ميثاق
موقوف
- التسجيل
- 1 فبراير 2003
- المشاركات
- 595
رضا حماد **
الوليد بن طلال
يبدو أن الملياردير السعودي الأمير "الوليد بن طلال آل سعود" مغرم "بالمملكة" إلى أقصى مدى؛ فاليخت الذي يمضي عليه إجازته الصيفية والشركة الأم التي تقود قاطرة أعماله –وغيرهما الكثير- يحملان اسم "المملكة".
لكن من غير الواضح أي مملكة يقصد الأمير؟ هل هي المملكة التي يحمل جنسيتها وينتمي للأسرة التي تحكمها؟ أم أنها مملكته الخاصة التي اقتحمت كل الأنشطة وصارت نافذة في العديد من المؤسسات المالية والإعلامية والتكنولوجية في العالم؟
وبصيغة أخرى.. هل يهدف الأمير من مملكته اللحاق بقطار السلطة الذي فاته وأشقاءه ومن قبلهم والده واستقر عند أعمامه؟ أم أنه مجرد ولاء لأول اسم منحه للشركة التي دشنت إمبراطوريته "المملكة للتجارة والمقاولات"؟
بصرف النظر عن كل هذه التفسيرات فالظاهر أن الوليد بن طلال بنى "مملكة"، وإن شئت فقل: إمبراطورية تتغلغل في أسواق العالم وتضعه في سدة الأثرياء العرب، وفي الترتيب متقدم (11) في قائمة أثرياء العالم (حسب تصنيف عام 2001).
النشأة والمصير
ولد الأمير "الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود" في العاصمة السعودية "الرياض" عام 1957 لأم لبنانية هي ابنة "رياض الصلح" أول رئيس وزراء لبناني بعد الاستقلال. والده هو الأمير طلال نجل الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية، شقيق كل من الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية، والأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد.
قبل أن يتجاوز الخامسة من عمره، وتحديداً في العام 1962، ترك والده السعودية متجهاً إلى مصر بعد خلاف نشب بينه وبين الملك "فيصل بن عبد العزيز"؛ فكان لجوؤه إلى العدو الأول للملك فيصل –حينئذ- بمثابة القشة التي قطعت عليه وعلى أبنائه من بعده طريق السلطة واقتسام الحكم مع أشقائه؛ فرغم أن لجوء الأب إلى مصر (عبد الناصر) لم يدم طويلاً، وسُمح له بالعودة مرة ثانية إلى المملكة، فإن الاستقرار على أرض المملكة كان خالياً من أي نفوذ أو سلطة، بما فيها السلطات الموزعة بين أبناء الأسرة الحاكمة.
ويبدو أن لهذه النشأة بالغ الأثر في الصفات التي اتسم بها "الوليد بن طلال"، فكل الكتابات التي تناولت شخصيته -على ندرتها- تصفه بالإصرار والمغامرة في آن واحد... إصرار على أن يكون ذائع الصيت بالغ الثراء مغامر في اقتحام مجالات "البزنس" وكأنه يحاول أن يثبت لمن حرموه السلطة أن بإمكانه إقامة إمبراطورية يعترف بها العالم؛ وفي حقيقة الأمر فقد بنى لنفسه وبنفسه مملكة خاصة وشهرة تعوضه عن شهرة الانتماء للأسرة الحاكمة في السعودية.
بدأ الأمير مشواره التعليمي ككل أبناء الأسر الحاكمة في الخليج، حيث سافر للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يبلغ الخامسة عشرة في عام 1975، وحينما كان في الثامنة عشرة من عمره حصل على شهادة البكالوريا في إدارة الأعمال من كلية "ميلانو" بولاية كاليفورنيا، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة "Syracuse" في نيويورك، وحصل على شهادة عليا في علم الاجتماع عام 1985، ليعود بعد ذلك إلى السعودية دون أن ينسى حلمه في بناء مملكته وإمبراطوريته، هائماً بحب "أمريكا" أو كما يسميها "التفاحة الكبرى".
بعيدا عن العائلة
تؤكد معظم المعلومات المتاحة عن الوليد بن طلال أنه رغم انتسابه للعائلة المالكة في السعودية، ومولده في أسرة شديدة الثراء، فإن الملياردير السعودي استطاع أن يبني نفسه بعيداً عن نفوذ قبيلته وثراء أسرته.
فحينما عاد من الولايات المتحدة الأمريكية بدأ مشواره في عالم "البزنس" بقرض قيمته حوالي 300 ألف دولار اقترضها من البنوك وأسس بها شركة "المملكة للتجارة والمقاولات"، مركزاً نشاطه في أعمال الإنشاء والبنية التحتية والمشاريع العقارية في السعودية وغيرها من دول الخليج.
لكن هذه الشركة سرعان ما تحولت إلى شركة قابضة تحمل اسم شركة "المملكة القابضة" بعدما اقتحمت العديد من الأنشطة الاستثمارية في مجالات البنوك المحلية والعالمية، وأعمال تطوير العقارات والمشاريع الزراعية والمشاريع الإنشائية وصناعة الفنادق والترفيه، وقطاع التجارة والنقل، والمتاجر الفاخرة والأسواق المركزية، والإنتاج الإعلامي ومحطات التلفزيون الفضائية، والسياحة والسفر، وتصنيع السيارات والمعدات الثقيلة، وصناعة الإلكترونيات وصناعة معدات الكومبيوتر وإنتاج برامجه، فضلاً عن عالم الإنترنت والتجارة الإلكترونية.
ووسط هذا الخضم الهائل من المشاريع الاستثمارية يبدو أن صناعة الإعلام والتجارة الإلكترونية استحوذت على عقل ووجدان الأمير، ومن ثم على القدر الوفير من استثماراته. وتشير قائمة توزيع الاستثمارات الخاصة بالأمير السعودي إلى أنه يحرص دوماً على زيادة استثماراته في المؤسسات الإعلامية العالمية من حين لآخر، فقد ضاعف مؤخراً استثماراته لتصل إلى نحو ملياري دولار في شركة "آي .أو. إل. تايم وارنر" ومقرها نيويورك، والتي تعد من كبرى الشركات في العالم العاملة في مجال التلفزة والإعلان والإنتاج السينمائي والإنترنت، باعتبارها اندماجا بين شركة "أميركا أون لاين" للإنترنت وشركة "تايم وارنر" للإعلام والكابلات، برأسمال مقداره 111 مليار دولار.
وتمتلك هذه الشركة التي تحقق عائداً سنويا مقداره 34 مليار دولار العديد من وسائل الإعلام الشهيرة في العالم، منها مجلة "تايم" و"وارنر برذرز فيلم أستوديو" للإنتاج السينمائي، وشبكة الـ "سي إن إن" الإخبارية، فضلاً عن شركة "آي. أو.إل إنترنت سيرفس" لخدمات الإنترنت.
ولم تتوقف طموحات الأمير السعودي على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فقد عمل مبكراً على ملازمة أباطرة الإعلام و"البزنس" في أوربا، فشارك "روبرت مردوخ" إمبراطور الإعلام الأسترالي، ورئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو برلسكوني"، والعديد من الشركات التي تسيطر على صناعة الإعلام في أوربا؛ حيث يمتلك الوليد بن طلال أسهما بقيمة مليار دولار في "نيوز كورب"، ونصف مليار دولار في شركة "ميديا ست"، وأكثر من 100 مليون دولار في "كيرش ميديا" الألمانية والتي تمتلك أكبر مكتبة للبرامج التلفزيونية خارج أمريكا، وتسيطر على نسبة كبيرة من الإعلام المرئي في ألمانيا والنمسا، وتعد الكبرى في الساحة الأوربية.
اقتناص الفرص
من المعروف عن أسلوب عمل الوليد بن طلال أنه ينتهج سياسة اقتناص الفرص، ذلك بالبحث عن الشركات المتعثرة بسبب مشاكل مؤقتة في الإدارة أو التمويل؛ فرغم أنه أسس عدداً غير قليل من المشروعات، منها فنادق ومشروعات صناعية وزراعية، فإن القدر الأكبر من ثروته المقدرة بنحو 20 مليار دولار (حسب تقدير مجلة "فوربس" الأمريكية 2002) ذهب إلى مشروعات عالمية قائمة بالفعل، واقتنص هو التوقيت المناسب للمساهمة فيها. ويقول الأمير السعودي في أحد تصريحاته معبراً عن هذه الإستراتيجية: "إذا كان هناك أي شيء على الكرة الأرضية يساوى 4 بلايين دولار ويعرض للبيع ببليون واحد نسعى بكل السبل لشرائه دون أدنى شعور بالخطر؛ إنها المغامرة المحسوبة في عالم البزنس".
وترجمة لهذه السياسة أبرم العديد من الصفقات، فكانت لدى الكثيرين نوعا من الجرأة وحب المغامرة، لكن نجاح غالبيتها دعا مجلة "فوربس" الأمريكية إلى أن تلقبه بالمبدع الثاني بعد "بيل جيتس" مالك شركة "مايكروسوفت" العالمية، واعتبرته كذلك أنجح رجل أعمال في العالم بعد جيتس.
وبمعاونة جيش من المستشارين الماليين والمختصين في متابعة البورصات العالمية يحرص على متابعة أسعار أسهم الشركات العالمية ذائعة الشهرة، فإن تهاوت أسعار أسهم إحداها سارع على الفور بالشراء، فقد كانت مساهمته في 3 شركات عالمية: "سيتي غروب" و"آي. أو. إل. تايم وارنر" و"برايس لاين دوت كوم" نتيجة لانخفاض أسعار أسهمها إلى حدود مغرية بالشراء وفق سياسة اقتناص الفرص التي ينتهجها في عمله، مبرراً ذلك في حينه بأن هذه الشركات تمتلك علامات تجارية ذائعة الشهرة ستمكنها من النجاح والاستمرار. وفعل الوليد الشيء نفسه مع شركة "ترافيل كومبني أون لاين دوت كوم" حينما تهاوى سعر سهمها إلى أقل من دولارين، فاشترى أسهماً بمقدار 5.4% من إجمالي أسهم الشركة.
حظ الدول العربية
باستثناء بعض المشروعات في لبنان ومصر والسعودية ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية لا تتوفر بيانات دقيقة عن استثمارات الملياردير السعودي في البلاد العربية، لكن بالنظر إلى حجم ثروته ومقارنة حجم استثماراته في أمريكا وأوربا يمكن القول باطمئنان: إن حظ العالم العربي من مليارات الوليد بن طلال ليس كثيراً، فإذا كان يوصف بأنه أكبر مستثمر فردي في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فإن المنطق يقول بأن حجم استثماراته ليس بالقدر الكبير في العالم العربي الذي ينتمي إليه ويحمل جنسية بلدين من بلدانه.
ففي مناطق السلطة الفلسطينية لم يكن للأمير السعودي وجود يذكر على ساحة الاستثمار قبل عام 1997، ففي شهر يوليو من هذا العام أسس أول شركة للاستثمار والتطوير "PADICO" عملت في مجال الإنشاءات ومشروعات أخرى للتنمية في الضفة الغربية وغزة، وفي نفس الشهر أسس شركة أخرى باسم "القدس للاستثمار والتنمية" (JEDICO) تعمل على بناء المنازل والمستشفيات.
طموحات السلطة
أما لبنان فقد كان المكان الوحيد الذي اقترن فيه اسم الملياردير السعودي باللعبة السياسية، فعلى أرضها بدأ المراقبون ينظرون إلى طموحات الأمير في السلطة، بعدما امتلك المال والنفوذ، ورأى الكثيرون أن الأمير يمكنه أن يدخل الساحة السياسية اللبنانية ويحوز منصب جده "رياض الصلح"، مستغلاً صراع رئاسة الجمهورية مع رئاسة الوزراء، وبعض ملايينه، حتى إن الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" قال بالحرف الواحد: "لا يوجد منطق يقول بأن بليونير سعودي بإمكانه أن يطلب نفوذاً سياسياً في لبنان حتى إن كان يمتلك الوسيلة الوحيدة لتضميد جراحه".
حينما هاجم الوليد بن طلال التدهور الاقتصادي في لبنان وأداء الحكومة اللبنانية، اعتبر رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري" الذي يحمل هو الآخر الجنسيتين اللبنانية والسعودية أن الهجوم موجه لشخصه، لكن الذي ضاعف من قلقه أن هذا الهجوم صادر عن شخص يحمل الجنسية اللبنانية، ويحمل معها مليارات قد تشجع البعض على إغرائه باقتحام الساحة السياسية.
كما أن كلام الوليد -لكونه من الأسرة المالكة في السعودية- قد يوحي بأن المملكة تؤيد كلام أحد أفراد أسرتها؛ فينعكس التصريح سلباً على مكانة الحريري داخل المملكة وعند الذين يرونه محاطاً ومحمياً ومرعياً منها؛ لذلك سارع الحريري إلي السعودية وألقى بهواجسه أمام ولي عهد السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولم تعد له الطمأنينة إلا بعد أن سمع تأكيداً من الأمير ينفي طموحات نجل شقيقه، وموافقة سعودية على المشاركة في المؤتمر الثاني للدول المانحة للبنان في باريس، باعتبار أن ذلك تأكيد لاستمرار الدعم السعودي للحكومة اللبنانية ورئيسها.
لكن هل يمكن أن توقف هذه الطمأنات طموحات الأمير في السلطة التي اُنتزعت من والده في المملكة العربية السعودية وتجاوزت جده في لبنان؟ سؤال أجاب الأمير عنه بنفسه قائلاً: "لكل حادث حديث".
الوليد بن طلال
يبدو أن الملياردير السعودي الأمير "الوليد بن طلال آل سعود" مغرم "بالمملكة" إلى أقصى مدى؛ فاليخت الذي يمضي عليه إجازته الصيفية والشركة الأم التي تقود قاطرة أعماله –وغيرهما الكثير- يحملان اسم "المملكة".
لكن من غير الواضح أي مملكة يقصد الأمير؟ هل هي المملكة التي يحمل جنسيتها وينتمي للأسرة التي تحكمها؟ أم أنها مملكته الخاصة التي اقتحمت كل الأنشطة وصارت نافذة في العديد من المؤسسات المالية والإعلامية والتكنولوجية في العالم؟
وبصيغة أخرى.. هل يهدف الأمير من مملكته اللحاق بقطار السلطة الذي فاته وأشقاءه ومن قبلهم والده واستقر عند أعمامه؟ أم أنه مجرد ولاء لأول اسم منحه للشركة التي دشنت إمبراطوريته "المملكة للتجارة والمقاولات"؟
بصرف النظر عن كل هذه التفسيرات فالظاهر أن الوليد بن طلال بنى "مملكة"، وإن شئت فقل: إمبراطورية تتغلغل في أسواق العالم وتضعه في سدة الأثرياء العرب، وفي الترتيب متقدم (11) في قائمة أثرياء العالم (حسب تصنيف عام 2001).
النشأة والمصير
ولد الأمير "الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود" في العاصمة السعودية "الرياض" عام 1957 لأم لبنانية هي ابنة "رياض الصلح" أول رئيس وزراء لبناني بعد الاستقلال. والده هو الأمير طلال نجل الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية، شقيق كل من الملك فهد بن عبد العزيز ملك السعودية، والأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد.
قبل أن يتجاوز الخامسة من عمره، وتحديداً في العام 1962، ترك والده السعودية متجهاً إلى مصر بعد خلاف نشب بينه وبين الملك "فيصل بن عبد العزيز"؛ فكان لجوؤه إلى العدو الأول للملك فيصل –حينئذ- بمثابة القشة التي قطعت عليه وعلى أبنائه من بعده طريق السلطة واقتسام الحكم مع أشقائه؛ فرغم أن لجوء الأب إلى مصر (عبد الناصر) لم يدم طويلاً، وسُمح له بالعودة مرة ثانية إلى المملكة، فإن الاستقرار على أرض المملكة كان خالياً من أي نفوذ أو سلطة، بما فيها السلطات الموزعة بين أبناء الأسرة الحاكمة.
ويبدو أن لهذه النشأة بالغ الأثر في الصفات التي اتسم بها "الوليد بن طلال"، فكل الكتابات التي تناولت شخصيته -على ندرتها- تصفه بالإصرار والمغامرة في آن واحد... إصرار على أن يكون ذائع الصيت بالغ الثراء مغامر في اقتحام مجالات "البزنس" وكأنه يحاول أن يثبت لمن حرموه السلطة أن بإمكانه إقامة إمبراطورية يعترف بها العالم؛ وفي حقيقة الأمر فقد بنى لنفسه وبنفسه مملكة خاصة وشهرة تعوضه عن شهرة الانتماء للأسرة الحاكمة في السعودية.
بدأ الأمير مشواره التعليمي ككل أبناء الأسر الحاكمة في الخليج، حيث سافر للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يبلغ الخامسة عشرة في عام 1975، وحينما كان في الثامنة عشرة من عمره حصل على شهادة البكالوريا في إدارة الأعمال من كلية "ميلانو" بولاية كاليفورنيا، ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة "Syracuse" في نيويورك، وحصل على شهادة عليا في علم الاجتماع عام 1985، ليعود بعد ذلك إلى السعودية دون أن ينسى حلمه في بناء مملكته وإمبراطوريته، هائماً بحب "أمريكا" أو كما يسميها "التفاحة الكبرى".
بعيدا عن العائلة
تؤكد معظم المعلومات المتاحة عن الوليد بن طلال أنه رغم انتسابه للعائلة المالكة في السعودية، ومولده في أسرة شديدة الثراء، فإن الملياردير السعودي استطاع أن يبني نفسه بعيداً عن نفوذ قبيلته وثراء أسرته.
فحينما عاد من الولايات المتحدة الأمريكية بدأ مشواره في عالم "البزنس" بقرض قيمته حوالي 300 ألف دولار اقترضها من البنوك وأسس بها شركة "المملكة للتجارة والمقاولات"، مركزاً نشاطه في أعمال الإنشاء والبنية التحتية والمشاريع العقارية في السعودية وغيرها من دول الخليج.
لكن هذه الشركة سرعان ما تحولت إلى شركة قابضة تحمل اسم شركة "المملكة القابضة" بعدما اقتحمت العديد من الأنشطة الاستثمارية في مجالات البنوك المحلية والعالمية، وأعمال تطوير العقارات والمشاريع الزراعية والمشاريع الإنشائية وصناعة الفنادق والترفيه، وقطاع التجارة والنقل، والمتاجر الفاخرة والأسواق المركزية، والإنتاج الإعلامي ومحطات التلفزيون الفضائية، والسياحة والسفر، وتصنيع السيارات والمعدات الثقيلة، وصناعة الإلكترونيات وصناعة معدات الكومبيوتر وإنتاج برامجه، فضلاً عن عالم الإنترنت والتجارة الإلكترونية.
ووسط هذا الخضم الهائل من المشاريع الاستثمارية يبدو أن صناعة الإعلام والتجارة الإلكترونية استحوذت على عقل ووجدان الأمير، ومن ثم على القدر الوفير من استثماراته. وتشير قائمة توزيع الاستثمارات الخاصة بالأمير السعودي إلى أنه يحرص دوماً على زيادة استثماراته في المؤسسات الإعلامية العالمية من حين لآخر، فقد ضاعف مؤخراً استثماراته لتصل إلى نحو ملياري دولار في شركة "آي .أو. إل. تايم وارنر" ومقرها نيويورك، والتي تعد من كبرى الشركات في العالم العاملة في مجال التلفزة والإعلان والإنتاج السينمائي والإنترنت، باعتبارها اندماجا بين شركة "أميركا أون لاين" للإنترنت وشركة "تايم وارنر" للإعلام والكابلات، برأسمال مقداره 111 مليار دولار.
وتمتلك هذه الشركة التي تحقق عائداً سنويا مقداره 34 مليار دولار العديد من وسائل الإعلام الشهيرة في العالم، منها مجلة "تايم" و"وارنر برذرز فيلم أستوديو" للإنتاج السينمائي، وشبكة الـ "سي إن إن" الإخبارية، فضلاً عن شركة "آي. أو.إل إنترنت سيرفس" لخدمات الإنترنت.
ولم تتوقف طموحات الأمير السعودي على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فقد عمل مبكراً على ملازمة أباطرة الإعلام و"البزنس" في أوربا، فشارك "روبرت مردوخ" إمبراطور الإعلام الأسترالي، ورئيس الوزراء الإيطالي "سيلفيو برلسكوني"، والعديد من الشركات التي تسيطر على صناعة الإعلام في أوربا؛ حيث يمتلك الوليد بن طلال أسهما بقيمة مليار دولار في "نيوز كورب"، ونصف مليار دولار في شركة "ميديا ست"، وأكثر من 100 مليون دولار في "كيرش ميديا" الألمانية والتي تمتلك أكبر مكتبة للبرامج التلفزيونية خارج أمريكا، وتسيطر على نسبة كبيرة من الإعلام المرئي في ألمانيا والنمسا، وتعد الكبرى في الساحة الأوربية.
اقتناص الفرص
من المعروف عن أسلوب عمل الوليد بن طلال أنه ينتهج سياسة اقتناص الفرص، ذلك بالبحث عن الشركات المتعثرة بسبب مشاكل مؤقتة في الإدارة أو التمويل؛ فرغم أنه أسس عدداً غير قليل من المشروعات، منها فنادق ومشروعات صناعية وزراعية، فإن القدر الأكبر من ثروته المقدرة بنحو 20 مليار دولار (حسب تقدير مجلة "فوربس" الأمريكية 2002) ذهب إلى مشروعات عالمية قائمة بالفعل، واقتنص هو التوقيت المناسب للمساهمة فيها. ويقول الأمير السعودي في أحد تصريحاته معبراً عن هذه الإستراتيجية: "إذا كان هناك أي شيء على الكرة الأرضية يساوى 4 بلايين دولار ويعرض للبيع ببليون واحد نسعى بكل السبل لشرائه دون أدنى شعور بالخطر؛ إنها المغامرة المحسوبة في عالم البزنس".
وترجمة لهذه السياسة أبرم العديد من الصفقات، فكانت لدى الكثيرين نوعا من الجرأة وحب المغامرة، لكن نجاح غالبيتها دعا مجلة "فوربس" الأمريكية إلى أن تلقبه بالمبدع الثاني بعد "بيل جيتس" مالك شركة "مايكروسوفت" العالمية، واعتبرته كذلك أنجح رجل أعمال في العالم بعد جيتس.
وبمعاونة جيش من المستشارين الماليين والمختصين في متابعة البورصات العالمية يحرص على متابعة أسعار أسهم الشركات العالمية ذائعة الشهرة، فإن تهاوت أسعار أسهم إحداها سارع على الفور بالشراء، فقد كانت مساهمته في 3 شركات عالمية: "سيتي غروب" و"آي. أو. إل. تايم وارنر" و"برايس لاين دوت كوم" نتيجة لانخفاض أسعار أسهمها إلى حدود مغرية بالشراء وفق سياسة اقتناص الفرص التي ينتهجها في عمله، مبرراً ذلك في حينه بأن هذه الشركات تمتلك علامات تجارية ذائعة الشهرة ستمكنها من النجاح والاستمرار. وفعل الوليد الشيء نفسه مع شركة "ترافيل كومبني أون لاين دوت كوم" حينما تهاوى سعر سهمها إلى أقل من دولارين، فاشترى أسهماً بمقدار 5.4% من إجمالي أسهم الشركة.
حظ الدول العربية
باستثناء بعض المشروعات في لبنان ومصر والسعودية ومناطق السلطة الوطنية الفلسطينية لا تتوفر بيانات دقيقة عن استثمارات الملياردير السعودي في البلاد العربية، لكن بالنظر إلى حجم ثروته ومقارنة حجم استثماراته في أمريكا وأوربا يمكن القول باطمئنان: إن حظ العالم العربي من مليارات الوليد بن طلال ليس كثيراً، فإذا كان يوصف بأنه أكبر مستثمر فردي في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، فإن المنطق يقول بأن حجم استثماراته ليس بالقدر الكبير في العالم العربي الذي ينتمي إليه ويحمل جنسية بلدين من بلدانه.
ففي مناطق السلطة الفلسطينية لم يكن للأمير السعودي وجود يذكر على ساحة الاستثمار قبل عام 1997، ففي شهر يوليو من هذا العام أسس أول شركة للاستثمار والتطوير "PADICO" عملت في مجال الإنشاءات ومشروعات أخرى للتنمية في الضفة الغربية وغزة، وفي نفس الشهر أسس شركة أخرى باسم "القدس للاستثمار والتنمية" (JEDICO) تعمل على بناء المنازل والمستشفيات.
طموحات السلطة
أما لبنان فقد كان المكان الوحيد الذي اقترن فيه اسم الملياردير السعودي باللعبة السياسية، فعلى أرضها بدأ المراقبون ينظرون إلى طموحات الأمير في السلطة، بعدما امتلك المال والنفوذ، ورأى الكثيرون أن الأمير يمكنه أن يدخل الساحة السياسية اللبنانية ويحوز منصب جده "رياض الصلح"، مستغلاً صراع رئاسة الجمهورية مع رئاسة الوزراء، وبعض ملايينه، حتى إن الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" قال بالحرف الواحد: "لا يوجد منطق يقول بأن بليونير سعودي بإمكانه أن يطلب نفوذاً سياسياً في لبنان حتى إن كان يمتلك الوسيلة الوحيدة لتضميد جراحه".
حينما هاجم الوليد بن طلال التدهور الاقتصادي في لبنان وأداء الحكومة اللبنانية، اعتبر رئيس الوزراء اللبناني "رفيق الحريري" الذي يحمل هو الآخر الجنسيتين اللبنانية والسعودية أن الهجوم موجه لشخصه، لكن الذي ضاعف من قلقه أن هذا الهجوم صادر عن شخص يحمل الجنسية اللبنانية، ويحمل معها مليارات قد تشجع البعض على إغرائه باقتحام الساحة السياسية.
كما أن كلام الوليد -لكونه من الأسرة المالكة في السعودية- قد يوحي بأن المملكة تؤيد كلام أحد أفراد أسرتها؛ فينعكس التصريح سلباً على مكانة الحريري داخل المملكة وعند الذين يرونه محاطاً ومحمياً ومرعياً منها؛ لذلك سارع الحريري إلي السعودية وألقى بهواجسه أمام ولي عهد السعودية الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولم تعد له الطمأنينة إلا بعد أن سمع تأكيداً من الأمير ينفي طموحات نجل شقيقه، وموافقة سعودية على المشاركة في المؤتمر الثاني للدول المانحة للبنان في باريس، باعتبار أن ذلك تأكيد لاستمرار الدعم السعودي للحكومة اللبنانية ورئيسها.
لكن هل يمكن أن توقف هذه الطمأنات طموحات الأمير في السلطة التي اُنتزعت من والده في المملكة العربية السعودية وتجاوزت جده في لبنان؟ سؤال أجاب الأمير عنه بنفسه قائلاً: "لكل حادث حديث".