الاقتصادية - 20 مايو , 2012
الكاتب: نورييل روبيني
منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، خفض البنك المركزي الأوروبي تحت قيادة رئيسه الجديد ماريو دراجي أسعار فائدته وأخذ على عاتقه ضخ دفعتين من السيولة تجاوزت قيمتهما تريليون يورو إلى النظام المصرفي في منطقة اليورو، ولقد أدى هذا إلى انخفاض مؤقت للضغوط المالية التي تواجه الدول التي تهددها مخاطر الديون والواقعة على المحيط الخارجي لمنطقة اليورو (اليونان، إسبانيا، البرتغال، إيطاليا، وإيرلندا)، فانخفض بشكل حاد خطر هروب السيولة من النظام المصرفي في منطقة اليورو، وانخفضت تكاليف التمويل بالنسبة إلى إيطاليا وإسبانيا بعد المستويات غير القابلة للاستمرار التي بلغتها في الخريف الماضي.
وفي الوقت نفسه تجنبت اليونان التخلف الفني عن سداد ديونها، وعملت على تنفيذ عملية ناجحة لإعادة هيكلة لديونها العامة، ولو أنها كانت عملية قسرية، وبث الاتفاق المالي الجديد ـ والحكومات الجديدة في اليونان وإيطاليا وإسبانيا ـ الأمل في الالتزام الموثوق بالتقشف والإصلاح البنيوي. وكان القرار القاضي بالجمع بين صندوق إنقاذ منطقة اليورو الجديد (آلية الاستقرار الأوروبي) والصندوق القديم (مرفق الاستقرار المالي الأوروبي) سبباً في زيادة حجم جدار الحماية في منطقة اليورو إلى حد كبير.
ولكن شهر العسل الذي أعقب ذلك مع الأسواق كان قصيرا، فقد بدأت الفوارق في أسعار الفائدة بالنسبة لإيطاليا وإسبانيا في التباعد من جديد، في حين ظلت تكاليف الاقتراض بالنسبة للبرتغال واليونان مرتفعة طيلة الوقت. ومن المؤكد أن الركود في الدول الواقعة على أطراف منطقة اليورو يزداد عمقاً ويتحرك باتجاه القلب، وبالتحديد باتجاه فرنسا وألمانيا. والواقع أن الركود سيتفاقم سوءاً طيلة هذا العام، لأسباب عديدة، الأول أن التقشف المالي المباشر ـــ ولو أنه ضروري ــــ يعمل على التعجيل بالانكماش، مع تسبب زيادة الضرائب وانخفاض الإنفاق الحكومي ومدفوعات التحويل في الحد من الدخل المتاح والطلب الكلي، فضلاً عن ذلك، فمع تعمق الركود وما ينتج عن ذلك من اتساع العجز المالي، سيتطلب الأمر جولة أخرى من التقشف، والآن وبفضل الاتفاق المالي، فإن حتى بلدان القلب في منطقة اليورو ستضطر إلى التقشف الانكماشي المباشر.
علاوة على ذلك، وفي حين تستطيع ألمانيا القادرة على المنافسة أن تتحمل اليورو عند مستوى 1,3 دولار ــــ أو حتى عند مستوى أقوى ــــ فإن قيمة سعر الصرف بالنسبة لدول منطقة اليورو الطرفية، حيث ارتفعت تكاليف وحدة العمل بنسبة 30 إلى 40 في المائة أثناء الأعوام العشرة الماضية، لا بد أن تنخفض إلى مستوى التكافؤ مع الدولار الأمريكي، حتى يتسنى لهذه الدول أن تستعيد القدرة على المنافسة والتوازن الخارجي. وعلى أي حال، ففي ظل عملية تقليص الديون المؤلمة ــــ الإقلال من الإنفاق وزيادة المدخرات من أجل خفض الديون ـــ التي تعمل على كبح الطلب المحلي العام والخاص، فإن الأمل الوحيد في استعادة النمو يتلخص في تحسن الميزان التجاري، وهو الأمر الذي يتطلب يورو أضعف كثيرا.
ومن ناحية أخرى، تشتد أزمة الائتمان في دول منطقة اليورو الطرفية: فبفضل القروض الرخيصة الطويلة الأجل التي قدمها البنك المركزي الأوروبي، لم تعد البنوك هناك تعاني مشكلة مع السيولة الآن، ولكنها تفتقر بشدة إلى رؤوس الأموال. وفي مواجهة الصعوبة المتمثلة في محاولة تلبية متطلب نسبة رأس المال (9 في المائة)، فإن هذه البنوك تستطيع تحقيق الهدف من خلال بيع الأصول وتقليص الائتمان ــــ وهذا ليس بالسيناريو المثالي للتعافي الاقتصادي.
ولكي يزيد الطين بلة فإن منطقة اليورو تعتمد على الواردات من النفط بدرجة أعلى حتى من الولايات المتحدة، وأسعار النفط تواصل الارتفاع، حتى مع تدهور البيئة السياسية. فقد تنتخب فرنسا رئيساً يعارض الاتفاق المالي، بل وقد تخيف سياساته أسواق السندات. والانتخابات في اليونان ــ حيث يتحول الركود إلى كساد ــ قد تمنح 40 إلى 50 في المائة من الأصوات الشعبية لأحزاب تفضل التخلف الفوري عن سداد الديون والخروج من منطقة اليورو. وقد يرفض الناخبون الإيرلنديون الاتفاق المالي في استفتاء عام. وهناك من العلامات ما يشير إلى الإجهاد بسبب التقشف والإصلاح في كل من إسبانيا وإيطاليا، حيث تتصاعد حدة المظاهرات والإضرابات والاستياء الشعبي إزاء التقشف المؤلم.
وفي غياب السياسة النقدية الأقل تشدداً والتقشف المالي الأقل مباشرة، فإن اليورو لن يضعف، ولن يصبح في الإمكان استعادة القدرة التنافسية الخارجية، وسيتفاقم الركود. ومن دون استئناف النمو ــ ليس بعد أعوام، بل خلال عام 2012 ــ فإن الاختلال في توازن المخزون والتدفقات المالية سيصبح أقل قابلية للاستمرار. وستضطر دول أخرى في منطقة اليورو إلى هيكلة ديونها، وفي النهاية قد تقرر بعض هذه الدول الانسحاب من الاتحاد النقدي