فضل
عضو مميز
يقول احدهم ..
عليك أن تتخلص من الحياة المعقدة وتبدأ حياتك السهلة البسيطة
بلا كلفة ولا مشقة
وأقربها جيبك فتبدأ بتنظيفه من الأوراق الزائدة والفواتير التالفة
ثم تأتي إلى مكتبك فتقوم بعملية ترتيب وتنظيم من جديد فتتخلّص من الأجهزة المعدومة والصكوك القديمة والعقود المنتهية والملفات المحفوظة من عهد عادٍ وثمود
وتعود إلى بيتك فتتخلّص من الأثاث القديم المركون تحت الدرج وجنبات الأسياب وتعطيه الفقراء الذين يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء وتخفف من الأثاث الفخم الذي أشغلت به نفسك وأهلك وضيوفك وتضع كل شيء في محلّه
وتخفف من التحف والصور والبراويز والمزهريات والهدايا والخرائط وشجر الأنساب الذي يلحقك بحمير ومضر الحمراء ومعد بن عدنان
ثم تعود إلى معدتك فتحاول أن تحجمّها ما استطعت ولا تهدد بها عباد الله
عند السلام والعناق والضم والاحتضان بقلّة الأكل وترتيب الوجبات وتناول الفواكه والخضروات
ثم تمر على طريقك بجسمك المرهّل فتشدّه بالرياضة والمشي ، لتعيش الحياة في أبهى صورها..
ثم تنظّم علاقاتك الاجتماعية فلا تفتح ديوان الصداقة على مصراعيه وكلما لقيت شخصاً ولو كان ثقيلاً بارداً سامجاً مهبولاً مخبولاً اتخذته صديقاً وطلبت التواصل به لتضيف لحياتك هماً إلى هم وغماً إلى غم فمن أكثر من الأصدقاء فقد أكثر من الغرماء
ثم تنتهي من الفوضى الاجتماعية التي نعيشها نحن الخليجيين في أبهى صورها،وهي حضور كل مناسبة وحفل وعزاء وزواج وعقيقة وتميمة ومهرجان ،حتى لو كان بمناسبة افتتاح مدرسة ابتدائية ليلية بمحو الأميّة بالصمّان أو بالربع الخالي
وحضور الاجتماعات التي لا تنتهي والتي تثمر الضغط والسكري والجلطة
ونزيف الدماء والشلل النصفي مع ضياع الوقت طبعاً والعقل والصحة والمال والراحة ..
دعنى أقول لك : كلما ترفّه الجسم تعقّدت الروح
ياأخى اقنعنى : ما الداعي لتجميع عشرات البدلات والفنايل والقبّعات والأحذية ؟
ولماذا تجمع لباس الصيف والشتاء والخريف والربيع مرةً واحدة
وصاحب الثوب أسعد بالحياة من صاحب الثوبين ؟
ونحن نظن أننا إذا أكثرنا من الملابس والكنبات والأحذية والغتر والتحف
أننا سوف نسعد أنفسنا ونبهج خواطرنا ، والصحيح أننا نعقّد حياتنا وندخل الهم والغم على أرواحنا ..
فقد اكتشف الصديق العزيز أبو الطيب المتنبي هذه النظرية فقال :
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته
ما قاته وفضول العيش أشغالُ
والشاهد : (وفضول العيش أشغالُ) فكل زائد على حاجتك همٌ وغمٌ ونكد
قبل عشر سنوات رأيت الرئيس الأمريكي السابق بوش الأب العجوز العاقل المحنّك وقد سافر
إلى جزيرة بشرق آسيا ومعه حقيبة ملابسه يحملها على كتفه..
يقول المعلّق : هذا كل ما لديه في هذا السفر ، وهذا دليل على أن هذا الداهيةالذي حكم الولايات المتحدة الأمريكية بل قاد العالم قد اكتشف الحياة وعرف كيف يعيش
لكن المصيبة عند الذين لم يكتشفوا الحياة المادية والمدنية والرقي الحضاري الدنيوي ثم دخلوا في هذا العالم فجأة فصاروا كما قال أحد الفلاسفة العباقرة الكبار : (عنـز بدو طاحت في مريس)
مشكلتنا أننا طبينا في التمدّن فجأة ودخلنا في التحضر بغتة كالجائع المهبول الذي أشرف على الموت ثم أُدخل على مأدبة فيها كل ما لذّ وطاب فأخذ يأكل باليمين والشمال
كنتُ قبل سنة أتعالج في باريس وبينما نتناول طعام الغداء في أحد المطاعم وإذا بصاحبي المترجم المصري يشير إلى رجل جالس قريباً منا على طاولة أخرى وإذا هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يتناول الغداء مع صاحبه بلا مرافقين ولا خدم ولا حشم ولا حراسة بل ببساطة وهدوء مع العلم أنه كان يحكم دولةً كبرى نووية تعطّل متى شاءت قرار مجلس الأمن وكانت تحكم ثلث الكرة الأرضيّة ، بينما تجد عندنا من تعقيد الحياة
والتكلّف في المعيشة وفي الطرق الاجتماعية ما يفوق الوصف
فيا إخوتي الكرام تعالوا لحياةٍ بسيطة سهلة ميسّرة فالعمر قصير والزمن يطوينا طياً والوقت ليس بأيدينا
والمال ليس معنا دائماً والظروف قد تكون ضدنا ونحن في رحلة استجمام في هذه الحياة وقريباً سوف نغادر
فقد حُجزت المقاعد وأُعلن موعد الإقلاع واقترب الوعد الحق
ويكفيك ما تراه في آبائك وأجدادك من كثرة توديع الأحياء
فهيا نخفف على أنفسنا من التعقيد والتشديد والتكلّف والتشخيص ويسروا ولا تعسروا
والله معكم ..