وقفة مع آية النور‏

navy gator

عضو نشط
التسجيل
22 نوفمبر 2010
المشاركات
1,119

5257776565693-thumb2.jpg

تلكم وقفة إيمانية مع آية ربانية مباركة , جمعت الخير من أطرافه , ونبهت إلى الهدى واصوله , وساقت الدلالة بأروع مثال , وبينت المعنى بأفصح بيان , قارئها لايمل , وذاكرها لا يسأم , ومتعلمها لاينضب معينه , وكذا كتاب الله كله , منهاج المؤمنين , وصراط الصالحين , وحياة التقوى والهدى والنور , نحاول أن نقف لحظات , فنتزود بزاد من التقى والإيمان .
قال الله تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
[النور:35- 38].
* أولا : تفسير المعاني (1)كمشكاة: يعني كوة, وهي الكوة تكون في الجدار يوضع فيها المصباح لتعكس النور.
دري: يعني مضيء كالدر.

لا شرقية ولا غربية: يعني لا هذا فقط ولا هذا فقط فتصيبها الشمس أول النهار وآخره كزيتون الشام.
يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور: يعني من صفائه يكاد أن يضيء, فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة, فيكون نور على نور هو نور النار ونور الزيت.


* ثانيا : وقفة مع المعاني:قال الإمام ابن القيم: "قال أبي بن كعب: مثل نوره: "يعني نوره في قلب عبده المؤمن", فضرب الله مثله فقال {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} فبدأ بنور نفسه ثم ذكر نور المؤمن فقال: مثل نور من آمن به (2)
قال ابن كثير (3) : كان أبي بن كعب يقرؤها: "مثل نور من آمن به", فهو المؤمن, جعل الله الإيمان والقرآن في صدره وهو قول ابن عباس ورواه عنه سعيد بن جبير وقيس بن سعد.
قال ابن كثير: وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: (اللهم لك الحمد, أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن...).
قـال: وقولـه "مثل نوره" أي مثل هداه في قلب المؤمن أو مثل نور المؤمن الذي في قلبه كمشكاة... فشبه قلب المؤمن بالقنديل من الزجاج الشفاف, وما يستمد به من القرآن والشرع بالزيت الجيد الصافي المشرق المعتدل الذي لا كدر فيه ولا انحراف.
قال ابن القيم: وهذا هو النور الذي أودعه الله في قلب عبده من معرفته ومحبته والإيمان به وذكره, وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس وأصله في قلوبهم, ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم, بل وثيابهم ودورهم, يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق منكرًا, فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بأيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه" (4)


قوله عز وجل: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة}, ذكرنا أن المشكاة هي الكوة في الجدار وهي في المثال صدر المؤمن والزجاجة هي قلب المؤمن الذي يحتوي على النور الذي به يهتدي المؤمن, فيرى الأشياء على حقائقها ويسير على هدى من ربه بسبب هذا النور.
قال الإمام: وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلاً بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر, وفي تلك المشكاة زجاجة من أصفى الزجاج وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضه وصفائه وهي مثل القلب, وشبهها بالزجاجة لأنها جمعت أوصافًا هي في قلب المؤمن, وهي الصفاء والرقة والصلابة, فيرى الحق والهدى بصفائه, وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته؛ ويجاهد أعداء الله تعالى ويشتد في الحق بصلابته, ولا تبطل صفة منه صفة أخرى ولا تعارضها, بل تساعدها وتعاضدها
قوله عز وجل: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}...


ثم هذه الزجاجة - أي هذا القلب الذي يحتوي النور - مثل الكوكب المضيء الذي يشبه الدر لشدة ضيائه وصفائه, ونلاحظ أنه سبحانه دمج الكلام عن الزجاجة ومصباحها - أي القلب ونوره - بأن شبه الجميع بالكوكب الدري؛ فالسراج مضيء, والزجاجة نفسها مضيئة لصفائها ونقائها..(5)

قوله عز وجل: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ}.
قال ابن القيم:
"وفي الزجاجة مصباح وهو النور الذي في الفتيلة وهي حاملته ولذلك النور مادة... وهو زيت قد عصر من زيتون في أعدل الأماكن, تصيبها الشمس في أول النهار وآخره فزيتها من أصفى الزيت وأبعده عن الكدر حتى إنه ليكاد من صفائه يضيء بلا نار, فهذه مادة نور المصباح, وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن هي من شجرة الوحي التي هي أعظم الأشياء بركة وأبعدها من الانحراف, بل هي أوسط الأمور وأعدلها وأخفها... ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه حتى كاد أن يضيء بنفسه ثم خالط النار فاشتدت بها إضاءته وقويت مادة ضوئه النارية, كان ذلك نورًا على نور... فليتأمل اللبيب هذه الآية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة" (6)


فإذن هذا المصباح الذي في الزجاجة أو النور الموجود في قلب المؤمن {يُوقَدُ} من شجرة مباركة أي كثيرة المنافع عظيمة القدر {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} فهي شجرة ليست من المشرق ولا من المغرب.
والزيتونة هنا هي شريعة الله سبحانه وتعالى, فهي لا شرقية ولا غربية بل هي ربانية خالصة, و{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}... نقاء وصفاء, وإنه ليتلألأ حتى إنه ليكاد يضيء من غير نار.

فما أعظم نورانية هذه الشريعة التي تمد نور القلب, وما أعظم نور هذا القلب الذي يستمد نورانيته من شريعة هذا شأنها { نُورٌ عَلَى نُورٍ }... لأن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أجمع لنوره, والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة وكذلك صفاء الزيت ونقاؤه وتلألؤه.

قال ابن كثير: { نُورٌ عَلَى نُورٍ }: "نور النار ونور الزيت حين اجتمعا أضاءا ولا يضيء واحد بغير صاحبه, كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين اجتمعا فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه"

قال في الظلال :" وما يكاد نور القرآن ونور الإيمان يجتمعا حتى لكأن النور الهادئ الوضيء يفيض فيغمر الكون كله, ويفيض على المشاعر والجوارح وينسكب في الحنايا والجوانح وحتى لكأن الكون كله يسبح في فيض النور الباهر, وحتى تعانقه وتشرفه العيون والبصائر وتشف القلوب وترف الأرواح, ويتجرد كل شيء من كثافته وثقله, فإذا هو انطلاق ورفرفة ولقاء ومعرفة وامتزاج وألفة وفرح وحبور, وإذا الكون كله - بنور شريعته سبحانه - طليق من القيود والحدود تتصل فيه السماوات بالأرض, والأحياء بالجمادات, والبعيد بالقريب, وتلتقي فيه الشعاب والدروب والطوايا والظواهر والحواس والقلوب".

{ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ممن يفتحون قلوبهم لنور شريعته, فحيثما توجه القلب يريد نور الهدى وصدق وأخلص - ونسأل الله ذلك - هداه إليه, والله سبحانه يهدي لنوره من يشاء.

قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُه}:
قال ابن كثير: "لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب ذكر محلها وهي المساجد"


ومن هنا ندرك أن نقطة الانطلاق في التربية الإيمانية العالية هي المساجد؛ تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع, فهي مرفوعة قائمة وهي مطهرة رفيعة يتناسق مشهدها المرفوع مع نور الإيمان, وتتناسق طبيعتها الرفيعة مع طبيعة النور السني الوضيء, وتتهيأ بالرفعة والارتفاع لأن يذكر فيها اسم الله, وتتسق معها القلوب الوضيئة الطاهرة المسبحة الواجفة المصلية الذاكرة, قلوب الرجال الذين {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاة} فحق لهذه البيوت أن تكون منطلق الخير والنور.
• ثالثا : من المستفاد من الآيات: (7)1- أن الطريق إلى سلامة القلب ونورانيته هو العمل بهذه الشريعة, والاستمداد من هذا القرآن معاني توحيد الله سبحانه وعبادته والإخلاص له والجهاد في سبيله.
2- أن الله سبحانه جعل لكل عمل من أعمال الشريعة أثرًا نورانيًا في القلب, فكل عمل يخلف في القلب نورًا, وبزيادة الأعمال الصالحة تزداد نورانية القلب, والعمل الصالح هو المخلص لله المتبع لنبيه صلى الله عليه وسلم
3- أن التربية المسجدية لها مقام عال من الأهمية, وأن الانطلاقة الإيمانية الصحيحة هي التي تبدأ من المسجد.
4- ذكرت لنا الآيات ماهية الأعمال التي تؤثر في القلب فتنيره وهي التسبيح والذكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخوف من اليوم الآخر.
5- ذكر الله سبحانه من شيم أهل النور أنهم لا يشتغلون بتجارة ولا بيع ولا دنيا ولا كسب مال ولا متاع عن ذكر الله سبحانه, وعن المسارعة للأعمال الصالحة والأجر والثواب, وعن الصلاة في المساجد في جماعة, وعن إخراج الزكاة من أموالهم, وأنهم حال كونهم يعملون هذه الصالحات يخافون ربهم سبحانه وتعالى ويعدون العدة ليوم الحساب.
6- ثم بين سبحانه أنه سيتكرم على هؤلاء الرجال فقال سبحانه: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.


__._,_.___
منقول
 
أعلى