التجارة الرابحه

بوووحمد

عضو نشط
التسجيل
2 يونيو 2008
المشاركات
5,458
الإقامة
الكويت (نيدي قح)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شهر رمضان شهر التجارة الرابحه
الحمد لله رب العالمين، وصَلَّى الله وسَلَّم وبارك على نَبيِّنا مُحمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فرمضان ليس شهر الصيام فقط، بل تَتَنوَّع العبادات في هذا الموسم العظيم موسم التجارة الرائجة مع الرب جل وعلا.
فمن العبادات الرئيسية الصيام وتقدم فضله: « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، ورمضان شهر الكرم والجود، فإن الإنسان الغني حينما يجوع ويعطش فيحس بإخوانه الفقراء الذي لا يجوعون ويعطشون في رمضان فقط بل على الدوام، فيتحقق معنى التكافل فتجد الناس يجودون بأموالهم في هذا الشهر الفضيل.
وأيضاً لزيادة الإيمان أثر في مثل هذا الإنفاق، فالناس يقرءون القرآن ويزداد إيمانهم، وهذا هو شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أجود الناس عليه الصلاة والسلام، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن.
فضل الصدقة عموماً معلوم، فإن الله جل وعلا يقول: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾[البقرة:261] ، ولا يزال الله جل وعلا يُربِّي هذه الصدقة وينميها لصاحبها حتى يجدها يوم القيامة وكأنها مثل الجبل، ويرسل الله ملكين يناديان كل صباح: اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممكساً تلفاً، فإذا انضاف إلى هذا الفضل أن يكون هذا العطاء في شهر الجود والكرم الذي يضاعف الله جل وعلا فيه الأجر والمثوبة، لا شك أن الأجر سيصبح عظيماً.
وهنا مسألة تتعلق بالإنفاق: هل الأفضل أن ينفق الإنسان سراً أو جهراً؟ الأصل أن السر أفضل: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾[البقرة:271] ، لا شك أن صدقة السر أقرب إلى الإخلاص، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الرجل الذي تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه لشدة حرصه على إخفاء الصدقة لأن هذا أقرب إلى الإخلاص، وهذا لا يعني أن يُتَّهَم من يظهر بالصدقة ويُلْمَزَ كما كان يفعل المنافقون: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾[التوبة:79] ، بأن هذا لم نفق إلا رياءً وسمعة، لا عيب أن ينفق الإنسان جهراً إذا حسنت نيته.
والإنسان إذا أنفق فإنه لا يُتبع هذا بالمَنْ والأذى فإن هذا يُبطل صدقته، والآيات في سورة البقرة في هذا المعنى واضحة.
من هذا الإنفاق في هذا الشهر الفضيل: تفطير الصائمين: « مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقِصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئاً » ، واختلف العلماء: هل هذا الفضل يتحقق ولو فَطَّرَه بتمرةٍ أو ماء، أو لا يحصل هذا إلا إذا أشبعه؟ الأرجح أن فضل الله واسع، وأن هذا الحديث يصدق حتى لو فَطَّرَه بتمرةٍ أو ماء، لكن هذا ليس كمن أشبع الصائم، لا شك أن الذي يشبعه أفضل أجراً، وأنت قد تجد شخصاً يتصدق بجوهرة ثمينة وشخص يتصدق بدراهم متعددة، هذا أكثر من جهة العدد لكن هذا أنفس من جهة ما تصدق به، فإذا كان يتيسر أن يشبع الصائم فهذا لا شك أنه أعظم للأجر، وإن لم يتيسر إلا التفطير بتمر أو ماء أو لبن أو نحو من ذلك فلا شك أنه يُحصِّل بهذا الأجر.
وبالمناسبة: إفطار الصائمين لا يتعلق بالفقراء، بل يحصل الإنسان الأجر ويحرص عليه بتفطير الفقراء والأغنياء والأصدقاء وغيرهم حتى ينال أجرهم، فإذا أفطر الإنسان عند شخص فليدع له: « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ » ، بالمناسبة: هذا الدعاء يقوله الإنسان حتى لو أكل عند شخص في غير رمضان في غير طعام الإفطار، فيكون معنى: أفطر عندكم الصائمون في هذه الحالة، أي: أعطاكم الله مثل أجر تفطير الصائمين.
أيضاً من العبادات: العمرة، وعمرة في رمضان تعدل حجةً مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أم سنان الأنصاري رضي الله تعالى عنها لَـمَّا فاتها الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
ورمضان شهر الدعاء: لاحظ قول الله جل وعلا: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾[البقرة:186] ، هذه جاءت في وسط الآيات التي تتحدث عن أحكام الصيام في سورة البقرة، وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الْمَظْلُومِ، وَالمُسَافِرُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ » ، هذا الحديث أصح من الحديث المشهور: أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد هذا فيه ضعف، الأصح أن الصائم طوال وقت صيامه دعاؤه يكون مستجاباً فيحرص على الدعاء.
أيضاً: رمضان شهر القرآن، وهذا واضح جداً: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾[البقرة:185] ، وتحديداً نزل القرآن في ليلة القدر: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾[القدر:1] ، وقال جل وعلا: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾[الدخان:3].
ارتباط القرآن مع رمضان كبير، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعارضه جبريل القرآن في كل عام مرة في رمضان، وفي السنة التي مات فيها عليه الصلاة والسلام عارضه جبريل القرآن مرتين، وفضل قراءة القرآن لا يخفى: « مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيْمٌ حَرْفٌ » ، « اقْرَؤُوْا القُرْآنَ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ » ، « الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ » .
ويُزيِّن الإنسان صوته بالقرآن: « زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْناً » ، وقال عليه الصلاة والسلام: « مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ -يعني: ما استمع لنبي- حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ » .
وينبغي للإنسان إذا قرأ أن يَتدبَّر: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾[محمد:24] ، إذا قرأ الإنسان قراءة تَدبُّر فإن هذا سيورثه إيماناً في قلبه.
الاعتكاف: هو لزوم المسجد للطاعة سواءً في رمضان أو في غير رمضان، فعمر رضي الله تعالى عنه جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال له: « إنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتِكَفَ لَيْلَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ –يعني: في المسجد الحرام- فَقَالَ لَهُ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْفِ بِنَذْرِك » ، وهذا كان بعد فتح مكة وبعد الرجوع من الطائف، فالاعتكاف يمكن أن يكون ساعة فهو لزوم المسجد للطاعة، لكن أكمل الاعتكاف والذي كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام في رمضان وفي العشر الأخيرة تحديداً.
وكذلك لا تنسوا زكاة الفطر فإنه يجوز إخراج صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين، يعني: الثامن والعشرين والتاسع والعشرين ، والأفضل من هذا إخراجها ليلة العيد، هذا أفضل من الأول، والأفضل من إخراجها ليلة العيد إخراجها يوم العيد ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، هذا أفضل أوقاتها إن كان متيسراً،

هذه أبرز المسائل المتعلقة بالعبادات التي تكون في شهر رمضان، ، وصَلَّى الله وسَلَّم وبارك على نَبيِّنا مُحمَّد، وعلى آله وصحبه وسَلَّم تسليماً كثيراً .
كتب المقال د. محمد بن هائل المدحجي
 
أعلى