المستثمر الناجح في سوق الأسهم.. ما الذي يميزه عن غيره؟
إن الاستثمار الناجح ليس بصعوبة علوم الصواريخ، بل أصعب منها، لأنه لو كان مثل علوم الصواريخ لكان النجاح في سوق الأسهم أسهل بكثير مما هو عليه في الواقع. ففي النهاية تعتمد علوم الصواريخ على الفيزياء، والأخيرة قوانينها ثابتة وتعمل بالطريقة ذاتها كل مرة، ولكن هذا لا يتوافر في الاستثمار بسوق الأسهم والذي يعتمد على عوامل أقل يقينية.
ورغم أن المنطق الذي يقوم عليه الاستثمار الناجح بسوق الأسهم غاية في البساطة والسهولة وهو شراء السهم رخيصا ثم بيعه لاحقا بسعر أعلى إلا أن الأغلبية الكاسحة من المستثمرين تفشل في تحقيق أي مكاسب معتبرة وربما تخسر أموالها أصلا، وذلك في مقابل قلة قليلة جدا من المستثمرين تستطيع تحقيق مكاسب شبه مستمرة على مدى فترات طويلة.
ولكن ما سبق يستدعي السؤال التالي: لماذا يوجد لدى بعض مستثمري سوق الأسهم ما يشبه اللمسة السحرية تجاه الأسهم التي يشترونها، في حين أن آخرين يبدون وكأنهم يعطون الأسهم التي قرروا حيازتها قبلة الموت؟، الفارق بين الاثنين هو فارق في المنهجية والأساليب، والسطور التالية تستعرض بعضا من أبرز الأساليب التي تقف وراء النجاحات التي يحققها كبار المستثمرين.
منهجية واضحة في تقدير قيمة الأسهم
قال الرئيس الأميركي السابق «أبراهام لينكولن» ذات مرة: «إذا كان لدي 8 ساعات لقطع شجرة، كنت سأقضي 6 ساعات في شحذ فأس» ولعل ما قصده من عبارته هو أن الاستعداد الجيد يمكنه أن يسهل عليك أصعب المهام.
وهناك سمة مشتركة بين كبار المستثمرين بسوق الأسهم وهي أنهم جميعا لديهم منهجية واضحة لتقييم الأسهم التي يفكرون في شرائها ليعرفوا ما إذا كانت قيمتها العادلة أعلى أو أدنى سعرها السوقي، وفي سعيه للتعرف على القيمة العادلة للسهم يقوم المستثمر الناجح بدراسة كل الجوانب المالية للشركة بما في ذلك الإيرادات والأرباح والتدفقات النقدية.
وبمجرد أن يعرف المستثمر القيمة العادلة للسهم يصبح أكثر قدرة على تجاهل الضوضاء في السوق ليتخذ قراره بمعزل عنها ووفق عوامل موضوعية بحتة، فإذا كانت قيمة السهم العادلة دون سعره بفرق معتبر اشتراه حتى لو كان كل المشاركين في السوق يهربون منه، وإذا كانت أعلى من سعره ابتعد عنه حتى لو وجد الجميع يتزاحمون عليه.
وهنا تجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أهمية أن يكون لدى المستثمر هامش الأمان، بمعنى أنه لا يشتري السهم إلا عندما يكون سعره أقل من قيمته العادلة المحسوبة بفارق معتبر، هذا الفارق سيحميه بشكل ما من الخسارة لو كانت افتراضاته حول قيمة السهم غير دقيقة.
إ
الالتزام بالخطة في أحلك الظروف
السمة الثانية التي تميز المستثمرين الناجحين في سوق الأسهم هي أنهم يمتلكون القدرة على الالتزام باستراتيجياتهم وخططهم حتى عندما تتعارض مع أفعال جمهور المشاركين بالسوق، وهذا شيء صعب جدا ويتطلب قدرة نفسية كبيرة، لأن البشر بطبعهم اجتماعيون ويتوقون دائما إلى الحصول على اعتراف الآخرين بمنطقية قراراتهم، حسبما نقله موقع «أرقام».
الواحد منا يشعر بالراحة حين يعلم أنه في نفس المركب التي تحمل غيره، لأنها إن غرقت لن يغرق وحده، وهو ما سيخفف قليلا من شعوره بالألم والندم إذا حدث السيناريو الأسوأ، فكما يقول المثل الإنجليزي القديم «البؤس يحب الرفقة»، وللأسف عادة ما يكون البؤس من نصيب المستثمرين الذين يتحركون مع تقلبات السوق بشكل أعمى.
في سوق الأسهم ليس من النادر أن يجتمع السوق بالكامل على خطأ، بل هذا ما يحدث في أغلب الأحيان، فاجتماع جزء كبير من الناس على شيء لا يعد دليلا على صحته، ولذلك قد يكون من الصائب أن تلتزم بخطتك حتى لو تصرف الجميع عكسها طالما تثق في موضوعيتها، وتذكر أن انضمامك للحشود لن يحميك من الخسائر، بل سيجعلك أحد المشاركين فيها إن وقعت.
للأسف يتخلى أغلب المستثمرين وخصوصا ضعيفي الخبرة منهم عن خططهم واستراتيجياتهم مهما كانت درجة اقتناعهم بها بمجرد تعرض السوق لهزة أو تقلبات عنيفة مفاجئة ليخرجوا منه تاركين وراءهم كل شيء، وهو ما يضاعف من خسائرهم ويحرمهم من مكاسب كبيرة كان بإمكانهم تحقيقها لو أن لديهم قدرا جيدا من الانضباط ورباطة الجأش يساعدهم على الثبات في هكذا مواقف.
المستثمر الأميركي الشهير «جون تمبلتون» الذي كان حريصا على أن يجنب نفسه هذا الفخ كان يتخذ قرارات الشراء مسبقا أي قبل أن تجتاح موجات البيع السوق، حيث كان يحتفظ دائما بقائمة تضم أسهم الشركات التي يعتقد أنها تدار بطريقة جيدة ولكن سعرها مرتفع، وفي الوقت نفسه كان يعطي الوسطاء هذه القائمة ومعها أمر قائم بالشراء متى وصلت هذه الأسهم إلى أسعار مغرية.
التعايش مع التقلبات
في كتابه الشهير «المستثمر الذكي» أشار «بنيامين جراهام» إلى أن الأسهم تتعرض في معظم الأحيان لتقلبات سعرية غير عقلانية ومفرطة في كلا الاتجاهين وذلك نتيجة للميل المتأصل لدى معظم الناس ناحية المضاربة أو المقامرة ووقوعهم تحت تأثير دائرة الأمل والخوف والجشع.
واحدة من أهم وأصعب المهارات التي يمتلكها المستثمرون الناجحون هي قدرتهم على التعايش مع تقلبات السوق وقبول حقيقة أنها جزء من اللعبة وليست شرا مطلقا. وتكمن صعوبة هذه المهارة في كون أن التقلبات تشعرنا أصلا بالقلق وعدم الراحة. الأمر يشبه تماما المطبات الهوائية التي تمر بها الطائرة في الجو وتتسبب في توترك بسبب تكرارها وعدم قدرتك على فعل أي شيء حيالها.
لكن على عكس المطبات الهوائية التي قد تؤدي إلى شعورك بالغثيان، يمكن أن تصبح تقلبات السوق صديقك الصدوق. فبإمكانك استغلال التقلبات العنيفة المفاجئة التي يمر بها السوق من آن لآخر في اقتناص الأسهم الجيدة التي تهبط إلى أسعار جذابة ربما لن تتكرر.
ولذلك عندما يهتز السوق وينصرف الجميع عن أسهم معينة يبتهج المستثمرين الأذكياء، حيث إنهم يدركون أن هذه التقلبات في الأغلب مؤقتة وأن السهم سيرتد عاجلا أو آجلا لأن أساسياته مازالت في حالة جيدة ولا تبرر ذلك التراجع، ويفهمون في الوقت ذاته الفارق بين التقلبات والمخاطر.
ما سبق ما هو إلا عينة من الصفات التي يتحلى بها المستثمرون الناجحون في سوق الأسهم، والذي يتطلب النجاح فيه قدرا معقولا من الأناة والتؤدة، فكما يقول المستثمر الأميركي الشهير «جورج سوروس»: «إذا وجدت الاستثمار بالأسهم مسليا وإذا كنت تستمتع وأنت تمارسه فأنت على الأرجح لا تجني أي أموال، الاستثمار الجيد ممل في الحقيقة».