البورصة».. حكاية مستثمرين أدمنوا الخسارة
حاتم نصرالدين
* متداولون: نأتي للسوق لـ «نتغشمر» ونتحاور ونقضي ساعات النهار
* سقطت ورقة التوت.. ولم يبق معنا شيء
* المتلاعبون استغلوا أحلام الناس.. ويجب إيقافهم فوراً
* بعض المتداولين أصبحوا مع مرور الوقت محللين ماليين
في حين اعتاد قراء الصفحات الاقتصادية على متابعة أخبار سوق الكويت للأوراق المالية، وقيم تداولاتها وحالة مؤشراتها اليومية، تتناول «الكويتية» هذه المرة أحداث السوق من باب آخر، في حين يظل الهدف الأساسي، هو الاقتراب من دائرة المتعاملين النفسية، وطرح التساؤلات حول تداولات المتعاملين المقيمين داخل قاعات السوق، وهل هم رابحون أم خاسرون؟ وهل يملكون الخبرة والمعلومات التي تؤهلهم ليصبحوا مستثمرين في عالم البورصة؟ أم جاءوا للاستعراض الاجتماعي، والتظاهر بأنهم رجال مال وأعمال يعقدون الصفقات ويوقعون العقود ويرتدون النظارات الطبية وهم يشاهدون الأرقام في الشاشات وكشوف الحسابات، أم انهم يجتمعون للدردشة وتناول المشروبات والقضاء على أوقات الملل؟
وفي السطور التالية قصص لرجال جذبهم بريق عالم أسواق المال وصفقاته، ولكن هذه الأحلام جلبت لهم الكوارث.
الربح والخسارة
في قاعات التداول شريحة عريضة من المتداولين، على الرغم من خسارتهم أجزاء كبيرة من رؤوس أموالهم، إلا أنهم لا يعيرون اهتماما للخسارة، ولا يظهر على ملامحهم التأثر بأحداث السوق، على الرغم من شكواهم من سوء الحالة.
أما في الجانب الأيسر، بجوار الباب الرئيسي لقاعة التداول، فيجلس مجموعة من المتداولين، عددهم يتجاوز السبعة أفراد، وأمامهم ثلاث شاشات، بعضهم يتابع السوق، والآخرون يتحدثون في المطلق.. وكل منهم يحمل حقيبة يضعها أمامه ويخرج منها أوراقا وآلة حاسبة وأغراضا مختلفة.. يجلسون ويطلبون السندويتشات والإفطار ويشربون الشاي والقهوة، وتتعالى ضحكاتهم، مع تذكرهم بعض المواقف الطريفة التي حدثت في الديوانية التي جمعتهم ليلة أمس، على الرغم من أن حالة السوق في هذه اللحظات كانت خسائر كبيرة في النقاط.
أبومشاري كان يجلس بجوار هذه المجموعة، وعندما سألناه: هل تربح من استثمارك في البورصة؟ أجاب: البورصة تجارة، مثلها مثل غيرها. قد تأتي أيام وتربح وأيام أخرى وتخسر.. ثم صمت قليلا، وأضاف: لكن المحصلة منذ بدأت الاستثمار في الأوراق المالية منذ عام 2000 وحتى الآن خسارة قوية.
ويكمل أبومشاري: هنا في سوق الكويت قد تربح في يوم 200 دينار، ويأتي السوق ليأخذ منك 2000 دينار، وأشار بيده على المجموعة التي بجوارنا، وقال: جميع الجالسين أمامك خسروا معظم أموالهم.
كما سألناه عن سبب الخسارة، إذا ما كان يعود لأخطائكم أم لأخطاء السوق، فأجاب: نحن نخطئ كثيرا، فأنا بشكل شخصي تأتي أوقات وأحقق أرباحا، ولكنني أخطئ، وأنتظر ولا أبيع، آملاً في التعويض عن خسائري القديمة، لتتحول المكاسب المحققة إلى خسائر، ويضيف متحدثا بصوت منخفض، مشيرا بيده لأعلى، وكأنه سيبلغني عن سر خطير، قائلا: لا يوجد غير مجموعة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة هم الرابحون في هذا السوق، وما عدا ذلك ضحايا.
سألته، وماذا تقصد بإشارتك لأعلى؟ هل تقصد في السماء؟ فأجاب: أقصد الأدوار العليا من مبنى السوق يجلسون في مكاتبهم الخاصة فهم «الأباطرة الكبار».
وأضاف: نحن الآن مثل المحاربين الذين انهكهم القتال، ولم يبق أمامهم سوى الدفاع عن آخر ما نملكه من جيوب أو انتظار الموت، وفي هذه الأثناء ارتفع صوت المجموعة التي تجلس بجوارنا يضحكون على وصف أبومشاري بحالة حرب، فضحك الرجل ونظر إلي، وقال: وهكذا نأتي هنا لـ»نتغشمر» ونتحاور ونقضي ساعات النهار.
ورقة التوت
أبوطلال، متعامل قديم في البورصة، ويملك خبرة جيدة، ولديه ذهن قوي وحاضر على استيعاب الأرقام ونتائج الأعمال.. وغيرها من الأمور، ويقول عن نفسه إنه يتداول بناء عن منهج مدروس، ولكن عند سؤاله، هل ربحت
من عملك في البورصة؟ أجاب بالنفي وبعصبية، قالا: كيف تربح من سوق يفتقد القوانين، وتحكمه قانون الغابة؟ فالكبار يدهسون الصغار، وأكمل: نحن الموجودين في قاعة التداول السواد الأعظم. ليس بيننا أثرياء كبار لديهم القدرة على تحمل الخسارة، فكل منا باع من أغراضه أو اقترض للعمل في البورصة.
وأضاف: «الآن سقطت ورقة التوت عن الجميع، ولم يبق معنا شيء، ومن خلالكم نناشد السادة المسؤولين التدخل، لإيقاف هذا السيل من المصائب، فنحن لم نعد قادرين على التحمل، فما يحدث تكسير عظام، وطالب هيئة أسواق المال بأن تحقق العدالة بالقضاء على المتلاعبين الحقيقين الذين استغلوا أحلام الناس، مؤكدا أن إغلاق الشركات عقاب للمساهم، وليس للمالك».
خليط بشري
وداخل سوق الأوراق المالية خليط بشرى متنوع يحمل جنسيات مختلفة، وأيضا طباعا مختلفة، ولكنهم يجتمعون على
صفة واحدة وحصة، كونهم من صغار المستثمرين، ومن هؤلاء وافد من جنسية عربية كبير في العمر، حتى أن المتداولين يلقبونه بـ»جدو».. وانفعالات هذا الرجل كوميدية وحركته مستمرة، وتقريبا يجلس بجوار معظم المتداولين، رغبة منه في أخذ معلومة عن سهم معين، وخسائره في البورصة جعلته يصاب بحالة هستيرية، فهو لا يترك رجلا يتحدث عن البورصة بشكل منظم إلا وسأله عن الحل في هذا السوق.. تحدثنا معه فقال: الخسائر كبيرة، ولما سألناه عن السبب، لم يهتم بالسؤال، فسألناه لماذا تأتي هنا وأنت تخسر؟ لم يجب عن السؤال، ولم ينظر إلي، وتركنا وغادر.
ومن جهة أخرى، أصبح بعض المتداولين مع مرور الوقت بمنزلة محللين ماليين للسوق، حتى أن المتعاملين يذهبون
إليهم، ليأخذوا توصيات عن خطة اليوم.
وقال «لا أستطيع أن أترك السوق، لأنني أصبحت متورطا، فأنا أعمل لحساب أشخاص آخرين من الأقارب والأصدقاء، بالإضافة إلى حسابي الشخصي، وفي الوقت الحالي أعمل في السوق الآجل، بعد أن تقلصت رؤوس الأموال، فتضاعفت الخسائر». وأضاف: «يمكنك أن تقول عني إنني مدمن بورصة».
ثقافة الهزيمة
في النهاية قد يكون هؤلاء المتداولون خسروا أموالهم، وقد تكون البورصة أكسبتهم ثقافة الهزيمة، والخسارة جعلت منهم مغامرين يشعرون بالضعف تجاه الكبار وينامون على أمل أن يصبحوا مثل الكبار، لكن لو دققنا النظر للحظة، سنجد المشهد مختلفا، فهم سعداء، على الرغم من ادعائهم غير ذلك، والسبب أنهم استطاعوا من خلال البورصة أن يتوصلوا لبرنامج يومي يقضي على الفراغ والملل.
حاتم نصرالدين
* متداولون: نأتي للسوق لـ «نتغشمر» ونتحاور ونقضي ساعات النهار
* سقطت ورقة التوت.. ولم يبق معنا شيء
* المتلاعبون استغلوا أحلام الناس.. ويجب إيقافهم فوراً
* بعض المتداولين أصبحوا مع مرور الوقت محللين ماليين
في حين اعتاد قراء الصفحات الاقتصادية على متابعة أخبار سوق الكويت للأوراق المالية، وقيم تداولاتها وحالة مؤشراتها اليومية، تتناول «الكويتية» هذه المرة أحداث السوق من باب آخر، في حين يظل الهدف الأساسي، هو الاقتراب من دائرة المتعاملين النفسية، وطرح التساؤلات حول تداولات المتعاملين المقيمين داخل قاعات السوق، وهل هم رابحون أم خاسرون؟ وهل يملكون الخبرة والمعلومات التي تؤهلهم ليصبحوا مستثمرين في عالم البورصة؟ أم جاءوا للاستعراض الاجتماعي، والتظاهر بأنهم رجال مال وأعمال يعقدون الصفقات ويوقعون العقود ويرتدون النظارات الطبية وهم يشاهدون الأرقام في الشاشات وكشوف الحسابات، أم انهم يجتمعون للدردشة وتناول المشروبات والقضاء على أوقات الملل؟
وفي السطور التالية قصص لرجال جذبهم بريق عالم أسواق المال وصفقاته، ولكن هذه الأحلام جلبت لهم الكوارث.
الربح والخسارة
في قاعات التداول شريحة عريضة من المتداولين، على الرغم من خسارتهم أجزاء كبيرة من رؤوس أموالهم، إلا أنهم لا يعيرون اهتماما للخسارة، ولا يظهر على ملامحهم التأثر بأحداث السوق، على الرغم من شكواهم من سوء الحالة.
أما في الجانب الأيسر، بجوار الباب الرئيسي لقاعة التداول، فيجلس مجموعة من المتداولين، عددهم يتجاوز السبعة أفراد، وأمامهم ثلاث شاشات، بعضهم يتابع السوق، والآخرون يتحدثون في المطلق.. وكل منهم يحمل حقيبة يضعها أمامه ويخرج منها أوراقا وآلة حاسبة وأغراضا مختلفة.. يجلسون ويطلبون السندويتشات والإفطار ويشربون الشاي والقهوة، وتتعالى ضحكاتهم، مع تذكرهم بعض المواقف الطريفة التي حدثت في الديوانية التي جمعتهم ليلة أمس، على الرغم من أن حالة السوق في هذه اللحظات كانت خسائر كبيرة في النقاط.
أبومشاري كان يجلس بجوار هذه المجموعة، وعندما سألناه: هل تربح من استثمارك في البورصة؟ أجاب: البورصة تجارة، مثلها مثل غيرها. قد تأتي أيام وتربح وأيام أخرى وتخسر.. ثم صمت قليلا، وأضاف: لكن المحصلة منذ بدأت الاستثمار في الأوراق المالية منذ عام 2000 وحتى الآن خسارة قوية.
ويكمل أبومشاري: هنا في سوق الكويت قد تربح في يوم 200 دينار، ويأتي السوق ليأخذ منك 2000 دينار، وأشار بيده على المجموعة التي بجوارنا، وقال: جميع الجالسين أمامك خسروا معظم أموالهم.
كما سألناه عن سبب الخسارة، إذا ما كان يعود لأخطائكم أم لأخطاء السوق، فأجاب: نحن نخطئ كثيرا، فأنا بشكل شخصي تأتي أوقات وأحقق أرباحا، ولكنني أخطئ، وأنتظر ولا أبيع، آملاً في التعويض عن خسائري القديمة، لتتحول المكاسب المحققة إلى خسائر، ويضيف متحدثا بصوت منخفض، مشيرا بيده لأعلى، وكأنه سيبلغني عن سر خطير، قائلا: لا يوجد غير مجموعة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة هم الرابحون في هذا السوق، وما عدا ذلك ضحايا.
سألته، وماذا تقصد بإشارتك لأعلى؟ هل تقصد في السماء؟ فأجاب: أقصد الأدوار العليا من مبنى السوق يجلسون في مكاتبهم الخاصة فهم «الأباطرة الكبار».
وأضاف: نحن الآن مثل المحاربين الذين انهكهم القتال، ولم يبق أمامهم سوى الدفاع عن آخر ما نملكه من جيوب أو انتظار الموت، وفي هذه الأثناء ارتفع صوت المجموعة التي تجلس بجوارنا يضحكون على وصف أبومشاري بحالة حرب، فضحك الرجل ونظر إلي، وقال: وهكذا نأتي هنا لـ»نتغشمر» ونتحاور ونقضي ساعات النهار.
ورقة التوت
أبوطلال، متعامل قديم في البورصة، ويملك خبرة جيدة، ولديه ذهن قوي وحاضر على استيعاب الأرقام ونتائج الأعمال.. وغيرها من الأمور، ويقول عن نفسه إنه يتداول بناء عن منهج مدروس، ولكن عند سؤاله، هل ربحت
من عملك في البورصة؟ أجاب بالنفي وبعصبية، قالا: كيف تربح من سوق يفتقد القوانين، وتحكمه قانون الغابة؟ فالكبار يدهسون الصغار، وأكمل: نحن الموجودين في قاعة التداول السواد الأعظم. ليس بيننا أثرياء كبار لديهم القدرة على تحمل الخسارة، فكل منا باع من أغراضه أو اقترض للعمل في البورصة.
وأضاف: «الآن سقطت ورقة التوت عن الجميع، ولم يبق معنا شيء، ومن خلالكم نناشد السادة المسؤولين التدخل، لإيقاف هذا السيل من المصائب، فنحن لم نعد قادرين على التحمل، فما يحدث تكسير عظام، وطالب هيئة أسواق المال بأن تحقق العدالة بالقضاء على المتلاعبين الحقيقين الذين استغلوا أحلام الناس، مؤكدا أن إغلاق الشركات عقاب للمساهم، وليس للمالك».
خليط بشري
وداخل سوق الأوراق المالية خليط بشرى متنوع يحمل جنسيات مختلفة، وأيضا طباعا مختلفة، ولكنهم يجتمعون على
صفة واحدة وحصة، كونهم من صغار المستثمرين، ومن هؤلاء وافد من جنسية عربية كبير في العمر، حتى أن المتداولين يلقبونه بـ»جدو».. وانفعالات هذا الرجل كوميدية وحركته مستمرة، وتقريبا يجلس بجوار معظم المتداولين، رغبة منه في أخذ معلومة عن سهم معين، وخسائره في البورصة جعلته يصاب بحالة هستيرية، فهو لا يترك رجلا يتحدث عن البورصة بشكل منظم إلا وسأله عن الحل في هذا السوق.. تحدثنا معه فقال: الخسائر كبيرة، ولما سألناه عن السبب، لم يهتم بالسؤال، فسألناه لماذا تأتي هنا وأنت تخسر؟ لم يجب عن السؤال، ولم ينظر إلي، وتركنا وغادر.
ومن جهة أخرى، أصبح بعض المتداولين مع مرور الوقت بمنزلة محللين ماليين للسوق، حتى أن المتعاملين يذهبون
إليهم، ليأخذوا توصيات عن خطة اليوم.
وقال «لا أستطيع أن أترك السوق، لأنني أصبحت متورطا، فأنا أعمل لحساب أشخاص آخرين من الأقارب والأصدقاء، بالإضافة إلى حسابي الشخصي، وفي الوقت الحالي أعمل في السوق الآجل، بعد أن تقلصت رؤوس الأموال، فتضاعفت الخسائر». وأضاف: «يمكنك أن تقول عني إنني مدمن بورصة».
ثقافة الهزيمة
في النهاية قد يكون هؤلاء المتداولون خسروا أموالهم، وقد تكون البورصة أكسبتهم ثقافة الهزيمة، والخسارة جعلت منهم مغامرين يشعرون بالضعف تجاه الكبار وينامون على أمل أن يصبحوا مثل الكبار، لكن لو دققنا النظر للحظة، سنجد المشهد مختلفا، فهم سعداء، على الرغم من ادعائهم غير ذلك، والسبب أنهم استطاعوا من خلال البورصة أن يتوصلوا لبرنامج يومي يقضي على الفراغ والملل.