دورة المؤشرنت للتحليل الفني
50 دينار كويتي
الله يجزاك خير
جزاك الله خير يابو سعود
والله لايهينك
.. المغني ..
وقفت على النافذة تراقبني بعينين دامعتين .. تلوح بيديها اللتين أهزلهما مر السنين ..
كانت تدافع عبراتها .. حتى غلبها البكاء .. فبكت ..
وقفت أنظر إليها .. نشيجها يصل إلى مسمعي .. لكن المعاصي الجاثمة على صدري حالت بينه وبين الوصول إلى قلبي القاسي ..
لم أرحم توسلاتها بالبقاء معها .. والالتحاق بجامعة في نفس المدينة ..
أنانية .. حب للذات .. بحث عن حرية مزعومة .. و شخصية مستقلة بذاتها ..
بل شهوات وملذات .. وشياطين من الإنس والجن يؤازر بعضهم بعضا ..
هروب من نصائحها ومواعظها .. من عطفها وشفقتها .. وخوفها أن أنحرف ..
تركتها وهي واقفة تودعني .. غبت عنها وهي لم تفارق مكانها .. وداعاً أمي ..
وهناك .. لم أعد أسمع عند خروجي : في حفظ الله يا ولدي .. إلى أين تذهب يا ولدي ؟
وهناك : لم أعد أسمع : لماذا تأخرت يا ولدي ؟..
انطلقت في حياة اللهو والترف .. حياة الغفلة والخوض في المعاصي والآثام ..
صوتي الجميل أغرى رفقاء السوء الذين زينوا ليّ الغناء ..
بدأت أغني وشياطين الأنس يغدقون عبارات الثناء التي لامست قلبي ..
إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دعوت فيه لكي أغني على المسرح .. عشت صراعاً رهيباً فلا زال الحياء يحتل من قلبي مساحة صغيرة .. فعشت بين الرفض والموافقة لحظات .. فقلبي يعاتبني : لا لست من يقف ليغني كما يفعل الفسقة .. لكن نفسي توبخني وتلومني : هذه فرصتك لا تضيعها سوف تصبح مشهوراً .. وبعد عناء وتردد وافقت ..
صعدت على المسرح ولازال للحياء بقية .. لكنه رحل مع أول كلمة تغنيت بها ..
اهتزت القاعة طرباً .. وتمايلت الأجساد نشوة .. عبارات الثناء والمديح تستحثني على المواصلة كلما سكت ..
لتمضي تلك الليلة ولتقضي على ماتبقى من إيمان ..
رفقاء السوء من حولي قد أزدادوا .. الدعوات كثرت .. تنقلت من قاعة إلى قاعة .. تنقلت بين أصناف المعاصي والآثام .. سهرات خاصة وعامة ..
قدمت ليّ دعوة للمشاركة في حفل غنائي في أحد القصور ..قدمت بعض الأغاني والتي تفاعل معها الجمهور وكنت بحق النجم القادم إلى الساحة الفنية ..
تلقيت بعد هذه الحفلة دعوة من أحد أهل الفن يعرض عليّ رغبته في أن يتبناني فنياً ويهتم بي ..
أخذت موعداً مع فنان مشهور عن طريق وكيل أعماله .. ليتم التنسيق بهذا الشأن .. وكان الموعد يوم الخميس ..
الأيام تمضي سريعة ..
قبل الموعد بيومين رجعت إلى أهلي .. لمشاركتهم في بعض المناسبات ..
حركة دائبة في المنزل فزواج أخي يوم الخميس .. ويوم الأربعاء سيتم عقد قران اثنتين من أخواتي ..
كانت أمي كالنحلة .. تنتقل من مكان إلى مكان .. لا تكاد الدنيا تسعها من الفرح .. تردد الدعوات والتبريكات ..
على شفتيها فرح لو قسم على العالم لابتسم .. تواصل الليل بالنهار ..
تعد العدة للفرح الكبير .. تطمئن على كل شيء .. لا تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وتسأل عنها ..
وجاء يوم الأربعاء سريعاً ..
فإذا به يحمل الفاجعة التي غيرت مجرى حياتي .. الفاجعة التي أيقظتني من الغفلة ..
أحيت قلبي الذي قد مات ..
جاءت الفاجعة لتنتشلني من المستنقع القذر .. مستنقع الرذيلة .. مستنقع الغناء والطرب ..
ماتت أمي .. كيف !! لا أدري .. المهم أنها ماتت ..
بعد أن شاركتنا لحظات بسيطة من الفرح .. تنحت قليلاً ..
وألقت بجسدها المنهك على سريرها .. وكأنها تقول : وداعاً صغاري .. لقد كبرتم ..
تحول الفرح إلى حزن .. وجوه صامتة قد تملكتها الدهشة وألجمتها الفاجعة ..
لا ترى إلا دموعاً تنهمر .. وقلوباً ترتجف ..
ولا تسمع إلا نشيجاً ينطلق من كل زاوية في المنزل .. كل شيء كان يبكي وينوح .. إلا أمي فقد كانت على فراشها ساكنة .. لا تدري عما حولها ..
جهزوا جنازتها .. بدؤوا يغسلونها ..
دخلت عليها بعدما غسلت .. ألقيت عليها النظرة الأخيرة .. كان وجهها هادئاً .. كما كان في الحياة ..
نظرت إلى فمها .. عينيها .. يديها .. كانت بالأمس تنهاني عن مفارقتها خوفاً عليَّ من الفساد ..
قبلتها .. بكيت .. بكت أخواتي حولي .. أخرجوني من غرفة التغسيل ..
مضت الساعات سريعة .. لم أشعر إلا وأنا أقف في الصف أصلي عليها .. جثتها هامدة .. والإمام يردد الله : أكبر .. الله أكبر ..
دعوت لها بكل جوارحي .. دعوت الله أن يغفر لي تقصيري في حقها ..
حملت جنازتها مع من حملوا .. سرنا بها إلى القبر ..
جعلت أهيل عليها التراب .. اللهم ثبتها .. اللهم ثبتها ..
مضى النهار مع المعزين .. لكن كان لليل قول آخر ..
أويت إلى غرفتي مبكراً ..أطفأت الأنوار ..
ألقيت بجسدي على الفراش ..
صورٌ من الماضي بدأت تظهر لي .. صوتها يملأ المكان .. يا ولدي قم .. لا تفتك الصلاة .. زملائك في المسجد ينتظرونك ..
يا ولدي أبق معي .. واصل دراستك هنا .. لا تسافر .. يا ولدي أنتبه لنفسك ..
حسرات وندم .. هموم وغموم أطبقت على صدري .. لم استطع أن أتنفس ..
صور من العقوق .. شريط الذكريات يمر أمامي ..
كانت تسعدني وأشقيها.. تفرحني وأبكيها ..
تذكرت .. توسلاتها .. رجاءها .. لا تذهب .. لا تفعل .. زفرات وحسرات ..
آآآآآه كم كنت عاقاً ..
بكيت بكاءً مراً .. قمت أصلي لكنني لم استطع أن أصلي فقد استعجم لساني ..
كانت دموعي ساخنة فأذابت قسوة قلبي ..
سجدت لله بللت موضع سجودي بالدموع ..
النحيب مشفوع بدعوات صادقة تنطلق من الأعماق .. تؤمن عليها كل ذرة من ذرات جسدي ..
عاهدت ربي على البر بها بعد موتها ..
سألته أن يثبتني على ذلك .. رددت الدعاء : اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ..
انتهيت من الصلاة ..
توجهت نحو الماضي الكئيب .. أقلب بين الدفاتر والأوراق ..
فهنا دفتر يحمل بعض الأغاني .. وهنا رسائل .. وهناك صور .. هذا شريط أغانٍ خاصة ..
وهذه أشرطة لبعض الفساق ..
عمدت إلى جيبي أخرجت ما فيه من بطاقات .. وجدت بطاقة الفنان الكبير .. تذكرت موعده .. يوم الخميس عصراً ..
صرخت : أعوذ بالله .. مزقته بيدي ..
جمعت كل شيء يذكرني بالمعاصي والآثام .. وضعتها في كيس وفي اليوم الثاني كان الفراق بيني وبينها ..
.. سارة ..
الإشارة حمراء .. والطريق مليء بالسيارات .. .لم يتبق على الموعد سوى بضع دقائق ..
تباً لهذه الإشارة إنها طويلة .. يا ليتني كنت في الصف الأول .. لكنت قطعتها ..
الثواني تمر بطيئة كأنها دقائق بل ساعات ..
أنظر إلى الساعة حيناً وإلى الإشارة حيناً آخر ..
أضاءت الإشارة اللون الأخضر .. ضغطت على منبه السيارة أزعجت الجميع .. تحركت السيارات .. تجاوزت الأول ..كدت اصطدم بالثاني .. قيادتي للسيارة أفزعت من حولي..
حاولت أن أسرع .. لكنني لم أستطع ..
مضى الوقت.. وضاع الموعد.. ولم أجد الأصدقاء .. لقد ذهبوا..
إلى أين أذهب ؟.. احترت في الإجابة .. أطلقت زفرة من صدري .. ياليتني كنت أعرف مكانهم..
السيارة تمضي بهدوء .. انطلقت أفكر .. أيقظني منبه سيارة أخرى .. نظرت إلى صاحب السيارة بغضب .. وأشرت إليه بيدي .. تمهل الدنيا لن تطير .. ونسيت حالي قبل دقائق..
قررت أن أقضي السهرة في البيت .. إنها فكرة جيده .. فابنتي الوحيدة مريضة .. والأفضل أن أكون قريباً منها..
أوقفت السيارة أمام محل الفيديو .. نزلت إلى المحل .. اخترت عدة أفلام .. وانطلقت إلى المنزل..
فتحت الباب .. ناديت على زوجتي .. احضري الشاهي والمكسرات..
دخلت إلى الغرفة .. "يالها من زوجة معقدة" .. الآن ستقول لي:"اتق الله يا أحمد".. لقد تعودت على هذه الكلمات حتى تبلدت أحاسيسي نحوها.. لكنها زوجة مطيعة.. طيبة.. تشقى من أجل سعادتي..
دخلت ومعها الشاهي والمكسرات.. ابتسمت في وجهي .. قالت : لابد أنك سئمت السهر مع أصدقائك وتريد أن تجلس في البيت..
قلت : نعم .. تعالي واجلسي .. فرِحت وهمت أن تجلس ..
وقمت أنا إلى جهاز الفيديو والتلفاز .. فانطلقت الموسيقى الصاخبة ..
أرخت المسكينة رأسها وقالت : اتق الله يا أحمد.. وخرجت تجر أذيال الحسرة والهزيمة.. فهي لا تسمع الموسيقى ..
ارتفعت الأصوات في الغرفة .. موسيقى .. صراخ .. ضحكات.. وانطلقت أشرب الشاهي .. وأتناول المكسرات .. وعيناي قد تسمرتا في شاشة التلفاز..
انتهى الشريط الأول .. والشريط الثاني ..
الساعة تشير إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ..
فجأة .. مقبض الباب يتحرك ببطء .. صرخت : ماذا تريدين ؟ .. لم أسمع جواباً..
انفتح الباب.. دخلت ابنتي المريضة ..
فاجأني الموقف .. سكت برهة ولم أتكلم ..
اقتربت مني .. نظرت إليَّ بهدوووء .. ثم قالت : اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
ثم انصرفت وأغلقت الباب..
ناديتها .. سارة .. سارة .. لم تجب .. انطلقت خلفها..
لا أكاد أصدق..هل هذه ابنتي ؟..
فتحت باب الغرفة.. وجدتها سبقتني إلى فراشها .. ونامت في حضن أُمها.. إنها هي..
عدت إلى غرفة الجلوس .. أغلقت جهاز الفيديو .. صوت ابنتي يملأ الغرفة .. اتق الله يا بابا .. اتق الله يا بابا ..
قشعريرة سرت في جسدي .. تصبب العرق من رأسي..
لا أدري ماذا أصابني ..
ما عدت أسمع إلا صوتها .. ولا أرى إلا صورتها .. كلماتها اخترقت كل الحواجز الجاثمة على صدري منذ زمن بعيد .. ترك صلاة .. معاصٍ .. دخان .. أفلام خليعة ..
أيقظتني من الغفلة.. تسارعت نبضات قلبي .. وألقيت بجسدي على الأرض..
حاولت أن أنام .. لكنني لم أستطع .. مضى الوقت سريعاً ..
صور من الماضي استعرضتها أمامي .. ومع كل صورة اسمع صوت ابنتي يتردد .. اتق الله .. اتق الله ..
وهنا .. ارتفع صوت الأذان .. اهتزت جوانحي .. ارتعدت فرائصي ..
رعشة سرت في أطرافي .. جعل يردد : " الصلاة خيرٌ من النوم " .. قلت : صدقت .. الصلاة خير من النوم .. أوووه .. لقد كنت نائماً كل هذه السنين..
توضأت وخرجت إلى المسجد .. مشيت في الطريق وكأني لا أعرفه ..
كأن نسائم الفجر تعاتبني أين أنت ؟ ..
وطيور السماء تقول : مرحباً بالنائم الذي استيقظ أخيراً..
دخلت المسجد .. صليت ركعتين .. وجلست اقرأ القرآن ..
تلعثمت في القراءة ..
منذ زمن لم أقرأ القرآن ..
شعرت أن القرآن يسألني : لم هجرتني منذ سنوات .. ألستُ كلام ربك ..
أخذت أردد في سورة الزمر : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) .. عجباً .. جميعاً .. ما أرحم الله بنا ..
تمنيت أن استمر في القراءة .. لكن المؤذن .. أقام الصلاة .. تجمدت في مكاني لحظة ثم تقدمت مع الناس .. وقفت في الصف .. وكأنني غريب..
انتهت الصلاة..جلست في المسجد حتى أشرقت الشمس ..
عدت إلى البيت.. فتحت باب الغرفة .. ألقيت نظرة على زوجتي وسارة ..
كانتا نائمتين .. تركتهما وخرجت إلى العمل ..
ليس من عادتي الذهاب مبكراً إلى العمل ..
تفاجأ الزملاء بوجودي ..
انطلقت عبارات التهنئة ممزوجة بالسخرية ..
لم أبال بما يقولون .. تسمرت عيناي على الباب .. أنتظر قدوم إبراهيم ..
زميلي في المكتب .. والذي طالما نصحني ..
إنه شخص طيب الأخلاق .. حسن المعاملة ..
حضر إبراهيم .. فقمت من مكاني استقبله .. لم يصدق عينيه ..
سألني : أنت أحمد ؟!!..
قلت : نعم .. جذبت يده .. وقلت : أريد أن أحدثك ..
قال : لا بأس .. نتحدث في المكتب .. قلت : لا .. نذهب إلى الاستراحة..
صمت إبراهيم .. وراح يصغي لكلماتي .. حدثته بحديث البارحة ..
أمتلأت عيناه بالدموع .. وابتسم ابتسامة عريضه .. قال لي :
ذاك نور أضاء قلبك فلا تطفئه بظلمة المعاصي..
كان يوماً حافلاً بالنشاط والجدية .. رغم أني لم أنم منذ البارحة ..
ابتسامة تعلو وجهي .. تفانٍ في العمل ..
المراجعون يتجهون نحوي .. يطلبون مني مساعدتهم .. بعضهم قال لي :
ما هذا النشاط؟!..أجبته : إنها صلاة الفجر في المسجد..
مسكين إبراهيم .. كان يتحمل العبء الأكبر من العمل .. أما أنا فقد كنت أنام ..
لم يشتك ولم يتذمر .. ياله من إنسان طيب ..
نعم إنه الإيمان عندما تخالط حلاوته القلوب..
مضى الوقت ولم أشعر بالتعب والإرهاق ..
قال لي إبراهيم : أحمد .. يجب أن تذهب إلى البيت .. فإنك لم تنم منذ البارحة .. وسأقوم بعملك ..
نظرت إلى الساعة .. لم يبق على أذان الظهر سوى دقائق .. قررت البقاء..
أذن المؤذن .. فسارعت إلى المسجد .. جلست في الصف الأول ..
شعرت بالندم على الأيام التي كنت أهرب فيها من العمل وقت الصلاة..
بعد الصلاة انطلقت إلى البيت ..
في الطريق انتابني شعور بالقلق .. يا ترى كيف حال سارة ؟..
شعرت بانقباض .. لا أدري لماذا ؟!
أحسست أن الطريق هذه المرة طويل .. ازداد الخوف .. رفعت رأسي إلى السماء ..
دعوت الله أن يعجل بشفاء ابنتي..
وصلت إلى البيت .. فتحت الباب .. ناديت زوجتي .. لم أسمع جواباً ..
دخلت الغرفة مسرعاً ..
زوجتي منطوية على نفسها تبكي ..
التفتت إليَّ .. صرخت وهي تبكي : لقد ماتت سارة ..
لم أتبين ما تقول .. اندفعت نحو سارة .. ضممتها إلى صدري ..
حاولت حملها .. سقطت يدها نحو الأرض .. جسمها بارد ..
كذلك يداها وقدماها .. نبضها .. أنفاسها .. لم أسمع شيئاً ..
نظرت إلى وجهها .. نورٌ يتلألأ .. كأنه كوكب دري ..
ايقظتها .. حركتها .. هززتها ..
صرخت أمها : سارة .. سارة .. لقد ماتت .. ماتت .. وانخرطت في البكاء..
لم أصدق ما أرى .. كأنه حلم ..
انهمرت الدموع من عيني .. أخذت أشهق ..
أنظر إلى وجهها الجميل .. وشعرها الناعم ..
أقبِّل فمها الصغير .. كأنها تردد الآن : عيب عليك .. عيب عليك .. يا بابا ..
تذكرت أن هذه مصيبة .. أخذت أردد .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
اتصلت بإبراهيم .. قلت له : تعال فوراً .. لقد ماتت سارة ..
النساء في الداخل مع زوجتي يغسلن ابنتي ..
انتهين من تغسيلها .. لففن على جسدها الطاهر خرقة بيضاء ..
نادتني زوجتي ..
دخلت كي أودع سارة الوداع الأخير .. كدت أسقط على الأرض .. تماسكت ..
قبلتها على جبينها ..
عاهدتها على الثبات حتى الممات .. نظرت إلى أمها .. فإذا هي زائغة العينين .. شاحبة الوجه .. تنتفض ..
قلت لها : لا تحزني .. فقد ذهبت إلى الجنة بإذن الله .. هناك سنلتقي .. فشمري كي تشفع لنا ..
ثم قرأت قوله تعالى : {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهين}..
بكت الأم وبكيت أنا..
صلينا عليها صلاة الجنازة .. ثم سرنا بها إلى المقبرة ..
أنظر إلى الجنازة وكأنني أنظر إلى النور الذي أضاء لي حياتي..
وصلنا المقبرة .. المكان موحش .. مخيف .. توجهنا إلى القبر ..
وقفت على شفير القبر .. هنا سأضع ابنتي .. أمسك إبراهيم بكتفي وقال : اصبر يا أحمد..
نزلت إلى القبر ..
إنها دارك يا أحمد .. ربما اليوم وربما غداً ..
ماذا أعددت لهذه الدار ..
ناداني إبراهيم : أحمد خذ البنت .. وضعتها على صدري .. وددت لو أدفنها فيه ..
ضممتها .. قبلتها ..
ثم وضعتها على شقها الأيمن .. وقلت : بسم الله وعلى ملة رسول الله ..
صففت اللبن .. سددت كل المنافذ ..
خرجت من القبر .. بدأ الناس يهيلون التراب .. لم أملك دموعي..
دورة المؤشرنت للتحليل الفني
50 دينار كويتي