هذي المقالة منشورة اليوم بتاريخ 17-11-2015 في جريدة القبس
المصدر :
http://alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1108136&CatID=774
لم نَرَ حلولاً للبورصة ولا تنظيفاً لشركات العفن .. ولا حصافة في إدارة الضرر
جاءنا من نائب رئيس مجلس الادارة الرئيس التنفيذي في شركة الشال جاسم السعدون ما يلي:
تحت عنوان رئيسي «طروحات الشال غير مفيدة للاقتصاد» وعنوان فرعي «لا نفهم لماذا غيَّر موقفه وعاد ليطلب تدخل الدولة والمال العام لإنقاذ البورصة ؟!»، كتب الأخ الكريم مروان سلامة مقالة نقدية لفقرة من تقرير الشال تتحدث عن ظاهرة مَرَضية ببلوغ مستوى أسعار الأسهم لـ %75 من الشركات المدرجة دون قيمها الدفترية. ونحن نؤكد في «الشال» ترحيبنا بكل نقد، ويسعدنا أن يأتي من شخص نعرف أن من ضمن اختصاصاته الأصيلة أسواق المال، ورغم أننا نأمل أن نكون محقين فيما طرحناه،فإننا لا نستبعد الخطأ، وعلى استعداد لصياغة شكر علني لمن صوب خطأنا، ولكننا لا نعتقد بارتكاب خطأ هذه المرة. وفي ردنا سوف نتبع نفس المنهجية التي اتبعها الأخ مروان أي الرد على ما كتب بنقاط قصيرة ومعنونة كالتالي:
اولا تغيير موقف الشال
من أول متطلبات سلامة البحث والتحليل، بذل الباحث بعض الجهد للتأكد من معلومة رئيسية، واتهام الشال بتغيير موقفها مع علامة استفهام وتعجب، لا يحتاج إلى جهد كبير لإثبات أنه غير صحيح. فقد سبق لجريدة القبس بتاريخ 20 يونيو 2010 أن وجهت للشال نفس النقد، ونشرت مشكورة ردنا عليه بصيغة مقال بتاريخ 22 يونيو 2010، وفي ردنا توثيق لدعوات تدخل استباقية مشابهة مع أرقام وتواريخ خمس فقرات سابقة، أولاها نشرت ضمن تقريرنا في 2008/9/21، أي أسبوع واحد بعد أزمة العالم المالية، وللأسف، مخاوفنا من تداعيات عدم التدخل، أي الحصافة في إدارة الضرر، كلها تحققت.
ثانيا القيمة الإجمالية - الرأسمالية
خطأ غير مقصود آخر ورد في بداية مقالة الأخ مروان فحواه، أن الـ 103 شركات قيمتها السوقية 1.7 مليار دينار كويتي وهو صحيح، وتكملته هي أن القيمة الإجمالية للسوق تبلغ 9.6 مليارات دينار كويتي وهو غير صحيح. والصحيح هو أن الـ 9.6 مليارات دينار كويتي هي القيمة السوقية لـ 144 شركة المضغوطة، أما القيمة الإجمالية للسوق فهي 26.6 مليار دينار كويتي كما في 31 أكتوبر 2015، وهي الهدف المطلوب إنقاذه من دعوتنا للتدخل الاستثماري وليس تحت بند الدعم.
ثالثا كثرة الشركات المدرجة
نتفق مع ما ذكره الأخ مروان حول أهداف البورصات، ولكن ما يحدث في بورصة الكويت منذ عام 2008 هو تماماً عكس هذه الأهداف، ولا نتفق مع ما ذهب إليه بأنه كلما زاد عدد الشركات المدرجة قلت نسبة الشركات الفاشلة، وإلا لكانت حقبة المناخ بمثابة العصر الذهبي لأسواق الكويت. والواقع أن ما حدث في عام 2008 كان أزمة لم يشهدها العالم منذ عام 1929، وفي الكويت كانت حقبة ما قبل الأزمة اقتباساً محسناً لحقبة المناخ، خلالها تحول الإنتاج المربح هو تأسيس الشركات وإدراجها وبيع أسهمها، وليس عملها، حتى بلغ عدد شركات الاستثمار وحدها 100 شركة. ذلك زمن لن يعود، وفاقم من تداعياته سقوط سوق النفط وسخونة الأحداث الجيوسياسية في الإقليم، لذلك أصبح حجم المعروض غير محتمل ولا يتناسب مع حجم الطلب الآني أو المستقبلي، ولابد من إجراء ما لخفضه. ولم نكن نعرف بمقالتك، التي نشرت متزامنة مع تقريرنا للأسبوع الحالي2015/11/15، وفي تقريرنا رد غير مقصود على أثر كثرة الشركات المدرجة، وفي بورصة الكويت اكبر عدد للشركات المدرجة من كل بورصات إقليم الخليج، حيث بلغ عدد شركاتها المدرجة 192 شركة. ذلك تسبب في ارتفاع نصيب كل شركة مدرجة في سوق أبوظبي من سيولة السوق إلى نحو 4 أضعاف نصيب الشركة المدرجة في الكويت، والشركات المدرجة في سوق أبوظبي 54 شركة، وفي سوق قطر سيولة الشركة الواحدة 8.8 اضعاف الشركة الكويتية وشركاته المدرجة 43، وفي سوق دبي بلغ نصيب الشركة 10.4 اضعاف وشركاته المدرجة 62، وفي سوق السعودية 38.8 ضعفا وشركاته المدرجة 166.
رابعا اسباب نزول أسعار الأسهم وآلية معالجة الفشل
من المؤكد أن أزمة العالم المالية وهبوط أسعار النفط والأحداث الجيوسياسية مبررات قوية لهبوط أسعار الأصول، ولكن، عجز السوق الكويتي عن الاقلاع حتى قبل عام 2011، واستمراره وحيداً الأسوأ أداء بعد 7 سنوات، وانفراده بخاصية رخص %75 من شركاته، والتي تباع دون قيمها الدفترية، من المؤكد أنها حالة مرضية فريدة. و7 سنوات من انتظار حلول علاجية استباقية أو تطهير السوق من شركات العفن كما وصفها وزير تجارة أسبق، لم تأت، ما أدى إلى انتقال المرض للشركات السليمة نتيجة الانحسار الشديد في مستوى السيولة والثقة، وبات الأمر يتطلب جراحة.
خامسا : تقييم سعر السهم
صحيح أن القيمة الدفترية للسهم قد لا تساوي القيمة العادلة، ولكن من غير المعقول ولا المقبول أن يكون الانحراف واقعا على 3 من كل 4 شركات مدرجة، ولو كان صحيحاً، لتطلب الأمر تغيير كل من إدارة البورصة وهيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي ووزارة التجارة، ولكنه غير صحيح. ومن الاتجاه العام لاستمرار انحسار السيولة ومعها استمرار هبوط الأسعار، يبدو أن هناك تسارعاً لتوسعة الفجوة بين القيم الدفترية وأسعار السوق، وأصبح هناك احتمال لولوج شركات سليمة إلى فئة الـ 144 شركة المضغوطة.
سادسا : قدرة الدولة على الإدارة
في فقرة من تقريرنا المتزامن مع مقالة الأخ «مروان» ذكرنا رداً غير مقصود، فحواه أننا لا نضمن كفاءة الإدارة العامة ولا نزاهتها، ولكن الضوابط المقترحة، ومنها معيار التصنيف للشركة المستهدفة، وسعر سهمها، واشتراط موافقة أغلبية مطلقة من المساهمين على بيع أسهمهم. والواقع أن مثل هذا الإجراء اتبع في عامي 1986 و1987 على نحو 60 شركة خليجية ومقفلة، ومن قام بتنفيذه بنظافة ومهنية ثلاثة من شباب الهيئة العامة للاستثمار آنذاك، اثنان منهم ما زالا على قيد الحياة، ونعتقد بإمكانية الاستعانة بخبراتهما، وشملت الإجراءات تصفية ودمج أو استمرار تلك الشركات وفقاً لأوضاع كل شركة.
سابعا : صناع السوق
نتفق مع الأخ «مراون» بأن صناع السوق فكرة مكملة ولا يمكن رهن مستقبل السوق عليها، ولكنها موجودة في معظم الأسواق الناجحة، ومن المؤكد أن هناك احتمالات لانحراف إداراتها، كما انحرفت ممارسات المصارف وبنوك الاستثمار وحتى مؤسسات التصنيف الائتماني والبنوك المركزية قبل أزمة عام 2008، وكل ما ذكرناه يهدف إلى زيادة احتمالات نجاحها لو تم تخفيض المعروض من الأسهم، وبما لا يلغي الرقابة عليها
ثامنا: الخوف على البنوك وجذب الأثرياء إلى السوق
نعتقد أن في هذا النوع من الاجتهادات تكمن المشكلة الحقيقية، فعلم الاقتصاد الحقيقي علم استبقائي وليس علماً وصفياً، همه وهدفه منع حدوث أزمة في المستقبل أو البناء، أي تنميته بطريقة أفضل، وأضعف حلقاته هي تلك التي تتعامل مع الأزمة بعد حدوثها، أي المعنية بإدارة حجم الضرر. لننسَ مثلاً ما حدث للاستثمارات الخارجية أو لقطاع النفط أو سوق العمل أو التركيبة السكانية أو تدهور تنافسية الاقتصاد المحلي أو حتى أوضاع المالية العامة حالياً، بعدما بلغ معدل النمو المركب للنفقات العامة وعلى مدى 10 سنوات %13 وبنسبة %75 منها إنفاق جامد وجار، وكلها دون استثناء كان يمكن اجتنابها بسياسات احترازية، ولنركز على قطاع البنوك. السبب الرئيسي في متانة أوضاع البنوك حالياً هو في ذلك التدخل الاستباقي والسريع مع أزمة المشتقات لبنك الخليج، وتلك السياسات الاستباقية التي وصفت بالتعسفية التي اتبعها بنك الكويت المركزي مع وحدات ذلك القطاع بعد الأزمة المالية، وهو ما لم يحدث لأي قطاع آخر حتى تفاقمت الأضرار غير الضرورية التي تعانيها حالياً. الآن، قد تتحسن أوضاع سوق النفط، وقد تنفرج الأوضاع الجيوسياسية، وقد تتحسن معها سيولة وأسعار الأصول، ولكن هل من الحصافة التعامل وفق سيناريو الأمل، أم التعامل مع أسوأ سيناريو محتمل، مع الإبقاء على خير وبركة سيناريو الأمل إن تحقق؟ الاقتصاد العالمي حالياً يعيش في حقبة فيها حاجة ملحة إلى زيادة أسعار الفائدة بتأثيراته السلبية على أسعار الأصول، وسيتبعه حتماً سعر الفائدة على الدينار الكويتي، ويتزامن ذلك للأسف مع تزايد ضعف سوق النفط واحتدام العنف في الإقليم، بينما يتزامن مع شحة سيولة البورصة انحسار إضافي في سيولة سوق العقار المحلي الذي فقدت سيولته نحو %-34.5 في الشهور العشرة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2014. والعقار المحلي والأسهم هما صلب رهونات المصارف، وانحسار سيولتهما وانحسار الثقة فيهما سيؤدي حتماً إلى انحسار متصل في أسعارهما. وقد لا يتحقق تطور خطر على أوضاع البنوك في السنة الحالية أو ربما المقبلة، ولكن الانتظار حتى حدوثه حتى نتدخل ليس خياراً بالتأكيد، ويسبق حدوثه بدء في انحسار ربحية البنوك نتيجة هبوط أسعار الرهونات وزيادة مخصصاتها. والدعوة إلى العلاج بتحسين بيئة الاستثمار بالحد من عرض الأسهم وتحفيز الطلب ليست فيها دعوة خاصة للأثرياء إلى السوق، وإنما الحد من تدهور ثروة أي إنسان مستثمر، ومن أجل تحسين إمكانات الإفراج عن السيولة مقابل شراء الأصول، لأي كان، أي لكل الناس، وفي توقيت مناسب، قد يحقق المال العام عائداً منافساً.
تاسعا: خاتمة
لقد قدّم الأخ الكريم مروان حلولاً بديلة، ونحن سعداء بما أثارته فقرة في تقريرنا من ردود فعل مباشرة وغير مباشرة، ومنشورة أو غير ذلك، فالهدف الأهم يتحقق بالتفاعل المسبق لاجتناب تحول مشكلة قائمة إلى أزمة. ونؤكد على أمر واحد لا نحيد عنه وهو أن الدعوة للتدخل هي دعوة للاستثمار والتربح للمال العام وليس للدعم، وهي دعوة هدفها استباق احتمال تحقق ما هو أسوأ، أي حماية مسبقة للمال والجهد العامين.
آخر اهتماماتنا هو الأخذ برؤانا إذا كان هناك أي طرف يقدم رؤى أفضل، ونقدّر جداً للأخ مروان نقده لرؤانا، ونقدر له رأيه في تقديم بديل، حتى وإن لم نتفق مع ما قدّم.