الربا في الدراسات الاقتصادية
" أشار بعض من كتب عن فوائد البنوك وشهادات الاستثمار إلى ضرورة الأخذ برأي رجال الاقتصاد -ما دمنا نبحث في مسألة إقتصادية- فلا يكفي أن نسمع الآراء الفقهية. والواقع أن هذه المسألة فيها جانبان:
*جانب الحكم الشرعي؛ وهذا من اختصاص فقهاء الشريعة،
سواء أوافقهم رجال الاقتصاد أم لم يوافقهم.
*والجانب الآخر إقتصادي؛ فهو من اختصاص علماء الاقتصاد،
يؤخذ برأيهم مادام لا يخرج عن دائرة الحلال. فإذا ثبت من الحكم الشرعي أن نظاماً اقتصادياً ما يعتبر حراماً، فعلى علماء الاقتصاد المسلمين أن يبحثوا عن البديل الإسلامي حتى ولو رأوا صلاح هذا النظام المحرم."
وفي هذا الجزء من المبحث الأول (الربا) نتناول مفهوم الربا عند الاقتصاديين
من المعروف أن الربا عند الاقتصاديين يسمى بالفائدة (أو بسعر الفائدة)
وياللعجب !! فإن هذا المصطلح والذي هو جزء لا يتجزأ من أي إقتصاد وضعي لطالما ارتبط بالمخاطر والسلبيات.
إليك ما يقوله الدكتور محروس أحمد حسن والدكتور رمضان علي الشراح في كتابهم (الاستثمار: النظرية والتطبيق) بخصوص
مخاطر سعر الفائدة:
تشير مخاطر سعر الفائدة إلى إمكانية انخفاض القيمة السوقية للأوراق المالية كنتيجة لتغير أسعار الفائدة في السوق.
ناهيكم عما تسببه الفائدة من تضخم ومن سلبيات ومخاطر إقتصادية مترتبة عن هذا التضخم.
وهنا سنتناول وبشكل مختصر جداً خلاصة دراستين إقتصاديتين بخصوص الربا (الفائدة)، إحدى هذه الدراستين
للدكتور رفعت العوضي -الأستاذ بكلية التجارة بجامعة الأزهر- والأخرى هي
لجوهان فيليب مزايهرفون بتمان -مدير بنك ألماني في فرانكفورت- وقد رشح لجائزة نوبل في الاقتصاد.
رؤية إقتصادية لتحريم الربا (د. رفعت العوضي)
يري الدكتور رفعت العوضي أنه لابد من تقديم بديل للاقتصاد الربوي بدلاً من مجرد تسجيل الانتقادات عليه، كما أنه يرى بأن الاقتصاديين الذين انتقدوا فعالية الفائدة كان انتقادهم به ثغرتين:
الثغرة الأولى: أنهم ساقوا هذه الانتقادات مبعثرة ومفرقة وغير مربوطة معاً.
وقد عالج ذلك في دراسته وبشكل شمولي.
الثغرة الثانية: التي كانت في عمل الاقتصاديين هي أنهم -مع تسجيلهم للانتقادات على الفائدة- لم يضعوا الاقتصاد الربوي كله موضع تساؤل ولهذا لم يقدموا البديل.
أما في دراسته فقد أتاحت لها النظرة الكلية أن تضع الاقتصاد الربوي كله موضع تساؤل.
وهنا نلخص دراسة الدكتور العوضي في خمس نقاط:
1- أن التحليل الاقتصادي قد تخلى عن الفائدة. ويعني ذلك أننا في مجال التحليل الاقتصادي النظري لا نرتبط بالفائدة. وإذا أشرنا إليها فإن ذلك إنما يجيء في تعليم المعلومة الاقتصادية.
2- أن الاقتصاديات حين تواجه أزمة إقتصادية،
فإن الاقتصاديين لا يزيدون في المطالبة بإلغاء دور الفائدة، وقد حدث هذا لمواجهة أكبر أزمة إقتصادية مرت بالعالم الرأسمالي وكان ذلك في عام 1930 م.
3- أنه
ثبت أن إقتصاديات البلاد لا تستجيب فيها المتغيرات الاقتصادية
للمتغيرات في الفائدة، ويعني ذلك عدم فعالية الفائدة في هذه الاقتصاديات.
4- أثبتت الدراسات التطبيقية أن رؤوس الأموال التي تتعامل بالربا
تنقص قيمتها الحقيقية. وثبت ذلك في الدراسات التي عملت عن الادخارات النفطية. وقد اقترح الاقتصاديون أنفسهم أنه لضمان عدم تناقص القيمة الحقيقية لرؤوس الأموال هذه أن يكون أسلوب استثمارها هو المشاركة.
وهم -بذلك- وصلوا إلى ما قال به الإسلام منذ خمسة عشر قرناً.
5- استنتجنا في الدراسة عناصر إقتصادية للمنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال، وهي عناصر تجعل الاقتصاديات التي تدار وفق المنهج الإسلامي في تشغيل رأس المال
تتقدم تقدماً إقتصادياً حقيقياً.
كارثة الفائدة (جوهان فليب بتمان)
قدم جوهان فليب بتمان دراسة متكاملة عن كارثة الفائدة في كتاب يحمل الأسم ذاته، وقد شرح في الأبواب الستة لهذا الكتاب شرحاً علمياً مفصلاً عما سببه الاقتصاد المرتبط بالفائدة من كوارث لن نلاحظها إلا في وقت يكون قد فات فيه الأوان.
أقتبس وباختصار ماجاء على لسانه وبترجمة الأستاذ الدكتور أحمد النجار رحمه الله تعالى بتصرف بسيط مني:
كارثة الفائدة: ماهيتها
على غرابة التشبيه فإنني أقول أنه كما تقلل المياه من صفاء وقوة وتركيز عصير البرتقال أو الحليب، فإن ارتفاع الفائدة يقلل من قيمة العملة.
كلما ارتفعت الفائدة كلما تدهور النقد،
فكما يؤدي الماء إلى رداءة عصير البرتقال أو الحليب، تؤدي الفائدة إلى رداءة النقود.
قد يبدو الأمر أننا نسوق تعبيرات أدبية أو أنن نبسط المسألة ونسطحها، ولكن الحقيقة أن هذه العبارة السهلة البسيطة هي في الواقع معادلة سليمة وصحيحة تدل عليها التجربة ويمكن إثباتها، وهذا هو موضوع الدراسة.
الفائدة العالية تدمر قيمة النقود وتنسف أي نظام نقدي ما دامت تزيد كل يوم، وتتوقف سرعة التدمير وحجمه على مقدار الفائدة ومدتها.
ولكن ما هي الفائدة العالية؟ ومتى يمكن اعتبارها عالية؟
من البديهي أن 12% أعلى من 10% ولكن هل الـ10% رقم عال؟ أم أنه عال جداً؟ أم أنه يتجاوز المعقول؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا إذا وجدنا مقياساً فما هو المقياس لمقدار الفائدة المناسب؟
المقياس هو إنتاجية الاقتصاد القومي، أي: هو القيمة المضافة، أو الزيادة في الإنتاج، أو قيمة الأصول الموجودة في المجتمع، والناشئة عن تشغيل رأس المال النقدي (النقود) في هذا المجتمع. أي الربح الناشئ عن استخدام النقود في نشاط منتج.
فكل الفوائد تعتبر عالية إذا زادت عن معدل الإنتاجية في المجتمع، أي إذا زادت عن القيمة المضافة أو عما أضافه استخدام النقود من زيادة حقيقة في الإنتاج.
فحيثما يحدث ذلك؛ فمقدار الفائدة يعتبر مرتفعاً،
ومعنى ذلك أن النقود تتكلف أكثر مما تحققه من ناتج إستخدامها.
من المسؤول؟
المسؤول هو السياسة، وصانعو السياسة بقراراتهم غير المسؤولة التي أساءوا من خلالها إلى النقود واستعمالاتها، هم السبب وهم الذين يتحملون المسؤولية. ولكن آثار الكارثة التي سببوها غير موزعة بالتساوي.
لقد تعب الاقتصاديون من محاولات امتصاص وتقليل كمية النقود. فالكمية تزداد بالرغم من المحاولات المستمرة للحد منها وعلى الأخص مع استمرار زيادة الفائدة.
إن ارتفاع الفائدة مثل تدفق الماء الذي يعقب انهيار السد، والذي يزيد من آثار الفيضان الناشئ عن انهياره، والذي نعنيه اليوم هو فيضان نقدي وكارثة غرق في النقود الرديئة.
والسبب هو الفائدة، فهي أساسا الانهيار، إنهيار السد وزيادة كارثة الغرق.
فالكارثة كان من الممكن تفاديها لو اتبعنا سياسة إقتصادية أخرى. سياسة نقدية أسلم وأصوب.
......................................................................................
أحبتي في الله
لازلنا في المبحث الأول (الربا) وسأكمل الموضوع يوم غد وهو الجزء الثالث من المبحث الأول بعنوان:
المضاربة
فإلى ذلك الحين نلقاكم