the unknown
عضو نشط
- التسجيل
- 3 سبتمبر 2004
- المشاركات
- 1,693
دبي- العربية.نت
كان لمقال نشره عضو مجلس الشورى السعودي ورئيس مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية والكاتب المعروف د. محمد القنيبط دويا ضخما في المجتمع السعودي الذي كان يعيش في تلك الأيام لحظات انهيار السوق المالية وخسارة هائلة وصلت إلى تريليون (ألف مليار ريال) ريال سعودي خلال شهر واحد.
كان أثر المقال كبيرا، لمكانة كاتبه د. القنيبط الذي عرف بجرأته ودقة معلوماته وتميز آرائه الاقتصادية بشكل خاص، ولأن النقد حمل وزارة المالية جزءا من المسؤولية بشكل غير معتاد من قبل في الصحافة السعودية.
إلا أن المقال كما يبدو مما يشير إليه د. القنيبط أدناه لم يلق رضى بعض الأوساط الإعلامية والرسمية، الأمر الذي أثار إحباط د. القنيبط ليعلن اعتزاله الكتابة في مقال تنفرد "العربية.نت" بنشره، بعد امتناع عدد من الصحف السعودية والعربية عن نشره، وذلك بعد 11 عاما من الكتابة الأسبوعية المتواصلة في مجلة "اليمامة" السعودية عبر زاويته الشهيرة "أكاديميات".
وكان الزميل تركي الدخيل قد سأل د. القنيبط في 14 فبراير 2006م عندما استضافه في برنامج إضاءات عن نقده الدائم لوزارة المالية والسجال بينه وبين وزير المالية عبر الصحافة وأجاب حينها: : "أنا أنتقد أداء الوزارة بحكم أني رئيس جمعية الاقتصاد في السعودية، والآن نحن نشهد طفرة قوية وإذا لم تتفاعل معها وزارة المالية سوف نخسر فرصا ذهبية. وزير المالية إبراهيم العساف أخذ موقفا من كتاباتي عن وزارة المالية معتبرا أنها تنبع من موقف شخصي وهذا غير صحيح". وأضاف أن انتقاداته لبعض الهيئات الحكومة السعودية في الزاوية الأسبوعية "أكاديميات"، التي ينشرها في مجلة "اليمامة"، لا يأتي من دوافع شخصية وإنما لتحذير هذه الهيئات من أن أي تقصير تقوم به الآن قد ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي للمملكة في ظل الطفرة الحالية.
وفيما يلي نص مقال د. محمد القنيبط الذي يشرح فيه أسباب اعتزاله بعنوان "القنيبط يعتزل الكتابة ؟!"
.....
مقال الدكتور القنيبط
طُـزَّ !؟
هذه الكلمة "الترحيبية" سيقول بها بعض القراء، والبعض الآخر سيتساءل من هو الدكتور محمد القنيبط حتى يعتزل أو لا يعتزل؛ في حين سيقول من بينهما لماذا يعتزل القنيبط الكتابة ؟!
بالطبع آمل ألا يبالغ المحبون في التفاؤل بأنَّ القنيبط سيجد معارضة كبيرة لاعتزاله، كتلك التي حظي بها الدكتور عائض القرني. فالقنيبط لم تصل مبيعات كتابه الوحيد حتى نصف الألف، في حين تجاوزت مبيعات كتاب واحد للشيخ القرني المليون نسخة، وبازدياد زاده الله من فضله. أما الثانية، وهي الأهم من وجهة نظري، فهي الاختلاف الواضح بين الشخصيتين، والرسالة التي يتبناها كل منهما. وأترك القارئ الكريم لاستنباط ما يراه في هذا الاختلاف.
لذلك من حق القارئ أن يتساءل: لماذا يعتزل القنيبط الكتابة الصحفية المتخصصة ؟!
القفاز الحريري !؟
الكتابة الصحفية وغير الصحفية أشبه ما تكون بالشعر أو الأدب القصصي، فحين يجد الكاتب موضوعاً يثير قريحته للكتابة، تجد الصفحات تمتلئ سريعاً بالجمل والكلمات، ولا يحُدُّه أو يُقيِّده سوى المساحة التي تخصصها له الصحيفة أو المجلة.
لذلك يمكن أن تُضيِّق على الكاتب وتمنعه من الكتابة بطريقتين: الأولى هي الطريقة الكلاسيكية، وذلك من خلال المنع المباشر من قبل رئاسة التحرير استجابة لضغط جهة حكومية أو خاصة ذات علاقة أو سلطة على المطبوعة. الطريقة الثانية، هي طريقة أو استراتيجية "القفاز الحريري" كما وصفها الدكتور عبدالله النفيسي، وذلك من خلال منع الكاتب من الكتابة في التخصص الذي يجيده.
وهذا هو الطريق الذي وجدتني عليه، عبر التلميح أو التصريح بضرورة تجنب الكتابة عن الاقتصاد والسوق المالية، أو بمعنى أدق تجنب الكتابة عن وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية !؟
وبالتالي فكأنك تطلب من الشاعر أن يكتب أي شيء سوى الشعر !؟ وهذا الخيار "الحريري" اللطيف، ذكَّرني بالمقولة الشهيرة للصناعي هنري فورد، رائد صناعة السيارات مطلع القرن الماضي، حينما قال: يمكننا صناعة سيارتك بأي لون ترغبه طالما كان أسود !؟
فالرسالة التي وصلت تلميحاً وتصريحاً هي بإمكانية استمراري بالكتابة طالما تجنبت مواضيع تتعلق بوزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، باختصار تجنب الكتابة عن الاقتصاد والسوق المالية !؟
تخيل عزيزنا القارئ، يوضع هذا الخيار الليبرالي جداً أمام كاتب مهني متخصص؛ وليس ذلك فحسب بل يرأس مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية، ويعمل عضواً بمجلس الشورى لثلاث دورات متتالية رأس خلالها لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة لأربع سنوات متتالية، ونائب لرئيس ذات اللجنة لثلاث سنوات !؟ وبالتالي هل لدى القارئ إجابة لكيفية التعامل مع هذا الخيار "الحريري" الواسع جداً الذي طُرِح أمامي ؟!
ولكن لماذا تضييق واسع ؟! لماذا لم أعط هذا الخيار قبل سنة أو ثلاث أو خمس أو عشر ؟! لماذا لم يوقف القنيبط بطريقة كلاسيكية بحتة، كالتي تتم مع بقية الصحفيين ؟! حقيقة، كم وددت لو تم استخدام الطريقة الكلاسيكية في منعي من الكتابة؛ ولكن هنا يتضح النبوغ والإبداع في تضييق واسع !؟
تلفزيون للسعوديين !؟
ولكن هل كان التضييق فقط على الكتابة الصحفية ؟! بكل تأكيد لا، ولم أكن لأقدم على قرار اعتزال الكتابة لو أنه كان كذلك.
ولكن التضييق، بل الإهانة كانت عبر منع الظهور على التلفزيون السعودي !؟ نعم، عزيزنا القارئ، تخيل منع ظهور عضو مجلس الشورى السعودي بالمؤهلات الاقتصادية المتخصصة وفي برنامج متخصص، هو برنامج المؤشر في قناة الإخبارية السعودية، هذه القناة التي قيل أنها ستحدث نقلة حضارية في صناعة التلفزة السعودية؛ وليتها لم تفعل !؟ وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
ففي مساء الجمعة 24 صفر 1427هـ، وقبل موعد حلقة برنامج المؤشر بأربعين دقيقة تلقيت اتصال من مدير البرامج بقناة الإخبارية يقول بحدوث "خلل فني" يحول دون بث برنامج المؤشر، وأنه يعتذر أشد الاعتذار على هذا الخلل الفني !؟ بعد انتهاءه من شرحه لهذا "الخلل الفني"، سألته: هل قناة الإخبارية متوقفة تماماً عن البث هذا اليوم ؟! فقال بالطبع لا. فقلت له: آمل من رؤساءك على الأقل احترام درجة ذكائي، وإبلاغي مباشرة بأنَّ ظهوري على الإعلام السعودي غير مرغوب به.
تُرى لماذا ؟! لماذا يُمنع عضو مجلس الشورى السعودي من الظهور في برنامج اقتصادي على قناة تلفزيونية سعودية ؟! ولماذا يمنع من الكتابة في مواضيع اقتصادية هي من صميم دراسته وتخصصه وعمله بمجلس الشورى ؟! هل أغضبت كتابات ومقابلات القنيبط القيادة السياسية السعودية ؟! أم أنَّ القنيبط ولأكثر من أحد عشر سنة لم تكن كتاباته وظهوره التلفزيوني النادر سوى قدحاً وشتماً للقيادة ورموزها الكريمة ؟! هل ..... وهل ..... وهل ..... !؟
الشهادة التي أستطيع أن أواجه بها البارئ عز وجل، هي أنني ولأكثر من أحد عشر سنة لم أجد سوى التقدير، بل التقدير الكبير جداً من لدن كبار ولاة الأمر الذين تشرفت بمعرفتهم تمام المعرفة، بدءاً من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وتدرجاً حتى أصغرهم. وما يزيد من حدة الألم والمرارة هي أنَّ وزير الإعلام والثقافة هو زميل سابق بمجلس الشورى !؟
إذاً، لماذا هذا التضييق ؟! ولماذا يتم ذلك في هذه الفترة بالذات التي نفاخر بها عالمياً ؟!
الوزير !؟
هذا اللفظ أو اللقب السحري في دوائر المجتمع الحكومي والخاص، عرفته المملكة لأول مرة حينما أسبغه مؤسس هذا البلد العظيم، الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، على عبدالله بن سليمان، الذي استمر يعرف بلقب الوزير فقط، دون الحاجة مطلقاً إلى ذكر اسمه. فالوزير هو إبن سليمان، وإبن سليمان هو الوزير، لأنه لا يوجد آنذاك وزير غيره. وحيث أن إبن سليمان كان وزيراً للمالية حتى وفاة المؤسس أبو تركي يرحمه الله، فقد كان لوزارة المالية قوة خرافية بل "قدسية" إدارية، استمرت معها ومع كل من شغل منصب "الوزير"، إلى يومنا هذا.
وهنا تتضح الإشكالية التي أوقعت كتابات القنيبط عن وزارة المالية في المحذور البيروقراطي: نقد "الوزارة" !؟
فوزارة المالية ليست مثل بقية الوزارات. فالوزارة "والوزير" كلمتين مترادفتين، كل منهما تعني الأخرى. فكلمة "الوزارة" تعني وزارة المالية، وكلمة "الوزير" تعني وزير المالية، فقط لا غير. وكل الطرق تمر عبرها أو عبره، والكل يسعى إلى خطب ودها أو وده، والتقرب منه أو منها، أملاً وطمعاً بحظوة ودعم "الوزير" أو "الوزارة". وهنا تتضح خطورة الفكر الإداري السائد في وزارة المالية على القرار الحكومي، وبالتالي القرار التنموي اقتصادياً كان أم اجتماعي. والشواهد ظاهرة للعيان كيف أن الاختلاف مع "الوزير" أدى إلى تدهور خدمات تلك الوزارة أو الجهاز الذي استعدى رئيسه معالي "الوزير".
أسود أو أبيض ؟!
وهنا يدخل الصورة الدكتور القنيبط عبر زاوية أكاديميات بمجلة اليمامة. وعبر هذه المقالات، وفي مجتمع عربي أصيل تشيع فيه ثقافة المديح والهجاء، دون وجود أي منطقة ولو رمادية بين هذين الحدين أو الطرفين النقيضين، كان من السهل جداً وصف كتابات القنيبط عن الأجهزة الحكومية، وبصفة خاصة عن وزارة المالية، بأنها كتابات تنبع من مواقف شـخصية فقط لا غير. وقد واجهت هذا الاتهام مؤخراً في برنامج إضاءات بقناة العربية، الذي يقدمه المحاور الشاب تركي الدخيل. بل لقد قال بهذا الاتهام وزير المالية بشحمه ولحمه، حينما أعياه البحث عن مبرر يقنعه لسبب كتاباتي عن وزارة المالية والفكر الإداري "المتطور" الذي ترتكز عليه.
لذلك لا غرابة مطلقاً أن يتصدى معالي وزير الإعلام والثقافة لتأكيد هذه "الشخصنة" ويقوم بالاتصال بصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن سلمان رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، متذمراً من مقالي بصحيفة الاقتصادية (20/2/1427هـ) بأنه شخصي ضد معالي "الوزير" !؟ ويكفيني فخراً تبرئة سموه الكريم للمقال من تهمة الشخصنة المؤلمة، على الرغم من أنني لست من كُتَّاب الاقتصادية.
تُرى لماذا تثور حميِّة وزير إعلام وثقافة "تنويري" كنا نأمل منه الكثير على مقال اقتصادي متخصص كتبته تعقيباً على تعقيب الدكتور عبدالعزيز العريعر على مقال وزير المالية السابق الدكتور سليمان السليم عن أسباب الانهيار المؤلم لسوق الأسهم، الذي نزف حوالي تريليون ريال من القيمة السوقية للأسهم السعودية خلال شهر ؟!
تُرى لماذا لم يُكلِّف وزير الإعلام والثقافة نفسه، ومن باب الزمالة واللباقة، بل من باب التقدير والاحترام الواجب والمستحق لمجلس الشورى الذي ضمَّه لست سنوات، ويتصل ليبلغني باعتقاده بأنَّ تعقيبي كان "شخصياً" على "الوزير" ؟!
ولكن قبل هذا السؤال، تُرى لماذا يسمح وزير الإعلام والثقافة بتوجيه إهانة غير مقبول بأدنى المعايير بحق عضو مجلس شورى ونائب رئيس لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة، بمنعه من الظهور في قناة سعودية وفي برنامج اقتصادي سعودي ضمن تخصصه وعمله، خاصة وأنَّ مدير قناة الإخبارية ـ كما هو متبع ـ يعلم بإسمي قبل موعد اللقاء بأربعة أيام طوال ؟! لماذا الإمعان في إهانة عضو مجلس الشورى بالانتظار حتى قبل بدء البرنامج بأربعين دقيقة، ليتولى موظف صغير بالاتصال لإبلاغه بوجود "خلل فني" يحول دون بث البرنامج ؟! لماذا لم يُكلِّف وزير الإعلام والثقافة مدير قناة الإخبارية ليقوم شخصياً بالاعتذار لعضو مجلس الشورى السعودي الذي التزم لهم بموعد أجبره على إلغاء جميع ارتباطاته ؟! لماذا ..... ولماذا ..... ولماذا ..... ؟!
أسئلة مؤلمة جداً، حينما يأتي الظلم، بل الإهانة من "ذوي القربى".
يتبع ..........
كان لمقال نشره عضو مجلس الشورى السعودي ورئيس مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية والكاتب المعروف د. محمد القنيبط دويا ضخما في المجتمع السعودي الذي كان يعيش في تلك الأيام لحظات انهيار السوق المالية وخسارة هائلة وصلت إلى تريليون (ألف مليار ريال) ريال سعودي خلال شهر واحد.
كان أثر المقال كبيرا، لمكانة كاتبه د. القنيبط الذي عرف بجرأته ودقة معلوماته وتميز آرائه الاقتصادية بشكل خاص، ولأن النقد حمل وزارة المالية جزءا من المسؤولية بشكل غير معتاد من قبل في الصحافة السعودية.
إلا أن المقال كما يبدو مما يشير إليه د. القنيبط أدناه لم يلق رضى بعض الأوساط الإعلامية والرسمية، الأمر الذي أثار إحباط د. القنيبط ليعلن اعتزاله الكتابة في مقال تنفرد "العربية.نت" بنشره، بعد امتناع عدد من الصحف السعودية والعربية عن نشره، وذلك بعد 11 عاما من الكتابة الأسبوعية المتواصلة في مجلة "اليمامة" السعودية عبر زاويته الشهيرة "أكاديميات".
وكان الزميل تركي الدخيل قد سأل د. القنيبط في 14 فبراير 2006م عندما استضافه في برنامج إضاءات عن نقده الدائم لوزارة المالية والسجال بينه وبين وزير المالية عبر الصحافة وأجاب حينها: : "أنا أنتقد أداء الوزارة بحكم أني رئيس جمعية الاقتصاد في السعودية، والآن نحن نشهد طفرة قوية وإذا لم تتفاعل معها وزارة المالية سوف نخسر فرصا ذهبية. وزير المالية إبراهيم العساف أخذ موقفا من كتاباتي عن وزارة المالية معتبرا أنها تنبع من موقف شخصي وهذا غير صحيح". وأضاف أن انتقاداته لبعض الهيئات الحكومة السعودية في الزاوية الأسبوعية "أكاديميات"، التي ينشرها في مجلة "اليمامة"، لا يأتي من دوافع شخصية وإنما لتحذير هذه الهيئات من أن أي تقصير تقوم به الآن قد ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي للمملكة في ظل الطفرة الحالية.
وفيما يلي نص مقال د. محمد القنيبط الذي يشرح فيه أسباب اعتزاله بعنوان "القنيبط يعتزل الكتابة ؟!"
.....
مقال الدكتور القنيبط
طُـزَّ !؟
هذه الكلمة "الترحيبية" سيقول بها بعض القراء، والبعض الآخر سيتساءل من هو الدكتور محمد القنيبط حتى يعتزل أو لا يعتزل؛ في حين سيقول من بينهما لماذا يعتزل القنيبط الكتابة ؟!
بالطبع آمل ألا يبالغ المحبون في التفاؤل بأنَّ القنيبط سيجد معارضة كبيرة لاعتزاله، كتلك التي حظي بها الدكتور عائض القرني. فالقنيبط لم تصل مبيعات كتابه الوحيد حتى نصف الألف، في حين تجاوزت مبيعات كتاب واحد للشيخ القرني المليون نسخة، وبازدياد زاده الله من فضله. أما الثانية، وهي الأهم من وجهة نظري، فهي الاختلاف الواضح بين الشخصيتين، والرسالة التي يتبناها كل منهما. وأترك القارئ الكريم لاستنباط ما يراه في هذا الاختلاف.
لذلك من حق القارئ أن يتساءل: لماذا يعتزل القنيبط الكتابة الصحفية المتخصصة ؟!
القفاز الحريري !؟
الكتابة الصحفية وغير الصحفية أشبه ما تكون بالشعر أو الأدب القصصي، فحين يجد الكاتب موضوعاً يثير قريحته للكتابة، تجد الصفحات تمتلئ سريعاً بالجمل والكلمات، ولا يحُدُّه أو يُقيِّده سوى المساحة التي تخصصها له الصحيفة أو المجلة.
لذلك يمكن أن تُضيِّق على الكاتب وتمنعه من الكتابة بطريقتين: الأولى هي الطريقة الكلاسيكية، وذلك من خلال المنع المباشر من قبل رئاسة التحرير استجابة لضغط جهة حكومية أو خاصة ذات علاقة أو سلطة على المطبوعة. الطريقة الثانية، هي طريقة أو استراتيجية "القفاز الحريري" كما وصفها الدكتور عبدالله النفيسي، وذلك من خلال منع الكاتب من الكتابة في التخصص الذي يجيده.
وهذا هو الطريق الذي وجدتني عليه، عبر التلميح أو التصريح بضرورة تجنب الكتابة عن الاقتصاد والسوق المالية، أو بمعنى أدق تجنب الكتابة عن وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية !؟
وبالتالي فكأنك تطلب من الشاعر أن يكتب أي شيء سوى الشعر !؟ وهذا الخيار "الحريري" اللطيف، ذكَّرني بالمقولة الشهيرة للصناعي هنري فورد، رائد صناعة السيارات مطلع القرن الماضي، حينما قال: يمكننا صناعة سيارتك بأي لون ترغبه طالما كان أسود !؟
فالرسالة التي وصلت تلميحاً وتصريحاً هي بإمكانية استمراري بالكتابة طالما تجنبت مواضيع تتعلق بوزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، باختصار تجنب الكتابة عن الاقتصاد والسوق المالية !؟
تخيل عزيزنا القارئ، يوضع هذا الخيار الليبرالي جداً أمام كاتب مهني متخصص؛ وليس ذلك فحسب بل يرأس مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية، ويعمل عضواً بمجلس الشورى لثلاث دورات متتالية رأس خلالها لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة لأربع سنوات متتالية، ونائب لرئيس ذات اللجنة لثلاث سنوات !؟ وبالتالي هل لدى القارئ إجابة لكيفية التعامل مع هذا الخيار "الحريري" الواسع جداً الذي طُرِح أمامي ؟!
ولكن لماذا تضييق واسع ؟! لماذا لم أعط هذا الخيار قبل سنة أو ثلاث أو خمس أو عشر ؟! لماذا لم يوقف القنيبط بطريقة كلاسيكية بحتة، كالتي تتم مع بقية الصحفيين ؟! حقيقة، كم وددت لو تم استخدام الطريقة الكلاسيكية في منعي من الكتابة؛ ولكن هنا يتضح النبوغ والإبداع في تضييق واسع !؟
تلفزيون للسعوديين !؟
ولكن هل كان التضييق فقط على الكتابة الصحفية ؟! بكل تأكيد لا، ولم أكن لأقدم على قرار اعتزال الكتابة لو أنه كان كذلك.
ولكن التضييق، بل الإهانة كانت عبر منع الظهور على التلفزيون السعودي !؟ نعم، عزيزنا القارئ، تخيل منع ظهور عضو مجلس الشورى السعودي بالمؤهلات الاقتصادية المتخصصة وفي برنامج متخصص، هو برنامج المؤشر في قناة الإخبارية السعودية، هذه القناة التي قيل أنها ستحدث نقلة حضارية في صناعة التلفزة السعودية؛ وليتها لم تفعل !؟ وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
ففي مساء الجمعة 24 صفر 1427هـ، وقبل موعد حلقة برنامج المؤشر بأربعين دقيقة تلقيت اتصال من مدير البرامج بقناة الإخبارية يقول بحدوث "خلل فني" يحول دون بث برنامج المؤشر، وأنه يعتذر أشد الاعتذار على هذا الخلل الفني !؟ بعد انتهاءه من شرحه لهذا "الخلل الفني"، سألته: هل قناة الإخبارية متوقفة تماماً عن البث هذا اليوم ؟! فقال بالطبع لا. فقلت له: آمل من رؤساءك على الأقل احترام درجة ذكائي، وإبلاغي مباشرة بأنَّ ظهوري على الإعلام السعودي غير مرغوب به.
تُرى لماذا ؟! لماذا يُمنع عضو مجلس الشورى السعودي من الظهور في برنامج اقتصادي على قناة تلفزيونية سعودية ؟! ولماذا يمنع من الكتابة في مواضيع اقتصادية هي من صميم دراسته وتخصصه وعمله بمجلس الشورى ؟! هل أغضبت كتابات ومقابلات القنيبط القيادة السياسية السعودية ؟! أم أنَّ القنيبط ولأكثر من أحد عشر سنة لم تكن كتاباته وظهوره التلفزيوني النادر سوى قدحاً وشتماً للقيادة ورموزها الكريمة ؟! هل ..... وهل ..... وهل ..... !؟
الشهادة التي أستطيع أن أواجه بها البارئ عز وجل، هي أنني ولأكثر من أحد عشر سنة لم أجد سوى التقدير، بل التقدير الكبير جداً من لدن كبار ولاة الأمر الذين تشرفت بمعرفتهم تمام المعرفة، بدءاً من ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وتدرجاً حتى أصغرهم. وما يزيد من حدة الألم والمرارة هي أنَّ وزير الإعلام والثقافة هو زميل سابق بمجلس الشورى !؟
إذاً، لماذا هذا التضييق ؟! ولماذا يتم ذلك في هذه الفترة بالذات التي نفاخر بها عالمياً ؟!
الوزير !؟
هذا اللفظ أو اللقب السحري في دوائر المجتمع الحكومي والخاص، عرفته المملكة لأول مرة حينما أسبغه مؤسس هذا البلد العظيم، الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، على عبدالله بن سليمان، الذي استمر يعرف بلقب الوزير فقط، دون الحاجة مطلقاً إلى ذكر اسمه. فالوزير هو إبن سليمان، وإبن سليمان هو الوزير، لأنه لا يوجد آنذاك وزير غيره. وحيث أن إبن سليمان كان وزيراً للمالية حتى وفاة المؤسس أبو تركي يرحمه الله، فقد كان لوزارة المالية قوة خرافية بل "قدسية" إدارية، استمرت معها ومع كل من شغل منصب "الوزير"، إلى يومنا هذا.
وهنا تتضح الإشكالية التي أوقعت كتابات القنيبط عن وزارة المالية في المحذور البيروقراطي: نقد "الوزارة" !؟
فوزارة المالية ليست مثل بقية الوزارات. فالوزارة "والوزير" كلمتين مترادفتين، كل منهما تعني الأخرى. فكلمة "الوزارة" تعني وزارة المالية، وكلمة "الوزير" تعني وزير المالية، فقط لا غير. وكل الطرق تمر عبرها أو عبره، والكل يسعى إلى خطب ودها أو وده، والتقرب منه أو منها، أملاً وطمعاً بحظوة ودعم "الوزير" أو "الوزارة". وهنا تتضح خطورة الفكر الإداري السائد في وزارة المالية على القرار الحكومي، وبالتالي القرار التنموي اقتصادياً كان أم اجتماعي. والشواهد ظاهرة للعيان كيف أن الاختلاف مع "الوزير" أدى إلى تدهور خدمات تلك الوزارة أو الجهاز الذي استعدى رئيسه معالي "الوزير".
أسود أو أبيض ؟!
وهنا يدخل الصورة الدكتور القنيبط عبر زاوية أكاديميات بمجلة اليمامة. وعبر هذه المقالات، وفي مجتمع عربي أصيل تشيع فيه ثقافة المديح والهجاء، دون وجود أي منطقة ولو رمادية بين هذين الحدين أو الطرفين النقيضين، كان من السهل جداً وصف كتابات القنيبط عن الأجهزة الحكومية، وبصفة خاصة عن وزارة المالية، بأنها كتابات تنبع من مواقف شـخصية فقط لا غير. وقد واجهت هذا الاتهام مؤخراً في برنامج إضاءات بقناة العربية، الذي يقدمه المحاور الشاب تركي الدخيل. بل لقد قال بهذا الاتهام وزير المالية بشحمه ولحمه، حينما أعياه البحث عن مبرر يقنعه لسبب كتاباتي عن وزارة المالية والفكر الإداري "المتطور" الذي ترتكز عليه.
لذلك لا غرابة مطلقاً أن يتصدى معالي وزير الإعلام والثقافة لتأكيد هذه "الشخصنة" ويقوم بالاتصال بصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن سلمان رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، متذمراً من مقالي بصحيفة الاقتصادية (20/2/1427هـ) بأنه شخصي ضد معالي "الوزير" !؟ ويكفيني فخراً تبرئة سموه الكريم للمقال من تهمة الشخصنة المؤلمة، على الرغم من أنني لست من كُتَّاب الاقتصادية.
تُرى لماذا تثور حميِّة وزير إعلام وثقافة "تنويري" كنا نأمل منه الكثير على مقال اقتصادي متخصص كتبته تعقيباً على تعقيب الدكتور عبدالعزيز العريعر على مقال وزير المالية السابق الدكتور سليمان السليم عن أسباب الانهيار المؤلم لسوق الأسهم، الذي نزف حوالي تريليون ريال من القيمة السوقية للأسهم السعودية خلال شهر ؟!
تُرى لماذا لم يُكلِّف وزير الإعلام والثقافة نفسه، ومن باب الزمالة واللباقة، بل من باب التقدير والاحترام الواجب والمستحق لمجلس الشورى الذي ضمَّه لست سنوات، ويتصل ليبلغني باعتقاده بأنَّ تعقيبي كان "شخصياً" على "الوزير" ؟!
ولكن قبل هذا السؤال، تُرى لماذا يسمح وزير الإعلام والثقافة بتوجيه إهانة غير مقبول بأدنى المعايير بحق عضو مجلس شورى ونائب رئيس لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة، بمنعه من الظهور في قناة سعودية وفي برنامج اقتصادي سعودي ضمن تخصصه وعمله، خاصة وأنَّ مدير قناة الإخبارية ـ كما هو متبع ـ يعلم بإسمي قبل موعد اللقاء بأربعة أيام طوال ؟! لماذا الإمعان في إهانة عضو مجلس الشورى بالانتظار حتى قبل بدء البرنامج بأربعين دقيقة، ليتولى موظف صغير بالاتصال لإبلاغه بوجود "خلل فني" يحول دون بث البرنامج ؟! لماذا لم يُكلِّف وزير الإعلام والثقافة مدير قناة الإخبارية ليقوم شخصياً بالاعتذار لعضو مجلس الشورى السعودي الذي التزم لهم بموعد أجبره على إلغاء جميع ارتباطاته ؟! لماذا ..... ولماذا ..... ولماذا ..... ؟!
أسئلة مؤلمة جداً، حينما يأتي الظلم، بل الإهانة من "ذوي القربى".
يتبع ..........