خطوط الوطنية نموذجاً ووزارة التجارة «شاهد ما شفش حاجة»! خطة التنمية.. مجرد أحلام يقظة
كتب محرر الشؤون المحلية:
بداية، لا بد لنا من العودة إلى خطة التنمية للسنوات المقرر تنفيذها من 2014-2010، وما ورد فيها من دور للقطاع الخاص، والدور المنوط بالدولة تجاه هذا القطاع من سياسات دعم تهدف إلى توسيع دوره، وذلك «باستهداف خطة لتحويل جذري في هيكل الملكية للاقتصاد الوطني بتقليل هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي لمصلحة المواطنين، مع استهداف رفع الناتج المحلي للقطاع الخاص من 37 في المائة عام 2009/2008 إلى 44 في المائة حتى انتهاء خطة التنمية». أما في جانب نسبة العمالة الوطنية، فإن خطة التنمية تستهدف رفع تلك النسبة في القطاع الخاص من 4.8 في المائة في سنة الأساس وصولاً إلى 8 في المائة خلال سنوات الخطة الأربع.
هذه الأهداف وضعت على الورق، ونوقشت في الإدارة الحكومية، ومن ثم قدمت كمشروع قانون وصدر بها قانون ملزم بعد مناقشتها في مجلس الأمة.. عندما نقول قانونا فإن هذا يعني أن الخطة غدت ملزمة للمؤسسات والإدارات التي عليها تطبيق هذا القانون للوصول إلى الأهداف التي وضعتها الخطة ضمن سنواتها الأربع.. والمعني هنا بهذا الحديث هو القطاع الخاص، فالمفترض أن يتم تحقيق الأهداف التي وضعت له في الخطة من الناحية الاقتصادية ليقوم بدوره، كما يفترض أن يتم العمل على ترجمة أهداف ومرئيات الخطة، وإلا فستكون مجرد تمنيات أحلام يقظة تسلي صاحبها من دون أن يكون لها وجود على أرض الواقع.. حالة مرضية تزداد حدة لدى المريض الذي يعيش ممنياً النفس بحصوله على كذا وكذا، حتى لو تجاوزت أحلامه السقف الإنساني.
إيقاف الشركات
كثر الحديث عن الخطة التنموية وتعددت الأرقام التي تتحدث عن إنجازاتها.. فمرة 5 في المائة، ومع مرور الأيام والأشهر تصبح 25 في المائة، ولكن فعلياً، فإن الوضع في منتهى السوء والتخبط واللاالتزام.. نقول ذلك في ضوء القرار الذي اتخذه سوق الكويت للأوراق المالية في منتصف الأسبوع الماضي، والقاضي بوقف التداول لـ 36 شركة مساهمة كويتية لم تنه بياناتها المالية عن الربع الأول لعام 2011، حتى بعد انقضاء شهر ونصف من انتهاء المهلة. وهذه الشركات لو جمعت رؤوس أموالها لبلغت مئات الملايين من الدنانير، فكيف لها أن تعمل وتقوم بدورها الاستثماري أو الخدمي أو نشاطها الذي تمارسه ولا تتمكن من تجهيز بياناتها المالية في فترة تزيد على خمسة وأربعين يوماً؟ وفوق ذلك، لا يهمها إيقاف تداول أسهمها في سوق الكويت وكأن العملية مجرد إجراء روتيني لا يستحق التوقف عنده طويلاً أو الاهتمام به!
الصندوق الأسود للوطنية
ومن ضمن الشركات التي جرى وقف تداولها في الأسبوع الماضي شركة الخطوط الوطنية الكويتية، فهي من ضمن الشركات ليست فقط المتأخرة في انجاز بياناتها المالية عن الربع الأول من هذا العام، بل أيضاً التي تمر بظروف مالية سيئة أدت إلى توقف نشاطها بشكل شبه نهائي.
لقد تم إنشاء شركة الخطوط الوطنية الكويتية في 2006/5/14، كشركة مساهمة عامة، واكتتب فيها من اكتتب مع المؤسسين الرئيسيين، وبعد مرور سنتين وسبعة أشهر، وتحديداً في 2008/12/15، تم إدراجها للتداول في سوق الكويت للأوراق المالية، وكان سعر افتتاح التداول قد بدأ في ذلك اليوم بواقع 164 فلسا للهسم.. ويعتبر هذا السعر مغريا للمتداولين، مقارنة مع سعر سهم “الجزيرة” في اليوم ذاته، وهي شركة الطيران الأولى التي أسسها القطاع الخاص، حيث كان سعر السهم فيها 520 فلسا، وكان المتداولون يأملون في أن يحقق سهم «الوطنية» ارتفاعاً أمام سهم الجزيرة الذي كان يتفوق بثلاث مرات تقريباً..
بدأت الخطوط الوطنية نشاطها في مجال السفر، ولاقى استحساناً من المسافرين، وهذا ما أوضحه رئيس مجلس إدارة الخطوط الوطنية في شهر مايو 2010، عندما أعلن عن حصول الشركة على المركز الثاني في تقييم أداء شركات الطيران في سنتها الأولى من النشاط، حيث منحتها شركة سكاي تراكس العالمية هذا المركز على جهودها المتميزة في خدمة المسافرين على رحلاتها إلى 14 جهة انطلاقا من الكويت. ولم تقف الخطوط الوطنية عند عتبة التميز في الخدمة فقط، بل اتفقت في أكتوبر من العام الماضي بموجب عقد مشترك مع الخطوط النمساوية على تسيير رحلات من الكويت إلى النمسا، ومنها يتم تسيير رحلات إلى عشر محطات أخرى لمدن أوروبية، مثل جنيف ولندن وباريس وغيرها.. ويمتد هذا الاتفاق الثنائي حتى نهاية أكتوبر من هذا العام.. وهذا الاتفاق في الحقيقة يلبي احتياجات المسافرين المتوجهين إلى أوروبا (علما بأن مطار فيينا من المطارات متوسطة الحجم التي لا يعاني فيها المسافرون مشقة السير والتنقل). ولم تكتف «الوطنية» بذلك بل زادت عروضها التجارية في نهاية شهر ديسمبر الماضي، حيث قدمت عرضاً بالحصول على تذكرتين بقيمة تذكرة واحدة، وذلك من باب المنافسة مع شركات الطيران الأخرى.
المفاجأة!
ولكن، فجأة، وعلى عكس المتوقع، ووسط شهادات التميز وزيادة النشاط، اتخذ مجلس الإدارة في 16 مارس الماضي قراراً يقضي بتعليق كل عمليات الشركة، مع اعتذار مجلس الإدارة من الأطراف المعنية كافة لهذا القرار.. ومع هبوط آخر رحلة مجدولة للوطنية في الكويت، في ذلك اليوم، هبط نشاط الشركة في مجال النقل إلى درجة الصفر! وكان هناك عدد من المسافرين دفعوا مبالغ ثمن تذاكر للسفر في فترة الصيف، وآخرون لديهم تذاكر عودة من الخارج إلى الكويت، ولكن ليس أمامهم كاونتر «الوطنية» ولا طائراتها لتعود بهم.. ولم يقتصر الأمر على الركاب فقط، بل مس العاملين في الشركة من عمالة وطنية وعمالة أجنبية، طيارين ومضيفين وكوادر إدارية، وجدوا أنفسهم خارج الشركة، وكأنها بقالة أنهى صاحبها العمل وأغلق بابها، وليس شركة مساهمة عامة يتم تداول أسهمها في سوق الكويت للأوراق المالية.. وكأنه أيضاً لا يوجد قانون في البلد يعطي العامل في القطاع الخاص مهلة مدتها ثلاثة أشهر فترة إنذار قانونية قبل إنهاء عمله.. فجأة! ومن دون مقدمات، تم إنهاء خدمات الجميع من دون التزام بفترة الإنذار القانونية أو الحقوق الأخرى للعاملين لدى «الوطنية». كما توقف تداول سهم الوطنية بموجب طلب مجلس إدارة الشركة، ثم أعيد للتداول وسط نزول أو بالأحرى هبوط إلى هاوية بلا قاع ليصل إلى 19 فلسا في الأسبوع الماضي قبل قرار سوق الكويت بإيقاف تداولها، وهذا السعر يقل بواقع 80 في المائة عن قيمة السهم الأسمية.. وبينما كان سهم «الجزيرة» يفوق سهم الوطنية في تداول الأسهم في 2008/12/15 بواقع ثلاث مرات، فإنه يفوقه بما يقارب عشرة أضعاف، حيث بلغ سعر سهم «الجزيرة» 188 فلسا.. وعاش المساهمون في «الوطنية»، الذين يقدر المختصون عددهم بنحو 28 ألف مساهم، لحظات عصيبة تبخرت فيها أموالهم على سهم شركة كانوا يعتقدون أنها ذات جدوى وبأيد أمينة، وأن أداءها جيد في ضوء الخدمات والتصريحات الصحافية!
تبرير البحر
أُنشئت الخطوط الوطنية منذ خمس سنوات تقريباً، برأس مال خمسين مليون دينار مدفوع بالكامل، وخلال تلك الفترة تبخرت هذه الملايين وانتهى نشاط الشركة فسرحت العاملين لديها وأعادت الطائرات إلى أصحابها، غير أن عليها الكثير من الالتزامات، لعل أهمها ليس فقط حقوق العاملين المسرحين من عمالة وطنية وأخرى أجنبية، بل ما تطالب به شركة ألافكو (الجهة التي تؤجر الطائرات للوطنية)، حيث إنها بموجب عقدها مع «الوطنية» تطالب الشركة بتسديد رسوم تأجير الطائرات بمبلغ 70 مليون دولار!
في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس مجلس إدارة «الوطنية» والعضو المندوب عبدالسلام البحر في 11 مايو الماضي، على هامش عقد الجمعية العمومية التي لم يتوافر لها النصاب القانوني، قال إن الخطوط الكويتية تفننت في القضاء على الخطوط الوطنية، وكأن العملية لعبة كرة قدم! لكنه لم يوضح نوع وكيفية هذا التفنن الذي مارسته مؤسسة الخطوط الكويتية عليها لتقضي على نشاطها.. فهناك مثلا طيران الجزيرة، لماذا لم تتفنن مؤسسة الخطوط الكويتية للقضاء عليها هي أيضاً؟
وفي المؤتمر الصحافي ذاته، ذكر البحر أن الشركة عازمة على زيادة رأسمالها بواقع 15 مليون دينار، أي 150 مليون سهم بقيمة 100 فلسا للسهم من دون تحميل علاوة إصدار! ولا نعرف من هو هذا العبقري الذي سيكتتب في رأسمال شركة «طيّرت» خمسين مليون دينار في خمس سنوات، والقيمة الحالية لسهمها في سوق الأوراق المالية 19 فلسا!
إلى كتلة العمل الوطنيكلمة أخيرة، وعودة إلى قانون التنمية الاقتصادية، وكلمة موجهة الى كتلة العمل الوطني، وضمن محاور استجوابها لوزير التنمية المرتقب: لا تصدقوا أن هناك قانون تنمية تم إقراره والمفروض أن يتم تنفيذه.. فالواقع خلاف ذلك، فما ورد من مواد ومن أهداف في هذا القانون ما هو إلا أحلام يقظة تسرح في مخيلة من صاغها.. وقصة «الوطنية» ليست واحدة من الاثباتات على ذلك، وهناك قصص شركات أخرى لم تكشف بعد، وهذا هو واقع الحال.. ولنا عودة إلى موضوع «الوطنية» فيما بعد، فما هذا سوى مجرد ملامسة للحدث.. فالصندوق الأسود، وإن كنا قد عثرنا عليه، لكن تحليل محتواه ما زال جارياً.
وزارة التجارة الغائبة
كم هوعدد التصريحات التي أعلنها وزير التجارة السابق السيد أحمد الهاورن متحدثاً عن تنظيف السوق من عفن الشركات؟!
ولعل آخرها كان في 19 ابريل الماضي، قبل التشكيل الوزاري الأخير- والذي حلت فيه الدكتورة أماني بورسلي محله- وقد صرح الهارون لصحيفة الوطن، في عددها الصادر في ذلك التاريخ، بأن وزارة التجارة قامت بحملة كبيرة استغرقت أشهراً بهدف تنظيف السوق مما أصابه من الجمود، وما اعتراه من بعض العفن، مضيفاً أن من نتائج هذه الحملة خروج 20 شركة من السوق بعد أن فقدت أكثر 75 في المائة من رأسمالها ولم تستطع معالجة أوضاعها، مما استوجب احالتها إلى التصفية، وفق ما نصت عليه اللوائح القانونية.
لا شك أن دور وزارة التجارة والصناعة لا ينحصر فقط بالتدخل عند نهاية المطاف، ونعني هنا بنهاية المطاف الوصول إلى تآكل رأسمال الشركة إلى ما دون 75 في المائة لتتدخل الوزارة بتصفيتها، إذ يجب أن تقوم بدورها كاملاً ووفق الاجراءات والقوانين اللازمة وذلك حماية للعاملين في المؤسسة وحماية لحملة الأسهم والمتداولين في سوق الكويت.. فكما هو متبع، فإن الشركات كافة، المقفلة والمساهمة، ترسل مسودة بياناتها المالية الى وزارة التجارة والصناعة قبل انعقاد جمعيتها العمومية بمدة لا تقل عن خمسة عشر يوماً أو تزيد، ووزارة التجارة عليها مسؤولية دراسة مسودة البيانات المالية والتمحيص فيها لمعرفة أي تجاوزات مالية ربما تكون قد شابت أعمال الشركة طوال سنة.. تمحيص قد يقودها الى البحث في دفاتر الشركة قبل عقد الجمعية العمومية. كما أن وجود وزارة التجارة والصناعة يعتبر ملزماً عند عقد جمعية عمومية لشركة ما، سواء كانت مقفلة أو مساهمة، وعلى ممثل وزارة التجارة، ووفق ما يملكه من بيانات مالية، التدخل في الجمعية العمومية لإيقاف أي تجاوزات خلال السنة من واقع البيانات المالية المتوافرة، أو ما يتم طلبه من خلال الميزانية.
ولكن يبدو أن دور وزارة التجارة انحصر في الشاهد الشكلي، إثبات حضور لا غير من دون دراسة أو تمحيص أو فعالية ما في مراقبة الأداء السنوي للشركات.
وهكذا، ونظراً لغياب الدور الفعلي لوزارة التجارة في مراقبة أداء الشركات ومعرفة أسباب ما آلت إليه الأوضاع، نصل في النهاية إلى ما وصلت إليه الخطوط الوطنية من حالة توقف عن النشاط، وتسريح للعاملين لديها وتورط حملة الأسهم جراء الهبوط الحاد في قيمة أسهمها وتآكل رأس المال خلال بضع سنوات.
المصدر :
http://www.taleea.com/newsdetails.php?id=14877&cat=&ISSUENO=1896