فسرولي هالمقال هل هي شركتنا المقصودة؟
تاريح المقال 23/1/2008
للصناديق السيادية .. السكوت ربما لا يكون من ذهب دائماً
هنري سوندر
أصبحت صناديق الثروة السيادية الملاذ الأول والأخير لتوفير المال للمؤسسات المالية المتعثرة في الولايات المتحدة، فهي تستثمر ما لا يقل عن 30 مليارا في بعض أكبر البنوك ودور الوساطة في وول ستريت، بما فيها بنوك سيتي جروب، وميريل لينش، ومورجان ستانلي.
ومن نواح كثيرة، تعتبر هذه الصناديق المستمثر الذي تحلم به هذه المؤسسات، ليس لأنها تتوافر على أموال هائلة فحسب، ولكن لأنها "ضخمة، ومستسلمة، وصبورة"، وفقاً لتعبير مارك برادلي الذي يرأس في بنك مورجان ستانلي قسم العلاقات مع شركات الأسهم الخاصة وغيرها من أصحاب الأموال الوفيرة. وبعبارة أخرى، إنها تفتقر إلى الحافز والموارد التي تمكنها من طلب إجراء تغييرات سريعة وجذرية.
لكن مجيئها يطرح أيضاً سؤالاً آخر؟ هل يعتبر وجود هؤلاء المستثمرين السلبيين جيداً لاقتصاد الولايات المتحدة؟ ذلك أن التمويل من صناديق الثروة السيادية يأتي دون أن يكون مقروناً بشروط كثيرة. لكن بعض المراقبين بدأوا يتخوفون من أن هذه السلبية نفسها - التي تبدو كأنها نعمة لوول ستريت - قد يكون لها جانب سلبي.
فهي يمكن أن تعني أنه لن يكون هناك إلا ضغط قليل لإحداث تغيير حقيقي في المؤسسات المالية التي أصبحت بحاجة ماسة إلى الإصلاح بعد الخسائر التي تكبدتها بسبب الرهنيات التي تفتقر إلى الملاءة المالية.
يقول لاري بنك، مؤسس ومدير شركة بلاك روك، التي تعتبر أحد أضخم المستثمرين في العالم بوجود نحو 1300 مليار دولار تحت إدارتها: "إن أحد الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة بهذه القوة هو أننا كنا دائماً متضامنين ومتكاتفين وأننا طهرنا أنفسنا. ففي الماضي، حين كانت الشركات تمنى بخسائر بهذه الضخامة، لم تكن تتمكن من البقاء دون مساعدة الآخرين. لكننا الآن ربما كنا لا نعمل على التخلص من الطاقة الفائضة".
وهذه المسألة عاطفية بشكل خاص في وول ستريت، لأن إحدى السمات التي ميزت الرأسمالية الأمريكية في العقود الأخيرة هي الاعتقاد بأن القوي يمكن أن يزدهر بحق، فقط إذا سُمح للضعيف بالاختفاء. هذا التمسك بمبدأ "الدمار الخلاق" - كما عبر عنه الخبير الاقتصادي جوزيف شومبيتر - يتعارض مع النماذج الاقتصادية الأكثر رقة في أماكن أخرى كاليابان حيث التوجه لإنقاذ الشركات المتعثرة.
وبطبيعة الحال، ترى صناديق الثروة السيادية في صبرها وسلبيتها ميزة لا نقطة ضعف. فالملاحظ أنها تعتبر نفسها من أصحاب الحصص الأكثر وداً من شركات الأسهم الخاصة التي يتعين عليها أن تكون مالكا قويا لتحقيق العوائد العالية التي يطالبها بها المستثمرون لديها. وفي الحقيقة، تقدم صناديق الثروة السيادية نفسها كنقيض لشركات الأسهم الخاصة ولصناديق التحوط التي تعتبر مورداً كبيراً آخر من موارد الأموال العالمية.
فخلافاً لها "لا تسعى صناديق الثروة السيادية إلى الاستفادة من الموجودات التي تتدنى أسعارها باستخدام المديونية العالية"، كما يقول بدر السعد، مدير الهيئة الكويتية للاستثمار، التي خصصت ما مجموعه خمسة مليارات دولار لبنك سيتي جروب وبنك ميريل لينش. وبدلاً من ذلك، فإن الصناديق "ذات صبغة طويلة المدى وليست مضارِبة".
وسلبية الصناديق السيادية ناجمة عن عدة أسباب. أولا، باعتبارها أذرعاً لحكومات أجنبية، تشعر صناديق الثروة السيادية أنه لا يمكنها أن تكون تطفلية، لأنه يتعين عليها أن تقلل إلى أدنى مستوى ممكن أية حركة ارتجاعية أو مخاوف تتعلق بالأمن القومي. فبعد عامين من الضجة التي أثيرت حول عرض تقدمت به موانئ دبي العالمية لإدارة موانئ أمريكية، وعرض تقدمت به شركة CNOOC الصينية لشراء شركة يونوكول الأمريكية للطاقة، تخلت هذه الصناديق عن لعب دور نشط يقوم على التدخل.
وعندما أعلنت الشركة الصينية للاستثمار، الوليدة، في أيار (مايو) الماضي أنها ستشتري حصة أقلية في بلاك ستون، قالت إنها ستكون سلبية ولن تسعى إلى أن يكون لها مقعد في مجلس إدارة مجموعة بلاك ستون للشراء الشامل. وأصبح ذلك السمة المميزة للصفقات اللاحقة، سواء أكانت متعلقة بالشركات الناجحة أو المتعثرة.
لكن إضافة إلى العوامل السياسية، هناك قيد آخر على الصعيد العملي: قلة من صناديق الثروة السيادية لديها القدرة على أن تكون مستثمراً نشطاً حتى لو كانت راغبة في ذلك. ففي معظم الحالات ما زالت هذه الهيئات في طور بناء البنية التحتية البشرية لمعالجة خزائنها التي تزداد انتفاخاً.
إذ لم تمر حتى الآن سنة على تأسيس الشركة الصينية للاستثمار (وهي تعلن على موقعها على الإنترنت عن حاجتها إلى الموظفين)، في حين أن الهيئة القطرية للاستثمار أقدم منها بقليل فقط. وقلة هي الصناديق التي لديها الخبرة أو الهيكلية التنظيمية المتخصصة التي تتمتع بها الهيئة الكويتية للاستثمار أو شركة تيماسك السنغافورية.
وحتى الآن، لم تلفت مساوئ هذا الوضع كثيراً من الانتباه، لأن صناديق الثروة السيادية تبتعد عموماً عن الشركات المتعثرة. على أن السبب في إعطاء صناديق الثروة السيادية فرصة الاستثمار في الشركات المالية في وول ستريت هو تحديداً سوء التقدير والحكم من جانب إدارات تلك الشركات التي كانت إما جاهلة بالمخاطر والمسؤوليات الطارئة التي تترتب على ذلك، أو أنها كانت متساهلة حيالها.
وهذه هي الظروف التي طالما ادعت شركات الأسهم الخاصة أنها تزدهر في ظلها، لأنها تتدخل وتسارع إلى استبدال الإدارة إذا لم ترق إلى مستوى العمل الموكول إليها. وفي الحقيقة، كانت شركات الأسهم الخاصة في الدورات السابقة جريئة في محاولة إصلاح المجموعات المالية المتعثرة.
لكن اهتمامها بالحصول على حصص أقلية في البنوك المتعثرة قل اليوم لأنها تفتقر إلى الثروات التي تتوافر عليها صناديق الثروة السيادية، ولأنها تفضل السيطرة الكاملة على تلك البنوك.
وقال ستيفن شوارمان، الرئيس التنفيذي لبلاك ستون، عن مؤسسات مثل سيتي جروب، في حديث له أخيرا: "حجم هذه الشركات يحد من قدرتنا على تقديم إسهام مهم. فلا نستطيع تمويلها بمواردنا المحدودة".
ويوجد لدى بلاك ستون التي تعتبر أكبر شركة للأسهم الخاصة في العالم موجودات تزيد قيمتها على 100 مليار دولار تحت الإدارة. لكن هيئة أبو ظبي للاستثمار التي هي ذراع واحدة فقط من الأذرع الاستثمارية لحكومة هذه الإمارة الخليجية، ولو أنها الذراع الكبرى، لديها نحو 1000 مليار دولار، وهذا المبلغ يزيد على ما لدى شركات الأسهم الخاصة مجتمعة من الأموال، البالغة 700 مليار دولار.
وتجني صناديق الثروة السيادية فوائد أخرى من كونها حملة أسهم. مثلا، بما أنها لا تعتمد على اقتراض الأموال بقدر ما تعتمد عليه شركات الأسهم الخاصة لتمويل حصصها، فإن الشركات التي تستثمر فيها لا تصبح مثقلة بالديون. ويقول أحد كبار المصرفيين في نيويورك: "الصناديق السيادية كمالكين آمن وأقل خطورة من شركات الأسهم الخاصة، لأنها تستطيع البقاء بمديونية أقل وعوائد أقل".
وبالنسبة للصناديق السيادية، فإن الانهيار الماثل في أسواق الائتمان منذ عام 2007 يشكل فرصة لا تتكرر في الحياة للاستحواذ على حصص في المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى بأسعار متدنية.
ويقول أحد المصرفيين الذي يعمل مع مجموعة تتعامل مع شركات الأسهم الخاصة والصناديق السيادية خارج لندن: "صناديق الثروة السيادية تأخذ بوجهة النظر طويلة المدى. وهي تعتقد أن الأسواق ستعود إلى وضعها السابق في غضون 18 شهراً".
لكن السؤال المتعلق بموضوع الـ 30 مليار دولار الذي يسيطر على وول ستريت هذه الأيام هو ما الذي يحدث إذا لم تستعد الأسواق عافيتها، إذ سيتعين على البنوك ودور الوساطة أن تخفض قيمة موجوداتها بشكل كبير، وستواصل أسعار الأسهم انخفاضها. وبعبارة أخرى، هل تستطيع الصناديق السيادية أن تفعل أكثر من مراقبة خسائرها؟ وإذا حدث هذا الاحتمال، إن لم يكن قبله، قد تكون هذه الصناديق بحاجة إلى القدرة والشجاعة على الكلام .
>> المصدر : فاينانشيال تايمز