63. ويصنف التعليم في النرويج بـ«الممتاز»، في وقت تركز الحكومة فيه على مراكز الأبحاث لتعزيز القطاع الخاص وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي حين تعتبر الكويت متأخرة جدا على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، حيث حلت عام 2014 في المرتبة 104 عالميا، تأتي النرويج في المركز التاسع عالميا. كما حلت النرويج على مؤشر منظمة الشفافية الدولية في المركز الخامس عالميا كأنظف دولة من الفساد، في حين احتلت الكويت المركز 69 عالميا. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر تنافسية الاقتصاد مهمة جدا لتعزيز قدرات الفرد وتنمية المجتمعات، حيث جاءت النرويج في المرتبة 15 عالميا على المؤشر الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، في حين حلت الكويت في المركز 37 عالميا. إلى ذلك، يحتل الفرد النرويجي المرتبة الأولى أوروبيا من حيث حجم الانتاجية، حيث يعمل أطول عدد ساعات في الأسبوع، في حين تعتبر انتاجية الفرد في الكويت ضعيفة جداً وفق تقرير للبنك الدولي. كما أن مستوى الخدمات متقدم جدا في النرويج على كل الأصعدة خصوصا في قطاعي الرعاية الصحية والتكنولوجيا، في حين تعاني الكويت من ثغرات واضحة في الخدمات الحكومية المختلفة.
في الختام، أثبت النموذج النرويجي الانتاجي نجاحه في تخطي الأزمات المالية والاقتصادية وفي الحفاظ على الاستقرار السياسي والازدهار الاجتماعي على مدار عقدين من الزمن، في حين أن الكويت، التي تعتمد نقيض النموذج النرويجي وهو الدولة الريعية، ما زالت تبحث عن خريطة طريق توفر الاستدامة لنمو اقتصادها والاستمرار بدولة الرفاه لمواطنيها. ويبدو تاريخيا أن النفط هو عامل مساعد على الرفاه، وليس العامل الوحيد!
دينار وسمك وبطالة
تتمتع الكويت بكون الدينار أغلى عملة في العالم، في حين تعتبر النرويج ثاني أكبر مصدر للسمك في العالم بعد الصين. وتأتي نسب البطالة متدنية في البلدين، حيث لا تتعدى %2.5.