رويترز: السوق السوداء للعملة تُظهر حدود التعافى الاقتصادى فى مصر

Arabeya Online

عضو نشط
التسجيل
24 مايو 2012
المشاركات
6,504
اتخذ البنك المركزى المصرى خطوات استثنائية لتعزيز الجنيه، وكبح السوق السوداء للعملة الصعبة، لكن التعاملات غير القانونية تواصل الازدهار فى الأزقة الخلفية ومكاتب الصرافة فى أنحاء البلاد.

ويظهر هذا الصمود حدود الانتعاش الاقتصادى منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامى محمد مرسى فى يوليو، برغم تدفق مساعدات خليجية بمليارات الدولارات على البلاد.

وتعانى مصر نقصا فى المعروض من العملات الأجنبية بسبب تراجع إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية، فضلا عن أن كثيرا من المغتربين يفضلون إرسال أموالهم إلى البلاد عبر السوق السوداء التى يحصلون فيها على أسعار أعلى.

وينظم البنك المركزى عطاءات لبيع العملة الصعبة للعام الثانى من أجل تلبية الطلب. وطرح البنك الشهر الماضى أكبر عطاء له على الإطلاق باع خلاله 1.5 مليار دولار. وأغلق أيضا بعض شركات الصرافة لتلاعبها فى الأسعار، لكن السوق السوداء فى القاهرة تشهد طلبا كبيرا على الدولارات ويقول متعاملون فى بعض البنوك إنهم عجزوا عن تلبية طلب عملائهم عبر القنوات الرسمية على مدى أشهر.

وأفسح عزل مرسى المجال أمام مصر للحصول على مساعدات بمليارات الدولارات من حلفاء الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش فى الخليج- السعودية والكويت والإمارات- رغم اضطرارها لإعادة مليارات أخرى إلى قطر التى دعمت جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها مرسى.

وحافظت السلطات المصرية على سعر صرف الجنيه أمام الدولار فى السوق الرسمية. وتوقف التراجع فى احتياطيات البنك المركزى من النقد الأجنبى والتى اقتربت من مستويات حرجة رغم أنها لا تزال عند نصف مستوياتها قبل الانتفاضة فى أوائل عام 2011.

لكن يبدو أن البنك المركزى لا يزال عاجزا عن توفير كل الدولارات التى يحتاجها الاقتصاد، فى حين يرى كثير من المصريين خطر المزيد من التراجع للجنيه فى المستقبل، ولذا فهم على استعداد لشراء الدولارات بعلاوة كبيرة من السوق السوداء.

وقال محمد أبو باشا الخبير الاقتصادى لدى المجموعة المالية هيرميس والمقيم فى القاهرة "دائما ما يكون هناك نقص فى السوق تتخلله أحيانا هذه العطاءات الكبيرة".

وقدر أبو باشا الفجوة الشهرية بين الطلب على الدولار والمعروض منه فى مصر بما يتراوح بين 500 مليون دولار و700 مليون بافتراض أن النمو الاقتصادى يتراوح ما بين اثنين وثلاثة بالمائة.

ويبلغ السعر الرسمى للجنيه المصرى بين البنوك 6.96 جنيه للدولار، وهو أضعف بنحو 11 بالمئة مقارنة مع مستواه قرب نهاية عام 2012، حين بدأ البنك المركزى نظام العطاءات كسبيل لترشيد استخدام العملة الصعبة وحماية احتياطاته من النقد الأجنبى.

ويتعين على البنوك تداول الدولارات فى نطاقات محددة حول أقل سعر مقبول فى عطاءات البنك المركزى وذلك فى المعاملات بين البنوك وتعاملات الشركات والأفراد مما يعطى السلطات سيطرة كبيرة على أسعار الصرف الرسمية، ولكن عمليا يجد الكثير من الشركات والأفراد المصريين صعوبة فى الحصول على ما يحتاجونه من الدولارات من البنوك التجارية ومن ثم يتجهون إلى تجار السوق السوداء الذين حددوا سعر صرف العملة المصرية حاليا عند حوالى 7.35 جنيه للدولار.

وقد يكون تجار السوق السوداء باعة جائلين يرتدون معاطف جلدية أو رجالا يرتدون سترات أنيقة ويعملون فى مكاتب صرافة فخمة. أما الزبائن فهم رجال أعمال أثرياء وطلاب يدرسون بالخارج ومتقاعدون يريدون حماية قيمة مدخراتهم من التضخم الذى يتجاوز العشرة بالمائة.

ويقول تاجر فى أحد شوارع القاهرة إنه يستطيع جلب ما يصل إلى 100 ألف دولار لعملائه فى غضون أسبوع. وأضاف والابتسامة مرسومة على شفتيه "يمكننى أن أجلب لك مليونا إذا أردت".

هؤلاء التجار يحصلون على كثير من دولاراتهم من المصريين العاملين بالخارج. فتحويلات المغتربين تمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة فى مصر، لكن بعض العاملين يحولون أموالهم إلى أسرهم عبر السوق السوداء التى يحصلون فيها على سعر بالجنيه أكبر مما يمكن أن يحصلوا عليه إذا أرسلوها عبر الحسابات المصرفية والسوق الرسمية.

ويقول تاجر فى مكتب صرافة مرخص قرب شارع عدلى التجارى فى القاهرة إنه يعانى فى تجارته نظرا لأنه يشترى الدولارات بسعر الصرف الرسمى على عكس بعض منافسيه ممن يعملون بالقرب منه. وأضاف "يسألنى الزبون عن سعر الدولار وعندما أقول لهم السعر الرسمى لا يعجبهم وينصرفون".

واتخذت السلطات إجراءات قانونية ضد بعض شركات الصرافة، إذ أغلقت 13 شركة مؤقتا الشهر الماضى، لكن الحملة لم تقترب من حد استئصال السوق السوداء، وقد يرجع السبب فى ذلك إلى إدراك المسئولين أن إغلاق هذه القنوات بالكامل من شأنه أن يسبب المزيد من الصعوبات للأسر والشركات.

وسعى البنك المركزى فى ديسمبر لسد ثغرة بالسوق الرسمية، بعدما نبه البنوك التجارية إلى أنها ملزمة بتداول جميع العملات الأجنبية وليس الدولار وحده بالأسعار الرسمية.

لكن بعض التجار قالوا إن ذلك قد يؤتى بنتائج عكسية بتشجيع البنوك التجارية- التى قد تجد صعوبة أكبر فى جنى مكاسب من مبيعات اليورو- على ادخار العملة الأجنبية، وهو ما من شأنه أن يدفع المزيد من الزبائن إلى السوق السوداء.

ويرى كثير من التجار أن السبيل الوحيد المضمون للقضاء على السوق السوداء هو قيام البنك المركزى بزيادة المعروض من النقد الأجنبى. ودشن البنك فى ديسمبر 2012 نظام العطاءات لوقف إقبال على شراء الدولار.

وبدت السلطات قريبة من تحقيق النجاح فى الأسابيع التى تلت عزل مرسى حين تفجرت مشاعر تفاؤل بخصوص المستقبل السياسى فى مصر أدت على ما يبدو لاجتذاب بعض الأموال إلى البلاد مجددا، وهو ما خفف من حدة نقص الدولار.

وقال أحد التجار إن الفجوة بين السعر الرسمى للعملة الأمريكية وسعرها فى السوق السوداء تقلصت إلى نحو خمسة أو عشرة قروش بعد مزاد كبير لبيع الدولار فى سبتمبر، لكن الفجوة اتسعت مجددا فى الأشهر القليلة الماضية لتصل إلى نحو 40 قرشا، ورغم أنها أصغر منها فى عهد مرسى حين بلغت نحو 90 قرشا، لكنها كبيرة بما يكفى، لتعكس اختلالا كبيرا فى التوازن بين العرض والطلب.

ورغم استقرار ميزان المدفوعات فى مصر بفضل المساعدات الخليجية- حيث جرى التعهد بتقديم 12 مليار دولار فى يوليو، ومن المتوقع قدوم المزيد فى الأشهر القليلة المقبلة- إلا أنها لم تؤد حتى الآن إلى انتعاش فى قطاع السياحة أو عودة قوية لتدفق الاستثمارات المباشرة إلى البلاد.

ويعنى هذا أن الوضع الخارجى للبلاد لا يزال معرضا للخطر، ولا يزال البنك المركزى عاجزا عن ضخ ما يكفى من الدولارات فى سوق العملة الرسمية لتهميش السوق السوداء.

وقال أبو باشا "لا تستقبل السوق جميع المساعدات. فبعضها يدخر فى البنك المركزى لإعادة ملء الاحتياطيات أو سداد ديون خارجية أو ثمن واردات".

وشهدت مصر عجزا كبيرا فى ميزان تجارة السلع والخدمات بلغ 24.9 مليار دولار فى السنة التى انتهت فى يونيو حزيران الماضى بينما يبلغ صافى الاستثمارات المباشرة التى تضخ فى البلاد نحو أربعة مليارات دولار سنويا انخفاضا من نحو ثمانية مليارات دولار قبل انتفاضة عام 2011.

ويؤدى ذلك إلى استمرار الضغط على احتياطيات البنك المركزى من النقد الأجنبى. فحتى مع المساعدات الخليجية ارتفعت الاحتياطيات إلى نحو 17 مليار دولار فقط من 13.4 مليار دولار فى مارس 2013، لكنها تقل كثيرا عن مستواها قبل 2011 حين وصلت إلى حوالى 36 مليار دولار.

وزاد الوضع تعقيدا بسبب التوتر بين مصر وقطر. وفى حين سعدت السعودية والإمارات والكويت بسقوط مرسى، وقدمت مساعدات لمصر بعد عزله تقلص الدعم المالى الذى تقدمه قطر التى كانت قريبة منه.

وقال مصدر بالبنك المركزى المصرى لرويترز، إن مصر ردت ودائع قطرية بقيمة ثلاثة مليارات دولار منذ سبتمبر، وتعتزم رد ثلاثة مليارات أخرى حين يحل أجل سندات بحلول نهاية العام الحالى.

وقال تاجر عملة فى بنك تجارى بالقاهرة "كان هدف البنك المركزى القضاء على السوق السوداء من خلال طرح عدة عطاءات خاصة"، مضيفا أنه ثبتت استحالة ذلك نظرا لرد الودائع القطرية.

ورأى أبو باشا أن من المرجح أن يستمر نقص الدولار ما دامت مصر تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الأجنبية لدعم ميزان المدفوعات. وأضاف "فى ظل مثل هذا الوضع الذى يشهده ميزان المدفوعات لن تختفى السوق السوداء قريبا".

 
أعلى