فوضى وغموض في تقديرات تطبيق الحوكمة
محرر القبس الإلكتروني 11 يوليو، 2016
0 تعليقات
وصل قطار الحوكمة أخيرا إلى بورصة الكويت بعد انتظار دام ست سنوات منذ إقرار قانون هيئة أسواق المال قواعد حوكمة الشركات لنشر قيم الشفافية في سوق اعتاد
المتعاملون فيه العمل من دون الالتزام بكثير من القواعد التي تضبط الحركة وتحافظ على حقوق صغار المستثمرين.
ويأتي تطبيق هذه القواعد التي أصبحت واجبة النفاذ اعتبارا من الأول من يوليو الجاري وسط آمال بأن تساهم في تعزيز الثقة في بورصة الكويت المثخنة بالجراح منذ اندلاع الأزمة المالة العالمية في 2008 كما يأتي أيضا وسط ترقب لمدى التزام الشركات بالقواعد الجديدة.
وخلال الشهور الأخيرة استنفرت الشركات الكويتية التي تعاني من تواضع الأرباح أو حتى تسجيل خسائر كثيرا من طاقاتها البشرية وطواقمها المالية والإدارية كما استعانت بالعديد من الجهات الاستشارية للوفاء بمتطلبات الحوكمة رغم إجراءاتها المعقدة وكلفتها العالية.
وبعد إقرار قانون تطبيق الحوكمة في 2010، أصدرت هيئة أسواق المال القواعد التنفيذية لنظام الحوكمة في عام 2013. لكن من خلال مهلة تلو الأخرى جرى تأجيل تطبيق الحوكمة إلى منتصف عام 2016 من أجل إتاحة الفرصة أمام الشركات لترتيب أوضاعها الداخلية.
وتتضمن هذه القواعد عددا من الإجراءات لضمان تطبيق «أفضل الممارسات في شأن الأساليب الإدارية الحديثة والالتزام بأخلاقيات وقواعد السلوك المهني الرشيد» ومنها تعيين عضو مستقل في مجلس إدارة الشركة المساهمة وإلزام الشركات بتعيين مسؤولين لإدارة المخاطر والتدقيق الداخلي وغيرها من الإجراءات.
وتقول هيئة أسواق المال في بيان على موقعها الالكتروني إن على الشركات أن تزود الهيئة «بشكل سنوي بما يفيد تنفيذ المتطلبات الواردة في قواعد حوكمة الشركات الصادرة عن الهيئة على أن يقدم أول تقرير في مدة أقصاها عشرة أيام عمل من تاريخ نفاذ هذه القواعد في 30-6-2016».
وقال مصدر في هيئة أسواق المال لرويترز طالبا عدم ذكر إسمه: إنه يتوقع التزام جميع الشركات بقواعد الحوكمة مستشهدا بمؤشرين الأول مستوى حضور وتفاعل ممثلي الشركات في الورش التدريبية التي أقامتها الهيئة للشركات المعنية لتدريبهم على تطبيق قواعد الحوكمة.
والمؤشر الثاني هو أن جميع الشركات التزمت بتعليمات الهيئة بعدم استقبال أي معاملات ورقية والتعامل فقط الكترونيا من خلال بوابة الهيئة، مبينا أن جميع الشركات التزمت بالتسجيل في البوابة وهو ما يشير إلى حرصها على التجاوب مع التعليمات.
ورغم تأكيد المصدر أن الهيئة ستطبق القانون على عدم الملتزمين بقواعد الحوكمة فإنه أوضح أن تطبيق هذه القواعد هو أمر «جديد» ولابد أن يكون هناك «بعض المرونة» من قبل الهيئة في التعامل مع الشركات.
التزام الشركات
ويدور الحديث في الكويت حاليا حول مدى التزام الشركات بتطبيق قواعد الحوكمة، لاسيما أن القانون يضع عقوبات متنوعة لعواقب عدم الالتزام منها الغرامات المالية والإحالة لمجلس التأديب وتصل حتى الشطب نهائيا من البورصة.
يقول أحمد الفارس رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية إن الشركات «ليس لديها حجة» في عدم الالتزام لأن الهيئة أعطتها أكثر من مهلة كما أن قواعد الحوكمة ذاتها تم تعديلها وتخفيفها.
ويرى الفارس أن شركات الخدمات والشركات الصناعية والعقارية لاسيما الصغيرة هي التي ستكون أقل التزاما «لأنها تعمل منذ فترة طويلة بلا رقيب» بعكس البنوك وشركات التمويل والاستثمار وشركات الاتصالات.
واعتبر ناصر النفيسي مدير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية أن تطبيق الحوكمة هو «شيء إيجابي.. ويدعم الثقة ولو نسبيا» في بورصة الكويت متوقعا ألا تكون هناك «هزات عنيفة» في البورصة جراء تطبيقها نظرا لأن معظم الشركات انتهت بالفعل من تطبيق إجراءات الحوكمة أو في الطريق نحو ذلك.
وأضاف النفيسي «غير القادرين على الحوكمة.. إن لم يكونوا كلهم فإن معظمهم انسحب (من البورصة) أو أعلن نواياه للانسحاب وهو في طور إجراءات الانسحاب».
وأوضح أن الشركات التي تمثل الحوكمة تحدياً صعباً لها هي الشركات الورقية التي يتم تداولها بأقل من 100 فلس أو 50 فلسا.
ويقول خبراء: «إن البنوك الكويتية سواء كانت تقليدية أو إسلامية إضافة إلى شركات الاستثمار، لن تواجه مشكلة في الالتزام بهذه القواعد، نظرا لأنها تطبقها بالفعل بحكم خضوعها لتعليمات بنك الكويت المركزي، في حين ستواجه شركات أخرى تحدياً حقيقياً بحكم صغر حجم هذه الشركات وحداثة خبرتها بهذه القواعد».
ويرى مدير المجموعة المحاسبية في شركة الصالحية العقارية محمد المصيبيح أن «غالبية الشركات» لن تلتزم بتطبيق القواعد في موعدها، معتبرا أنها لم تأخذ الأمر على «محمل الجد».
وقال المصيبيح: «أظن أن هيئة أسواق المال ستتسامح في هذا الموضوع وستعطيهم مجالا أكبر وتمدد لهم المهلة».
وطالب بدر الملا وهو محام ومؤلف كتاب «النظام القانوني لأسواق المال» الهيئة بعدم التعامل بالمنطق «المتشدد» مع الشركات والتركيز في المقابل على هدف تطبيق قواعد الحوكمة لا على معاقبة الشركات.
وقال الملا لرويترز: «إذا كانت الهيئة ستتعامل بالمنطق المتشدد مع الشركات فستحيلها إلى مجلس التأديب. وهذا أمر أعتقد أنه ليس سليماً.. لماذا نتصيد الأخطاء بدلا من أن نحاول تقييم الشركات والأشخاص المرخص لهم؟!».
وفي التعديل الأخير الذي جرى على قانون هيئة أسواق المال في سنة 2015 تم تخفيف قواعد الحوكمة، لا سيما بعد أن أصدرت غرفة التجارة والصناعة واسعة النفوذ انتقادات لكيفية تطبيق هذه القواعد.
ظلال 2008
وما زالت الشركات الكويتية المدرجة في البورصة تعاني من تداعيات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008 ولم تخرج منها بعد حيث هبط المؤشر الرئيسي للبورصة الكويتية من مستوى 15667 نقطة في 25 يونيو 2008 إلى أن وصل إلى 5365 نقطة حاليا.
ويوجد في بورصة الكويت حاليا 185 شركة، لكن هذا العدد قابل للهبوط حيث أبدت شركات رغبتها في الانسحاب فضلا عن خروج عشرات الشركات من السوق بالفعل منذ عام 2011 نظرا للكلفة المالية التي تتكبدها بسبب الإدراج.
ويشكو كثير من المتابعين لسوق الكويت من انحسار مستوى قيم التداول يوما بعد يوم حتى وصلت إلى ما 6.4 ملايين دينار في جلسة أمس مقارنة مع أكثر من 200 مليون إبان اندلاع الأزمة العالمية في 2008.
ندرة الكوادر
وتتطلب إجراءات الحوكمة إنشاء بعض الإدارات الجديدة وتعيين كوادر مهنية على درجة عالية من الخبرة والكفاءة. ومن هذه الإدارات إدارات المخاطر وإدارات الالتزام والتدقيق الداخلي وعلاقات المستثمرين ومكافحة غسيل الأموال في بعض الشركات والرقابة الشرعية في الشركات الإسلامية.
واعتبر الفارس أن التقصير في التطبيق يمكن أن يأتي من المكاتب التي ستعينها هذه الشركات الصغيرة كمستشارين لتطبيق قواعد الحوكمة.
وأوضح أن كلفة المكتب الاستشاري الذي يضع الاطار العام للحوكمة قد تتراوح بين 50 و80 ألف دينار وهو مبلغ قد تعجز عنه بعض الشركات الصغيرة كما أن تطبيق الحوكمة بعد ذلك سيحتاج كلفة مالية إضافية.
وتشكو الشركات من أن تطبيق هذه القواعد بما ينطوي عليه من إنشاء إدارات جديدة وتعيين موظفين جدد واجتماعات دورية لأعضاء مجلس الإدارة وبعض اللجان سيكلف الشركات مزيدا من الأموال التي تبدأ بمبلغ 100 ألف دينار سنويا للشركة الصغيرة وترتفع مع الشركات الكبيرة بالتناسب مع حجم الشركة.
ويقول الفارس: «كل هذه الإدارات من السهل أن تؤسسها وتضع لها سياسات عمل لكن كيف تشغلها وتفعلها، لا سيما أن عندك سوقا فيه عجزٌ في الموظفين وليست هناك خبرات كافية.. الهيئة تطلب تعيين شخص عنده خبرة وليس موظفا عاديا وهذا أمر مكلف».
(رويترز)
القبس