المفارقات في تخطي مؤشر داو جونز حاجز الـ 13,000 نقطة
قال ستين ياكوبنسن كبير الخبراء الاقتصاديين لدى ساكسو بنك أن إغلاق مؤشر داو جونز الصناعي فوق مستوى 13,000 نقطة للمرة الأولى منذ شهر ديسمبر 2007، وبالنظر إلى حجم النقاش الهائل عن الأزمات المالية حول العالم، فمن الطبيعي أن يتساءل أحدنا كيف حدث ذلك؟
يوجد ثلاثة أسباب رئيسة وسببان ثانويان وراء ذلك الصعود اللافت:
1. أولها الرغبة الملحة لدى صانعي القرار السياسي، وبدرجة مبالغ فيها، بتأمين التمويل منخفض التكلفة ولو كان ذلك بصورة مصطنعة.
2. والثاني هو إجراءات التيسير الكمي؛ فقد نجح إعلان جاكسون هول عام 2009 بشأن التيسير الكمي في رفع مؤشر داو جونز من 9,500 إلى 12,800 نقطة أواخر الربيع الماضي، ثم شهدت السوق تراجعاً مع بيع كبير للأسهم خلال أزمة ديون بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن المفاجأة كانت الإعلان عن تضخم هائل في ميزانية البنك المركزي الأوروبي – حيث ارتفعت بنسبة 38% قبل إطلاق ثاني عمليات إعادة التمويل طويل الأمد (LTRO-2) الراهنة. وهكذا فإن جزءاً كبيراً من انتعاش السوق يرجع إلى سياسات التسهيل والاعتقاد الثابت لدى صانعي القرار بأن كسب الوقت من خلال تخفيض أسعار الفائدة سيؤدي إلى تعافي الاقتصاد ذاتياً.
3. وكان السبب الرئيس الثالث قدرة الشركات على تكييف عملياتها وأعمالها بشكل يواكب دورات النمو العالمي، حيث حققت الكثير من الشركات نجاحاً ممتازاً في هذا الصدد، أتاح لها تسجيل أرباح أعلى وعائدات أكبر.
أما السببان الثانويان فهما:
1. أن مؤشر داو جونز أقل اعتماداً على العوامل المالية بالمقارنة مع مؤشر S&P-500.
2. وأن مؤشر داو جونز مؤلف من أسهم 30 شركة فقط، وتشمل الأسهم القيادية فيه شركات كبرى مثل آي بي إم وإنتل ومايكروسوفت، فضلاً عن ماكدونالدز وشركة متاجر التجزئة وول مارت؛ وكلها شركات محافظة وحسنة الإدارة، وتشتهر بأنها حذرة جداً بطبيعتها. لذلك، وبصورة عامة، فإن هذا المزيج من أسهم شركات تقنية المعلومات وأسهم الشركات المحافظة كثيراً ما يستخدم لتبرير تفوق أداء مؤشر داو جونز بالمقارنة مع مؤشرات الأسهم الأكثر عمومية.
لكن النقطة الأساسية في كل هذا النقاش هي: ما مدى واقعية وصحة نظرية خفض مستوى الفائدة لتحريك عملية التعافي الاقتصادي الذاتي؟
في الحقيقة، هذا لا يحدث على أرض الواقع، وهو ما نراه بشكل واضح عندما ننظر إلى تطورات نسب البطالة والعجز المالي. فضلاً عن ذلك، يوجد عدد من الأسباب المقنعة للقول أن نمو ربحية الأسهم قد بلغ مداه. وعلى الرغم من وجود شركات بحالة ممتازة، فإن الواقع الاقتصادي (حتى بالنسبة للشركات التي ما تزال تنمو) يرينا أن القيود على الإنفاق شائعة جداً وعلى كل المستويات، بداية من العملاء (أفراداً وشركات على حد سواء)، ومروراً بكامل الدورة الاقتصادية، حيث أصبحت الإيرادات أثمن من أن تنفق إلا للحصول على المستلزمات الأساسية. وما نشهده الآن يعبر عن ميل الأسهم للأداء الجيد في المراحل الأولى من تقديم التسهيلات المالية، لكن هذا الأداء سيتراجع عندما يعود التمويل لطبيعته الأولى تابعاً لتطورات السوق وليس للقرارات السياسية.
ورغم كل ذلك، فإن المرء لا يمكنه إلا أن يرفع القبعة احتراماً لحسن تعامل الشركات في أميركا مع هذه الأزمة. فلربما يكون ذلك إشارة لاستعادة الولايات المتحدة الأميركية دورها كمحرك للاقتصاد العالمي بديلاً عن الاقتصادات الناشئة.
المصدر: مباشر
01 مارس 2012