إن باب الإصلاح أمامك أنت يا بنتي، ومفتاحه بيدك، فإذا آمنت بوجوده، وعملت على دخوله، صلحت الحال، صحيح أن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق الإثم، لا تخطوها المرأة أبدًا، ولكن لولا رضاك ما أقدم، ولولا لينك ما اشتد، أنت فتحت له وهو الذي دخل، قلت للص: تفضل... فلما سرقك اللص، صرختِ: أغيثوني يا ناس، سُرِقت... ولو عرفت أن الرجال جميعًا ذئاب وأنت النعجة، لفررت منهم فرار النعجة من الذئب، وأنهم جميعًا لصوص، لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها، فالذي يريده منك الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة، وشر عليك من الموت عليها، يريد منك أعز شيء عليك؛ عفافك الذي به تشرفين، وبه تفخرين، وبه تعيشين، وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها، أشد عليها بمائة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها... إي والله، وما رأى شابٌ فتاةً إلا جردها بخياله من ثيابها، ثم تصورها بلا ثياب.
إي والله: أحلف لك مرة ثانية، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال، من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها، وأنهم يكلمونها كلام الرفيق، ويودونها ود الصديق، كذب والله، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم، لسمعت مهولاً مرعبًا، وما يبسم لك الشاب بسمة، ولا يلين لك كلمة، ولا يقدم لك خدمة، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد، أو هي على الأقل إيهام لنفسه أنها تمهيد!
وماذا بعد؟ ماذا يا بنتي؟ فكري!
تشتركان في لذة ساعة، ثم ينسى هو، وتظلين أنت أبدًا تتجرعين غصصها، يمضي (خفيفًا يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها، وينوء بك[1] أنت (ثقل الحمل في بطنك، والهم في نفسك، والوصمة على جبينك، يغفر له هذا المجتمع الظالم! ويقول: "شاب ضل ثم تاب"، وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة، لا يغفر لك المجتمع أبدًا.
ولو أنك إذا لقيته نصبت له صدرك، وزويت عنه بصرك، وأريتِهِ الحزم والإعراض... فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد، نزعت حذاءك من رجلك، ونزلت به على رأسه، لو أنك فعلت هذا، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونًا لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار، ولَجَاءَكِ- إن كان صالحًا- تائبًا مستغفرًا، يسأل الصلة بالحلال؛ جاءك يطلب الزواج.
الشيخ علي الطنطاوي
رحمه الله