خطر اللسان على ابن آدم في الدنيا والآخرة
باللسان نَبْني الأنفس ونذكر الله عزوجل ونقرأ كتابه وبه نصير مفاتيح خيْرٍ ومغالق شر
ولكن إذا أصابت اللسان آفاته :
عُبِدَ غير الله , وأُشْرِك به , واُحْدِثَتْ البِدع وقُرِّحت أكباد , وعُذِّبَ أبرياء ومظلومين وخُرِّبَت بٌيوت وطُلِّقت نساء
وقُذِفَت مُحصنات ونهبت أموال فهلاَّ بحثنا عن علاجٍ لآفات ألسنتنا , تعالوا لنَتدارس بعض آفات اللسان ونبحث لها عن دوا
هذا الدرس اخْتِيرَ حتى أنبِّه نفسي وإياكم بما يُحب أن يتذكَّره الإنسان
إن الإنسان بأصْغَريه : قلبه ولسانه , فإذا رزق الله عزوجل الإنسان قلباً حافظاً ولِساناً لاَفِظاً فقد اختار له الخير
واللسان هو المُعَبِّرُ الوحيد عمَّا في قلب الواحد منَّا كما أن الإنسان عبارة قلب في الداخل , ولسان نسمع منه الخير والشر فإذااعتبرنا أن هذا القلب إنما هو إناء وإن اللسان عِبارة عن مِغْرَفة تأخذ من هذا الإناء فبِقَدر ما يمتلئ هذا القلب من خير نرى هذا على طرف اللسان نسمع خيراً من صاحبه
وإذا مُلِأَ وللعِياذ بالله رب العالمين بغيْر ذلك ما سمعنا إلا ماهو امتلأ به هذا القلب
فالناس وكثير من المسلمين إلا مَنْ رحم ربِّي للأسف الشديد لا يَنْتبه إلى خُطورة هذا العضو , إلى خطورة هذا اللسان , خطورة ما يخرج من اللسان , خُطورة ما يُكتب عليه
إن القضيَّة الخطيرة ولابُدَّ أن نتحدثَ فيها : الناس يظنُّون أن الكبائر إنما هي شُرب الخمر , الربا , الزنا , عدم الصلاة .., نعم كل هذه كبائر وكل هذه موبقات خطيرة تُرْدي الإنسان وتُهلكه لكن كثير من الناس ينسَوْن كبائر مُتكررة في اليوم والليلة هذه الكبائر مَنْبَعُها وللأسف الشديد لسان العبد ولذلك روي عن عُقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه ,
قال : قُلنا يارسول الله ما النَّجاة ؟, قال : أمسكْ عليْك لِسانك وليَسَعُك بيتك وابكِ على خطيئتك .
صدق رسول الله
إن قَضِيَّة مكانة اللسان وخطر اللسان قد يستهين الإنسان بها , واللسان فيه من الكبائر ما لا يَحْتَرِسُ الكثير منا منه
وكبائر اللسان هي : النميمة , الغيبة , القذف , قول الزور ...
فالمسْألة أنَّ كبائر كثيرة موجودة في اللسان تُسَمى عند العُلماء " آفاتُ اللسان " وسوف نتحدَّثُ عن هذه الآفات حتى ينتبِهَ المسلم لِمَا يَخْرُج منه حتى يكون أغلب وجُلّ كلامه في مرضاة الله عزوجل
فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سُئِل عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة قال : تقوى الله وحُسْن الخلق , وسُئِل عن أكثر ما يُدخل الناس النار , قال : الأجْوَفَان : الفم والفرج . لأن الفم هو بداية الشر
خــــــوانى وخـــــــواتى
القلب يتْبع اللسان واللسان يتبع القلب وهذه عملية عجيبة يعني :
إذا استقام قلبُ العبد يسْتقيم اللسان وإذا حاول العبد أن يكون لِسانه مُقَوَّماً بقولِ الخير , يجد أن القلب يَنْقلب من هذا أو ينْقلب إلى الطاعة التي لا تخرج إلا إيماناً
فالإنسان لا يستقيم إيمانه حتى يسْتقيم قلبه وقلبه لَنْ يسْتقيم حتى يسْتقيم لِسانه ,
فالمسألة مُتداخلة طبعاً والمسْألة أن الإنسان وحدة وحدة
إن كان يتكون من قَبْضَة من تُراب الأرض ونفخة من روح الله سُبحانه الخالق , هذه القبضة وتلك النَّفْخة لمَّا نفخ الله عزوجل في أَبينا آدم عليه أفضل الصلاة والسلام أَسْجَدَ له الملائكة وأمرهم أن تسْجُد له عندئدٍ رأيْنا أن الملائكة ما سَجَدَتْ إلا بَعْد نَفْخِ الله عزوجل في آدم من روحه الإلهية , إذا هذه النَّفخة صَيَّرت هذا الإنسان إذا استقام على طريق الله عزوجل له أفضل عند الله من الملائكة أما إذا تَغَلَّب الجانب الطِّيني والجانب التُّرابي المادي على الروحي الذي في هذا الإنسان صار عند الله أسْوأ من الشَّيْطان والعياذ بالله
روي عن ابن مسْعود أنه كان يقف على الصَّفا وهو يَعتمر ويقول :
يا لِسان قُلْ خَيْرا تَغْنم واسكُت عن شَرٍ تسْلَم مِنْ قبْلِ أن تَنْدم
والله لو وضع كل واحد منا هذه الحِكمة أمامه يُطالعها كل صباحٍ , كل ظهيرة , يُطالعها كل مساء
لاستقام حاله
لأن الإنسان يَوم القيامة تُجْمَعُ له حصائِد لِسَانه يوم القيامة الحصَاد الذي يأتي من هذا اللسان من كلام الشر والسوء وكل ما حرَّم الله ذكره , يندم كثيراً يوم القيامة ,
أما الذين صَمَتُوا عن الشر هؤلاء هم الذين فازوا فوْزاً عظيماً
قال صلى الله عليه وسلم : إن أكثر خَطايا ابن آدم في لِسانه
ولذلك رُوِي عن صفوان بن سليم , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ألا أُخبِرُكم بأيْسَر العِبادة وأهْوَنها على البدن ؟ قالوا : بلى يارسول الله : قال : الصَّمْتُ وحُسْنُ الخُلُق
فيجب أن يكُفَّ الإنسان لِسانه إلا أن يتكلم في الخير , لأن الإنسان لا يَكُفُّ لِسانه عن قول الخير وإن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد المُؤْمن أن يتكلَّم بشيء تَعَقَّلَه أولاً وتَدَبَّرَه ثم فَكَّر فيه قبل ذلك ثم أمْضاهُ لِسانه
فيُقال : أربعة من أهل الحِكمة اجتمَعُوا في مكان فقال أحدهم :
أنا أندم على ما قلتُ ولا أندم على ما لا أقل
الثاني : إني إذا تكلَّمتُ بكلمة مَلَكَتْنِي ولم أمْلُكها , وإذا لم أتكلَّم بها مَلَكْتُها ولمْ تمْلُكني
الثالث : عجِبْتُ للمتكلم إنْ رَجَعَتْ عليْه كلمتُه ضَرَّتْهُ وإن لم ترجع تَنْفعه
الرابع : أنا على ردٍ مالمْ أَقْدِر على ردِّ ما قلت , لأنني إذا قلتُ لا أستطيع أن أرُدَّ
إذا فالكلام الصَّدرُ عن اللسان قَسَّمَهُ العلماء إلى أربعة أقسامٍ :
القسم الأول قسم من الكلام هو ضَرَرٌ محْض
وقسْمٌ هو نفعٌ محض
وقسْم فيه ضرر ومنفعة
والأخير ليس فيه ضرر ولا منفعة
طبعاً فالكلام الذي هو ضرر محض
لابُدَّ أن يسكتَ عنه الإنسان فهو كلام عبارة عن : الغيبة والنميمة و... و.... و....
وهناك كلامٌ نفع محض : ذكر الله عزوجل , قراءة القرآن , الأذكار , مُجالسة العُلماء ..... هذا الكلام فيه المنفعة والخير كله
أما الكلام الذي لا منفعة فيه ولاضرر هو الاشتغال بفُضُول الكلام ولِما يَعود على الإنسان إلا بالخُسْران
فلا يبقى من الأقسام إلا القسم الذي فيه ضرر وليس فيه منفعة كبقية كلام الناس إذا تكلم الإنسان فيه رُبَّما يدخل الإنسان في الرِّياء , التصَنُّع , تزكية النفس وإلى غير ذلك ....
فحقيقة الأمر يجب أن يُراجِع الإنسان هذه الأقسام مُراجعة واضحة بحيثُ أن كلامه يكون فيه النفع المحضُ ولابُدَّ أن يبعد نفسه عن الأقسام الأخرى نهائياً التي فيها شك وضرر يعود عليْه بالخسران الدائم في الدنيا والآخرة
والله ولي التوفيق وأعلم العالمين