مقال ممتاز ومفيد من الكاتب فؤاد سلامة في جريدة القبس الكويتية
إذا كنت راغباً في ضمان مستقبلك بعيداً عن الحاجة والعوز، فليس من المنطقي أن تظل تحلم وتحلم وتحلم بأن ترث مئات الآلاف أو حتى الملايين، وليس من المعقول أن تعيش مع حلم دائم بأن تربح اليانصيب أو أن تكون شريكاً لبيل غيتس أو وارين بوفيت أو كارلوس سليم أغنى أغنياء العالم، بل يكفي أن تتزود بالعلم والمعرفة وأن تتعامل مع العمل بكل جدية وتبذل كل جهد ممكن لتحقيق النجاح.
بهذه الطريقة يؤكد الخبراء أنك تستطيع وبنسبة كبيرة جداً أن تكون ثروة متواضعة وربما أكثر، تكفي لأن تستمتع بحياتك حتى آخر لحظة.
لكن السؤال هو: كيف؟خصوصا إذا كان الراتب بالكاد يكفي لتغطية احتياجاتك الضرورية؟
ليس مهما كم تكسب آخر النهار أو آخر الشهر، لأن المهم هو كيف تنفق وكيف تدخر وكيف تتصرف في حياتك اليومية. فبعض العادات تصبح من دون أن تدري عقبات كأداء تمنعك من تحقيق أحلامك بتأمين مستقبل متواضع.
ضبط التبذير
لنكن صريحين، فالكثيرون يعيشون في وهم كبير ربما دون أن يدروا. ينفقون أكثر مما يملكون، يحلمون بمعجزة لن تتحقق لأن السماء لا تمطر مالاً، وزمن المعجزات ولّى وانقضى.
ففي دراسة إحصائية في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا أجريت عام 2012 اعترف %52 من المشاركين فيها بأنهم ينفقون أكثر من مداخيلهم لعدة شهور من كل عام. وقال %9 منهم إن المدخول لا يكفي لتأمين مستوى لائق في الحياة، في حين أن %22 اعترفوا بأنهم يعيشون تحت طائلة الديون بسبب اعتمادهم على بطاقات الائتمان.
أن تنفق أكثر من مدخولك فإنك تدمر أي أمل في مستقبل مضمون، كما أن الاعتماد على بطاقات الائتمان أو الاستدانة من هنا وهناك يمثلان أقرب طريق للإفلاس والهلاك.
الخطوة الأولى، سجل تفاصيل ما تنفقه كي تعرف أين تذهب الأموال، فبهذه الطريقة تستطيع أن تلغي بعض البنود غير الضرورية، لأن الإنفاق على غير الضروري يمنعك من الإنفاق على الضروري حين اللزوم، كما أن الإنفاق على غير هدى وبلا تخطيط لن يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيداً.
الخطوة الثانية، ضع ميزانية معقولة ومنطقية لنفسك: المدخول مقابل المصروف، لتضمن وجود ما يكفي للإنفاق على الضروريات قبل الكماليات، ومن ثم اقتطاع ما يمكن اقتطاعه من المدخول لمواجهة الطوارئ والادخار للمستقبل.
ادخار قليل
لا تتوافر إحصاءات وأرقام رسمية عن نسبة التوفير في العديد من دول العالم، لكن دراسة أميركية قالت إن معدل ما يوفره المواطن الأميركي هو بنسبة %4.9 من مجموع مدخوله لعام 2013 مقابل %14.6 عام 1975.
وأوضحت الدراسة أن %54 من الذين شاركوا في الاستطلاع، وهم بعشرات الآلاف، قالوا إن لديهم خطة للتوفير من أجل المستقبل فيما قال الباقون إنهم لا يدخرون شيئاً.
يقول المتخصصون إن الادخار يجب أن يحظى بالأولوية من أجل ضمان المستقبل ومن أجل مواجهة الطوارئ كالمرض أو خسارة الوظيفة أو مصيبة عائلية غير متوقعة.
وفي دراسة ثانية أجريت عام 2012 اعترف %56 من الأميركيين بأنهم لم يدخروا ما يكفي لتغطية نفقاتهم الضرورية لمدة ثلاثة أشهر في حال خسروا الوظيفة، وبأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون إذا واجهتهم ظروف صعبة طارئة.
وفي حال وجود حساب ادخار لمواجهة الطوارئ يمكن مع الوقت اقتطاع بعض المبالغ المتوافرة لشراء بيت أو سيارة أو تأمين دراسة الأبناء أو أي شيء من هذا القبيل.
وفي ما يلي بعض التصرفات والعادات التي تحول دون تحقيق الحلم الذي يراود الجميع بضمان المستقبل وإبعاد الحاجة والعوز:
ديون بطاقات الائتمان
تقول دراسة في الولايات المتحدة إن ديون الأميركيين لبطاقات الائتمان وحدها تبلغ 846 ملياراً و900 مليون دولار، بمعنى أن ساكني كل منزل، حتى ولو كان يقطنه شخص واحد، يئنون تحت طائلة ديون لبطاقات الائتمان تبلغ سبعة آلاف وخمسين دولاراً. وبالطبع فالديون لا تقتصر على بطاقات الائتمان فهناك البنوك وقروضها، والشركات الكبرى التي تقدم الديون والقروض الخاصة لزبائنها.
ولكي تكبر الدائرة المغلقة التي يجد الأميركي نفسه محبوساً ضمنها يعرض المقرضون خيار دفع الحد الأدنى من قيمة الدين ومن ثم دفع الباقي على أقساط شهرية مع الفوائد التي تصل إلى نسبة %22.
أحد المواقع المتخصصةعلى الإنترنت أجرى عملية حسابية بسيطة فتبين منها أن الأسرة التي تريد تسديد ديونها البالغة سبعة آلاف وخمسين دولاراً فقط عن طريق دفع الحد الأدنى، وبشرط التوقف عن الشراء تماماً، سوف تحتاج إلى 28 عاماً وستدفع عشرة آلاف و663 دولاراً كفوائد إضافة فوق قيمة الدين الأصلي.
أما في حال تسديد 250 دولاراً كل شهر من قيمة هذا الدين بدلاً من دفع الحد الأدنى فسوف ينتهي بعد ثلاث سنوات بدلاً من 28 عاماً، كما أن الفوائد ستكون ألف دولار فقط بدلاً من عشرة آلاف و663 دولاراً.
الدفعات الصغيرة
البعض لا يحسب حساباً للدفعات الصغيرة ولا يعيرها أي اهتمام. دولار هنا ودولار هناك، وفي النهاية تتراكم الدولارات وتصبح مبلغاً لا يستهان به. على سبيل المثال: فالبعض يعتمد على بطاقة الصرف الآلي يسحب من حسابه المصرفي حين يشاء لكنه يستخدم بطاقته مع أي بنك وليس مع البنك الذي يتعامل معه، وبالطبع فمثل هذه العملية لا تتم مجاناً، إذ إن هناك رسماً يتوجب عليه دفعه حين يستخدم بطاقته للصرف من مصرف غير مصرفه، فلماذا لا يتم الاستغناء عن مثل هذه العملية ويحرص على استخدام بطاقته للسحب من مصرفه مباشرة؟
التخطيط للتقاعد
الانشغال بأمور الحياة اليومية كثيراً ما يأخذ المرء بعيداً عن الضرورات الآخرى، فيفترض أن الوقت ما زال مبكراً للتفكير في التقاعد المريح أي بوجود مبلغ يكفي لتأمين الحياة الكريمة والحفاظ على مستوى معيشي جيد.
يعتقد الكثيرون أن الوقت ما زال مبكراً لبدء التوفير استعداداً للتقاعد، لكن الواقع يؤكد أنه كلما تأخر البدء في التوفير زادت المسألة صعوبة.
فعلى سبيل المثال: إذا بدأ المرء وهو في الخامسة والثلاثين فسوف يحتاج لتوفير 671 دولاراً في الشهر من أجل أن يكون لديه مليون دولار حين يبلغ سن التقاعد في الخامسة والستين، أما إذا بدأ التوفير وهو في الخامسة والعشرين، فيمكنه تأمين المليون دولار في سن التقاعد بتوفير 286 دولاراً فقط كل شهر.
التقاعد المبكر
خطأ آخر يرتكبه الكثيرون وهو التقاعد المبكر من أجل التفرغ للا شيء. فلو كان التقاعد المبكر يستهدف التفرغ لعمل يساعد المرء على تحسين مستواه وزيادة دخله، لكان الأمر مقبولاً ومطلوباً، لكن المشكلة هي أن البعض يرى في التقاعد المبكر هدفاً في حد ذاته من أجل ممارسة الكسل.
البورصة دون خبرة
يفضل الكثيرون الاستثمار في البورصة: شراء وبيع الأسهم والسندات، فحين يسمعون أو يقرأون خبراً عن ارتفاع قيمة هذا السهم أو ذاك يسارعون للشراء بسعره المرتفع لكن إذا سمعوا أو قرأوا أن سهماً يملكونه قد انخفضت قيمته يسارعون للبيع بأدنى الأسعار، وبالتالي يخسرون الكثير. من يرد الاستثمار في البورصة فعليه أن يعرف أصول اللعبة أولاً. فالشراء بسعر مرتفع والبيع بسعر متدنٍ ليس سوى كارثة مالية حقيقية.
الاستثمار الذاتي
النقطة الأخيرة ولعلها الأكثر أهمية هي أن الكثيرين لا يعرفون كيفية الاستثمار في أنفسهم، في قدراتهم ومعارفهم. فالتعليم من المهد إلى اللحد، والتدرب من أجل اكتساب مهارات جديدة يفتحان آفاقاً لا حدود لها لكل من يريد تحسين مستواه الاجتماعي وتأمين مستقبله وضمان هذا المستقبل بصورة أفضل.
ولا نأتي بجديد حين نقول إن من يقتنع بما هو عليه إنما يغلق الكثير من النوافذ التي تتيح له فرصة الانطلاق نحو الأفضل. فالعلم والمعرفة سلاح كل من يريد ترقي سلم الحياة الكريمة بجدارة وثقة. وبالتالي على المرء أن يدرك أهمية استثمار نفسه واستثمار قدراته وإمكاناته، وإن لم يفعل سيكون كما الجندي الذي يذهب إلى ساحة الحرب بعد أن يضع سلاحه جانباً.