نصف الشركات المدرجة لم توزّع... و73 فقط أعطت لمساهميها «الكاش»
توزيعات «باهتة» تكشف حقيقة «التعافي»
المشهد الباهت لم ينجل تماما (اي بي ايه)
|
كتب عبادة أحمد |
من بين 27 شركة (فقط) أعلنت عن توزيعات أسهم منحة مجانية عن العام 2012، كانت القاسم المشترك بين 19 شركة أنها أوصت- أو أقرت- توزيع 5 في المئة منحة. فما سر هذه الخمسة؟
صورة السوق من خلال توزيعات الشركات المدرجة لا تبدو بالإيجابية التي تظهرها مكاسب المؤشرات خلال الأشهر الخمسة الماضية، أو حتى نمو الأرباح بنسبة 9.5 في المئة لتبلغ 1.42 مليار دينار.
واقع الامر أن أكثر من نصف الشركات المدرجة لم تُعلن عن توزيعات أصلاً، فيما اقتصرت التوزيعات النقدية على 73 شركة فقط.
ثمة عشر شركات مدرجة وزّعت أسهم منحةٍ فقط، و17 شركة أخرى جمعت بين التوزيعات النقدية وتوزيعات المنحة، فيما وزعت 56 شركة «الكاش» فقط من دون أسهم منحة.
لكن اللافت أن عدد الشركات التي سجلت أرباحاً صافية بلغ 133 شركة مقابل 42 شركة سجلت خسائر، أي أن 55 في المئة فقط من الشركات التي حققت أرباحاً وزعت «الكاش» على المساهمين. بكلام آخر، ثمة 50 شركة مدرجة- أي ما يعادل ربع السوق تقريباً- حققت أرباحاً ولو توزّع نقداً.
لذلك تفسيرات عديدة، يمكن إسقاط أحدها أو أكثر، بحسب اسم الشركة وتاريخها ووجهها الاستثماري:
1 - بعض الشركات ما زالت في طور التعافي من تداعيات الأزمة، وهي لذلك تفضّل تعزيز حقوق المساهمين على توزيع الأرباح في هذه المرحلة. وينطبق ذلك أكثر ما ينطبق على قطاع الخدمات المالية، الذي تحصّل جزءا كبيرا من أرباح شركاته من تسويات لملفات مديونية أو حقوق عالقة، بخسائر أقل من حجم المخصصات المجنّبة لها، ما أتاح تحرير بعض تلك المخصصات وتسجيلها أرباحاً. ومن بين 53 شركة مدرجة في هذا القطاع، لا يتجاوز عدد الشركات التي وزعت، أو ستوزع، الكاش أصابع اليد الواحدة، يضاف إليها عدد أقل من الشركات التي أعلنت عن توزيعات منحة.
2 - وبالطبع ثمة شركات أخرى ما زالت في الدورة الأولى للتأسيس، وما زال في أولوياتها بناء ميزانيات عمومية صلبة قبل البدء بتوزيع الأرباح. ينطبق ذلك على الشركات التي تأسست قبل الأزمة بسنوات قليلة، ووصلت إلى نقطة التعادل خلال السنوات الصعبة. مثل هذه الشركات لها دورتها الخاصة، بمعزل عن الظروف الراهنة في السوق.
3 - بعض توزيعات المنحة يصح وصفها بجوائز الترضية. ففي ظل عدم قدرة بعض الشركات على توزيعات الكاش، تجد في توزيعات المنحة لا يُنقص من حقوق المساهمين شيئاً، لكنه يوفّر للمساهمين بعض العائد. ومثل هذ النوع من التعويض يصبح مجدياً إذا كان السوق منتعشاً، كما هو الحال حالياً. ولذلك ليس من قبيل المصادفة أن بعض الأسهم الرائجة مضاربياً لجأت إلى توزيع نسبة ضئيلة من أسهم المنحة، في نوع من الممارسات يذكّر بما كان سائداً قبل الأزمة، حين كانت الشركات تبالغ في توزيعات المنحة لثقتها أن السوق سيعوّض الفسخ في أيام قليلة.
4 - ثمة شريحة محدودة ومعروفة من الشركات التي دأبت على توزيع المنحة في إطار نمط مستمر من تنمية القاعدة الرأسمالية، وهذا ما ينطبق على البنوك تحديداً. فقد كان هذا القطاع- إلى جانب شركتي الاتصالات «زين» و«الوطنية»- الأكثر كرماً في التوزيعات. ومن أصل تسعة بنوك محلية مدرجة، أوصت أربعة بنوك بتوزيع أرباح نقدية وأسهم منحة معاً، وأوصى مصرفان آخران بتوزعت الكاش من دون المنحة، وقدم مصرفان توزيعات منحة من دون كاش.
بالطبع، لا يرى كثير من المحللين أي إشارة سلبية في قلّة عدد الشركات الموزعة للكاش، بل إن البعض يرى في ذلك دليل حصافة.
إلا أن الأمر يصبح سيئاً عندما تكون قلّة التوزيعات النقدية، أو انعدامها، مؤشراً- في بعض الحالات- إلى أن الأرباح التي حققتها الشركة غير محققة، وغير قابلة للصرف حقيقة. وهذا ما ينطبق على الشركات التي استفادت من ارتفاع القيمة السوقية لمساهماتها في شركات زميلة لها في السوق.
هنا تبرز أهمية التفريق بين الأرباح المحققة والأرباح غير المحققة في بيانات الشركات، وهو تفريق توقفت البورصة عن إظهاره قبل سنوات لأسباب غير مفهومة.
بالطبع، خسر هذا التفريق الكثير من أهميته خلال سنوات الازمة، لأن الأرباح غير المحققة لم تكن ظاهرة شائعة حين كان السوق يهوي من قعر إلى قعر. لكنه الآن يستعيد أهميته بعد ان كسب المؤشر السعري أكثر من 20 في المئة خلال خمسة أشهر فقط، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالشركات الورقية والمضاربية.
«شرباكة الملكيات» واحدة من خصائص السوق الكويتية التي كان لها الدور الأكبر في تضخيم التداعيات السلبية لانهيار السوق في العام 2008، بعد أن كان لها الدور الأكبر في تضخيم مفاعيل الطفرة التي سبقت ذلك. وقد كان فك هذه الشرباكة واحداً من الأهداف التي عمل عليها فريق الإنقاذ الأول برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي السابق الشيخ سالم عبد العزيز الصباح. لكن الملف ضاع كسواه في غياهب زحمة الملفات الكويتية.
الآن، مع عودة السوق إلى الانتعاش، ستعود أرباح الشركات المتشابكة في ملكياتها مع شركات أخرى مدرجة إلى التضخم، وسيوفر ذلك وقوداً لمزيد من المضاربة. إنه نوع كويتي خاص من «سلسلة بونزي».
إذا أظهرت أرباح الربع الأول نمواً فوق العادة فإن ذلك يدعو إلى الريبة أكثر مما يدعو إلى الارتياح، لأن «شرباكة الملكيات» ستكون قد عادت إلى لعب دورها التضليلي والتشويهي في السوق.