رحلة الانتعاش محفوفة بالمخاطر
2013 عام نهاية الأزمة؟.. ليس هذا بأكيد!
هل ستنتهي الأزمة الاقتصادية هذا العام؟
«لقد تجنبنا الانهيار، لكننا بحاجة الى ان نحتاط لمنع حدوث اي انتكاسة. 2013 سيكون عاما حاسماً، اما نجاحا كبيرا واما فشلا تاما». تلك كانت كلمات كريستين لاغارد، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في منتدى الاقتصاد العالمي مؤخراً، وهي محقة في ما تقول، اذ تنفس رجال الاعمال وصانعو السياسات والمعلقون الصعداء في دافوس، فللمرة الاولى منذ عام 2007، لم يكن محور النقاش متعلقاً بالكارثة المالية، لكن الواقع ان اقتصادات الدول ذات الدخل المرتفع لم تسقط من على جسرها المتهالك لا يضمن عودة سريعة الى النمو، وهو امر قد يحدث مستقبلا، لكنه ليس مضمونا بعد.
ما الذي يفسر زيادة التفاؤل؟ احد الاسباب يتمثل في ان الكوارث التي كان يخشى من وقوعها كتفكك منطقة اليورو او سقوط الولايات المتحدة في النهاية المالية، قد تم تجنب حدوثها، سبب اخر يتعلق بحدوث تعديل وتنظيم جوهري وكبير في ما بعد الازمة، لا سيما في الولايات المتحدة الاميركية، حيث مرت عمليات الاقتراض الخاص واسعار المساكن بعملية اعادة توازن كبيرة، فعلى سبيل المثال عاد الدين الخاص في الولايات المتحدة الى مستويات 2003، نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي.
فائدة منخفضة
غير ان هناك تفسيرا اخر لما يحدث ويعود الى تزايد الثقة في كفاءة صانعي السياسة. فقبل كل شيء، استخدم محافظو البنوك المركزية سياسات نقدية فائقة التوسع لدفع الاقتصادات التي تخضع لمسؤولياتهم، اذ تبنى مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة عند %0.25 على مدى اكثر من 4 سنوات، مع المزيد في المستقبل.
حتى البنك المركزي الاوروبي، الذي يتبع نهجا هو الاكثر حذرا وتحوطا بين البنوك المركزية الكبيرة، تبني ما قد يبدو سياسة متراخية غير مسؤولة في اي حقبة سابقة، مع بلوغ اسعار الفائدة %0.75 منذ يوليو الماضي.
ومع ذلك، يبدو المستقبل بعيدا عن ان يكون ذهبيا، ففي تحديث لتوقعاته الخاصة بالآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي، رسم صندوق النقد الدولي صورة ابعد ما تكون عن الوردية: نمو اقتصادي عند %2 في الولايات المتحدة و%1.2 في اليابان و%1.0 في بريطانيا و%0.2- في منطقة اليورو هذا العام، رغم توقعاته بنمو اقوى بكثير في الدول الناشئة والنامية عند %5.5 مما يعني ان مسار الاقتصاد العالمي بسرعتين مختلفتين سيبقى قائماً.
وفي الوقت المحدد ستقود الثقة المتزايدة النمو الاقتصادي، لكن في حال استمرت والسؤال هو ما اذا كانت فعلا ستستمر، وهناك من الاسباب التي تدعو للتشاؤم والتفاؤل في هذا الشأن.
السبب الكبير الذي يدعو للتشاؤم يتمثل في ان البلدان ذات الدخل المرتفع لا تزال عالقة في كساد تحت السيطرة، واحد المؤشرات على ذلك هو تمديد فترة السياسات النقدية المتساهلة جدا، والتي تشمل اسعار فائدة منخفضة على نحو استثنائي والتوسعات الضخمة في الميزانيات العمومية للبنوك المركزية، المؤشر الاخر يتمثل في حجم العجوزات المالية في عدد من البلدان ذات الدخل المرتفع، وهناك ايضا مؤشر اخر يتمثل في ضعف الاقتصادات على الرغم من حجم دعم السياسات.
مؤشرات متضاربة
ومن بين اكثر البلدان الست ذات الدخل المرتفع، الولايات المتحدة والمانيا وهما اللذان حققا في الربع الثالث من العام الماضي ناتجا اعلى من مستويات الذروة التي سجلت فيهما قبل الأزمة، وحتى في ذلك الحين، كان الارتفاع الذي سجّل منخفضاًَ عند %2.5 في الولايات المتحدة و%2 في ألمانيا.
وسجّلت كل من فرنسا واليابان وبريطانيا وإيطاليا ناتجاً دون مستويات الذروة التي سجلت قبل الأزمة في تلك الدول. فالناتج في بريطانيا وفرنسا راكد وفي اليابان غير منتظم وفي إيطاليا متراجع. وهي صورة بائسة حقاً.
وفي منطقة اليورو، نجح البنك المركزي الأوروبي في إزاحة خطر تفكك منطقة اليورو وتداعياته بفضل الحصول على دعم ألمانيا للتعهد بشراء السندات السيادية. وهو انتصار تحقق دون أن يضطر البنك إلى إطلاق رصاصة واحدة، ولكن ذلك لا يقول لنا ماذا سيحدث لو اضطر البدء في إطلاق النار، ولعل البنك المركزي الأوروبي لا يزال مضطراً للوفاء بتعهداته بالشراء، ولكن لا أحد يعرف ماذا سيحدث، لا سيما إذا لم يكن متوقعاً أن تلتزم الدول بشروط الدعم.
ومن المحتمل، أيضاً، تصور وقوع مشكلات كبيرة ناجمة عن إدارة السياسات المالية والنقدية، والمشكلات تتمثل في تشديد تلك السياسات في وقت سابق لأوانه أو بعد فوات الأوان، فالقيام بذلك في وقت سابق لآوانه قد يؤدي إلى إجهاض انتعاش الاقتصاد بينما لو حدث بعد فوات الأوان فإن التوقعات التضخمية قد تصبح جزءاً لا يتجزأ من الانتعاش الاقتصادي مرة أخرى.
عودة التضخم!
ويجادل البعض بأن ارتفاع معدلات التضخم احتمال وارد بالفعل. فبعد أن انضمت اليابان إلى الركب بخطتها التي تعرف باسم «اقتصاد آبي»، فإن خطر ذلك يبدو أكبر من السابق، ومع ذلك فإن هناك شكوكاً في أن يثبت صحة ما يدعيه أولئك المتنبئون الزائفون في الوقت الراهن، والأكثر مدعاة للقلق هو حدوث تشديد سابق لأوانه، ولكن الشك كبير، فقدرة صانعي السياسات على إدارة تلك المخاطر بنجاح أمر مشكوك فيه، كما قال غايفن ديفيز في تعليقه على مساهمة مارك كارني المحافظ المقبل لبنك إنكلترا المركزي، في إحدى لجان دافوس.
ولكن هناك، أيضاً، أسباب تدعو إلى التفاؤل بشأن المستقبل. فالاقتصادات الناشئة أظهرت ديناميكية مستدامة، رغم بعض خيبات الأمل. فمع إعادة التوازن التي حدثت إضافة إلى ثورة الطاقة، قد تفاجئنا الولايات المتحدة في تحقيق صعود اقتصادي. وقد تتمكن اليابان من تجنب الوقوع في الركود الانكماشي. وأخيراً، فإن عودة رؤوس الأموال الخاصة إلى بلدان الأطراف في منطقة اليورو ربما يطلق دوامة فعالة من الصعود في الثقة والإنفاق. ويكمن مفتاح النجاح في كل مكان في توقيت الخروج من السياسات الاستثنائية.
كما أن استجابات صانعي السياسات كانت ناجحة، ففي حالة منطقة اليورو، كانوا متأخرين جداً تقريباً، ولكن في النهاية وعد البنك المركزي الأوروبي باتخاذ إجراءات والتصرف. وقد ثبتت فعالية هذا الوعد على نحو مذهل، حتى الآن.
إذن، تبرز حالياً فرصة العودة إلى تحقيق نمو مستدام، على الرغم من أن الفرصة في أوروبا هي الأقل، ولا يزال الدعم المالي والنقدي الكبير جزءاً محورياً وجوهرياً. وإذا استمر صانعو السياسات في جهودهم، فإن العالم قد يصبح أقرب بكثير إلى تحقيق الانتعاش الكامل بعد عام من الآن.
مؤشرات قد تدل على عودة الثقة نسبياً
الثقة بدأت بالتحسن، وأحد المؤشرات على ذلك الفارق بين سعر الفائدة على القروض ما بين المصارف في لندن (الليبور) وسعر الفائدة على المبادلات لليلة واحدة (OIS)، وهو مقياس لمخاطر التعثر في السداد للقروض بين البنوك. إذ انخفض ذلك الفارق إلى 10 نقاط أساس فقط في اليورو و16 نقطة أساس في الدولار الأميركي. كما انتعشت أسواق الأسهم بقوة بعد الانخفاضات الحادة التي سجّلتها في مارس 2009، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية. وانخفضت بشكل كبير الفوارق بين عائدات السندات السيادية لبلدان منطقة اليورو الضعيفة وتلك الخاصة بألمانيا. ففي إيطاليا تراجع الفارق من %5.3 في أواخر يوليو 2012 إلى %2.6 في 25 يناير 2013. وفي أسبانيا تراجع الفارق من %6.4 إلى %3.4. وكما تحسنت الثقة بالدول، تحسنت، أيضاً، الثقة بالبنوك.
ولا يقتصر تحسن الثقة على البلدان ذات الدخل المرتفع. ففي تقريره الصادر في يناير حول آفاق الاقتصاد العالمي، قال البنك الدولي إن «تدفق رؤوس الأموال العالمية إلى البلدان النامية، وصل إلى مستويات مرتفعة جديدة»، وأن «فوارق سندات الدول النامية تراجعت بمعدل 127 نقطة أساس منذ يونيو 2012»، وأن «أسواق الأسهم في البلدان النامية زادت بنسبة %12.6 منذ يونيو». إذن هو تغيير على مستوى العالم.